حكاية المثل الشعبي عند أم ترتر – عند ام ياني

حكاية المثل الشعبي عند  أم ترتر – عند ام ياني
حكاية المثل الشعبي عند  أم ترتر – عند ام ياني
هناك الكثير من الأمثال الشعبية التي نرددها في كل يوم للدلالة على شيء معين سواء تاريخية أو شعبية أو من الأدب الفلكلوري ، ولا نعرف حكايتها ، أو كيف بدأت ، ولماذا أطلقت ، ومنها المثل الشعبي الشهير "عند أم ترتر"، الذي يُقال عند استحالة تحقيق الشيء، أو أن الوصول إلى هذا الأمر أقرب للخيال , سواء كان المثل لأم ترتر أو أم ياني فالمثل عبارة عن انعكاس لتاريخ مصر وخاصة مدينة الإسكندرية في فترة تاريخية مزدحمة بالأحداث منذ بداية القرن الماضي وحتى منتصفه حيث التنوع السكاني الذي حدث منذ تولي محمد علي باشا الحكم في مصر

حكايات معركة "نزلة الشوبك" ضد الإحتلال الإنجليزي
 
 في واقع الأمر المثل يعود في الأصل إلى سيدة تُدعى "نفوسة"، كانت تعيش بالإسكندرية في بدايات القرن الماضي حوالي في العقد الثالث أو الرابع تقريباً ، كانت تسكن فى حوارى كرموز المزدحمة حيث أن غالبية الأحياء الشعبية في غرب الاسكندرية تنتهي عند منطقة المنشية حيث نجد الجاليات الأجنبية وخاصة الإيطالية كانت تسكن منتصف الاسكندرية متجه نحو الشرق 
 
الست نفوسه كان معروف عنها أنها من النساء سليطة اللسان قوية الشخصية جميلة رشيقة القوام تبسط نفوذها على الجميع والجميع يخشاها ، و يقال أنها أول من قامت بحركة "فرش الملاية" والتي صارت علامة مميزة للمرأة المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي حيث تعني أنها امرأة لا تخشى أحد ، كانت امرأة لاتخاف أحدا، بالرغم من كل ذلك كانت زوجة ماهرة ومطيعة وتسعي في إرضاء زوجها حيث كانت متزوجة من سائق حنطور يدعي ( علوان أبو إسماعيل) وقد أنجبت منه "إسماعيل وإبراهيم ونبوية ترتر", وقد اشتهرت بلقب ( أم ترتر) وبلقب ( العايقة ) بسبب ثيابها التي كانت ترتديها حيث كانت دائمًا لامعة مبهرة تتجسد حول قوامها الممشوق و يزينها الترتر بكثافه حيث تنعكس عليه ضوء الشمس لكي يلفت انتباه الجميع بأن ( أم ترتر ) في الجوار
 ويُقال إنها كانت معروفة بين جيرانها أنها سليطة اللسان، ولديها استعداد تام للمشاجرة والتهكم عليهم ، بل كانت غاية في الذكاء حيث من المعروف أن أحوال الطبقة الشعبية آنذاك من الناحية الاقتصادية صعبة وأن فكرة تناول اللحوم أو الدواجن والطيور تحتاج دخل عالي لا يتوفر إلا في الطبقة الوسطى آنذاك من الأفندية وموظفين الحكومة آنذاك , تفتق ذهنها عن فكرة عظيمة آنذاك حيث قامت بتربية الطيور من البط والأوز والدواجن من الإناث دون الذكور كالعادة حتى يتم التكاثر كما يجري في الأمور الطبيعية وذلك لجذب ذكور الطيور من أسطح جيرانها حيث كانوا يقومون بتربية الدجاج والطيور على أسطح منازلهم ، ومن البديهي أن تجد الديوك وذكور البط والإوز تقفز في اتجاه منزل "أم ترتر"، فتلقفها بسرعة ويقوم بطهيها لتصبح عشاءً لذيذاً لها ولاسرتها 
 
تذكر الحكايات حول "أم ترتر"، أن كان لديها القدرة الفائقة على إخفاء كل آثار ذبحها لهذه الطيور، بالتخلص من الريش والرائحة، وإذا قام أحد بسؤالها من الجيران على أحد الطيور تقوم بالصياح والسٌباب مما يجعل من أمامها يهرول ويركض بعيداً عنها ، وهكذا سارت مقولة تقال حينما يفقد أحد الجيران شيء يجيبه العامة بسخرية "ربنا يعوض عليك، ده عند أم ترتر"، ومن هنا جاء المثل ( دا عند أم ترتر )
المعركة الفاصلة لشيخ العرب ضد الحملة الفرنسية


 لكن من هي ( أم ياني ) والتي يذكرها العامة في هذا المثل بدلاً من ( أم ترتر ) , من الواضح أن أم ياني كانت معاصرة أم ترتر ولكن لم يستخدم المثل ( عند أم ياني ) إلا في منتصف الخمسينيات ولكن دعونا نذكر الأحداث التاريخية المٌصاحبة لهذا المثل 
 عندما تم تعيين محمد على باشا عام 1805 واليا على مصر، وذلك للمرة الأولى بإرادة شعبية، وليس بفرمان من السلطان العثمانى، أراد بناء مصر الحديثة القوية، فقام باستقدام جميع الجنسيات الأجنبية من ذوى الخبرة للعيش والعمل فى مصر، كما قام بإرسال بعثات مصرية إلى الخارج للتعلم من أحدث ما وصل إليه العلم حينها، وبعد أن عاش الأجانب مع المصريين وامتزج سلوك المعيشة بينهما من عادات وتقاليد على مدار أعوام حكم سلالة محمد على التي حكمت مصر
 
وفى عهد السلطان حسين كامل وبالتحديد عام 1916 وُلدت ( ناتاليا اندريا نيكولاس) في حي اللبان بالإسكندرية من أصل يوناني وترعرعت بين أهل الحى الطيبين وأحبها وأحبته وتزوجت من الشاب اليوناني ( قسطنطين مانولى ) موظف بشركة الكهرباء والثلج بالإسكندرية وأنجبت منه طفلها الأول يانى عام 1938 مع بداية عهد الملك فاروق الأول، وفى عام 1939 اندلعت شرارة الحرب العالمية الثانية، وسافر قسطنطين زوج ناتاليا للمشاركة في الحرب، حيث قُتل وأصابت الفاجعة زوجته التي كانت تمكث في مصر حينها دون مورد دخل ليعيش منه
 وكانت نتاليا مغرمة بأحدث صيحات الموضة، حيث قررت العمل في مجال الخياطة، مستغلة معارفها وأصدقائها لتجد فيهم النواة الصلبة لتأسيس أقوى قاعدة من الزبائن، حيث ذاعت شهرتها في جميع الطبقات المصرية والأجنبية باسم "أم يانى الخياطة" وقتها، وأصبحت الخياطة رقم واحد في مصر خلال الأربعينات، وكانت النساء تأتى لها من جميع أنحاء المملكة حينها، وفى عام 1952 بعد قيام ثورة يوليو المجيدة أسرعت الجاليات الأجنبية بالفرار من مصر دون سابق ترتيب، وكذلك سافرت أم يانى بشكل مفاجئ دون إخبار زبائنها دون تسليمهم بضائعهم لديها
 ومن هذا اليوم وكان كل من كان له شغل عند "أم يانى" راح عليه، وانتشرت القصة بين الناس، وتداولت من وقتها جملة "عند أم يانى" كناية عن أنك لن تحصل على حقك ومن الأفضل أن تنساه، واشتهرت المقولة عقب الأجيال المتتالية دون الاهتمام بمصدر وأصل الحكاية. هكذا نجد أن الأمثال الشعبية هي مجرد انعكاس تاريخي ناتج عن عبقرية البسطاء في التعبير عن أحوالهم السياسية والاقتصادية 
مما يمنحها الزخم والاستمرارية عبر أجيال كاملة
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب



 
علاقة الملك فؤاد بأول طبيبة مصرية

Post a Comment

Previous Post Next Post