الاستفتاء في الحرم الجامعي |
في
ذلك العام كنت قد وصلت إلي الانسجام النفسي حيث إطالة الشعر مثل الإيطاليين
لاعتقادي الراسخ بأن جدي الكبير قد ذهب بالفعل إلي إيطاليا وسحر قلوب
العذارى هناك وتزوج من فتاة رائعة الجمال فائقة الحُسن يفوق جمالها جمال صوفيا
لورين مما جعل الشعراء والأدباء يتغنون في قدرات جدي اللامحدودة مما ترك أثر جيد
للغاية هناك حتي يقال أن صارت الفتيات يتمنين الزواج من مصري مما فتح آفاق إيطاليا
كلها لاستقبال المصريين وهذا سر تواجد عدد كبير من المصريين هناك والسر في ذلك جدي
العظيم .
كنت فخور بشعري هذا الذي يكاد
يقترب من كتفي ومتدلي علي جبهتي كأني ليوناردو دي كابري في فيلم تيتانك وقد ترامي
إلي مسامعي أن ليوناردو قد اقتبس هذه القصة من إحدى مغامرات جدي حينما عبر البحر
إلي إيطاليا وهذا ما ذكره لي القصة الحاج أبو صالح الحلاق
كنت
كثير الاهتمام بالذهاب إلي الكلية بسبب كثرة الأنشطة التي تشارك فيها مثل مباريات
كرة القدم لأنني في واقع الأمر كنت اشغل مركز حارس المرمى حيث كانت لدي موهبة فذة
في ذلك , فواقع الأمر كنت محترف ولست هاويا خارج نطاق الكلية
في
غالب الأمر كنت أذهب للعب لأي فريق مقابل اتفاق ضخم في بورصة اللاعبين وغالباً ما
يكون مقابل 4 علب سجائر كليوباترا بالإضافة إلى طبق دسم من الهريسة بالكريمة مع
شوب عصير قصب دوبل من أجل الإحماء والتسخين قبيل المباراة .
وهذا
كان يوفر لي دخل جيد يساعدني على الدراسة حتى اجتهد وأحقق أمل والدتي في مستقبل
باهر والذي حتى الآن لم يتحقق هذا المستقبل الباهر .
أيضاً
بالإضافة إلي مباريات كرة القدم كانت من هواياتي المفضلة والبناءة والتي كانت ترسخ
بداخلنا الروح القيادية حتي نصير فيما بعد قادة لتلك الأمة وشباب المستقبل اليافع
النافع .
تلك
الأنشطة كانت تتركز في فكرة عمل مجالس وورش حوارية همسيه في بعد الأحيان بل في
غالب الأحيان مع زميلة او صديقة من دفعة أخرى أو أكثر حيث كان يصل العدد إلي أكثر
من خمسة فتيات لكل منهن مذاق وشخصية مختلفة تجبرك بأن تقترب منها أكثر فأكثر حتى
تستمع بالحوار الملتصق معها , في تلك الحوارات الهادفة لم يكن مسموح لفتي آخر غير
يتواجد بينهن بل كان هذا من القدسية أن امنع اقتراب آي شخص آخر يحاول أو يفكر أن
ينضم إلي حواراتي تلك .
كانت
تلك الأنشطة كثيرة
ومتنوعة للغاية لدرجة أنها كانت من الأسباب الرئيسية في إصدار الكثير من القرارات
داخل الكلية يمنعني بأي طريقة من مواصلة أنشطتي الهادفة حيث كنت متخصص في مصادقة
الفتيات الجميلات فقط .
أصبحت
شهرتي داخل مكاتب الحرس الجامعي تعادل شهرة قيادي الجماعات الإسلامية وأعتقد أنه
كان هنالك على مكتب مدير الحرس الجامعي صفين من الملفات ملف يخص الجماعة الإسلامية
وأنشطتها داخل الحرم الجامعي والملف الأخر خاص بي وبأنشطتي المتنوعة وكذلك
التسجيلات الخاصة بي
كنت
أشعر طوال الوقت أني مراقب عندما يزيد عدد الفتيات الاتي يجلسن معي أكثر من خمسة
كنا نٌحاط بسيارات الأمن المركزي وعندما يشتد الأمر سخونة ويصير الحوار حواراً
تفاعلياً وليس لفظياً كان يطلقون علينا القنابل المسيلة للدموع لتفريق جموع
الطلبة الذين يتجمعون لمراقبة ومشاهدة تلك الحوارات البناءة .
في
يوم ما فوجئت باستدعاء العميد لي في مكتبه الفخم حيث سألني سؤال واضح وصريح قائلاً
:
ـ
أعمل فيك إيه؟ ........... حاولت ارجعك الثانوية العامة تاني عشان اخلص منك
ردت وزارة التربية والتعليم قالوا أحنا ما صدقنا خلصنا منه ....... يا بني
أنا عندي الضغط والسكر منكم موش كفاية عليه الجماعات الإسلامية وأمن الدولة
.......... يا بني أنا عندي كوم شكاوي منك بيقولوا إشمعنى إنت اللي بتكلم كل
البنات دول ... انت بتعمل معاهم إيه ؟
اجبته
بكل صدق وصراحة وعيناي تملأها البراءة وبلغة عربية فصيحة قائلاً
:
ـ
سيدي العميد نحن نتجاذب أطراف الحديث وكلها موضوعات هادفة وثقافية الهدف منها رفع
المستوى الثقافي والأدبي والعلمي ومراجعة المحاضرات حتى نرفع من مستوى المجتمع الذي
نعيش فيه
نظر
إلي العميد من أسفل النظارة قائلاً :
ـ
ونبي إيه ؟ ......... ده أنا فاضل شوية وها عيط من كتر الفرحة بيك ..........
ولّاه أنت كنت في التنظيم الطليعي قبل كده؟ ........ يا لّاه ده أنا كنت صايع وأنا
اقدك وفاهم الحركتين القرع بتوعك دول
أجبته
وملامح وجهي تكسوه الدهشة والتعجب قائلاً :
ـ
يا سيادة العميد لو سمحت ما تفتحش عينية علي الحاجات دي أنا متربي تربية منغلقة
ولسه منغلقة لغاية دلوقتي لدرجة أنا ما أعرفش إزاي لغاية دلوقتي إحنا بنيجي إزاي
ووالدي الحاج لغاية دلوقتي مش عاوز يقولي طيب ماتعمل ثواب فيه وقولي أنت يا سيادة
العميد
أجاب
العميد والغضب يملأ عينيه قائلاً :
ـ
اطلع بره وابقي قابلني لو فلحت نجحت السنادي ........ بقولك إيه مش عايز أشوفك في
محاضراتي
أجبته بتلقائية
قائلاً "
ـ
مش مشكلة المحاضرات المهم السكاشن يا دكتور
تعجب العميد من حديثي هذا قائلاً :
ـ
اشمعنى يا واد يا منغلق ؟
أجبته
بكل براءة قائلاً :
ـ
عشان موزة الدفعة بتحضر السكشن ده مينفعش أفوته ولو على جثتي
اجابني
العميد وشعرت بالفرحة تتراقص في مقلتيه قائلاً
ـ
اطلع بره يا زينة شباب الكلية
داخل
الكلية كانت لي شلة أصدقاء كنا لا نفارق بعضنا البعض إلا في حالة وجود ميعاد مع
صديقة أو مجموعة صديقات فكان جميع أفراد الشلة تمتاز بخفة الدم و التنوع في
الاتجاهات كنا نري في أنفسنا أننا أصحاب فكر منير ومتفتح وكان الغرض من جلوسنا مع
زميلاتنا أن نغير انطباعهم السيء أن كل من كان قادم من الأرياف يكون بدائياً لا يعرف
شيء عن الحضارة غير المذياع فقط .
كنا
نطلق علي أنفٌسنا فريق الأهلي لأننا كنا نشكل فريق كرة بنفس الاسم وكان لنا
كثير من الإصدارات مثل التقويم الميلادي بالأحداث المهمة داخل الكلية على
مدار السنة مع كتابة نبذة عن المجموعة وأعضاء الفريق ونبذة عن كل فرد بما فيهم أنا
وهذا سبب لنا انتشار بين دفعات الكلية وأصبح لنا صديقات كثيرات كنا نرحب بهن ولكن
الأصدقاء كنا نهرب منهم لأننا عندنا ما يكفي من الأصدقاء.
عام
التخرج وهي السنة النهائية كنا ننتظر الدفعة الجديدة حتى نستطيع عمل تقويم شامل
لجميع الفتيات الفاتنات الجميلات داخل هذه الدفعة الجديدة وعموماً كنا في
الدفعات السابقة نادراً ما نجد أكثر من ثلاث فتيات يمكن أن يٌطلق عليهم لفظ الجنس
الناعم ولكن كانت المفاجأة أن تلك الدفعة من أكبر الدفعات التي مرت علينا بما
تحتويه من تنوع كبير وأعداد من الفتيات يمكن إطلاق لفظ جنس ناعم عليهن يكفينا طوال
العام بأن نقوم بما علينا من واجبات تجاه المجتمع والوطن في التنوع واضح في
الثياب والماكياج, تنوع خصب يجعلك تٌبدع في محاولات التعرف عليهن
كل
هذا جعلنا نفكر كيف نقتحم هذا المعسكر والاستيلاء على كل تلك الفتيات الحديثات قبل
افتراسهم من قبل الدفعات الأخرى والمجموعات الأخرى المنافسة لنا في ذلك المضمار
الحيوي لنا .
قمنا
باستخدام الطرق التقليدية المنبثقة من الأفلام العربية القديمة مثل القدوة
حسين صدقي والمبدع عبدالحليم حافظ وغيرهم من المدارس المعروفة في السينما المصرية
في عمل حركات لولبية مركبة ومعقدة من أجل التعرف عليهن أو من خلال صديقاتنا من
الدفعات الأخرى ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع وكانت تجربة عقيمة , كان
الهدف ليس في حد ذاته التعرف على زملائنا ولكنها رغبتنا في فرض سيطرتنا ضد زملائنا
القادمين من الإسكندرية حيث كانوا يظنون أنهم أفضل منا وأننا من طبقة حضارية أقل
منهم فهم قادمون من الحضارة ونحن قادمون من الغابات كما كانوا يعتقدون
قررنا
عمل مجلس حرب على مستوى القمة داخل إحدى غرف المدينة الجامعية نتدارس فيها كيفية
الانتصار في تلك الحرب مع الدفعات الأخرى وتحقيق الهدف المرجو منها لأن سمعة
الفريق أصبحت على المحك في هذا الصراع الضروس
اعترض
أشرف قائد إحدى المجموعات داخل الفريق معللاً ذلك بأن الحرب المقدسة مع مشرفين
التغذية داخل المطعم الخاص بالطلبة وكيفية إجبارهم على زيادة الحصص الغذائية
للفريق من لحوم ودجاج لنا فقط هي المعركة الأهم ولا صوت يعلو على صوت الحرب
المقدسة وقرر الانسحاب من الاجتماع ورفض التعاون معنا بشكل كامل وقد اعتبرنا ذلك
خيانة عظمى لفرسان المعبد المقدس
قررنا
أن نواصل مجلس الحرب المجتمع دائماً حتي النصر بإذن الله بما تبقي من أفراد الفريق
وعمل منظومة معينة لخلق فكرة جديدة
تجعلنا
نكسب المعركة وتحقيق الهدف وهو السيطرة علي جميع الفتيات داخل الدفعة الجديدة بدون
خسائر في الكرامة.
وجاء
الإبداع من خلالي حيث طرحت فكرة الاستفتاء عليهم بأن نكتب مجموعة من الأسئلة داخل
ورقة مطبوعة وتدور حول فكرة الجامعة والحياة في الجامعة والعلاقات داخل الحرم
الجامعي و كيفية النظر إليها داخل المجتمع الشبابي الطليعي.
تم
توزيع تلك الورقة علي الكلية بأسرها تحت رعاية فريقنا ومدون عليها أسمائنا
وتعاهدنا أن كل منا سوف يتم توزيعها بالتساوي بين شباب وفتيات الكلية بالتساوي
, وبالفعل بدأ كلاً منا التوزيع بطريقته الخاصة وبناءاً علي معتقداته الشخصية
ونجحت الفكرة نجاحاً باهراً وإقبال الفتيات عليها كان منقطع النظير لأننا لم نوزع
إلا علي الفتيات فقط, الأولوية للفتيات الجميلات وهذه الفئة كنا نطلق عليها
فتيات تّدخل النار والفئة الثانية فتيات تّدخل الجنة لأنهن لا يملكون من الأنوثة
سوي اللقب فقط.
بدأ
الخبر ينتشر داخل حرم الجامعة بأكمله وأصبحنا كنجوم السينما , كلهن يتسارعن
للاشتراك في الاستفتاء أو الحديث معنا حتي كنا نبذل مجهود ضخم من كثرة
الحديث طوال اليوم مع هؤلاء الفتيات حيث كنا نعود إلي حجراتنا منهكين من كثرة
التطلع إليهن طوال الوقت , علم الأمن بذلك وبعث إلينا لكي يستفسر عما يحدث
داخل حرم الجامعة وتجمعنا كلنا داخل مكتب رئيس الحرس والسعادة الغامرة علي وجوهنا
لأننا لم نلتقي منذ فترة طويلة بسبب انشغالنا مع الصديقات الجدد.
تطلع
إلينا قائد الحرس الجامعي وعيناه حمراوتين تقدحان شرراً يكاد الدخان ينبعث
منها ونحن كنا نظنها دموع الفرحة والفخر بنا من خلال أنشطتنا المتوهجة داخل حرم
الكلية قائلاً :
ــ
هو أنا ما ليش شغلانه غيركم ؟!! .. أولع فيكم بجاز وسخ وولع في نفسي من بعديكم ؟!!
... إيه موضوع الورقة اللي انتم عاملينها دي ؟!!
أجبته
بصرامة وفخر بما نفعله فنحن لا ننكر هذا بل كنت أظن أننا نستحق وسام علي هذا.
ــ
استفتاء وترحيب بزملائنا الجدد
ــ
ولازمته إيه بقي ؟!! .. وإشمعني البنات بس ؟!!
فتطلعنا
جميعاً إلي بعضنا البعض مندهشين كيف علم بهذا ؟!!
ــ
موش ممكن إحنا بنوزع علي الكل ما عندناش خيار ولا فاقوس
نظر
الضابط إلي أيمن مبتسماً قائلاً :
ــ
بذمتك يا ريس اللجنة الرياضية وزعت علي شباب الكلية ؟!!
فسكت
أيمن ولم ينطق فنظرت إليه قائلاً :
ــ
أيمن أخويا وصاحبي أنت بجد ما وزعتش علي زمايلنا في الدفعات التانية ؟!!
... قول أن كل ده كدب و موش حقيقة
أجاب
أيمن وعينيه مُنكسة نحو الأرض قائلاً :
ــ
ماكنتش فاضي يا دوبك وزعته علي البنات بس
ــ
أنا إتصطدمت فيك أنت خونت العهد يا صاحبي
ــ
ونبي إيه !! .. إعملولي فيلم الأرض ولا اتطلعوا في مظاهرات كمان ... أنت
ناسي إن نص الحرس داير وراك في الكلية و بيكتب عنك تقرير كل يوم ؟!! ...... أجبلك
أسامي البنات اللي أنت وزعت عليهم الورقة الهباب دي؟!!
ــ استر
عليه ربنا يستر علي حريمك يا كابتن
ــ
لو سمحتم وزعوا علي الشباب موش عاوزين قلق في الكلية
أجابه
أيمن قائلاً :
ــ
ولا يهمك يا باشا وحياتك حتي العميد موش حانسيبه
بالطبع
لم نوزع أي شيء ولم يكن أحد يعرف شيئا عن ذلك الاستفتاء سوي الفتيات الجميلات
الفاتنات وتم تحقيق الهدف من الاستفتاء وصار لنا مغامرات وحكايات مع كل هؤلاء
الفتيات قد جعلت منا علامة لأجيال كثيرة قد اتت من بعدنا وتلك الحكايات ربما
نتناولها لاحقاً بإذن الله
انتهت
بقلم
الكاتب الدكتور
محمد
عبدالتواب
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment