حكم نكاح المرأة في الدبر |
الحمدُ لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ: عنوان الرسالة:
نص الرسالة:
فإنَّ وطء المرأة في دُبُرها من كبائر الذنوب،
ومن أقبحِ المعاصي التي لُعِنَ فاعلها، لِما فيه من مُخالفةٍ للفطرة السليمة
ومقارفةٍ لِما تأباه طبائع النفوس السويَّة، وهو قول أكثر أهل العلم. حتى قال
النَّووي في "شرحه على صحيح مسلم": "واتَّفق العلماء الذين يُعتدُّ
بِهم على تَحريم وَطْءِ المرأة في دُبُرِها حائضًا كانتْ أو طاهرًا؛ لأحاديثَ
كثيرة مشهورة".
- ومن الأحاديث التي أشار إليها: ما رواه أبو هريرة - رضي
الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليهِ وسلَّم – قال: ((ملعونٌ مَن أتَى امرأَتَهُ في دُبُرِها))؛
رواه أحْمَدُ وأبو داود، وحسَّنه الألباني.
- ومنها ما رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً
أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ)). - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول
اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ أتَى حائضًا أوِ امْرأةً في دُبُرها أو
كاهنًا فصدَّقه فَقَدْ كَفَرَ بِما أُنْزِلَ على مُحمَّد صلَّى الله عليه
وسلَّم))؛ رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ والنَّسائي وأبو داود.
- وفي رواية: ((فقد برئ
مِمَّا أُنْزِل على مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم))، وهو حديثٌ صحيحٌ كما قال
الشيخُ الألباني في "إرواء الغليل". وعلى المرأة عدم طاعة زوجها في
اقْتراف هذا المنكر العظيم؛ إذ لا طاعةَ لِمخلوق في معصية الله تعالى، بل يَجبُ
عليها الامتناعُ من ذلك والمطالبة بفسخ نكاحِها منه إن لم يتب، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية: "وطء المرأة في دبرها حرامٌ في قول جماهير العلماء، ومَتَى
وطِئَها في الدُّبُر وطاوعتْهُ عُزِّرا فإن لم يَنْتَهِيَا فرِّق بينهما"
"مختصر الفتاوى المصريَّة". وقد ذَكَرَ ابْنُ القَيِّم حِكمًا كثيرةً في
حُرْمَة وَطْءِ المرأة في دُبُرِها في "الهدي" فقال: "إنَّ
الدُّبُر لم يتهيَّأْ لهذا العمل ولم يُخلقْ له، وإنَّما الذي هُيِّئ له الفرج،
فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عنْ حِكمة الله وشرْعِه جميعًا. وأيضًا فإنَّ ذلك
مُضِرٌّ بالرجل، ولِهذا يَنهى عنه عقلاءُ الأطبَّاء من الفلاسفة وغيرِهم؛ لأنَّ
للفرج خاصيةً في اجتذاب الماء المحتقن وراحةِ الرجل منه، والوطءُ في الدُّبُر لا
يُعين على اجتذاب جميع الماء ولا يُخرِجُ كلَّ المحتقن لِمُخالفته للأمر الطبيعي،
وأيضا فإنَّه محلُّ القذر والنجو.
وأيضًا فإنَّه يضرُّ بالمرأة جِدًّا، لأنَّه
واردٌ غريبٌ بعيدٌ عنِ الطباع، منافرٌ لَها غايةَ المُنافرة. وأيضًا فإنَّه
يُحدِثُ الهَمَّ والغَمَّ والنَّفرةَ عنِ الفاعل والمفعول.
وأيضًا فإنَّه يسوِّدُ
الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نُورَ القلب، ويَكْسُو الوَجْهَ وحشةً تصيرُ عليه.
وأيضًا فإنَّهُ يُفْسِدُ حالَ الفاعِلِ والمَفْعُول فسادًا لا يكادُ يُرْجَى بعدَه
صلاحٌ، إلا أن يشاءَ اللهُ بالتَّوبة النَّصوح. وأيضَّا فإنَّه يذهب بالمحاسن
منهما ويكسوهُما ضِدَّها، كما يذهب بالمودَّة بَيْنَهُما ويبدِلُهما بِها تباغُضًا
وتلاعُنًا. من أكبَرِ أسباب زوالِ النِّعم وحلول النِّقم، فإنَّه يُوجبُ اللَّعنةَ
والمَقْتَ من الله. وأيضًا فإنَّه يذهب بالحياءِ جُملة، والحياءُ هو حياةُ
القُلوب، فإذا فَقَدَها القلْبُ استَحْسَن القبيحَ واستَقْبَحَ الحسن.
وأيضًا
فإنَّه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه. وأيضًا فإنه يورث من المهانة
والسفال والحقارة ما لا يورثُه غيْرُه. وأيضًا فإنَّه يكسو العبدَ من حلة المقْتِ
والبغضاء وازدراء الناس له واحتقارِهم إيَّاه واستصغارهم". اهـ. باختصار
أيضًا قد أثبَتَ العلمُ الحديث انتقال عددٍ كبيرٍ من الأمراض الجنسيَّة الخطيرة عن
طريق الوطء في الدُّبُر أوِ اللِّواط؛ ومنها مرض (الإيدز) والعياذُ بالله.
وليس
لهذا الفعل كفَّارة محدَّدة في الشرع إلا التوبة النصوح إلى الله - تَعالى -
والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، قال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ
ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} [المائدة: 39]. فإن رَفَعَت المرأة أمرها إلى الحاكم عَذَّر الزوج بما
يراه رادعًا لمثله.
قال البهوتي - رحِمه الله -: "(فإن فَعَلَ) أي وطِئها في
الدبر (عُزِّرَ) أي عاقبه الحاكم العقوبة التي تردعُه وأمثالَه لارتكابه معصيةً لا
حدَّ فيها ولا كفَّارة" انتهى من "كشَّاف القناع". أمَّا الاستمتاع
بين الأِليتين ونَحو ذلك بدون إيلاج، فلا شيء فيه عند أكثر أَهْلِ العِلْم؛ قال
السيوطي في "الأشباه والنظائر": "كُلُّ مُحَرَّم فحريمه حرامٌ إلا
صورة واحدة لم أرَ مَنْ تَفَطَّن لاستثنائِها؛ وهي دُبُر الزوجة فإنَّه حرامٌ
وصرَّحوا بِجواز التلذُّذ بِحريمه وهو ما بين الألْيتين".
قال ابن قدامة في
"المغني": "ولا بأسَ بالتلذُّذ بِها بين الأليتيْنِ من غير إيلاج;
لأنَّ السُّنَّة إنَّما وردتْ بِتَحْرِيم الدُّبُر, فهو مَخصوصٌ بذلك, ولأنَّه
حُرِّم لأجل الأذى, وذلك مخصوص بالدبر, فاختصَّ التحريم به". انتهى،، والله
أعلم.
المصدر : موقع الطريق
إلي الإسلام
إرسال تعليق