شبح الطابق العلوي الحلقة الأولي |
كان
زوج خالتي تلك يعود من عمله قبيل المغرب فكانت تعد خالتي بعض الطعام حيث نذهب سويا
إلى تلك المزرعة لتفقد الأحوال هناك فنجلس في ذلك الكوخ المبني من الصاج وبجوارنا المذياع
والشيخ عبد الباسط بصوته الرخيم الرائع نسترق السمع له أثناء تناولنا الطعام ثم نعود
في المساء سيرا على الأقدام لمسافة قد تتجاوز الخمسة كيلومترات في وسط الظلام حتى أنني
ما زلت أتذكر ذلك الهر الأسود الذي كان يرافقنا في الطريق في الظلام.
يسير
أحيانا بجوارنا يتلامس مع أقدامنا يختفي فجأة ثم يظهر فجأة مرة أخرى حتى نصل إلى أقرب
ضوء في الطريق ثم يختفي مرة أخرى، كان زوج خالتي يخبرني عندما يشاهد ذلك الهر يسير
بجوارنا قائلا:
ــ لا
تحاول أن تثيره أو تزعجه، فقط تجاهله ولا تهتم به أتركه في شأنه حتى يتركنا في شأننا
ــ لماذا
يا زوج خالتي؟!!
ــ في
تلك الأماكن في الظلام لا تثير غضب أي حيوان وخاصة لو لونه أسود فربما يكون أحد مخلوقات
الله
لم يفسر
زوج خالتي أكثر من ذلك ولم يشف غليلي وفضولي هذا ولم أفهم ماذا يقصد لكن عندما اختليت
به قلت له:
ــ ماذا
كنت تقصد بما أخبرتني به في الطريق؟!!
تطلع
إلي وهو يتأمل ملامح وجهي الذي يكاد أن ينطق بما يجول بداخلي من فضول لمعرفة سبب ما
أخبرني به أثناء عودتنا في هذا الطريق قائلا:
ــ كان
والذي في يوم ما عائدا من الأرض في الظلام يمتطي ذلك الحمار الخاص به وأثناء عودته
في الطريق شعر أن الحمار حجمه يتزايد ويرتفع عن سطح الأرض أكثر فأكثر ثم يعود إلى وضعه
الطبيعي، كان يتلاعب بوالدي في أثناء عودته فأيقن والدي أن هذا ليس بالحمار بل جن يفعل
ذلك ليخيف والدي فأخرج شيء ما يشبه إبرة الخياطة يطلقون عليها بالعامية (مسلة) وهي
تستخدم في خياطة أجولة الأرز لكي يتم تخزينها ثم دفعها بقوة في بطن الحمار حتى عاد
إلى منزله ثم أخرج هذه (المسلة) ولم يصب الحمار بضرر من هذا
ــ وهل
كان هذا الشيء بالفعل من الجن؟!!
ــ قديما
كان من المعروف أن الجن يفعل ذلك ويتلاعب بالبشر لكي يبث الرعب والخوف في قلوبهم لذلك
كانوا دائما يحملون تلك الأشياء حتى يسببوا ألما لهم لكي لا يتلاعبوا معهم من جديد
وهذا كان شائعا قديما
ــ وماذا
عن ذلك الهر؟!!
ــ بلا
شك أنه ربما يكون جن يسيرا بجوارنا فرغبت أن أنبهك بألا تقترب منه حتى لا يسبب أذى
لنا جميعا
لم أكن
أنا الوحيد الذي يذهب إلى خالتي تلك، ففي الواقع منزل خالتي وزوجها قبلة لكل الأقارب
حتى أنني أتذكر أننا كنا نجلس على الأرض أثناء الغذاء من كثرة العدد الذي يتواجد في
منزل خالتي وأحيانا نأكل غذاءنا علي عدة مراحل بسبب العدد الموجود في بيت خالتي تلك.
الأسرة
بالرغم أن الطابق العلوي كان خاليا لا يقطنه أحد ولم أكن أعلم لماذا حينئذ ولم يسترع
انتباهي أن أتساءل لماذا هذا؟!!... ربما لظني أن الجميع يفضل النوم معا في نفس المكان،
في ليلة ما كنت نائما مع اثنين من أبناء خالتي وأقرباء زوج خالتي في مخدع واحد في الطابق
السفلي فلم أستطع النوم بسبب أنني لم أكن قد تكيفت بعد علي النوم مع أشخاص أخريين في
نفس المخدع فظللت مستيقظا طوال الليل ولا أستطيع أن أنام أو حتى أغفو لبعض الوقت، كل
شيء كان هادئا حولي والصمت يغلف المكان وأنا أشعر بالأرق أتابع الآخرين وهم في سبات
عميق ماعدا أنا، في حدود الساعة الثالثة بعد منتصف الليل بدأت أسترق السمع لأصوات تصدر
من الطابق العلوي كأنها مثل الخيول التي تجري فوق رؤوسنا تدق بعنف بأرجلها ثم تهدأ
تلك الأصوات لفترة ثم تعاود في الظهور مرة أخرى، لم تكن مجرد ضوضاء أو مصدرها الطريق
ولكنها مثل شيئا يركض مندفعا سريعا في خطواته ثم يقف في مكان ما في الطابق العلوي كأنه
يكاد أن يصطدم بحائط ما.
حتى
رغبتي في النوم قد تلاشت عندما انتبهت لما يحدث فوق رأسي في الطابق العلوي وبدأت أتساءل
عما يجري بأعلى هل هنالك أحد ما في ذلك الطابق أم ربما تكون خالتي بالأعلى ترتب بعض
الأشياء؟!!... أنا أراقب تلك الأصوات ربما بسبب عدم قدرتي على النوم أو الفضول الذي
بدأ يستيقظ بداخلي، تمر فترة سكون أخرى ثم يعود هذا الصوت يلقي بصداه داخل أذني فالأصوات
واضحة لي ولا أستطيع أن أتجنبها ولا يوجد شك في ذلك فهذه ليست أوهاما بالطبع.
في الصباح
الباكر عندما استيقظت توجهت نحو خالتي قائلا:
ــ طاب
صباحك خالتي العزيزة
ــ طاب
صباحك يا بني
ــ خالتي
أثناء الليل سمعت ضوضاء صادرة من الطابق العلوي بالرغم أن هذا الطابق لا يقطنه أحدا...
أخبريني خالتي ما هي تلك الأصوات؟!!
شعرت
بالارتباك يسطر ملامحه علي ملامح خالتي وأنها أرادت أن تشتت انتباهي عن تلك الأصوات
قائلة:
ــ لا
ليس هنالك شيء في الطابق العلوي ربما قد توهمت بذلك أو ربما هذا الصوت قادم من جيراننا
لكن بالتأكيد ليس هنالك شيء في ذلك الطابق
كانت
تتكرر تلك الأصوات كل يوم فكنت أسمعها وأتجنب التفكير فيها حتى أنني في يوم ما رغبت
في أن أصعد إلى ذلك الطابق، الطابق العلوي لكي أقضي ليلتي تلك هربا من كل تلك الآسرة
المزدحمة بالضيوف في الطابق السفلي.
كانت
هي الليلة الأولى لي في هذا الطابق، فهو بلا شك طابق منظم به العديد من الأثاث والأسرة
الناعمة المريحة مما منحنى قدر من البهجة والقلق في ذات الوقت، يكفيني ذلك الشعور آنذاك
بأنني سوف أخلد إلي النوم في مخدع بمفردي وهذا بلا شك قمة السعادة لي،
على
الرغم من سعادتي تلك في تلك الليلة وأنني أخيرا سوف أستمتع بالنوم بمفردي في هذا الفراش
الوثير ولكن كل ذلك لم يطرد الأرق والتفكير فيما يحدث في هذا الطابق من أشياء تبدو
غريبة لي، كنت أبذل جهدا مضنيا لعدم التفكير في تلك الأشياء حتى أخلد إلي النوم مثل
باقي أولاد خالتي.
أثناء
نومي كنت أستطيع أن أرى الردهة المؤدية إلي الحمام حيث إنها عبارة عن ممر بسيط ومظلم
لا يتخطى حاجز المترين وهنالك تلك الستارة التي تغطي جزءا من مدخل تلك الردهة فتلقي
بظلالها علي الجزء الآخر فتمنحك شعورا بأنها بوتقة حالكة الظلام، كنت أشعر بأن هنالك
شيء ما يقف في هذه الردهة وأحيانا أشاهد شيئا ما بسرعة يظهر مثل نقطتين من الضوء الأحمر
الذي يظهر فجأة ويختفي فجأة، آنذاك لم أكن متأكدا أن هذا حقيقي أو مجرد خيالات تداعب
مقلتي التي أرهقهما السهر فالنوم يجافيني دون إدراك مني بذلك.
فضولي
دفعني إلى تفحص تلك الردهة والذهاب إلى الحمام فعندما بدأت أخطو أول خطوة في تلك الردهة
شعرت بانتصاب شعر رأسي وهذه بادرة غير جيدة بالنسبة لي، فالرعشة بدأت تسري في جسدي
كأنها مثل الصاعقة حتى كادت ساقي تتخبط في بعضها البعض دون أتحكم فيهما، تلك المشاعر
سلبت مني قدرتي علي السيطرة علي خلجات قلبي الذي بدأ ينبض بقوة كأن شيء ما منحه الكثير
من الأدرينالين ليزيد من نبضاته التي بدأت أسترق السمع لها بداخل أذني، شعرت بعد ذلك
أن هنالك شيء ما يسير خلفي، ربما هذا وهم وربما يكون حقيقيا وعقليا يرفض ذلك حتى أنني
نظرت خلفي فجأة فلم أجد شيئا، كل شيء هادئ والسكون يغلف المكان ماعدا بعض قطرات الماء
التي تتساقط من ذلك الصنبور فيملأ هذا السكون صدى بقوة اصطدام هذه القطرات المتساقطة،
لكن هنالك شيء ما أكاد أن أجزم به، هذا الشيء أشعر به داخل هذه الردهة أو في المنطقة
القريبة منها فقط، كيف أستطيع أن أستسلم للنوم وهذا الشيء يتواجد في تلك الردهة كامنا
ربما ينتظر اللحظة المناسبة لكي ينقض علي ويفزعني ويجعلني أموت من الرعب والجزع عندما
أشعر به يكتم أنفاسي تلك المتلاحقة.
في اليوم
التالي ركضت نحو خالتي وأنا في تلك المرة لدي يقين بما شعرت به في ذلك الطابق قائلا:
ــ خالتي
بلا شك يوجد شيء غريب في هذا الطابق، شيء شعرت به كاد أن يتلامس مع جسدي... أنا لدي
يقين بذلك دون أدنى شك
ــ يا
بني إنها مجرد أوهام يهيئها لك عقلك فلا تصدق هذا فلا يوجد شيء غير مألوف في هذا الطابق،
دعك من كل تلك التخاريف ولا ترويها لأحد حتى لا تسبب ذعرا ورعبا للآخرين... ربما سمعت
بعض الضوضاء القادمة عبر الحائط من جيراننا لا أكثر من ذلك... إنسي أمر تلك الأصوات
التي سمعتها ولأتفكر بها
لم أقتنع
بكلمات خالتي والتي تحاول أن تهدأ من روعتي وتنفي ما شعرت به وأنها ليست أكثر من أوهام
تنتابني أنا فقط دون الآخرين.
لم أجد
أحدا يثير الموضوع أو يتحدث عنه ولم أرغب أن أفتعل شيئا ربما لا يشعر به أحد سواي حتى
لا تغضب مني خالتي وحاولت أن أتفادى التفكير أو إثارة هذا الموضوع مرة أخرى حتى تغضب
خالتي مني فأنا مجرد زائر مثل الباقي.
بعد
مرور أكثر من عامين عن هذه الأحداث التي كانت تثير اهتمامي بين الحين والأخرى ومحاولاتي
عدم إثارتها مرة أخرى، في يوم ما كنت جالسا مع أخي الأكبر الذي كان هو أيضا يقضي بعض
الوقت من أجازته الصيفية هناك، فكلنا هناك نعمل طوال الوقت فليس هنالك وقت للمرح أو
اللعب وكان لزوج خالتي تلك القدرة علي أن يوزع الأعمال والمهام علي الجميع بغض النظر
عما سوف يفعل ذلك أحد أبنائه أو أحد المقيمين لديه فالكل عليه أن ينفذ المهام المكلف
به، وكان كثير يعتمد علي في ذلك لأنه كان يظن أنني عبقري ولكن في واقع الأمر كنت أسبب
له الكثير من الكوارث، تذكرت تلك الأحداث التي مرت بي ورغبة خالتي في عدم إثارتها مرة
أخرى فتحدثت معه عما كنت أشعر به وأسمعه من أصوات في الطابق العلوي فكانت المفاجأة
لي أنه أكد لي أنه سمع كل تلك الأصوات وأنه كان يخشى المبيت في ذلك الطابق منفردا هو
أيضا بسبب ما كان يشعر به من أشياء غريبة في هذا الطابق، كانت مفاجأة لها صدى هائلا
بداخلي لأنني لم أكن أتوقع ذلك.
انتهت
بقلم
الكاتب الدكتور
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment