فترة الخطوبة الناجحة في الإسلام |
فترة
الخطوبة هي من أجمل اللحظات التي قد يعيشها اثنين، خاصّة إن لم يعرف أي منهما الآخر
قبل الخطوبة، فتصبح هذه المرحلة بمثابة التعارف، ويُقدم كل منهما أفضل ما عنده، وجميع
إيجابيات، حتى ينال رضى الآخر، ثم انتهاء هذه الخطوبة بالزواج، ولكن كيف تتم هذه الخطوة.
تتمّ الخطوبة من خلال عدّة مراحل يمرّ بها الخاطب، وذويه من جهة، والمخطوبة، وذويها
من جهة أخرى، وهي كالتالي:
مرحلة التعارف
تبدأ
من خلال ذهاب والدة وشقيقات وأيّ من قريبات الخاطب إلى منزل الفتاة، بحيث تكون مرحلة
تعارف بين النساء، وقد يذهب الخاطب معهن لرؤية الفتاة، وقد يذهب الخاطب مع عائلته كوالده
ووالدته، وكلّ ذلك يتمّ بحسب عادات الناس، وعادات ذوي الفتاة، وقد تتعدد جلسات التعارف،
بحيث يُعرّف الخاطب بعمله، ودراسته، ودخله، وسكنه، ويجلس كلّ من الشاب والفتاة مع بعضهما
البعض ويتحدّثان سوياً ليتعرّف كلّ منهما على الآخر عن قُرب.
مرحلة السؤال
هنا
وبعد أن يعُجب كلّ من الطرفين بالآخر، وكذلك الأهل، تبدأ مرحلة السؤال، بحيث يقوم كل
من ذوي الشاب والفتاة بالسؤال عن بعضهم البعض، والتأكّد من المعلومات قدّمها الخاطب
عن نفسه، وكذلك العكس بالنسبة لأهل الفتاة، وبعد أن يطمئن كلاً من الطرفين بأنّ هذا
النسب مناسب، ولا مانع من الارتباط، يتم الاتصال مع ذوي الفتاة لأخذ موعد للتفاهم على
المهر وغير ذلك من تفاصيل الخطوبة والزواج.
مرحلة الاتفاق
في هذه
الجلسة قد يحضر فيها كبار عائلتي الشاب والفتاة، لأنّه وفي هذه المرحلة يتمّ الاتفاق
على قيمة المهر المقدّم والمؤخّر، والشبكة، وغيرها من الأمور التي يرغب كل منهما بالاتفاق
عليها مسبقاً، حتى يكونوا على بينة وعلم قبل كل شيء، وبعد الاتفاق قد تُقرأ الفاتحة
على نية التوفيق.
الجاهة
هنا
يتوجّه الخاطب مع أسرته، وأقاربه، من أعمام، وأخوال، وأنسباء، ومعارف إلى مكان تواجد
أهل الفتاة الذي يكونون بانتظارهم مع أقاربهم وأنسبائهم ومعارفهم، وهذه المجموعة المتوجّهة
إلى أهل الفتاة تُعرف بالجاهة، ويترأس هذه الجاهة أحد أكبر أقارب العريس أو معارفه
من حيث الجاه أو المنصب أو السن، ويتقدّم بطلب يد الفتاة من ذويها، ويرد عليه بالطلب
من هو في نفس شأنه من السن أو المنصب أو الجاه، أو قد يطلب الوالد لابنه من والد العروس،
وكل ذلك بحسب العادات والتقاليد، وهنا ومتى ما قبِل ذوي الفتاة الطلب، تُقرأ الفاتحة،
وتوزّع الحلويات على الجميع. حفل الخطوبة قد يكون الحفل في ذات اليوم الذي تتمّ به
الخطوبة ثم يبدأ الحفل، بالأغاني وتوزيع الحلويات والمشروبات على الجميع، ابتهاجاً
وإعلاناً رسمياً لهذه الخطوبة. عادات وتقاليد ما سبق هو ما يتم في معظم الأحيان، ولكن
قد تختلف العادات والتقاليد، وقد تكون أبسط من ذلك، أو أنّها قد تكون أصعب من ذلك،
فلكل بلد عاداتها وتقاليدها، فمن الناس من يشترطون على الخاطب إبرام عقد الزواج، ودفع
المهر، ولكنها تبقى خطوبة، حتى ليلة الزفاف والدخول على عروسه.
الخطوبة في الإسلام
الخطوبة
ليست زواج، بل هي وعد بالزواج؛ لأنّ الزواج لا ينعقد بقراءة الفاتحة، أو بقبض المهر،
أو بقبول الهدية، ويستطيع أي من الخاطبين أن يفسخ هذه الخطوبة، وله أن يستردّ جميع
ما دفع، ولكن الشرع يفرق بين حالتيّ الخطبة العادية، والخطبة التي يتم فيها عقد القران
الذي لم يتم فيه الدخول، فهي بالنسبة للشرع زوجته، ولكنه عقد قران بدون دخول، وله ضوابط
معيّنة نظمتها الشريعة الإسلامية.
الخطبة
هي إعلام المرأة أو ولي المرأة بالرغبة في زواجها، وهي الخطوة الأولى التي تسبق الزواج،
وهي وعد بالزواج، وفيها فرصة لتعرف الأسرتين على بعضهما. وعلى كل طرف احترام الخطوبة
سوآءا الخاطب أو المخطوبة، فالزواج له أهمية كبيرة في الإسلام لذلك لا بد من تمهيد
له وتهيئة الأجواء المناسبة لذلك، ومن هذه الوسائل الخطبة، فهي المقدمة لهذا الزواج.
والخطبة قبل الزواج وسيلة لتعرف كل من الخاطب والمخطوبة بعضهما على بعض، ويتيح المجال
لهما لفهم طبيعة كل منهما، لتحصل المودّة والرحمة بين الشريكين بعد الزواج، والإسلام
حريص على ذلك، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
شروط الخطبة في الإسلام
يُشترط
للخطبة في الإسلام عدّة شروط، نذكرها فيما يأتي:
ألا تكون المرأة متزوجة
وهو
من الشروط البديهية التي تمنع خطبة المرأة؛ فالمرأة في حال كونها زوجة لشخص آخر، فإنه
يمنع خطبتها ولا يجوز التقدم لخطبتها لا تعريضًا -أي تلميحًا- ولا تصريحًا، وهذا الحكم
ثابت باتفاق العلماء بلا خلاف؛ لأنها زوجة، ولا يجوز للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل.
ألا تكون المرأة معتدة من طلاق أو وفاة
ويتعلق
هذا الشرط بالمرأة المعتدة، والمرأة المعتدة لا تخلو من ثلاث حالات:
أن تكون معتدة من وفاة زوجها.
أن تكون
معتدة من طلاق بائن.
أن تكون
معتدة من طلاق رجعي.
وفي
حال كون المرأة معتدة من وفاة أو طلاقٍ بائن -أي المرأة التي طُلّقت ثلاث مرّات وما
زالت في فترة العدّة-؛ فإنه لا يجوز التصريح بخطبتها حال العدة، والتصريح هو ما لا
يحتمل غير النكاح، كقول: أطلب يدك للنكاح. ويجوز التعريض وهو ما يفهم منه النكاح وغيره،
كقوله: إذا انتهت عدتك فأخبريني، ودليل جواز التعريض قوله -تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي
أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ
اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا
أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ
وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
أما
المرأة المعتدة بسبب طلاق رجعي، فلا يجوز خطبتها لا تصريحاً ولا تعريضاً، لأنها ما
زالت متزوجة من زوجها، ويملك الزوج إعادتها إلى ذمته في أي وقت خلال العدة، فخطبتها
كخطبة المرأة المتزوجة، وهذا باتفاق جميع العلماء.
ألا تكون المرأة مخطوبة
وهذا
الشرط يحقق الأمان الاجتماعي بين الناس، فخطبة المرأة المخطوبة من رجل آخر لا يجوز
سواء كان تصريحاً أو تلميحاً، والإسلام يحرص على بقاء العلاقات الاجتماعية بين الناس
بشكل متوازن، وحريص على أن تبقى مشاعر المسلمين يسودها المحبة والمودة.
لذا لا يجوز خطبة المرأة المخطوبة، ولا يجوز لوليها
أن يقبل خطبتها من رجل آخر حال كون خطوبتها قائمة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ،
أَوْ يَأذَنَ لَهُ فَيَخْطُبُ).
الضوابط الشرعية لفترة الخطوبة
لا تُعدّ الخِطبة من العقود، ولا تترتّب عليها الآثار
-كما سيتبين لاحقا-، حتى وإن اقترنت بقراءة الفاتحة، أو تبادل الهدايا، أو تقديم مبلغ
من المهر، ولذلك فإنّ للخِطبة ضوابط وأحكام ينبغي مراعاتها والالتزام بها، وفيما يأتي
بيانها بشيءٍ من التفصيل:
الكلام مع المخطوبة
الأصل في الكلام بين المخطوبين عدم المنع، إلّا أنّ
له حدوداً لا بدّ لكليهما من الوقوف عندها، وعدم تجاوزها، وفيما يأتي بيان ضوابط الحديث
بينهما:
أن يكون فيما يُحقّق مصلحة الزواج بقَدر الحاجة،
ودون تجاوُزها.
ألّا تكون بينهما خلوةٌ.
أن تلتزم
المرأة بالضوابط الشرعية من الحِشمة، والحياء، وغيرها من الأمور التي تحفظ للمرأة مكانتها
وقَدرها.
ألّا
تقع المصافحة بينهما.
أن يتجنّبا
الخضوع في القول.
أن يأمن
كلٌّ منهما الوقوع في الفتنة.
النظر
إلى المخطوبة أجاز الشرع لكلٍّ من الرجل والمرأة النظر إلى بعضهما خلال فترة الخِطبة،
إلّا أنّ ذلك مُقيَّدٌ بعددٍ من الضوابط، وبيانها فيما يأتي:
يكون النظر بعد إرادة الزواج، وقصده، والعزم عليه
حقيقةً؛ لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (إذَا ألقَى اللَّهُ في قلبِ امرِئٍ خطبةَ
امرأةٍ، فلا بأسَ أن ينظُرَ إليها).
يكون النظر إلى وجه المخطوبة وكفَّيها، ودليل ذلك
ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنْتُ عِنْدَ
النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأتَاهُ رَجُلٌ فأخْبَرَهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ:
أَنَظَرْتَ إلَيْهَا؟ قالَ: لَا، قالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فإنَّ في أَعْيُنِ
الأنْصَارِ شيئًا)، والأمر الوارد في الحديث ينصرف إلى الوجه والكفَّين؛ إذ إنّ الوجه
أجمل ما في البدن، أمّا الكفّان فهما ظاهران عادةً.
يجوز
للخاطبين تكرار النظر إلى بعضهما إن دعت الحاجة؛ إذ إنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام-
لم يذكر عدد مرّات النظر في الحديث السابق، ولم يقيّده. يجوز للخاطب أن ينظر إلى من
يرى خِطبتها دون علمها؛ لما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا خطبَ أحدُكُمْ
امرأةً، فلا جُناحَ عليهِ أنْ ينظرَ إليها إذا كان إِنَّما ينظرُ إليها لِخِطبَتِهِ،
وإنْ كانَتْ لا تعلمُ).
والحِكمة من الضوابط السابقة تكمُن في سيادة المودة،
والطمأنينة بينهما، والتأكّد التامّ من بعضهما، إضافةً إلى أنّ في ذلك تطبيقاً عملياً
لسُنّة النبي -عليه الصلاة والسلام- القائل: (اذهَبْ فانظُرْ إليها فإنَّه أجدَرُ أنْ
يُؤدَمَ بينَكما)،
كما أنّ الزواج لا يقتصر على تبادل أطراف الحديث،
أو النظر فقط، بل يتشارك الزوجان جميع تفاصيل الحياة الخاصّة بكلٍّ منهما، فكان لا
بُدّ أن يتقبّل كلّ طرفٍ مظهر الآخر، وبذلك تتحقّق المودة والرحمة التي نصّ عليها الله
-تعالى- بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء اتفقوا على مشروعية النظر، ومن الضوابط
التي يجدر بالمخطوبة التحلّي بها عدم التبرُّج، أو إظهار المفاتن للخاطب؛ فهي تُعدّ
أجنبيّةً عنه في فترة الخِطبة.
عدم خِطبة المرأة من آخرٍ
لا تجوز
خِطبة امرأةٍ مخطوبةٍ للغير؛ درءاً للخصومة، أو المفسدة التي قد تقع بين الناس بسبب
ذلك، كما وردت العديد من النصوص التي تحرّم ذلك الفعل، ويُذكَر منها ما رواه الإمام
البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (نَهَى النبيُّ
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، ولا يَخْطُبَ
الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يَأْذَنَ له
الخاطِبُ)،
ومراعاةً من المسلم لأخيه المسلم، أمّا إن رفضت المرأة
الزواج من الخاطب الأول فيجوز للآخر التقدُّم لخِطبتها، والأفضل منه الانتظار مدةً
من الزمن؛ مراعاةً لشعور الخاطب الأول، واختلف الفقهاء في حكم خِطبة المرأة من آخرٍ
مدّة الانتظار، والمشاورة؛ فمنهم من قال بالجواز استدلالاً بعدم إنكار الرسول -عليه
الصلاة والسلام- خِطبة فاطمة بنت قيس من معاوية بن أبي سفيان وأبي الجهم، وقال الإمام
البغوي -رحمه الله- في ذلك: "فيه دليلٌ على جواز الخِطبة على خِطبة الغير إذا
لم تكن المرأة قد أذنت للأول وركنت إليه".
وذهب
فريقٌ ثانٍ من العلماء إلى القول بالتحريم؛ إذ إنّ العداوة والبغضاء تقع بين الناس
بسبب ذلك، والنهي الوارد عن خِطبة المسلم على المسلم لم تفرّق بين حالة الموافقة وحالة
الانتظار، وصرّح الفريق الثالث من العلماء بجواز الخِطبة على الخِطبة مدّة الانتظار
إن كان الخاطب الثاني أفضل من الأول؛ استدلالاً بإشارة الرسول -عليه الصلاة والسلام-
على فاطمة بنت قيس بالزواج من أسامة حين تقدّم اثنان لخِطبتها.
حُكم الخِطبة
انحصرت آراء الفقهاء في حكم الخِطبة برأيين، وبيانهما
فيما يأتي:
القول الأول
ذهب
الجمهور من العلماء إلى القول بجواز الخِطبة، ولم يعتبروها شرطاً لصحة النكاح، إذ يُمكن
أن يتمّ دونها.
القول الثاني
ذهب
الشافعية إلى القول باستحباب الخِطبة؛ استدلالاً بفعل الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛
إذ خطب عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-. إلّا أنّ حُكم
الخِطبة يختلف بالنظر إلى حال المرأة المخطوبة وحال الخاطب، فالخِطبة:
تجب في حقّ من يخشى على نفسه من الوقوع في الإثم.
تُحرَّم
إن وُجِد أيّ مانعٍ من موانع الزواج؛ كأن يكون الرجل مُتزوِّجاً من أربع، أو مُتزوِّجاً
من امرأةٍ مُتزوِّجةٍ، أو مُطلَّقةٍ رجعيّاً في فترة عدّتها.
تُستحَبّ
للقادر عليها ولا يخاف على نفسه من الوقوع في المُحرَّمات.
تُكره
الخِطبة لمن لم تكن لديه رغبة فيها.
تُباح خِطبة المرأة غير المُتزوِّجة، أو المُعتَدّة،
سواءً كانت الخِطبة صراحةً، أو دلالةً.
مدة الخِطبة
لم يرد
أيّ نصٍّ يُفيد تقييد مدّة الخِطبة؛ إذ إنّه أمرٌ عائدٌ إلى الخطيبَين، ولا تلزمهما؛
أي أنّ عقد الزواج يصحّ دونها، إلّا أنّ الأولى والأفضل عدم تطويل مدّتها دون أيّ حاجةٍ
تستدعي ذلك؛ إذ ورد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- الحثّ والترغيب في تسريع الزواج،
فقال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،
فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ،
فإنَّه له وِجَاءٌ).
آداب الخِطبة
للخطبة
آداب تُمكّن كلا الطرفَين من الاختيار الصحيح للمُضيّ في إتمام الأمور بينهما وصولاً
إلى الزواج، وتحقيق الطمأنينة والاستقرار، ويُذكَر من تلك الآداب:
الاستخارة والاستشارة
تُشرع الاستخارة للمسلم في أموره كلّها، سواءً أكانت
صغيرةً، أم كبيرةً، وكذلك في الخِطبة، بطلب تقدير الخير والبِرّ من الله -سبحانه-،
والدعاء بالمعروف، وتُضاف استشارة أهل الخبرة والمشورة؛ فقد روى الإمام البخاريّ في
صحيحه عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُ أصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كما يُعَلِّمُهُمُ
السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ).
بيان الأمور كلّها
لا بُدّ
للخاطب والمخطوبة من بيان الأمور كلّها، وإيضاحها، والحرص على عدم إخفاء أيّ عيبٍ قد
يؤثّر في العلاقة بينهما. الحرص على الدين والخُلُق على كلٍّ من الخاطب والمخطوبة الحرص
على الارتباط بالشخص السويّ الطيّب المعروف بأخلاقه، ودينه؛ لقوله -صلّى الله عليه
وسلّم-: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها ولِحَسَبِها وجَمالِها ولِدِينِها،
فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ)، وقال أيضاً: (إذا أتاكم من تَرضَون دِينَه
وخُلُقَه فأنكِحوه).
مراعاة مصلحة المرأة
يجدر
بوليّ المرأة، أو من أُوكِلت إليه مهمّة تزويجها أن يراعي مصلحتها، ويحرص على تحقيقها
بأيّ وسيلةٍ ممكنةٍ، وبما يُرضي الله؛ إذ إنّ الوليّ مُؤتمَنٌ عليها، ومسؤول عنها.
كيف تكون فترة الخطوبة ناجحة
التخطيط لحفل الزفاف
بمجرد
الإعلان عن الخطوبة تبدأ مرحلة التحضير لحفلة الزفاف والتخطيط لها، وفي بعض الأحيان
قد تُسبب هذه المرحلة الضغط والتوتر لدى الخطيبين؛ وذلك لكثرة التفاصيل التي يجب مناقشتها
والاهتمام بها، ومع ذلك يجب التركيز أكثر على بعض النقاط الرئيسية والمهمة لإنجاح الحفل،
وهذه النقاط هي كما يأتي:
أولاً يجب مناقشة الأمور المادية معاً وبشكلٍ صريح،
والاتفاق على ميزانية محددة تناسب الطرفين، وبناءً على هذه الميزانية يتم التخطيط لحفلة
الزفاف؛ وذلك منعاً لحدوث المشاكل أو الإحراج.
الاتفاق
على موعد حفلة الزفاف بحيث يكون مناسباً للخطيبين وعائلتيهما، والحجز باكراً خاصةً
إذا كان الموعد في فترة موسم الأعراس والحفلات.
اختيار
المكان المناسب لإقامة الحفلة.
الاتفاق
على عدد الأشخاص المدعوّين.
قضاء الوقت معاً
من الأمور
المهمة في فترة الخطوبة هي قضاء الخطيبين الكثير من الوقت معاً، مثل الخروج لتناول
العشاء، أو الذهاب للسينما ومشاهدة فيلم، أو التحدث على الهاتف يومياً، أو من الممكن
أيضاً التسجيل معاً في إحدى الدورات التدريبية كدورات تعليم اللغة، فمثل هذه الأمور
تساهم بشكلٍ كبير في تحسين علاقتهما، وتقريب الخطيبين من بعضهما البعض.
مناقشة الأهداف الشخصية
يجب
على الخطيبين في هذه الفترة أن يقوما بالتعرف على أهداف وأحلام الشريك ومناقشتها، ومثال
على ذلك التحدث معاً عن نوع العمل الذي يرغب به الشريك، أو المكان الذي يريد العيش
فيه، وإن كان يرغب في السفر أو لا، أو حتى إكمال دراسته، حيث يجب مناقشة هذه الأمور
جميعها بشكلٍ صريح وواضح، ودراسة مدى تأثيرها على زواجهما في المستقبل؛ وذلك لتجنب
الخلافات التي من الممكن أن تقع في حالة عدم تقبل الطرف الآخر لأهداف شريكه، أو تعارضها
مع أهدافه الشخصية.
التعرف على العائلة
تُعتبر
فترة الخطوبة من أنسب الأوقات لتعارف عائلتي الخطيبين على بعضهما البعض وتوطيد العلاقات
بينهما، كما أنّه خلال هذه الفترة سيتمكن كل شريكٍ من التعرف على عائلة شريكه بشكلٍ
أفضل، والتقرب منها، ومعرفة طباعهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، والأسلوب الذي يتبعونه في
حياتهم، ومحاولة إيجاد النقاط المشتركة بينهم والتركيز عليها.
الحوار
للحصول
على فترة خطوبةٍ ناجحة يجب التركيز بشكلٍ أساسي على مهارات التواصل بين الخطيبين، فمن
الأمور البديهية في أيّ علاقة توافر لغة الحوار بين الشريكين، ومن الأمثلة على ذلك
مشاركتهما لبعضهما البعض لجميع جوانب حياتهما، والأحداث اليومية التي يتعرضان لها،
والتعرف على الهوايات والاهتمامات الشخصية، فالتحدث معاً بشكلٍ متواصل وفي المواضيع
المختلفة مهما بدت بسيطة وصغيرة يساعد بشكلٍ كبير على تقوية العلاقة وتحسينها، وتقريبهما
من بعضهما البعض، وفهم شخصية الآخر بصورةٍ أوضح.
نصائح لفترة الخطوبة
فيما
يأتي بعض النصائح التي من المفضل اتباعها وذلك للحصول على علاقةٍ سليمة وناجحة خلال
فترة الخطوبة:
الثقة المتبادلة بين الخطيبين، والإيمان بقدرات ومهارات
الشريك، وتقديم الدعم والمساندة له بشكلٍ دائم.
على
كل من الخطيبين منح شريكه المساحة الخاصة به، وعدم تقييد حركته، ومحاصرته، ومطالبته
باستمرار بقضاء الوقت معه، كما تُعتبر محاولة التحكم بالشريك وبتصرفاته نوعٌ من عدم
الثقة به؛ مما قد يؤدي إلى نفوره ورغبته بالابتعاد.
التزام
الصدق والصراحة عند التعامل مع الشريك، والابتعاد تماماً عن الكذب، أو إخفاء الحقيقة؛
فمثل هذه التصرفات تعمل على كسر الثقة، وتدمير العلاقة. الاحترام المتبادل من أساسيات
نجاح العلاقة بين المخطوبين، حيث إنّه يجب على الشريكين إبداء كامل الاحترام والتقدير
لآراء الشريك وأفكاره، وأهدافه، حتى وإن كان هناك اختلافٌ بينهما، كما يجب عدم التقليل
من شأنه، أو السخرية منه، أو إحراجه خاصةً أمام الآخرين، فمثل هذه الأمور قد تؤذي مشاعر
الشريك، وتؤثر سلباً على العلاقة مع مرور الوقت.
على الخطيبين إدراك حقيقة أنّه لا يوجد إنسانٌ خالٍ
من العيوب، وبالتالي التخلي عن فكرة أو توقع أن يكون كل شيءٍ مثالي، وفي مكانه الصحيح،
كما يجب العمل على محاولة فهم بعضهما البعض أكثر، والتركيز أيضاً على الصفات الإيجابية
التي يمتلكانها.
التحلّي بالمرونة عند التعامل مع الطرف الآخر، وذلك
بالتغاضي عن أخطاء الشريك غير المقصودة، وعدم محاولة السيطرة وفرض الرأي الخاص، ولا
بأس من تقديم القليل من التنازلات البسيطة من حينٍ لآخر وذلك لحل الخلافات والنزاعات
التي قد تقع بينهما، والعمل على إيجاد حلولٍ وسطى يرضى عنها الطرفين معاً.
تُعتبر فترة الخطوبة الوقت المناسب للبدء بالاعتناء
والاهتمام بالنفس والجسم، مثل العمل على إنقاص الوزن الزائد، وممارسة التمارين الرياضية،
وتغيير العادات الغذائية السيئة، واتباع النظام الغذائي الصحي، واعتماد هذه الأمور
كنمط حياةٍ دائم.
الرجوع عن الخِطبة
تهدف
الخِطبة للوصول إلى التوافق بين الرجل والمرأة؛ لتكوين أسرةٍ ناجحةٍ، إلّا أنّ أحد
الطرفَين، أو كلَيهما قد يتراجعان عن الارتباط بالآخر لعدّة أسباب، وهو ما يسمّى بالفقه
الإسلامي (العدول عن الخِطبة)، فالعدول لغةً يُقصَد به: العزوف أو الترك، أمّا في الاصطلاح
الشرعي فالعدول: رجوع أحد الخاطبَين، أو كلَيهما عن قراره المُتعلّق بالخِطبة بعد رضاهما
بها. وأهل العلم في هذه المسألة على قولين، هما:
القول الأول
ذهب
المالكية إلى القول بكراهة التراجع عن الخِطبة؛ إذ إنّها وعدٌ بالزواج، ويُكرَه للمسلم
أن يُخلف وعده، وعلى ذلك نصّ الحنابلة إن كان العُدول دون غرضٍ أو حاجةٍ.
القول الثاني
ذهب
الحنفيّة والشافعية والحنابلة إلى القول بجواز العُدول والتراجع عن الخِطبة. أمّا الهدايا
التي قدّمها الخاطب للمخطوبة، والمال الذي أُعطِي لها خلال فترة الخطبة، فقد اختلف
الفقهاء في حُكمها، وذهبوا في ذلك إلى أربعة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:
القول الأول
قال
الحنفية بإرجاع كلّ ما أُهدِي للمخطوبة من أشياء ذات قيمةٍ أو مالٍ، إلّا ما قد تَلِف،
أو لم يعد موجوداً.
القول الثاني
قال
بعض المالكية بعدم إرجاع أيّ شيءٍ من المخطوبة، حتى وإن كان العُدول من طرفها، ويُستثنى
من ذلك ما يُستعاد بحسب عُرفٍ، أو شرطٍ، واستدلّوا بحديث رسول الله -صلّى الله عليه
وسلّم-: (ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ، الذي يَعُودُ في هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَرْجِعُ
في قَيْئِهِ).
القول الثالث
ذهب أكثر الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّ كلّ
ما قدّمه الخاطب من الهدايا إلى المخطوبة يُسترَدّ بعينه، أو بقيمته إن كان هالكاً،
وقالوا بأنّ تلك الهدايا تختلف عن الهِبة المُقدّمة بلا عوضٍ، وإنّما هدية المخطوبة
في حقيقتها مُنِحت بغرض بقاء العقد.
القول الرابع
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment