لعنة الجبل: الفصل الثالث |
لم يجد
همام أحدا يخبره بتلك التساؤلات سوي صديقه خالد الذي كان يشاركه في طريق العودة من
الكتاب حيث نظر همام إلي خالد قائل:
ــ خالد
من أين تأتي القرية بالمال لكي تنفقه علي تلك البضائع التي تأتي من الأقصر فتلك الأغنام
التي نرعاها لا تكفي لكل تلك الأشياء التي تأتي من الأقصر؟
نظر
خالد إلى همام متعجبا:
ــ في
الواقع لم أفكر في كل تلك الأمور فربما تلك الأغنام تكفي أهالينا والفائض يستخدم في
شراء تلك البضائع القادمة من الأقصر.
أجابه
همام قائلا:
ــ هل
رأيت من قبل تلك التماثيل الصغيرة التي شاهدها مع جدي ومع الشيخ عثمان؟
أجابه
خالد قائلا:
ــ لا
لكني سمعت والذي يحدث أمي أنهم وجدوا بعض تلك التماثيل الصغيرة وبعض الذهب في الجبل
أو في الصحراء القريبة منذ فترة قريبة وأن شيوخ القرية ابتهجوا عندما علموا ذلك
تعجب
همام من ذلك ولم يفهم ما هي قيمة تلك التماثيل بالنسبة للقرية وهل يخرج الرجال إلي
الجبل أو في الأماكن القريبة لكي يبحثوا عن تلك التماثيل أم لرعي الغنم فقط؟ وهل تباع
تلك الأشياء من أجل القرية كلها؟
شعر
همام أن خالد صديقه لن يخبره بتلك الإجابات لأنه في الواقع لا يعلم شيئا فلزم الصمت
حتى لا يخبر خالد أحدا بما يدور في عقل همام.
همام
كان فتى ذكيا استطاع أن يتعلم القراءة والكتابة وأصبح يبحث عن أشياء أخرى يقرأها غير
تلك الأوراق القديمة البالية عن الشعر التي وجدها عند شيخ الكتاب لكن في نفس الوقت
استطاع أن يقنع جده وأمه أن يذهب في العام القادم إلي الأقصر مع الشيخ عثمان ليكرر
تلك الرحلة إلي الأقصر.
مرت
الأيام والشهور وذهب همام مرة أخرى إلى الأقصر ولكن في تلك المرة ذهب ليفهم ويتعلم
أراد همام أن يعرف الكثير عما يدور في تلك المدينة ولكنه ما زال صغيرا لكي يستوعب كل
هذا ولكن وجد ضالته عندما شاهد بائع الجرائد والكتب فكان هذا أمتع شيء قد اكتشفه خلال
تلك الرحلة حيث اشتري بعض من تلك الكتب والجرائد وعاد بها إلى القرية.
تعجب
جده الشيخ يوسف كثيرا من الكتب الذي اشتراها همام من المدينة فهذه أول مرة يشتري أحد
من القرية كتبا ليقرأها وهنا أدرك الجد أن همام مختلف عن كل الصبية بل سوف يكون مختلفا
عن باقي رجال القرية في المستقبل.
همام
كان يقضي وقته كله في قراءة أول كتاب حيث إنه كان عن تاريخ مصر الإسلامي ولم يصدق كل
تلك الأمور التي قرأها وأن هنالك مدينة أخرى عظيمة وكبيرة في شمال مصر تسمي القاهرة
وأشياء كثيرة عن الحضارة الإسلامية.
كان
يقضي همام وقته داخل البيت ويرفض الخروج حتى أن صديقه خالد قد غضب من ذلك وعندما أنهي
همام كتابه الأول ذهب إلى منزل خالد يحمل هذا الكتاب بين يديه حيث أطرق باب منزل خالد
حيث فتح خالد الباب ونظر إلي همام بغضب قائل:
ــ ماذا
تريد يا همام؟
أجابه
همام قائلا:
ــ أريدك
أن تقرأ هذا الكتاب لتعلم لماذا لم أكن أرغب في الخروج معك من أجل الرعي أو اللعب فقط
اقرأ هذا الكتاب وعندما تنتهي منه أعيده لي بالتأكيد سوف تعلم الكثير من الأشياء تدور
خارج نطاق تلك القرية يا خالد فالحياة في القرية ربما لا تسمح لنا بزيارة تلك الأماكن
لكن نستطيع ذلك من خلال ذلك الكتاب فقط اقرأ الكتاب
عاد
همام إلي بيته ليقرأ المزيد من الكتب حتى أنه أصبح مشهور بين أقرانه بتلك الحكايات
التي كان يقرأها في تلك الكتب حيث يتناقش مع خالد حولها وهذا جعل هنالك علاقة وطيدة
بينه وبين خالد لا يفهمها أحد نتيجة لكل تلك الأشياء التي وجدوها بين صفحات تلك الكتب
التي تنوعت من التاريخ إلي الرومانسية.
مرت
الأعوام علي همام وخالد حيث تخطوا عامهم الثالثة عشرة وأدركوا أنهم يجب عليهم أن يذهبوا
إلي الأقصر مرة كل شهر ولكنهم ما زالوا فتية وهل سوف يوافق الجد علي ذلك أم لا وهنا
قرر همام أن يذهب لجده ليخبره بهذه الرغبة.
اقترب
همام من جده الشيخ يوسف وجلس بجواره قائلا:
ــ جدي
لي طلب ورغبة أريد أن أحققها أنا وصديقي خالد ولن يساعدنا أحد فيها سوي أنت فقط يا
جدي
نظر
الجد له متعجبا قائلا:
ــ ماذا
تريد يا ولدي أخبرني بما يدور في رأسك؟
أجابه
همام بكل عفوية قائل:
ــ أريد
أن أشتري جملا لكي أذهب به أنا وخالد إلي الأقصر مع القافلة كل شهر فهل تسمح لي بذلك
يا جدي؟
سكت
الجد قليلا ثم نظرا إلي همام قائلا:
ــ ولماذا
تريد أن تذهب كل شهر مع القافلة إلي الأقصر يا همام؟
أجابه
همام قائلا:
ــ أرغب
في شراء المزيد من الكتب وزيارة أماكن كثيرة في تلك المدينة وأجلس علي تلك المقاهي
المختلفة هناك أريد أن أفهم ما قرأته وما أشاهده هناك... أريد يا جدي أن أكون حرا أتجول
في تلك الشوارع أشاهد تلك المعابد وأتأملها فقط أريد أفهم ما أقرأه في تلك الكتب
أجابه
جده الشيخ يوسف باقتضاب قائلا:
ــ اذهب
الآن يا همام
ادرك
همام في تلك اللحظة أنه أخطأ حينما تحدث مع جده حيث شعر أن جده غضب منه لأول مرة طوال
تلك الفترة.
أسرع
إليه خالد ليطمئن ماذا فعل مع جده قائلا:
ــ ماذا
حدث يا همام أخبرني ماذا حدث؟
أجابه
همام قائلا:
ــ قال
جدي لي اذهب يا همام ولم ينطق بشيء آخر
أدرك
الصديقان أن تلك المحاولة باءت بالفشل والحلم أصبح سرابا مرة أخري لهما.
وبعد
مرور أسبوعي علي تلك الحكاية وجد همام جده قادم إلي البيت وخلفه جمل جميل المنظر ما
زال فتي مثل همام ثم نظر الجد إلى همام قائلا:
ــ هذا
الجمل لك يا ولدي فالآن أصبحت رجلا تستطيع السفر مع رجال القرية إلي الأقصر متى شئت
لم يصدق
همام ما يقوله جده له وأخذ يقفز في الهواء من السعادة والفرحة وهو لا يصدق ما يسمعه
حيث سأل همام جدة مرة أخرى قائلا:
ــ حقا
هل ما تقوله يا جدي!!!!!... صحيح هل هذا الجمل لي وأستطيع الذهاب إلى الأقصر أنا وصديقي
خالد؟
أجابه
الجد وعيناه ممزوجة بالفرحة والخوف على همام من تلك الحياة الجديدة له قائلا:
ــ نعم
ي ولدي ما سمعته صحيحا
انطلق
همام وهو يمتطي الجمل حيث ذهب إلى خالدا ليخبره بأن جده أشتري له هذا الجمل من أجل
السفر مع رجال القرية وأنهم الآن أصبحوا رجالا وأن خالدا سوف يشاهد الأقصر مع همام
لأول مرة في حياته بدلا من تلك الحكايات التي كان يسمعها من همام فقط.
همام
وخالد لم يشعرا أن هذا الجمل ليس سوى وسيلة للسفر ولكنهم شعروا أن هذا الجمل أصبح صديقهم
ورفيقهم نحو أشياء جديدة سوف تشبع بعض فضولهم ورغبتهم نحو اكتشاف ما يحدث في قلب المدينة
البعيدة عن القرية من عجائب وحياة مختلفة وأناس لهم أفكار مختلفة عن أهل قريتهم البسيطة.
همام
وخالد ينتظرون بفارغ الصبر موعد القافلة الجديدة فكانوا يتناوبون مع بعضهم في خدمة
الجمل وإطعامه والخروج به لكي يأكل في المرعي بجوار الجبل فأصبح الجمل محور حياتهم
هم الاثنين.
العجوز
تكررت
رحلات همام وخالد إلى الأقصر وأصبح لهم حرية التنقل والتجوال خلال شوارع الأقصر ومعرفة
الكثير من أهل الأقصر وشراء الكتب وخاصة حول الحضارة الفرعونية وبدئوا يدركون أشياء
كثيرة في تلك الكتب ويشاهدونها في معالم تلك المدينة وتعرفوا علي تلك المقاهي الذي
يجلس فيها المثقفون والخواجات القادمين من أجل التنقيب عن الآثار من الإنجليز فكانوا
يجلسون كثيرا في تلك المقاهي ليستمعوا لتلك المناقشات والحوارات التي تحدث بين المثقفين
وبعض من يتحدث اللغة العربية من هؤلاء الخواجات.
أدرك
همام وخالد أن هنالك أشياء كثرة قد تعلموها وتعرفوا عليها خلال كل تلك الرحلات وأن
هنالك العديد من الأسرار التي تحدث داخل قريتهم لا يعلمون عنها شيئا ففي كل رحلة هنالك
الجديد من الأشياء والأشخاص تضيف الكثير إلي تفكيرهم.
هكذا
مرت الأيام والشهور علي همام وخالد ما بين حفظ القرآن الكريم وقراءة الكتب والمناقشات
التي كانت تدور بينهم في الطريق أثناء عودتهم من الكتاب حتى ظهرت لهم تلك المرأة العجوز
أمامهم في الطريق فهرب كل أصدقاء همام حتى خالد لم يجرؤ أن يكمل طريقة ويمر بجوار تلك
المرأة العجوزة كذلك أراد همام أن يفعل ذلك ولكن العجوز صرخت بصوت عال قائلة:
ــ همام...
يا همام
في تلك
اللحظة لم يستطع همام أن يهرول مثل باقي أصدقائه... التفت إليها محدقا بها والدهشة
كيف عرفت اسمه ولماذا نادت عليه هو من بين كل هؤلاء الصبية.
اقتربت
المرأة العجوز قليلا من همام قائلة:
ــ همام...
يا همام... الملكة يا همام
ثم نظرت
العجوز نحو الجبل وأشارت بيدها إلي الجبل فأرتعب وفزع وأطلق ساقيه للريح حتى عاد إلى
منزله مرتميا في حضن جده وهو يرتجف من الخوف حيث يتصبب العرق بغزارة من جبينه.
فنظر
إليه جده بفزع قائل:
ــ ماذا
حدث يا ولدي أخبرني ماذا حدث؟
أجابه
همام بصوت متقطع مرتجف قائل:
ــ العجوز
نادتني باسمي قائلة الملكة يا همام ثم أشارت إلى الجبل يا جدي
ضمه
جده إلي حضنه قائلا:
ــ لا
تخف يا ولدي لا تخفي ولا تقترب من تلك المرأة مرة أخرى يا ولدي
ضمه
جده إلي صدره مرة أخرى حيث نظر إلي أم همام والخوف يملأ عينيهما والأم تكاد تصرخ من
الخوف على ما حدث مع همام فشعر همام من خلال عينيهما أن هنالك أشياء كثيرة مجهولة مرتبطة
بتلك العجوز ومن هي الملكة التي عندما سمع جدي بها شعر بكل هذا الخوف.
نظر
همام إلى جده قائلا:
ــ مَن
هي الملكة يا جدي وهل تعيش في هذا الجبل؟
نهره
جده بعنف قائلا:
ــ لا
يوجد ملكة ولا يوجد شيء في هذا الجبل هذه المرأة العجوز مجنونة وتهزأ بالكثير فلا تشغل
بالك بها ولا تقترب منها يا همام... هل فهمت لا تقترب منها أبدا يا همام
همام
لم يجد الإجابة بين كلمات جده بل وجد فزع وخوف شديد بل إصرار في إنكار كلام تلك العجوز.
حمل
همام كل تلك التساؤلات وعلامات الاستفهام إلي صديقه خالد لعله يجد إجابة عما يدور في
خلده ولكن خالدا لم يفهم ما هي تلك الملكة وما علاقتها بالجبل فقرروا الذهاب إلى شيخ
المسجد لعله يعلم من هي الملكة ولكن كانت إجابته أشد غموضا عندما سمع من همام يسأله
عن الملكة حيث هب مفزعا يتمتم بكلمات قائل:
ــ أعوذ
بالله العظيم أعوذ بالله العظيم من الجن والإنس يا رب رحمتك من تلك اللعنة
الأمور
تزداد تعقيدا بالنسبة لهمام وخالد فمن هي الملكة وما هي تلك اللعنة التي يتحدث بها
الشيخ ولماذا كل هذا الخوف والفزع والهلع الذي يصيب كل من يسمع كلمة اللعنة.
همام
لا يستطيع مقاومة رغبته وفضوله في معرفة ما السر من وراء كل هذا وهل هنالك ملكة تعيش
في ذلك الجبل وهل اللعنة مرتبطة بتلك الملكة أم ماذا يحدث في ذلك الجبل؟
في ذلك
اليوم لم يتخذ همام نفس طريق العودة إلى المنزل بعد الكتاب بل نظر نحو الجبل وقرر أن
يقترب من الجبل لكي ينظر إليه ويتأمله لعله يجد شيء هناك أو يبحث عن دليل ما بالقرب
منه ولكنه عندما اقترب من الجبل أخذ يتأمله ويفكر بعمق في تلك الكلمات الملكة واللعنة.
التفت
همام خلف ظهره فجأة فإذا المرأة العجوزة تقف خلفة قائلة:
ــ يا
همام الملكة يا همام وتشير إلى الجبل
اقترب
همام من المرأة العجوز قليلا والعرق يتصبب بغزارة والخوف يملأ قلبه الذي ينبض بعنف
قائلا:
ــ مَن
هي الملكة أيتها العجوز؟ أخبريني ما هي اللعنة؟
أجابته
العجوز قائلة:
ــ الملكة...
اللعنة... الجبل
ثم تركته
ورحلت فصرخ همام قائلا:
ــ لم
تخبريني بشيء ولماذا أنا أيتها المرأة؟ أجبنني لماذا أنا؟
تركته
العجوز وسارت في طريقها تتمتم ببعض الكلمات من بينها تلك الكلمات الثلاثة مما ذادت
من حيرة همام فلماذا اختارته تلك المرأة العجوز وهل تلك الملكة هي التي اختارته؟!!...
وهل هنالك لعنة ربما يكون أبوه قد مات جراء تلك اللعنة أم اللعنة لكل أهل القرية؟!!...
ولماذا يخشى أهل القرية التحدث عن تلك اللعنة؟!!
الحيرة
تسيطر علي همام أصبح يفكر في تلك الأشياء بالنهار والليل ويذهب إلى جوار الجبل يتأمله
لساعات ولا يستطيع أن يجد إجابة عن كل تلك علامات الاستفهام التي تدور بداخله ولماذا
اختارته هو؟!!... هذا هو السؤال المهم.
مستر جيمس
استمر
همام في تلك الحيرة ولماذا تلك العجوز قد اختارته هو من بين كل هؤلاء الفتية من أهل
القرية ومن هي تلك الملكة المقصودة في تلك الحكايات لكنه تذكر تلك الكتب التي يشتريها
في كل زيارة إلي الأقصر فعاد مسرع إلي المنزل ليبحث عن كل الكتب التي تتحدث عن التاريخ
الفرعوني حيث جمعها وأخذ يعيد قراءتها لأيام لكي يجد شيء ما حول تلك الملكة أو حتى
ذلك الجبل ولكنه لم يصل إلى شيء يذكر.
عندما
طرق خالد باب حجرته وجد همام في دنيا أخرى بين كل تلك الكتب حيث لم ينتبه إلى وجود
خالد بجواره داخل غرفته ولكن خالدا صاح عليه قائلا:
ــ همام
سوف تدفع نفسك إلى الجنون فلماذا تهتم بتخاريف تلك المرأة العجوز؟
أجابه
همام وذهنه شاردا قائلا:
ــ ربما
ليست تخاريف يا همام فالإجابة لم أجدها في تلك الكتب ولكن الإجابة في عقول شيوخ تلك
القرية ولا أعلم لماذا ينكرونها؟
أجاب
خالد قائلا:
ــ ليست
هنالك إجابة لأن كل ما سمعته مجرد تخاريف وأوهام تسكن عقلك أنت فقط
فلتنسي
كل ذلك حتى نرى ماذا سوف نفعل في موضوعات أهم في حياتنا يا صديقي
بعد
عدة شهور بدأ همام يشعر باليأس من أن يجد إجابات حول كل تلك الألغاز حتى أن المرأة
العجوز كانت تسير بجواره ولا تشعر به بل كان يقف ينظر إليها عكس جميع أهل القرية الذين
يفزعون فقط لرؤيتها أما هو فكان ينتظر منها شيء ما جديد لعلها تخبره بشيء جديد في حل
تلك الألغاز.
مرت
بضعة أعوام وأصبح همام رجلا قد تخطى عمرة الثمانية عشرة أعوام وأصبح مسئولا عن المنزل
فالجد أصبح كهلا لا يخرج من المنزل سويا للصلاة والجلوس مع شيوخ القرية يتباحثون في
أحوال القرية ويتهامسون مع بعضهم ولكن الشيء الغريب الذي لم يفهمه همام تلك الأموال
التي كان يجدها دائما مع جده بالرغم أن القرية كلها فقيرة ولا تملك أي شيء يدر دخلا
أو مالا لكي ينفقه أهل القرية.
كان
همام دائما التفكير في ذلك ولكنه لم يجرؤ على سؤال جده بما يدور في خلده فقط كان يحادث
صديق عمره خالد وخالد لا يهمه الأمر فذلك شأن شيوخ القرية وليس شأنه هو.
أصبح
همام يفضل الذهاب إلى الأقصر لفترات متقاربة ويقضي فيها أوقات كثيرة حيث كان يشعر أن
مكانه هنا في الأقصر وليس في القرية ففي الأقصر أصبح له الكثير من المعارف والأصدقاء
بل أصبح له الكثير من المثقفين والمتعلمين الذين يجالسهم علي المقهى الثقافي القريب
من النيل حيث يجتمع العديد منهم يتناقشون ويتحاورون في الشعر والأدب والتاريخ.
في الزيارة
الأخيرة وجد شخص جديد قد انضم إلى ذلك المقهى ينصت إلى حوارات المثقفين ولكنه ليس مصريا
بل يبدون من ملامحه وملابسه أنه أجنبي وليس مصري يرتدي قبعة إنجليزية بلونها الأسود
ويمسك بيديه البايب المشتعل طوال الوقت وله طقوسه أثناء جلوسه في ذلك المقهى فهو قليل
الكلام كثير الإنصات للجميع.
اقترب
همام من مسعود أفندي رفيقة وصديق مقرب لهمام فهو دائم الجلوس في ذلك المقهى ويعلم كل
شيء عن كل رواد المقهى فرواد المقهى يطلقون عليه مسعود أفندي عمدة المقهى.
أمسك
همام بيد مسعود أفندي قائلا:
ــ من
هو ذلك الشخص الذي يجلس هناك أمام المقهى دون أن يجلس معه أحد مسعود أفنديا؟
نظر
إليه مسعود أفندي قائلا:
ــ مَن
تقصد يا همام؟
أجاب
همام وهو يشير بيديه نحو ذلك الرجل الأجنبي قائلا:
ــ هذا
الرجل الذي يدخن البايب ويجلس بمفرده هناك
ابتسم
مسعود أفنديا قائلا:
ــ إنه
مستر جيمس يا همام إنه حديث الإقامة في الأقصر وفي المقهى أيضا
نظر
إليه همام قائلا:
ــ وماذا
يعمل مستر جيمس يا مسعود أفندي؟
أجاب
مسعود أفنديا قائلا:
ــ إنه
مفتش أثار إنجليزي الجنسية ويعمل علي التنقيب في وادي الملوك هناك علي الشاطئ الغربي
من النيل ولكنه رجل شديد الذكاء أيضا
شعر
همام أنه وجد ضالته الذي يبحث عنها منذ سنين فمستر جيمس ربما يحمل إجابات كثيرة حول
كل الأسئلة التي تدور في خلده وربما يتعلم منه الكثير ولكن هنالك مشكلة فكيف يمكن أن
يتحاور معه ويفهمه وهو لا يعرف شيئا عن الإنجليزية.
التفت
همام إلى مسعود أفندي قائلا:
ــ كيف
تتفاهم معه يا مسعود أفندي؟
ابتسم
مسعود أفنديا قائلا:
ــ إنه
يتحدث العربية جيدا ولكنها بطريقة ركيكة ولكنك تستطيع أن تفهم حديثه ويفهم حديثك أيضا
جيدا
في تلك
اللحظة شعر همام أن مستر جيمس هذا قدرة وأن ما يحدث له منذ ما قالته تلك المرأة العجوز
ليس محض صدفة بل هنالك شيء ما ينتظره في المستقبل وعليه أن يتعرف على مستر جيمس
أمسك
همام يد مسعود أفندي قائلا:
ــ أريدك
أن تقدمني له يا مسعود أفندي حال
تعجب
مسعود أفنديا من طلب همام قائل:
ـــ
ولماذا يا همام؟ إنه رجل إنجليزي
لم يتحمل
همام الانتظار وكثرة تساؤلات مسعود أفندي من طلبه بتقديمه إلي مستر جيمس فتقدم همام
نحو مستر جيمس حيث وقف أمامه لبرهة حيث نظر إليه مستر جيمس بتعجب منتظر حديثه فكان
رد فعل همام سريع حيث أجاب علي تلك النظرة قائلا:
ــ أنا
همام وأنت مستر جيمس
فأجاب
مستر جيمس قائلا:
ــ أهلا
همام هل أستطيع أن أقدم المساعدة لك؟
فأجابه
همام قائلا:
ــ نعم
تستطيع ذلك بأن أكون صديقا لك مستر جيمس
تعجب
مستر جيمس من جرأة همام حيث يبدو همام صغير السن لم يتعد عمره العشرين عام ومستر جيمس
يبلغ من العمر منتصف الثلاثينيات ولا يوجد سبب قوي ليكونوا أصدقاء ولكن لم ينكر مستر
جيمس إعجابه من جرأة همام حيث أجابه قائلا:
ــ اجلس
يا همام وحدثني قليلا لماذا تريد أن تكون صديقي؟
جلس
همام بجواره وهو ينظر في عينيه قائلا:
ــ أنا
أسكن قرية صغير تقع في حضن جبل المغاوير علي مسيرة يوم ونصف من الأقصر في الناحية الغربية
وهي قرية صغيرة تضم بعض العائلات التي لا يتعدى سكانها أكثر من مائة شخص ووالدي قد
توفي وأنا صغير لم أتخط عامي الثامن ورباني جدي الشيخ يوسف وأمي فمنحاني كل جهدهم ووقتهم
لكي أتعلم وأقرأ الكثير من الكتب وبالتالي قرأت الكثير من الكتب حول التاريخ الفرعوني
ولكن هنالك الكثير من الأسئلة التي ما زالت أبحث عن إجابات لها حتى الآن
أجابه
مستر جيمس بهدوء وهو يدخن البايب الخاص به قائلا:
ــ مازلنا
نجهل الكثير عن تلك الحضارة فكل يوم نجد شيئا جديدا يجعلنا نعتقد أننا مازلنا في بداية
الطريق ولذلك سوف تجد الكثير من الألغاز لم نكتشف حلولها بعد...
ولكن
أخبرني يا همام أظن أن قريتك قريبة من وادي الملوك فلا بد أنك شاهد شيئا ما بجوار قريتك
قد يعود للفراعنة
تلعثم
همام في الإجابة لأنه تذكر تلك التماثيل التي شاهدها في يد جده وفي يد الشيخ عثمان
ولكنه أجاب همام قائلا:
ــ لا
لم أر شيئا ربما هناك في أعلي جبل ولكني لم أشاهد أي أثار بالقرب من قريتي
كان
الحوار بين مستر جيمس وهمام شائقا لدرجة أن همام جلس يحاوره طوال الليل حيث أخبره مستر
جيمس الكثير عن حياته في إنجلترا ثم حياته في القاهرة في المتحف المصري ثم قدومه إلي
الأقصر وما يحاول أن يكتشفه في ذلك الوادي والحكايات التي يسمعها من المصريين عن اللعنات
وحالات الموت المفاجئ.
شعر
جيمس أن همام صديق جيد وقارئ جيد وبالرغم أنه ما زال صغيرا ولكنه ذكي وحكيم في تصرفاته
بل أن البيئة الصحراوية وذلك الجبل يعيشان
بداخله وليس في كلماته فقط.
خلال
إقامة همام في الأقصر لم يكن يفارق مستر جيمس بل يقضي معه معظم الوقت يستمع إليه عن
حكايات التاريخ وعن ماذا يحاول أن يجده.
نهاية
الفصل الثالث
مع
تحيات الكاتب الدكتور
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق