لعنة الجبل الفصل الرابع |
بلا
شك في أن دخول مستر جيمس في حياة همام قد غير الكثير من مفاهيمه وإدراكه للأماكن الكثيرة
خارج دائرته البسيطة فمستر جيمس كان البوابة الرئيسية لهمام لكي يشعر أن هنالك أشياء
أخرى كثيرة تدور في فلك الإنسان في العموم أكثر مما يدركه همام حتى بقراءته كل تلك
الكتب.
أثناء
سفر همام من الأقصر عائدا إلي قريته قرر المبيت بجوار تلك المجموعة من النخل المترامية
في منتصف الطريق ما بين الأقصر والقرية حيث إنها قريبة من منبع ماء عذب يستطيع النوم
بجواره والراحة أيضا حيث قرر همام قضاء ليلته تلك بجوار البئر يتأمل السماء وخاصة أن
تلك الليلة السماء صافية ولكي يتذكر كلمات مستر جيمس عن طموحه في كشف جديد عن حضارة
الأجداد في وادي الملوك.
شعر
همام أثناء جلوسه بأن هنالك شخص ما يقف في الظلام ولا يقترب منه، فقط يقف في حالة ثبات
فظن همام أنه ربما عابر سبيل يبحث عن ماء أو مساعدة فلم يجد مفر أن يصيح علي ذلك العابر
قائلا:
ــ أهلا
بك يا رجل تفضل واجلس نتشارك العشاء إذا كنت غريبا عن المنطقة
لم يتحرك
هذا الرجل من مكانه في الظلام ولم يرحب أو ينطق بأي كلمة علي دعوة همام الجلوس والمشاركة
في الطعام.
فتعجب
همام لذلك فكرر الدعوة أكثر من مرة ولكن لم يجد أي استجابة من ذلك الشخص فقرر همام
القيام والاقتراب من ذلك الرجل ليقترب منه ليعرف لماذا لا يقترب منه ولكن همام كلما
أقترب بالرجل يبتعد وتبقي نفس المسافة دون أن يتحرك من الظلام.
بدأ
الشك يزداد في قلب همام ومن هذا الرجل فأسرع بخطواته تجاه الرجل حيث اقترب من وجه ذلك
الرجل حيث إنه كان يبتسم لهمام فشعر همام أن تلك الملامح ليست غريبة عنه بل يتذكرها.
توقف
لحظة وهو ينظر إلى ذلك الرجل بابتسامته حيث نطق همام بكلمة تلقائية قائل:
ــ أبي...
هل أنت أبي؟
لم يشعر
همام بنفسه حيث انطلق نحو ذلك الرجل ولكن فجأة اختفى ذلك الشبح بابتسامته ولم يجد همام
شيئا حوله فقط ظلام الليل يكسو علي حيرته وفزعة مما شاهده في تلك الليلة حيث عاد إلى
مخدعه.
عندما
عاد همام إلي القرية لم يرغب في الحديث عما شاهده في تلك الصحراء فربما في تلك اللحظة
كان ذهنا هماما مشوشا وأن كلا ما شاهدة عبارة عن خيالات وأوهام نتيجة فترات التأمل
الطويلة التي يقضيها في تلك الصحراء.
شعر
همام أنه لا يرغب أن يتحدث مع أحد أو يعود إلي الأقصر مرة أخرى بل أراد أن يتعمق أكثر
في قراءة الكثير من الكتب عن حضارة الأجداد ومن هي الملكة التي ممكن أن يكون لها تاريخ
في تلك المنطقة؟!!... لم يكن معه في تلك الخلوة أحد سوى صديقه خالد الذي بدأ يشعر أن
صديقة همام بدأ يتحدث بطريقة مختلفة وعسيرة في أن يفهم ماذا يريد همام من وراء تلك
الأفكار.
مرت
الأيام والأسابيع حتى أنه بدأ ينسي رؤية أبيه في تلك الصحراء ولكنه في ليلة ما كان
عائدا من طريق الجبل حيث يطلق همام العنان لأفكاره عندما تكون السماء صافية حيث إنه
نسي الوقت فلما تذكر خوف أمة دائما عليه خصوصا عندما يقضي تلك الليالي بجوار الجبل
فأثر العودة إلى المنزل ولكن عندما عاد إلى المنزل وجد أمه وجده في سبات عميق ولكن
عند مروره في صحن المنزل شاهد شيء ما يجلس على ذلك المقعد الحجري فتوجس خيفة همام ولكنه
أراد أن يقترب من هذا الشيء الغامض وعندما اقترب همام أكثر اكتشف أنه أبية بتلك الابتسامة
التي كان يجدها عند عودته من الكتاب عندما كان صغيرا.
أراد
همام أن يقترب أكثر لأنه يشعر بالحنين إليه وإلي ابتسامته ولكن عندما اقترب همام اختفى
ذلك الشبح وترك همام وحيدا في ظلمة صحن المنزل.
أدرك
همام أن ما شاهده ليس وهم ولا خيالات بل حقيقة ولكن السؤال هنا لماذا بدأ يظهر ذلك
الشبح لهمام لي يذكره بأبيه وماذا يريد من همام وما الحكمة من كل ذلك ولكن العجيب أن
أباه في تلك المرة لم يكتف بالابتسامة فقط بل أشار إلي حجرة جده الشيخ يوسف وهو حزين
كإشارة لشيء ما قبل اختفائه بلحظات بسيطة.
شعر
همام في تلك الليلة أن ليس بقبيل الصدفة تلك الرؤيا لوالده بل أن هنالك رسالة ما يريد أن يصلها الأب له ولكن ما هي تلك
الرسالة وما المقصود بها؟
شعر
همام في الأيام التالية لتلك الليلة أنه يريد أن يتحدث مع أحد لكي يخبره بذلك فلم يجد
سوي جده ليخبره بتلك الرؤيا لعلة يجد تفسير لها.
أثناء
عودة همام بعد صلاة العشاء من المسجد وجد جده يجلس في صحن البيت يسبح في حالة من السكون
الروحاني حيث جلس همام بهدوء بجوار جده دون أن يتحدث بشيء فنظر إليه جده إليه بابتسامة
رقيقة قائلا:
ــ ما
الذي يحيرك يا همام؟ أخبرني بما يشغل بالك
تعجب
همام عندما ألقي جده هذا السؤال عليه فكيف شعر بما يفكر فيه فأجابه همام قائلا:
ــ وكيف
عرفت يا جدي أني في حيرة من أمري؟
أجابه
الجد بابتسامة قائل:
ــ تلك
حكمة وخبرة السنين يا ولدي وليس لي غيرك لكي أشعر بما يشعر به فقد أخبرني بما يدور
في ذهنك
أجاب
همام بتلقائية قائل:
ــ لقد
رأيت أبي يا جدي
أجابه
الجد بتعجب ودهشة قائل:
ــ أين
رأيته يا ولدي أحكي لي كل شيء بالتفصيل
بدأ
همام يخبر جده بما شاهده في الصحراء حتى وصل في نهاية الأمر عندما شاهده في صحن المنزل
وهو يشير إلى غرفة الجد وهو حزين.
في تلك
اللحظة شعر همام أن الجد كان منتبها لحديث همام وعندما سمع أن والد همام قد أشار إلي
غرفته فشعر بالفزع والحزن ولم ينطق بشيء سوى أنه قال لهمام:
ــ لله
من قبل ومن بعد يا همام فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا يا ولدي
شعر
همام في تلك اللحظة أن جده لم يفسر له شيئا بل ذاد الأمر تعقيدا فلما كل هذا الفزع
والحزن الذي رسم بظلاله على ملامح جده وما علاقة ما يحدث بالجد فالأمر أصبح أكثر تعقيدا.
أصبحت
الأيام تمر ثقيلة وكئيبة وهماما ليس له رغبة في القراءة أو حتى الجلوس مع خالد بل وجد
جده أصبح أكثر عزلة وبدأت الشيخوخة تزحف نحوه سريعا كأن أيامه في تلك الحياة أصبحت
معدودة بعد تلك الرؤيا.
في تلك
الليالي الصيفية كان يشعر همام دائما بحنين نحو الجبل يقضي الكثير من الليالي يتأمله
ويشعر أن هنالك شيء ما يربطه بهذا الجبل وأنه لا يخشى الصعود إليه بل يشعر بأنه سعيد
وهو في كنفه ولكن في إحدى الليالي وهو في حضن الجبل شاهد أباه للمرة الثالثة ولكن همام
لم يتحرك من مجلسه بل ظل ينظر إليه وهو في حالة لامبالاة حيث صرخ في وجه أبيه قائلا:
ــ ماذا
تريد مني؟ أنت لست أبيا وأنت تريد جنوني ولا أعلم لماذا فأبتعد واغرب عن وجهي
لكن
ذلك الشبح لم يختف بل كان يشير إلى الجبل بيده وهو ينظر إلي همام كأنه يكمل تلك الرسالة
التي بدأها منذ شهور ولكن همام لا يدرك معناها حتى الآن فقط اختفى الشبح ولم يتحرك
همام من مجلسه.
مستر جيمس واللغز
شعر همام أن كل تلك الأحداث التي حدثت له سوف تسبب له الجنون
بلا شك وخاصة أنه لا يجد من يستطيع أن يستوعب حديثه وأفكاره التي تجول في عقله والألغاز
التي لا يجد لها إجابة فقط مكوثه في القرية أكثر من ذلك سوف يؤدي به إلي الجنون ولكنه
في غمار كل هذا تذكر مستر جيمس وطريقته في الحوار والتفكير لذلك قرر همام العودة إلى
الأقصر لكي يتحدث مع صديقه مستر جيمس في ذلك ربما يجد لديه الحل لكل ما يحدث له منذ
الصغر.
عندما وصل همام إلى الأقصر لم ينتظر حتى المساء لكي يذهب
إلي المقهى ولكنه ذهب علي الفور وجلس علي طاولة مستر جيمس المفضلة لديه حتى غابت الشمس
وزحف الليل بنجومه علي ليل الأقصر الصيفي.
في المساء شاهد همام مستر جيمس قادم من بعيد حيث شعر بالسعادة
لرؤيته كذلك مستر جيمس أظهر ترحابه بهمام قائلا:
ــ صديقي العزيز همام الذي يظهر في حياتي فجأة ويختفي فجأة
أيضا مثل أشباح الصحراء
ابتسم همام قائلا:
ــ نعم مستر جيمس مثل أشباح الصحراء ولكني عد إليك مرة أخرى
لكي أستمع إلي نصيحتك في موضوع ما
ارتسمت علامات التعجب علي ملامح مستر جيمس قائلا:
ــ ما الأمر يا همام أخبرني بماذا حدث لك؟
بدأ همام يروي قصته منذ موت أبيه وبماذا قالت له السيدة العجوز
عن الملكة والجبل واللعنة التي لا يعلم عنها شيء حتى ظهور أبيه بهذا التسلسل وما هي
الرسالة من كل تلك الأحداث وبما يريد أن يخبره أبوه وهو لا يستطيع أن يفهم تلك الرسالة
ولكنه لم يستطع أن يخبره بقصة التماثيل التي شاهدها مع جده أو مع الشيخ عثمان خوفا
أن يعلم هذا السر أحد آخر فيسبب المشاكل لأهل قريته.
نظر مستر جيمس إلى همام ثم أشعل البايب الخاص به وأخذ ينظر
أمامه في حالة من التفكير والسكوت العميق.
مرت دقائق من السكوت علي همام كأنها دهر كامل وهو ينتظر ماذا
سوف يقول له مستر جيمس علي كل تلك الأحداث ولكنه لم يتحمل همام كل هذا فنظر إلي مستر
جيمس قائلا:
ــ أخبرني مستر جيمس لماذا كل هذا ومن هي تلك الملكة ولماذا
يخشى أهل القرية من اللعنة؟
أجابه مستر جيمس بأنه ليس لديه إجابة واضحة حول ذلك فالتاريخ
لم يتحدث كثيرا حول الملكات وخاصة أن تلك المنطقة التي تقع فيها قريتك وذلك الجبل لم
يذكر عنه شيئا في التاريخ أو حتى في الكتب التي قرأتها عن الحضارة الفرعونية فربما
في ذلك الجبل شيء ما مرتبط بملكة ما لم نكتشفها حتى الآن لكن العجيب في الأمر أن الفراعنة
لم يسكنوا تلك المناطق بل هي قريبة إلى حد ما من مقابر الملوك والملكات في ذلك الوادي
سكت قليلا همام ثم قال:
ــ وماذا عن اللعنة التي يخشاها أهل القرية مستر جيمس
لقد اكتشفنا الكثير من الكتابات الهيروغليفية في بعض المقابر
حيث تخبرنا أن تلك المقابر لديها الحماية والقوة من خلال سحر الكهنة وتسخير الجان لهذا
الأمر وأن من يفتح تلك المقابر سوف يصاب باللعنة وأنه سوف يموت وتذهب روحه في الجحيم
ولن تجد الطريق إلى الحياة الأبدية والكثير من الجمل الترهيب والتخويف حيث كان الفراعنة
يكتبونها علي أبواب المقابر لترهيب وتخويف من يجرؤ علي سرقة تلك المقابر من اللصوص
والباحثين عن الكنوز ولكني يا همام لا أؤمن بذلك سواء باللعنة أو السحر فأنا عالم أؤمن
بالأشياء المادية التي أشاهدها فقط ولا أؤمن بالتخاريف التي تصل إلى أذاننا من هنا
وهناك
أجابه همام قائلا:
ــ لقد ازدادت حيرتي أكثر بكلامك هذا مستر جيمس ولكن ماذا
عن رؤية أبي وماذا يريد مني؟
أجابه مستر جيمس قائلا:
ــ لا أعلم ماذا يريد منك ولكني دعني أخبرك بشيء مهم ومرتبط
في كل الأحداث وهو الجبل فالكل يشير إلى الجبل فبلا شك في أن اللغز في القرية وحل اللغز
في الجبل يا همام
شعر همام في تلك اللحظة أن مستر جيمس بتفكيره المنطقي بدأ
في إظهار بعض النقاط التي لم يلاحظها من قبل فالجبل هو السر والكل يشير إلى الجبل إذا
الإجابة هناك في الجبل وليس في الأقصر.
شعر مستر جيمس بصدى كلامه داخل عقل همام وأن همام بدأ ينظر
إلى هذا الجبل من مقعده الذي يجلس عليه بجوار مستر جيمس بل شعر مستر جيمس أن هنالك
أيضا مغامرة شيقة وربما اكتشاف يغير الكثير من مجريات التاريخ ويجعله علامة بارزة في
علم الآثار المصرية.
نظر مستر جيمس إلى همام قائلا:
ــ هل تريدني أذهب معك إلى هذا الجبل؟
أجابه همام بابتسامة ساخرة قائلا:
ــ هذا من رابع المستحيلات يا مستر جيمس فشيوخ القرية لن
يسمحوا حتى أن تطأ قدمك القرية فما بالك بذلك الجبل الذي يحمل كل تاريخهم وجدودهم بالطبع
لن يسمحوا لي بذلك ولكن دعني أذهب وأرى ماذا يحدث في هذا الجبل
أجابه مستر جيمس وهو يهز رأسه قائلا:
ــ حسن فلتذهب أنت لترى ما في داخل هذا الجبل ولكن أرجوك
سجل كل ما تراه وإذا وجدت بعض الكتابات الهيروغليفية فلترسمها بدقة ثم آتني بها لنري
بماذا تخبرنا تلك الكتابات عن من يسكن ذلك الجبل وما هي تلك اللعنة السخيفة التي تسكن
قريتكم يا صديقي العزيز
أجابه همام قائلا:
ــ حسن مستر جيمس سوف أفعل ذلك
عندما عاد همام إلي القرية لم يكن قد اتخذ القرار بالصعود
إلي الجبل فالمشكلة لم تكن بداخل همام فالمشكلة أن همام يدرك أن شجاعته ليست كافية
لكي يذهب إلى هذا الجبل فالقرار لم يكن بتلك السهولة لأنه لم يصعد هذا الجبل من قبل
فالتأمل بجواره يختلف تماما عن الصعود إلى قمة هذا الجبل لكي يحاول أن يجد شيء ما يجعله
يدرك ماذا يحدث من حوله فهذا الجبل الكل كان يخشى الصعود إليه فهو بالنسبة له شيء محرم
من بعد وفاة والده حيث يتذكر علامات الفزع علي وجه أمه عندما تعلم أنه ذهب مع أقرانه
ليرعوا الغنم بجوار الجبل كانت تنهره وتبكي قائلة:
ــ يكفيني ما حدث لوالدك فليس لي أحد سواك يا همام فأنا أعيش
من أجلك أنت حبيبي فلا تحرمني منك
يتذكر همام كلمات أمه وهذا يجعله في حيرة أخرى فالصعود إلى
الجبل ليست مجرد رحلة بحث عن الحقيقة ولكن ربما تكون رحلة دون عودة مثل رحلة أبيه حينما
صعد إلى هذا الجبل منذ أكثر من عشر سنوات ولم يعد ولم يجدوا له جثة حتى أنه لم يكن
مثل باقي أقرانه يستطيع أن يذهب إلي مدافن القرية لكي يبكي علي قبر والده ويتحدث إليه
مثل باقي الأطفال حينما يشعر بالوحدة والحزن.
فقط مرت تلك السنوات لا يعلم كيف مات والده أو كيف أختفي
فكل ما يعلمه أن والده صعد إلى هذا الجبل فقط ولم يعد إلى المنزل مرة أخرى.
حتى ولو اتخذ قرارة للصعود إلي الجبل فكيف يستطيع أن يخبر
أمه وجده بهذا فالحال ليس مثل ذي قبل فالأم تبحث عن زوجة لهمام لكي تري أحفادها في
المنزل الخالي تريد أن تسمع ضحكات أطفال همام تمرح وتلعب في المنزل تريد أن الحزن يهرب
من هذا المنزل بعد كل تلك السنوات من الحزن والدموع المتحجرة في عيونها بالرغم حالة
السكوت التي تعيشها طوال الوقت.
لم يستطع همام أن ينسي أيضا جده الذي أصبح كهل وتخطي عمره
العقد الثامن، فالحركة أصبحت بطيئة يخرج فقط من أجل الصلاة في المسجد ثم يعود إلى المنزل
ليعيش في خلوته كأنه ينتظر شيئا ما سوف يحدث لا أحد يشعر بذلك سوي الجد فقط دون أن
يخبر أحد بما يدور أو يشغل باله، فقط ينظر إلي همام علي أنه ما تبقي له من حطام تلك
الحياة فالحياة لم تمنحه الكثير من السعادة بل منحته الكثير من الألم والحزن فكان همام
يسمع نحيبه وبكاءه طوال الليل علي ابنه الذي توفي دون حتى أن يضمه إلى صدره في آخر
لحظات حياته بل خرج لكي لا يعود إلى حضنه مرة أخرى كأن هذا الجبل ناداه مثلا ما يناديه
الآن لكي يصعد إليه كأن تلك اللعنة لتلك العائلة فقط دون غيرها من أهالي القرية فكيف
يستطيع أن يخبره بذلك.
مكث همام في منزله بعض الأيام ينظر إلى هذا الجبل من خلال
نافذته ثم يصعد إلى أعلي المنزل في الليل لكي يتأمل ظلمة هذا الجبل القابع هناك يحمل
الغموض والأسرار ومصير همام أيضا كما اختفى أبوه من قبل في متاهات هذا الجبل الملعون
للأبد ولكن علي همام أن يتخذ قراره في نهاية الأمر.
في نهاية الأمر قرر همام أن يواجه مصيره في هذا الجبل فلا
مناص من مواجهة القدر الذي ينتظره في هذا الجبل ولكن دون أن يخبر أحدا فقط سوف يذهب
ثم يعود دون أن يخبر أحدا.
في الصباح الباكر خرج همام من المنزل يحمل خلف ظهره حقيبة
صغيرة تشمل الكثير من الأوراق والأقلام كما نصحه مستر جيمس لكي يسجل كل شيء يلاحظه
أو يجده من كتابات ربما تحول رموز ذلك اللغز.
خرج من باب المنزل لينظر إلى ذلك الجبل كأنه يشاهده لأول
مرة أو كأنه يشعر أن الجبل ينتظره هو أيضا.
توقف همام قليلا أمام منزلة قليل حيث بدأ يشعر أن تلك الكلاب
الضالة التي تعيش بين طرقات القرية بدأت تظهر وتتجمع أمام منزل همام فقط تجلس علي مسافة
قريبة من المنزل في حالة هدوء دون نباح أو أي أصوات.
كانت في البداية عبارة عن ثلاثة أو أربع من تلك الكلاب الضالة
تقف أمام همام لكن همام قرر أن يسير في طريقة نحو الجبل فبدأت تلك الكلاب تسير خلفه
في هدوء فقط تسير خلفه وكلما مر همام علي طريق ما يجد بعض تلك الكلاب تظهر في هدوء
لتنضم إلي باقي تلك الكلاب التي تسير خلفه في هدوء وعلي مسافة منتظمة حتى عندما شعر
همام أن هنالك شيئا غريبا يحدث وأن تلك الكلاب تتجمع بطريقة ليست طبيعية فعندما نظر
خلفه وجد الكثير من تلك الكلاب
تسير خلفه كأنها مغيبة أو شيء ما يسيطر عليها لكي تفعل ذلك
أو لكي تجبر همام ألا يفكر في الرجوع إلى المنزل والتراجع عن الصعود إلى الجبل.
عندما وصل همام إلي أطراف القرية نظر خلفه لكي يودع قريته
فربما لن يعود إليها مرة أخرى لكن عندما نظر خلفه لم يفهم لماذا كل تلك الكلاب تسير
خلفه وماذا تريد منه فعندما حاول أن يقترب منها بدأ يشعر أنها سوف تنبح وتعلن غضبها
ورفضها في محاولته العودة إلى القرية مرة أخرى ولكنها توقفت في السير خلفه عندما بدأ
يواصل طريقه إلى الجبل فالكلاب عادت مرة أخرى تنتشر في القرية كأن شيئا لم يحدث.
استمر همام السير نحو الجبل وهو يقرأ الكثير من القرآن الكريم
ليكون حصن له من كل شر سواء من الجن أو الأنس ولكن عندما بدأت صخور الجبل تظهر له في
الأفق خرجت له السيدة العجوز فجأة من خلف أحد تلك الأحجار الضخمة حتى أن همام فزع واضطرب
من المفاجأة حتى أنه سقط على الأرض من الخوف.
ابتسمت السيدة العجوز لهمام حيث اقتربت منة قائلة:
ــ اصعد يا همام ولا تخف فهناك لن تحدد مصيرك أنت فقط...
فقط افعل الصواب
كانت تشير نحو الجبل حيث أكملت حديثها بضحكات وصراعات جعلت
من همام في حالة ذهول فهذه المرة الأولى التي تتحدث إليه تلك العجوز إذن هي ليست كما
أخبره الجد بأنها عجوز شمطاء لا تعي شيئا مما تقوله فالجنون يسيطر عليها منذ زمن بعيد.
تركته العجوز حيث عادت إلي طريقها بين الأحجار الضخمة حيث
صدى ضحكاتها وصرخاتها يتردد بين جنبات الجبل.
شعر همام أن هنالك أشياء كثيرة تتغير حقيقتها التي عاش مؤمن
بها طوال عمره كأنه يجب أن يولد من جديد لكي يفهم ماذا يحدث له.
بدأ همام يسير في طريقة إلي الجبل مرة أخرى وبداخله شعور
مختلف عندما تحدثت إليه تلك المرأة العجوز فلا بد من أن لحديثها دلالة ربما لا يدركها
الآن لكنه ربما يستطيع تفسيرها بعد ذلك.
عندما اقترب من بداية الطريق للصعود إلي الجبل شعر بأن هنالك
شيء ما يراقبه فتلفت همام حولة فوجد ذئب أسود اللون يقف أعلى صخرة قريبة منه ينظر إليه
دون أن يتحرك شعر همام بالخوف لكنه بعد برهة شعر أن هذا الذئب لا يريد أن يهاجمه بل
يراقبه فقط من بعيد.
بدأ همام يصعد إلي الجبل حيث إنه شعر أن طريق الصعود هذا
ربما لم تطأ قدم إنسان منذ فترة بعيدة فليس هنالك أي علامات لأقدام بشرية في تلك الرمال
كأنه هو الشخص الوحيد الذي يصعد إلى هذا الجبل منذ فترة طويلة.
شعر همام أنه كلما صعد وواصل صعوده نحو قمة الجبل أن الكثير
من الذئاب السوداء تظهر لكي تراقبه أو كأنها تريد أن يسلك طريقا ما نحو شيء ما في قلب
هذا الجبل فلم يكن همام يعرف أي شيء عن هذا الجبل فقط ذهب لكي يكتشف ماذا يوجد بداخل
هذا الجبل فقط ترك أقدامه تسير لتكتشف شيئا ما في باطن هذا الجبل.
بالفعل صعد همام إلى أعلى الجبل قبل قمته بقليل حيث وجد حافة
يقابلها كهف ضخم مظلم لا يظهر منة شيء فالظلام دامسا داخل هذا الكهف.
التفت همام حوله حيث اقترب من تلك الحافة ليشاهد قريته تبدو
صغيرة ومنازلها متناثرة ولكنه يستطيع أن يري أهل قريته وهم يسيرون خلال طرقات القرية
فشعر أن هنالك من كان يقف على تلك الحافة يراقب القرية ويعلم كل شيء عنها بل ربما ما
كان يحدث له من كل تلك الأحداث له سبب وجيه وأن تلك المرأة العجوز كانت تعي ما تقول
فمن يقف على تلك الحافة يستطيع أن يشاهد الكثير من الأحداث التي تحدث داخل القرية وكل
ما سمعه أو شاهده لم يكن وليد الصدفة.
أخرج همام من حقيبته قنديلا صغيرا حيث أشعله لكي يدخل ذلك
الكهف ليكتشف ما بداخله فربما يجد شيء ما يساعده على حل هذا اللغز.
سار همام ببطء داخل الكهف خوفا من أن يجد ذئب داخل الكهف
ولكن كانت المفاجأة التي وجدها همام داخل الكهف والتي لم يتخيل أن يجد هذا داخل الكهف.
نكمل باقي الأحداث في الفصل القادم- بإذن الله-
بقلم
الكاتب الدكتور
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment