لعنة الجبل الفصل الثاني |
همام
أيضا قد تبدل حاله من حال إلى حال لم يصبح همام ذلك الفتي البريء المبتسم للحياة والذي
كان يذهب إلى الكتاب وهو سعيد يمرح مع أصدقائه طوال الطريق إلى ذلك الكتاب بل أصبح
يسير خلف أصدقائه بينه وبينهم مسافة كبيرة حزين قليل الكلام شارد الذهن حتى أثناء الدرس
داخل الكتاب لم يكن يشعر بما يجري حوله بل كان يقضي الوقت في تذكر حكاياته مع والده
فهو الآن لا يرغب في العودة إلى البيت فإن عاد لن يجد والده مثلا ما كان يحدث في السابق
حتى أن كل زملائه ورفاقه كانوا يشعرون بالحزن له حتى الشيخ كان يرفق به ويجلسه بجواره
حتى لا يجعله شارد الذهن طول الوقت.
مرت
بضعة شهور عن موت أبي همام والبيت ما زال في حالة الحزن تلك ولكن همام شعر بأن هنالك
شيء ما يدور بين الأم والجد فالكثير من التهامس والكلام بينهم
فالأم
كانت مصرة علي شيئا ما والجد كان يعترض عليه فكل تلك المناقشات والهمس بين الجد والأم
استغرقت أكثر من شهر.
في يوم
ما أثناء عودة همام من الكتاب إلى المنزل ناداه جدة وتبعته أمه نحو مجلس الجد داخل
المنزل حيث ابتسم الجد له قائلا:
ــ ألا
تريد زيارة الأقصر ي اهتمام؟
نظر
همام إلى جده بتعجب ثم نظر إلي أمه التي بدورها ابتسمت له ابتسامة تشجيع لأن القرار
السفر إلي الأقصر قرارة هو وأنه سوف يكون أول فتي يذهب مع من يذهبون إلي الأقصر من
رجال القرية وهذا يدل على أنه سوف يصبح رجلا مثل باقي رجال القرية فكانت إجابته سريعة
وهو يهز رأسه بالإيجاب قائلا:
ــ نعم
يا جدي أود الذهاب إلى الأقصر مع رجال القرية
ابتسم
الجد قائلا له:
ــ حسن
عندما يخبرني شيخ الكتاب أنك أتممت حفظ ما عليك من القرآن الكريم سوف تذهب مع رجال
القرية إلي الأقصر لكي تشاهدها
لم يصدق
همام ما يسمعه من جده الشيخ يوسف وأن هذا لم يحدث مع أي فتي من فتيان القرية فقط هو
من سوف يذهب برفقة القافلة كأنه رجل عظيم الشأن في قريتهم الصغيرة وأنه على وشك تحقيق
رغبة وأمنية كانت دائما يتمناها وهي رؤية الأقصر ومشاهدة كل الروايات التي كانوا يرويها
رجال القرية عند عودتهم من الأقصر وكم هي مدينة رائعة وفيها الكثير من الأماكن والعجائب
والسياح والأجانب والسيارات التي لم يشاهدها من قبل.
اجتهد
همام في دراسته بالكتاب وشعر أنه لا بد من أن يفعل المستحيل لكي يرضي عنه الجد الشيخ
يوسف ليسمح له بالسفر إلي الأقصر فتلك الأمنية جعلته ينسي لبعض الوقت حزنه عن موت أبية
والحزن الذي يملأ قلبه ولا يريد أن يفارقه فبدأ يحكي لأصدقائه بما أخبره جده به وأنه
يجب أن يجتهد ويحفظ القرآن حتى يحقق هذا الحلم.
همام
كان يقضي معظم وقته في تخيل ماذا سوف يحدث له من مغامرات وما سوف يشاهده في الأقصر
تلك المدينة.
كان
يذهب همام إلي من ارتحلوا أو سافروا قبل ذلك إلي الأقصر من قبل لكي يسألهم عما شاهديه
في تلك المدينة فكان كثير السؤال لا ينتظر حتى الإجابة فكان الرجال يضحكون علي حماسته
في السفر إلي الأقصر حتى يشاهد ما تخيله من حكايات وروايات حول تلك المدينة الجميلة
التي تنتظر قدومه إليها.
فالأحلام
لم تفارقه وتخيلاته أيضا لم تفارقه فبلا شك أنها خطوة جديدة في حياته.
بالفعل
مر أكثر من شهر علي حديث جدة له حيث كان يصارع الوقت لكي ينهي الجزء الخاص بتلاوة القرآن
الكريم لكي يخبر الشيخ هذا الحديث إلي جده ليسمح له بالسفر وبالفعل ذهب الجد الشيخ
يوسف إلى الكتاب ليطمئن علي همام حيث أخبره شيخ الكتاب أنه بالفعل همام قد أنهي ما
عليه من تلاوة القرآن الكريم فكانت سعادة همام بتلك الكلمات بالغة بل شعر أن قدميه
أصبحت لا تلامس الأرض من شدة الفرحة داخل قلبه حتى أنه احتضن الشيخ والجد وتركهم عائدا
مسرعا إلي والدته ليبلغها بذلك وأنه سوف يذهب إلي الأقصر في الرحلة القادمة مع رجال
القرية.
الرحلة إلي الأقصر
في تلك
الليلة جلست أم همام بجواره حيث أعدت كل شيء من ملابس وطعام له أثناء السفر إلي الأقصر
مع بعض المال ليكون مثل الرجال معه ما يكفيه من المال فالأم جلست بجواره تنظر إليه
والدموع تملأ مقلتيها لأن همام سوف يتركها لأول مرة في حياته كذلك همام لم يستطع النوم
لأنه بعد بضع ساعات سوف يرحل مع القافلة المكونة من بعض الرجال والشيوخ من أهل القرية.
أطرق
الجد باب الغرفة لكي يذهب همام معه إلى المسجد لصلاة الفجر فذهب همام مع جده وهو يحمل
ملابسه فوق كتفه حيث التفت خلفه فوجد أمه تقف على باب البيت تنظر إليه حيث شعر بدموعها
التي تنهمر فكأن قلبها قد تركها وسافر مع همام وتركها وحيدة داخل هذا المنزل.
بعد
صلاة الفجر تجمع الرجال حيث كانت القافلة مكونة من خمسة جمالين وخمسة من الرجال أكبرهم
الشيخ عثمان حيث اتجه الجد نحو الشيخ عثمان الذي عهد إليه أمر همام في تلك الرحلة وعندما
اقترب الجد من الشيخ عثمان وبيده همام ناد عليه قائلا:
ــ يا شيخ عثمان هذا حفيدي همام الذي هو ما
تبقي لي من الدنيا بعد ولدي وقد وضعته بين يديك كأمانة وكحفيدك أيضا ترعاه وتحميه من
كل سوء حتى تعود إلينا سالما غانما- بإذن الله-
ابتسم
الشيخ عثمان إلى الجد ضاحكا:
ــ لا
تخف يا شيخ يوسف فحفيدك مثل حفيدي وسأجعله يتذكر تلك الرحلة طوال حياته لكي يتذكرني
كلما تذكر الأقصر ولا تخف فسوف نعود إلي القرية بعد أسبوع- بإذن الله-
تحركت
القافلة حيث أمتطي همام الناقة خلف الشيخ عثمان حيث أمسك بجلباب الشيخ عثمان بقوة خوف
من الوقوع من فوق الناقة فضحك الشيخ لهذا قائل:
ــ لا
تخف يا همام فأنت الآن رجل ولست صبيا فأبيك كان يأتي معنا يضحك ويطلق النكات علي كل
من كان معه في القافلة والكل كان سعيد به وأنت الآن معنا فلا تخف يا رجل
شعر
همام في تلك اللحظة أنه لم يعد صبيا بل أصبح رجل يشبه أباه ولا بد ألا يخشى شيء وأن
المستقبل لا بد من أن يحمل له الكثير ليكون شخصا مختلفا عن باقي الصبية في القرية.
أشرقت عليهم الشمس في بداية الطريق حيث شعر همام أنها المرة الأولى التي تشرق عليه الشمس وهو بعيد عن أمه وليس بين ذراعيها بل على تلك الناقة خلف الشيخ عثمان.
كان
يمرون بين بعض الجبال من خلال المدقات في بداية الرحلة حيث كان الطريق يهبط بهم نحو
طريق آخر نحو الوادي فعندما اقتربت الشمس من منتصف السماء جلسوا بجوار بئر ماء ليصلوا
صلاة الظهر ويقتادون بعض الطعام لمواصلة الطريق نحو الوادي.
عندما
اقترب الليل قرر الشيخ عثمان المبيت بجوار مجموعة من أشجار النخيل المترامية في منطقة
رملية حيث إنهم يعلمون أنهم في منتصف اليوم الثاني سوف يكونون قد وصلوا إلى مشارف الأقصر.
في الليل
وضع الشيخ عثمان بعض القماش والأغطية المجهزة لتلك الرحلات لكي ينام عليها همام بجواره
ولكن همام لم ينم بل كان ينظر إلى السماء حيث كان يشعر بأنه يري وجهة أبيه يلمع بين
تلك النجوم وأن أمه ما زالت تبكي لفراقه لأنها أول مرة يترك المنزل ويترك حضنها ولكن
غدا سوف يكون أفضل لأنه سوف يري الأقصر لأول مرة في حياته.
في اليوم
التالي عندما انتصف النهار كانوا على مشارف الأقصر حيث يفصلهم عن المدينة لا شيء سوي
نهر النيل فتركا ما يحملون ذلك أيضا الجمال لدى بعض المعارف وعبروا النيل من خلال المراكب
النيلية بالأشرعة العالية الضخمة لها.
لم يصدق
همام ما يشاهده فهذه أول مرة يري النيل وكل تلك المياه والزراعات واللون الأخضر فالقرية
ليست إلا صحراء وبعض الحجارة المتساقطة من الجبل وكيف لأهله قد عاشوا كل ذلك العمر
في حضن الجبل وتركوا كل هذا الجمال وكل تلك المياه التي تسري في النيل فهمام لم يكن
يتحدث بل فاتح فاه من كثرة الاندهاش وكلما نظر إليه الشيخ عثمان يبتسم ويضحك على ما
يفعله همام.
كل ما
شاهده همام في الأقصر كانت بمثابة مفاجأة وأن خياله لم يكن يتخيل كل تلك الأشياء الذي
شاهدها وكان الشيخ عثمان يتابع كل هذا على وجه همام فهمام لم يكن متخيل ذلك الطريق
الممهد بجوار النيل وتلك الحناطير المزينة بقناديل نحاسية مزينة بأجراس والتي تضاء
أثناء الليل وتلك السيارات التي تسير دون أي شيء يدفعها للسير فكان يشعر بأن داخلها
جانا مسخرا لذلك حتى أنه كاد يجري خوفا منها حتى أخبره الشيخ عثمان أنها تعمل بطريقة
قد اخترعها الإنسان وهنا أدرك همام أن هنالك عالما آخرا مختلفا تماما عن قريته.
كان
همام يلتفت حوله في كل اتجاه حتى يشاهد كل شيء ولا يترك شيئا ربما يكون عجيبا يشاهده
لأول مرة.
أكثر
شيئا كان عجيبا بالنسبة لهمام الاختلاف الكبير بين ملامح أهله في القرية وملابس بعض
الأجانب الذي أخبره الشيخ يوسف أنهم قادمون من خلف البحر العظيم في شمال مصر فملامحهم
كانت مختلفة حيث الشعر الذهبي والعيون الزرقاء والبشرة الوردية أو بيضاء عكس ملامح
أهل قريته حتى الملابس كانت مختلفة حيث شاهد الكثير من الناس يرتدون أزياء وملابس متنوعة
كذلك ألوانها كانت مختلفة فهي ليست مثل هذا الجلباب الأسود الذي يرتديه همام فالكثير
من أصحاب تلك البشرة الوردية والشعر الأشقر يأتون إلى تلك المدينة.
أخبره
الشيخ عثمان أنه سوف يصطحبه لكي يشاهد شيء عجيب ليس له مثيل مبنى مثل المنزل ولكنة
يحتوي علي عشرات الغرف والأماكن بداخله يقع بجوار النيل حيث يأتي الخواجات والمغتربين
من أماكن بعيدة ليقضوا بعض الوقت به ويسمي القصر الشتوي فلم يتخيل همام أن هنالك منازل
أو أشياء بمثل هذه الضخامة والروعة فكل شيء مختلف في الأقصر حتى المقاهي التي لم يشاهد
مثلها من قبل حيث يتجمع الناس بها لأشياء كثيرة ولكن ما لاحظه همام شيء قد أثار انتباهه
عندما ذهب الشيخ عثمان لمقابلة شخصين لا يعلم عنهم شيء فالحديث كان عبارة عن همس حيث
ترك الشيخ عثمان همام يجلس بالقرب منهم علي إحدى تلك الطاولات في إحدى تلك المقاهي
حيث كانوا يتجادلون علي سعر بعض التماثيل الصغيرة والتي كان يراها مع جدة ولم يكن يعرف
ما هي ولماذا يبيعونها في الأقصر.
خلال
فترة مكوث همام في الأقصر شاهد الكثير من المقاهي المختلفة فمنها الشعبي ومنها من يجلس
عليها مصريون بطرابيشهم الحمراء والخواجات بتلك القبعات المختلفة ألوانها وتلك المعابد
المنتشرة في أنحاء كثيرة من المدينة والتي كانت تمثل لهمام أشياء مشابه لتلك الأشياء
والتماثيل التي يمتلكها جده أو التي يحملها الشيخ عثمان من أجل بيعها في الأقصر لكن
مع اختلاف أحجامها بالطبع.
تلك
الرحلة قد غيرت الكثير من مفاهيم همام حول الحياة وأن الحياة ليست تلك الحياة التي
يعيشها داخل تلك القرية بل أن هنالك حياة أكبر
وأوسع ومتنوعة في تلك المدينة وكيف يمكن أن يصبح مثل هؤلاء الأشخاص في يوم ما وما هي
تلك التماثيل التي يتاجرون بها ومن أين أتت هل من الجبل أم من مكان آخر؟
بدأ
همام يدرك أن هنالك أشياء كثيرة تحدث من حوله سواء كانت في قريته التي في حضن الجبل
أو تلك المدينة الصاخبة بكل تلك السيارات والحناطير والمقاهي وتلك الوجوه المختلفة
القادمة من أماكن كثيرة بعيدة أيضا مثل قريته.
عاد
همام إلى قريته وعلامات استفهام كثيرة تدور في عقله ولا بد من أن يفهم وهل موت أبيه
له علاقة بتلك التماثيل الصغيرة ولماذا يفعلون ذلك ولكنه كان همام سعيد بتلك الرحلة
التي خلقت له الكثير من الحكايات والذكريات والروايات التي يستطيع أن يسجلها أو يحكها
لأصدقائه في القرية.
العودة إلى القرية
عادت
القافلة إلي القرية محملة بالكثير من البضائع ليتم توزيعها علي أهالي القرية وعندما
علمت القرية بعودة القافلة تجمع الصبية والنساء بالقرب من المسجد منتظرين قدوم الشيخ
يوسف والشيخ عثمان ليتم توزيع تلك الأشياء علي المنازل التي مات من يعيبهم من الرجال
مثل أبي همام فكلهم ماتوا بنفس الظروف والتي كانت غامضة بالنسبة لهمام وكل الصبية.
توقفت
القافلة بجوار المسجد وأسرع همام نحو جده عندما شاهده يقترب من المسجد يحضنه ويقبله
ويقبل يديه والسعادة تملأ وجهة برؤية جده بعد تلك الرحلة حيث قال جده الشيخ يوسف:
ــ كمْ
اشتقت إليك يا همام وأمك لم تشعر بالراحة إلا عندما علمت بقدومك يا ولدي
أجاب
همام وهو في قمة السعادة:
ــ نعم
يا جدي كمْ اشتقت إليك وإلي أمي وأصدقائي أيضا
فأجابه
الجد قائلا:
ــ وماذا
فعلت في الأقصر وكيف وجدت الشيخ عثمان معك طوال الرحلة؟
أجاب
همام بكل سعادة:
ــ الشيخ
عثمان كان بمثابة الجد لي يا جدي أما بالنسبة لمغامراتي وما شاهده هناك فالذي الكثير
لكي أخبرك به ولكني دعني يا جدي أذهب لرؤية أمي أول فكم أنا مشتاق لرؤيتها كثيرا
ابتسم
الجد لهمام وأخبره أن والدته تنتظره في المنزل ومشتاقة لرؤيته وبالفعل انطلق همام نحو
المنزل لكي يري والدته التي كانت تنتظره عند مدخل المنزل حيث احتضنته وهي تبكي من الفرحة
بسبب رؤيتها لهمام
جلس
همام بجوار أمة يحكي لها ما شاهدة وما حدث في تلك الرحلة من أشياء عجيبة قد شاهدها
لأول مرة في حياته فلم يكن يصدق أنه من الممكن أن يشاهد كل ذلك في تلك الرحلة.
تجمع
أصدقاء همام عند باب المنزل لكي يرحبوا به وبعودته حيث تجمعوا في صحن المنزل وأخذ همام
يحكي لهم الكثير من الحكايات وعما شاهدة في تلك الرحلة.
كانت
أم همام في غاية السعادة عندما شاهدت أصدقاء همام يتجمعون حوله لكي يستمعوا إلي ما
يقوله من حكايات حول تلك الرحلة فقدمت لهم الشاي مثل الرجال القرية عندما يأتون لزيارة
الجد ليطلبوا المشورة من الشيخ فالآن همام أصبح رجلا له الكثير من الأشياء والذكريات
التي شاهدها في الأقصر مثل باقي الرجال من أهل القرية.
أصدقاء
همام كانوا في حالة شديدة من التعجب وعدم التصديق عندما أخبرهم بتلك العربات التي تسير
دون خيل أو تلك الكهرباء التي تضيء تلك الفنادق الضخمة كانوا يتجمعون كل يوم بعد خروجهم
من الكتاب في صحن منزل همام لكي ينصتوا إليه لكي يخبرهم بالمزيد عما شاهده في مدينة
الأقصر وان هنالك أناس آخرون قد شاهدهم بملامح مختلفة عن ملامح أهل القرية وعندما كان
يصف ملامحهم أو ملابسهم يتعجب أصدقاؤه من تلك الأشياء الغريبة التي يرويها لهم همام.
لنا
لقاء مع الفصل الثالث
الكاتب
الدكتور
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق