التخلص من العادات السيئة |
تلعب
العادات دوراً مهما في حياتنا، حيث نقوم يوميا بسلوكيات تلقائية بنظام مشابه للطيار
الآلي العقلي، وبدون تفكير،حتى لا يضطر الدماغ إلى استخدام التفكير الواعي لأداء النشاط
المتكرر، مما يسمح له بالتركيز على أشياء مختلفة.
ويقول
الدكتور راسل بولدراك، عالم الأعصاب بجامعة تكساس: "الآلية العامة التي نبني
بها العادات الإيجابية أو
السلبية هي نفسها، سواء كانت عادة للإفراط في تناول الطعام أو عادة للعمل دون
التفكير حقا في التفاصيل، ويعتمد كلا النوعين على آليات الدماغ ذاتها".
ويضيف
بولدراك: "هناك فرق واحد مهم بين نمط العادات، وهو تلك العادات القائمة على
المتعة، إذ يمكن للسلوكيات الممتعة أن تحفز الدماغ على إفراز مادة الدوبامين، ومع
تكرار ما نقوم به، فإن العادة تصبح أكثر قوة، ويصبح من الصعب كسرها، لأن الدوبامين
يخلق الرغبة في القيام بها مرة أخرى".
يمكن
أن يستغرق كسر العادة السيئة وقتا قصيرا جدا أو طويلا جدا، إذ تعتمد المدة التي
يستغرقها الأمر عليك وعلى العادة ومدى استعدادك للإقلاع عنها، ولكن بالأساس يعتمد
على طريقة تفكيرك.
يقول
الدكتور جودسون بروير -مدير الأبحاث والابتكار في مركز "مايندفولنس" (Mindfulness) أستاذ
الطب النفسي في كلية الطب بجامعة براون الأميركية- "تعلمت في كلية الطب اللغة
التي ننقلها إلى المرضى، تحتاج لإنقاص الوزن؟ توقف عن تناول الوجبات السريعة. حاول
الإقلاع عن التدخين؟ استخدم بديل النيكوتين. لكن عندما بدأت ممارسة الطب فعليا،
تعلمت بسرعة أن الأمر لا يعمل بهذه الطريقة في الحياة الواقعية، فالمرضى الحقيقيون
لا يتبعون ميكانيكيا الصيغ المنطقية التي وضعها أطباؤهم، فعاداتهم الحالية هي التي
تقودهم".
يقول
بروير في مقال له على موقع "سيكولوجي توداي" (Psychology Today) "لقد
أنشأت مختبري البحثي لاستكشاف ما ينقص الطب الحديث، ووجدت أنه يمكننا في الواقع
إعادة توصيل الدماغ لتغيير عاداتنا باستخدام اليقظة. ولتسهيل العملية على عقلك،
يجب أن تجعل من الصعب الاستمرار في العادة السيئة. فإذا كنت تشاهد التلفاز كثيرا،
فافصله عن المقبس وقم بإزالة البطاريات من جهاز التحكم عن بعد. وإذا كنت ترغب في
تقليل التدخين، فبدلا من شراء عبوة كاملة، اشترِ واحدة فقط أو دخن واحدة وتخلص من
العلبة بأكملها، فكلما زاد الاحتكاك الذي تضيفه بينك وبين عادتك، زادت المشكلات
التي يواجهها عقلك في الاستسلام لهذه العادة السيئة".
من
جانبه، يقول آرت ماركمان، أستاذ علم النفس بجامعة تكساس، في مقال له على موقع
"فاست كومباني" (Fastcompany)
"العادات القوية تمكنك من إنجاز ما تريد القيام
به بسرعة. أما عندما تريد التوقف عن عادة ما فقد يكون من الصعب التخلص منها خصوصا
أنه لا يمكنك منع نفسك من استرجاع الفعل الذي تقوم به من الذاكرة. لذلك، سيستمر
نظام العادات لديك في تذكيرك بتنفيذ الإجراء غير المرغوب فيه".
وفقا
لكتابه "التغير الذكي"، يقول ماركمان إنه لا يمكنك التخلص من عادة من
خلال محاولة منع نفسك من أداء هذه العادة وحسب، لأن أنظمة الدماغ تتطلب كثيرا من
الجهد لإيقاف السلوك غير المرغوب، وحتى عندما تنجح في منع نفسك من أداء سلوك ما،
سيستمر نظام عاداتك في اقتراح أن تقوم بهذا الإجراء لاحقا.
وقد
أطلق جيمس كلير، مؤلف الكتاب الشهير «العادات الذرية»، مؤخراً سلسلة فيديوهات «MasterClass» تتناول
كيفية بناء عادات أفضل، كما تعلّم الأشخاص كيفية التخلص من العادات السلبية، بحسب
شبكة «سي إن بي سي».
ويعتقد
كلير أن التخلص من السلوكيات السلبية يبدأ بتغيير وجهة نظر الشخص تجاهها.
وأوضح
في أحد مقاطع الفيديوهات حول كيف يمكن للعادات أن تشكل جزءا من هوية الأشخاص، أننا
«لدينا قصص نرويها لأنفسنا وتكون مفيدة، ولكن لدينا أيضاً قصص نخبرها لأنفسنا تكون
مؤلمة».
وشارك
بعض الأمثلة عما يمكن أن نقوله لأنفسنا وقد تكون ضارة: أحب الحلويات، أنا سيئ في
الاتجاهات، أنا فظيع في الرياضيات، أنا من النوع الذي لا يتذكر أسماء الأشخاص
أبداً...
وسأل:
«هل هذه الأمور التي نقولها لأنفسنا، أياً كانت نسختها، تساعدك أم تعوقك؟ هل تخدم
نوع الشخص الذي ترغب في أن تصبح عليه، أم أنها تمنعك من ذلك؟».
وبدلاً
من ذلك، اقترح كلير أن «نهدف إلى إعادة برمجة أدمغتنا من خلال إسناد الخصائص التي
نرغب في امتلاكها».
هل الدوبامين المتهم الوحيد في ممارستنا العادات السلبية؟
يجيب
الدكتور روي بوميستر، عالم
النفس في
جامعة فلوريدا بأن معظم عاداتنا السيئة ناتجة عن التوتر والملل، إذ يمكن أن يكون
كل شيء استجابة بسيطة للتوتر والملل، بدء من قضم الأظافر إلى التدخين بشراهة أو
إضاعة الوقت في تصفح الإنترنت.
وبحسب
الدكتور بوميستر قد يبرز على السطح عامل التوتر أو الملل لكنّ الأسباب في الواقع
هي نتاج مشكلات عميقة، الأمر الذي يستدعي إجراء تغييرات جذرية مبنية على الصدق مع
أنفسنا أولا، قبل محاولة كسر العادات السيئة.
من
ناحية أخرى، يقول الدكتور جود بروير عالم
أعصاب متخصص
في القلق وتغيير العادات: "نظرا لأن العادات السيئة توفر لنا نوعا من الفوائد
في حياتنا، فمن النادر أن تنجح النصائح المبسطة مثل "توقف عن فعل ذلك، أنت
تضر نفسك".
احصل على الدافع
من
المهم تحديد وتدوين أسباب الرغبة في التغيير؟ وماهي سلبيات استمرار
السلوك؟ ثم ما هي إيجابيات التغيير؟ ويفضل الاحتفاظ بهذه القائمة لإلقاء
نظرة عليها من أجل التحفيز.
تحليل العادة
متى
وأين ولماذا؟ وكيف تتم ممارسة العادة السيئة؟ وماهي الظروف التي تساعد على
ممارستها؟ لابد من فهم السلوك قبل تغييره، وقد يساعد استخدام مفكرة
لمراقبة العادة لمدة أسبوع أو شهر وتدوين كل الملاحظات.
بناء خطة والبدء بخطوات صغيرة
بمجرد
تحديد المشكلة، يبدأ التركيز على الحل، لكن البدء على نطاق صغير وتحقيق إنجازات
أكبر فأكبر على طول الطريق يعد نهجا أكثر أمانا.
اجعله غير مرئي
قم
بالحد من تعرضك للسلوك الذي تحاول الحد منه. فإذا كنت ترغب في الإقلاع عن التدخين،
فقد يبدو ذلك بمثابة تغيير في تنقلاتك لتجنب المكان الذي تشتري منه السجائر عادةً
أو عدم وجودها في منزلك.
اجعل الأمر غير جذاب
قد
تستغرق هذه الخطوة المزيد من الوقت، لكن حاول أن تخبر نفسك بأنك لست شخصاً يشارك
في السلوك الذي تريد التخلص منه. على سبيل المثال، توقف عن التعريف عن نفسك كمدخن،
وقل «أنا لست مدخناً» إذا عرض عليك شخص ما السجائر، بدلاً من القول «حاول الإقلاع
عن التدخين».
اجعل الأمر صعباً
يمكنك
تجربة ثلاث طرق مختلفة لهذه الخطوة. تخلص من السلوك مرة واحدة، أو قلل من الفعل
تدريجياً بمرور الوقت، أو اجعل له بديلا صحيا أفضل ينتج نفس الشعور الذي تحصل عليه
خلال ممارسة العادة السيئة.
اجعل الأمر غير مُرضٍ
عادةً،
عندما تنجز الخطوات الثلاث الأولى، لن تشعر بالرضا في حال عدت للسلوك السيئ مرة
أخرى، وستكون في وضع يسمح لك بالتخلص رسمياً من هذه العادة.
اقطع أكبر عدد من المحفزات
من
السهل على الأشخاص التخلص من العادات السيئة عن طريق تجنب الأشياء التي تسببها،
لذا يعتبر تغيير البيئة المحفزة للعادة القديمة أفضل لتغيير النتيجة.
كل
عادة لها محفز مرتبط بها. على سبيل المثال، يشعر المدخن بالرغبة في التدخين بعد
الغداء أو أثناء وجوده مع مجموعة من الأصدقاء المدخنين. ولأن كل عادة سيئة لها بعض
الدوافع، عليك أن تحدد تلك الخاصة بك، وكلما ظهرت عادتك السيئة في الصورة، اسأل
نفسك، ما الذي جعلك تفعل ذلك؟
وعندما
تكون في الأيام الأولى للإقلاع عن هذه العادة، يجب أن تتجنب المحفز تماما بسبب
الدافع القوي الذي تشعر به. ويجب على المدخنين التوقف عن الذهاب إلى منطقة التدخين
لمرافقة أصدقائهم المدخنين، كما يجب على مدمني الهاتف ترك هواتفهم دون شحن، لأنك
إذا لم تقم بذلك، فستكون فرص الانزلاق مرة أخرى أعلى.
اختر بديلا عن عادتك السيئة
ركز
على تغيير السلوك غير المرغوب فيه بسلوكٍ تفضل القيام به، إذ في كل مرة تقوم فيها
بعمل مختلف في المكان الذي اعتدت فيه على إظهار عادتك السيئة، فإنك تنشئ ذاكرة
جديدة تعيد ربط أفكارك ومشاعرك والبيئة المادية بسلوك مختلف. وفي النهاية، سيصبح
هذا السلوك الجديد هو القاعدة.
على
سبيل المثال، يقول ماركمان "عندما كنت طالب دراسات عليا، توقفت عن قضم أظافري
أثناء الجلوس على مكتبي باللعب بألعاب المكتب بدلا من ذلك".
أظهرت
الأبحاث أن استبدال السلوكيات غير المرغوب فيها بأنشطة أخرى، طريقة فعالة للتخلص
من عادة سيئة. على سبيل المثال اضغط بقبضتيك بدلًا من قضم أظافرك، أو اذهب
للجري لمسافة قصيرة بدلا من تدخين سيجارة.
جرّب تغيير المشهد
يجب
عليك محاولة تغيير بيئتك لجعل السلوكيات غير المرغوب فيها صعبة قدر الإمكان. وهذا
له فائدتان، أولا: يؤدي تغيير محيطك المادي إلى تقليل فرصة تذكيرك بالسلوك غير
المرغوب فيه. وثانيا: إذا كانت العادة متوغلة، وكانت البيئة غير مساعدة على أداء
السلوك الجديد، فلديك في هذا التغيير فرصة أكبر لإيقاف نفسك.
عزز عادتك الجديدة
تعد
مكافأة النفس بشيء لطيف بعد إجراء تغييرات صغيرة احتفاء بالمال أو الوقت أو
الطاقة التي تم توفيرها، حافزا قويا للاستمرار في الانسحاب من العادة السيئة دون
الشعور بالغضب أو التعب.
تضافر جهودك مع شخص ما
استخدم
الأشخاص من حولك للمساعدة، إذ إن ردود الفعل التي نحصل عليها من الآخرين هي وسيلة
قوية لمساعدتنا في وقف عاداتنا السيئة. واسمح كذلك للآخرين بتقديم اقتراحات حول
الأشياء التي فعلوها للتغلب على عاداتهم السيئة، فمشاركة النصائح والحيل تعد طريقة
رائعة لتحسين إستراتيجيات تغيير سلوكك.
سيكون
من الأسهل التخلص من عادة سيئة عندما يحصل الشخص على مساعدة من شبكة دعم، كاختيار
تحدي مع صديق للتخلص من عادة مشتركة أو مشاركة الخطة مع الآخرين للمساعدة على
الالتزام بها.
المثابرة والتعامل مع الفشل
عند
محاولة تغيير السلوك يستغرق العقل بعض الوقت لتكوين صلاتٍ جديدة وليبدأ نمطاً
جديداً من السلوك، لذلك لا ينصح بالضغط على النفس، لأن التغيير لا يحدث على الفور.
لكنّ الالتزام بالتخلي عن العادة السلبية على المدى الطويل، مع توقع بعض الأخطاء،
هو مفتاح النجاح.
تذكير عقلي
يعد
التذكير الذاتي طريقة بسيطة للتخلص من العادة السيئة، فأنت تحتاج فقط إلى حث عقلك
على الاستمرار في إخبار جسمك في كثير من الأحيان بعدم ارتكاب مثل هذه الأخطاء. على
سبيل المثال، لنفترض أن لديك عادة التحدث أكثر من اللازم أثناء الاجتماع، فعليك في
كل مرة تقوم بذلك، تذكير نفسك عقليا بأنك قمت بها مرة سابقة، وابذل جهدا واعيا
وبعد أيام قليلة ستلاحظ تحسنا، وتراجعا في ممارسة هذه العادة.
خطة للفشل
يتمكن
معظم الناس من التخلص من العادة السيئة لبضعة أيام، ثم إن زلة واحدة تجعل الأمر
يتعثر مجددا. مثل هذه الانتكاسات تحدث غالبا إذا كنت لا تخطط للفشل المتوقع،
فأثناء عملية التخلص من العادة السيئة، أخبر نفسك أنك إذا انزلقت مرة واحدة،
فستعود في اليوم التالي إلى طريق التخلص من العادة السيئة.
ابق مشغولا
إذا
كنت مشغولا فإن عقلك يبقي نفسه مشغولا، فتقل فرص ممارسة عادتك التي تريد التخلص
منها، وعندما تتوقف عن عادة سيئة، حاول الانخراط في شيء تحبه، فيكون من الأسهل
عليك البقاء بعيدا.
استخدم التذكيرات المرئية والمعلوماتية
كبشر،
نحن كائنات بصرية نحب أن ننظر ونشعر بالأشياء، لذا يفضل استخدام مؤشر مرئي مثل
ملاحظات لاصقة أو استخدام تطبيق ما يخبرك بمدة الإقلاع عن عادتك السيئة. ويبدو ذلك
حيلا بسيطة لن تؤثر على عادتك، لكنها تحدث فرقا.
في نهاية الأمر علينا أن نمتلك العزيمة والدافع لكي ننجح
في التخلص من كل العادات السيئة ونكتسب عادات جيدة تساعد علي تطور الشخصية والذات
وتجلب النضج في الشخصية سواء في مرحلة المراهقة أو مابعدها.
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment