هيئة الحساب والعقاب الإخوانية في مصر |
كنت اختلس أحياناً بعض النظرات إلي صديقي هذا وهو شارد الذهن متعمقاً في حوار داخلي بين طيات أغواره فتطلعت إليه مٌتسائلاً
ــ لماذا كل هذا العبوس صديقي ؟!!
ــ لا شيء ..... هل أنت مٌتابع لما يحدث في مصر الآن ؟!!
ــ نعم إلي حداً ما صديقي
تطلع إلي قليلاً كأنه يتأمل ملامحي وهو صامت , يرغب أن يشاركني في الحوار الذي يدور بداخله قائلاً :
ــ ما هي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلك التي يتحدثون عنها في كل القنوات الفضائية والجرائد؟!! فأجبته بثقة حيث تقمصت شخصية ذلك الخبير السياسي الذي يلهث ليظهر في كل تلك البرامج المٌنتشرة والتي تعيش على تلك الحكايات المُنتشرة في كل مكان سواء كانت مُهمة أو تافه قائلاً :
ــ إنها هيئة حكومية في المملكة السعودية لها قوانينها وتشريعاتها والهدف منها الحد من الظواهر السلبية في المجتمع والمحافظة على آداب البيع والشراء أثناء الصلاة وكل دورهم هو التنبيه أو تحرير مخالفة فقط علي ما اعتقد
فتطلع صديقي إلي متعجباً حيث ظهرت علامات الاندهاش علي تقاسيم وجهه قائلاً :
ــ وماذا عن فرعها في مصر صديقي ؟!!
تعجبت من كلماته وكأنني لأول مّرة اسمع تلك العبارة في ذلك الصباح فأجبته بثقة شديدة والغرور يملأ أغواري قائلاً :
ــ ليس لها فرع في مصر لأن النظام في السعودية مختلف تماماً عما يحدث في مصر أما ما يحدث في مصر فهذه ظاهرة من شباب وجماعات متشددة يستخدمون القوة والعنف لتطبيق أفكارهم على المجتمع المصري والدليل علي ذلك الشاب الذي قتل علي أيدي بعض شبابهم المتشدد منذ فترة قصيرة
اغمض صديقي عينيه واطلق الكثير من الدخان في العنان كأنه ينفث عما بداخله من ضيق وقلق ورعب ثم بدا كأنه يحدث نفسه بصوتاً عالي ويخبرني في نفس الوقت عما حدث داخل منزله بالأمس قائلاً :
ــ كنت اقرأ الجريدة بالأمس وكان العنوان الرئيسي مقتل شاب على أيدي جماعات متشددة تطلق على نفسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافزعني ما حدث من عملية القتل تلك البشعة شاب في ريعان الشباب يقف مع فتاة سواء كانت خطيبته أم لا فهذا لا يعني قتله بدماء بارد وتخيلت أنه ابني فماذا أفعل ؟!!
في تلك اللحظات كانت زوجتي تتطلع إلي وأنا شارد هكذا اتخيل ماذا حدث لهذا الشاب حيث أيقظتني من تلك الغيمة قائله :
ــ ماذا بك أيها الرجل ؟!! ...... هل تحدث نفسك مثل المجاذيب ؟!!
أجبتها والهموم قد تكاثرت في ذهني بين خيالاتي وأوهامي التي تفاعلت مع ما قرأته قائلاً :
ــ كل شيء في الوطن سوف يتبدل به الحال من الآن فصاعدا, سوف يلازمني القلق والخوف دائماً زوجتي, سيكون النقاب الأسود بأشكاله و التي لا اعلم عنه شيئاً هو الثياب الرسمي لك من الآن فصاعداً وبالتالي لن اتعرف عليك خارج نطاق هذا المنزل وهذه مُشكلة في حد ذاتها, من الآن فصاعدا ودع كل ثيابك القديمة واعلمي جيداً لن يبدو منكِ شيء سوي عيناكِ فلا داعي لأدوات الزينة حتي من باب التوفير, لن تستطيعين الخروج معي إلا وقد أخذنا تدبيرنا من صورة من وثيقة الزواج ومن ورائنا يسير على بضع خطوات اثنان من الموظفين الحكوميين ومعهم مٌصحف حتى يشهدوا ويحلفون أننا زوجيين أمام الله وأمام الحكومة وصور عائلية كإثبات أن هنالك أطفال بيننا وهذا لا يمنحك الحق في أن يسمح لكِ بتاتاً بأنكِ تمسكين يدي لأنه لم يثبت في كتب التراث أن هناك زوجة امسكت بيد زوجها أثناء عبور الطريق خوفاً من العربات معاذ اللّه
ــ ولما كل هذا ؟!! ..... ماذا حدث؟!!
ــ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر لا ترحم لقد قتلوا شاب لأنه يقف يتكلم مع خطيبته في الطريق العام فما بالك عندما يقبضون علينا وأنت ممسكة بيدي أو تضعين مساحيق تجميل أو الطامة كبري عندما ترتدين ثياب ضيقة قليلاً, ماذا سوف يفعلون بنا ؟!! .... من المؤكد أنهم في أهون الأحوال يضعونني على ظهر حمار ويطلقون الحمار في كل أنحاء البلدة والأطفال يسيرون من ورائي يقذفونني بالحجارة, وربما يتم رجمك في ميدان عام لتكون عبرة لغيرك
ابتسمت زوجتي ابتسامة عريضة تنم على ثقة بداخلها لا أعلم من أين اتت بها وهي تتطلع إلي وجهي الشاحب من تخيلاتي تلك قائلة :
وهل تظن أنني سوف أسمح بهذا يحدث ؟!! .... وما فائدة هذا الحذاء الذي ترتديه؟!!
ــ إنهم يتلاعبون بالمطاوى والسنج وكل وسائل التشريح وأنا لا أحب أن يمزق جسدي علي قارعة الطريق بالإضافة أنه سوف يكون إحساس مؤلم جداً
ــ لماذا كل هذا الخوف !!! ..... وهل الحل أنك تظل قابعاً في المنزل خوفاً منهم؟!! ..... لا تخف زوجي فقد دبرت حالي أنا ونساء الحي ووضعنا خطة تأمين لكل النساء والصبيان ثم من بعدهم الشباب ثم آخر شيء الرجال فأطمئن واجلس على قهوتك مطمئن البال
نظرت إليها مستغرقاً في التفكير في حديثها ذلك والثقة التي تبدو عليها قائلاً :
ــ وكيف ذلك ؟!!
أجابتني بأنها اتفقت مع كل نساء الحي مع شخصية مجهولة الهوية علي تجهيزها بالسلاح والعتاد وذلك بالتقسيط المريح وبدون فوائد وتم تسليحهم ببنادق آلية روسية الصنع ومدافع جرينوف مثبتة علي أسوار العمارات والمداخل بالإضافة إلي صواريخ أرض وصواريخ أرض جو مع قواعد إطلاق مٌتحركة وثابتة بالإضافة إلي قنابل يدوية حتي يستخدمها الأطفال أثناء المعارك ........ ظننت أن أم العيال تخبرني بشيء كوميدي حتى تخرجني من حالة التوهان التي أنا بها فأخبرتها أنها تسخر مني ولكنها اظهرت لي مدفعها الرشاش المفضل لديها صغير الحجم إسرائيلي الصنع فلم استطع النطق وتركتها وغادرت البيت وأنا جالس معك الآن . امسكت بنرجيلتي متمسكاً بها خوفاً من يأخذها أحداً مني واخذت أنفاساً عميقة ثم تطلعت إليه وأنا في حالة صمت حتي استجمعت قواي ونظرت إليه قائلاً :
ــ هل هذا صحيح ؟!! ..... كل هذا يحدث في حارتنا يا صديقي؟!! ..... وماذا عن زوجتي؟!! إبتسم صديقي وكأنه ترك كل شيء لزوجته تفعل ما تشاء قائلاً :
ــ زوجتك تعشق الآر بي جي وأصبحت تشتري علب الكانز حتى تجعلها هدفاً لها في التصويب فما بالك بسيارة أو حتي شخص بعينه
إذن نحن يا صديقي بين رحي الجماعات المتشددة بما قد تفعله بنا أمام المارة من أشياء لا اتمني أن اتخيلها أو بلطجة وليدة تنشئ داخل منازلنا وأكيد سوف يكون لنا حظ منها صديقي العزيز
ــ وما الحل إذن؟!!
أجبته ببساطة وشعور باليأس يكسو ملامحي قائلاً :
ــ أن نرحل من تلك الحارة إلي مكان آخر مازال بكر ننشئه بأيدينا من جديد علي أسس سليمة حتى يترعرع أبنائنا فيه بطريقة سليمة
تمت
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق