حكاية المثل الشعبي عند أم ترتر – عند ام ياني |
في واقع الأمر المثل يعود في الأصل إلى سيدة تُدعى "نفوسة"، كانت تعيش بالإسكندرية في بدايات القرن الماضي حوالي في العقد الثالث أو الرابع تقريباً ، كانت تسكن فى حوارى كرموز المزدحمة حيث أن غالبية الأحياء الشعبية في غرب الاسكندرية تنتهي عند منطقة المنشية حيث نجد الجاليات الأجنبية وخاصة الإيطالية كانت تسكن منتصف الاسكندرية متجه نحو الشرق
ويُقال إنها كانت معروفة بين جيرانها أنها سليطة اللسان، ولديها استعداد تام للمشاجرة والتهكم عليهم ، بل كانت غاية في الذكاء حيث من المعروف أن أحوال الطبقة الشعبية آنذاك من الناحية الاقتصادية صعبة وأن فكرة تناول اللحوم أو الدواجن والطيور تحتاج دخل عالي لا يتوفر إلا في الطبقة الوسطى آنذاك من الأفندية وموظفين الحكومة آنذاك , تفتق ذهنها عن فكرة عظيمة آنذاك حيث قامت بتربية الطيور من البط والأوز والدواجن من الإناث دون الذكور كالعادة حتى يتم التكاثر كما يجري في الأمور الطبيعية وذلك لجذب ذكور الطيور من أسطح جيرانها حيث كانوا يقومون بتربية الدجاج والطيور على أسطح منازلهم ، ومن البديهي أن تجد الديوك وذكور البط والإوز تقفز في اتجاه منزل "أم ترتر"، فتلقفها بسرعة ويقوم بطهيها لتصبح عشاءً لذيذاً لها ولاسرتها
لكن من هي ( أم ياني ) والتي يذكرها العامة في هذا المثل بدلاً من ( أم ترتر ) , من الواضح أن أم ياني كانت معاصرة أم ترتر ولكن لم يستخدم المثل ( عند أم ياني ) إلا في منتصف الخمسينيات ولكن دعونا نذكر الأحداث التاريخية المٌصاحبة لهذا المثل
عندما تم تعيين محمد على باشا عام 1805 واليا على مصر، وذلك للمرة الأولى بإرادة شعبية، وليس بفرمان من السلطان العثمانى، أراد بناء مصر الحديثة القوية، فقام باستقدام جميع الجنسيات الأجنبية من ذوى الخبرة للعيش والعمل فى مصر، كما قام بإرسال بعثات مصرية إلى الخارج للتعلم من أحدث ما وصل إليه العلم حينها، وبعد أن عاش الأجانب مع المصريين وامتزج سلوك المعيشة بينهما من عادات وتقاليد على مدار أعوام حكم سلالة محمد على التي حكمت مصر
وكانت نتاليا مغرمة بأحدث صيحات الموضة، حيث قررت العمل في مجال الخياطة، مستغلة معارفها وأصدقائها لتجد فيهم النواة الصلبة لتأسيس أقوى قاعدة من الزبائن، حيث ذاعت شهرتها في جميع الطبقات المصرية والأجنبية باسم "أم يانى الخياطة" وقتها، وأصبحت الخياطة رقم واحد في مصر خلال الأربعينات، وكانت النساء تأتى لها من جميع أنحاء المملكة حينها، وفى عام 1952 بعد قيام ثورة يوليو المجيدة أسرعت الجاليات الأجنبية بالفرار من مصر دون سابق ترتيب، وكذلك سافرت أم يانى بشكل مفاجئ دون إخبار زبائنها دون تسليمهم بضائعهم لديها
ومن هذا اليوم وكان كل من كان له شغل عند "أم يانى" راح عليه، وانتشرت القصة بين الناس، وتداولت من وقتها جملة "عند أم يانى" كناية عن أنك لن تحصل على حقك ومن الأفضل أن تنساه، واشتهرت المقولة عقب الأجيال المتتالية دون الاهتمام بمصدر وأصل الحكاية.
هكذا نجد أن الأمثال الشعبية هي مجرد انعكاس تاريخي ناتج عن عبقرية البسطاء في التعبير عن أحوالهم السياسية والاقتصادية
مما يمنحها الزخم والاستمرارية عبر أجيال كاملة
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب
Post a Comment