لو امتلك الإثيوبيون ثروة تمكنهم من تنفيذ أفكارهم بشأن النيل، فليُعِن الله مصر ـ وثائق بريطانية


كأن البريطانيين كانوا يقرأون، بدقة، طالع الصراع على مياه النيل بين إثيوبيا من جانب ومصر والسودان من جانب آخر.

تكشف وثائق بريطانية عن أن وزارة الخارجية البريطانية توقعت في أوائل عقد الستينيات من القرن الماضي أن يضع الإثيوبيون مصر في موقف صعب للغاية "تحتاج إلى عون إلهي" لمواجهته.

وتشهد العلاقات بين إثيوبيا، ومصر السودان، الآن توترا متصاعدا بسبب الخلاف على المرحلة الثانية لملء خزان سد النهضة الكبير. وتخشى مصر والسودان من عواقب الملء على كميات المياه المتدفقة إليهما. وتطالبان بالمشاركة في تشغيل السد الذي اعترفتا به، لأول مرة، في إعلان مبادئ وُقع في الخرطوم يوم 23 مارس/آذار عام 2015، أي بعد أربع سنوات من بدء بنائه فعليا.

في عام 1961، رعت بريطانيا مفاوضات "فنية غير رسمية" بين مصر والسودان ودول شرق أفريقيا بغية التوصل إلى صيغة مشتركة للتعامل مع مياه النيل، خاصة النيل الأبيض.

ووفق الوثائق، التي حصلت عليها، كلفت وزارة الخارجية البريطانية سفارتها في القاهرة بالاتصال بالمصريين للتعرف على سياستهم في التعامل مع مشكلة مياه النيل.

وفي تقرير بعنوان "مياه النيل"، تؤكد الوزارة إدراك بريطانيا أهمية النيل بالنسبة لمصر. غير أنها رأت سياسة نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك "غير واضحة".

وكانت هذه الرؤية هي أحد عناصر تقييم بريطانيا لمشكلة مياه النيل بين مصر، في عهد عبد الناصر، وإثيوبيا، في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي.

وفي ذلك الوقت، اعتبرت بريطانيا "السلوك المصري نحو إثيوبيا غامضا نوعا ما".

 

 

حيرة بريطانية

وتكشف الوثائق عن أن مسؤولي السفارة البريطانية في القاهرة ناقشوا قضية العلاقات الإثيوبية المصرية مع المسؤولين المصريين خلال عامي 1960 و1961. وبناء على تلك المناقشات انتهى البريطانيون إلى أن "نظرة مصر (تجاه إثيوبيا) غير مفهومة".

كان أحد مصادر هذا التقييم اجتماع جمع، يوم 20 من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1961 أحد دبلوماسيي السفارة في القاهرة ومحمد فائق، مستشار الرئيس ناصر للشؤون الأفريقية. ونوقشت في هذا الاجتماع مسألة قدرة إثيوبيا على حجز المياه عن مصر.

ووفق تقرير عن اللقاء، قال الدبلوماسي البريطاني إنه "كان في حيرة ناتجة عن إدراكه أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة (مصر) تبدو مستعدة جدا لإغاظة الإثيوبيين".

وخلال النقاش، قال فائق "أود أن أوضح أن الدراسات الفنية التي أجريت في القاهرة أظهرت أنه حتى لو توفرت للإثيوبيين أموال لا حدود لها، فإنه لا يمكنهم حجز أكثر من 1 من 13 من مياه النيل الأزرق"، الذي هو مصدر أكثر من80 في المئة من مياه النيل المتدفقة على مصر.

وأضاف فائق أنه "بمجرد ملء خزان سد أسوان العالي، فإن هذا الأمر لن يهم".

في تلك الفترة، تردد أن إثيوبيا تخطط لتحويل مجرى مياه النيل الأزرق، الذي ينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا، بعيدا من مجرى وادي النيل.

وأبلغ فائق الدبلوماسي البريطاني "باعتقاد المصريين بأن هذا غير ممكن". وأضاف "على أي حال، لن يحصل الإثيوبيون أبدا على الأموال الكافية لتنفيذ أكثر من جزء ضئيل من المخططات الممكنة فنيا.. وليس لدى المصريين والسودانيين ما يخشون منه بخصوص هذا الأمر".

ومضى المسؤول المصري يقول، وفق تقرير الدبلوماسي البريطاني، إن سياسة مصر تجاه إثيوبيا هي "في العموم ليست غير ودية".

وقال الدبلوماسي إنه "لا يعلم ما إذا كان كلام فائق يستند إلى أدلة قوية"، غير أنه أكد أن ما طرحه المسؤول المصري "عزز رأيه بأن المصريين لا يقدرون الإثيوبيين".

وقال إنه "ربما يعتقد المرء أن مصلحتهم (المصريين) الحيوية، بما تعنيه الكلمة حرفيا، في النيل، سوف تؤدي لأن يسعوا إلى علاقات جيدة مع الدولة التي تملك مصدر خمسة وسبعون في المئة من المياه".

 

حقيقة أسطورة الرصد في مقابر مصر القديمة

 

نهاية المصريين

إلا أن ما حدث هو أن المصريين "ذهبوا لحد إغاظة الإثيوبيين متى أمكنهم، وخاصة فيما يتعلق بالصومال". وكانت إثيوبيا والصومال تخوضان صراعا حدوديا على إقليم أوغادين تطور إلى حرب بينهما عام 1964. ومال نظام عبد الناصر لتأييد موقف الصومال في الصراع الذي دام لسنوات في منطقة القرن الأفريقي.

وخلص الدبلوماسي البريطاني، من النقاش، إلى أن ما طرحه فائق "عزز رأيه بأن المصريين لا يعبأون بالإثيوبيين".

وأشار تقرير الدبلوماسي البريطاني من القاهرة إلى أن نظرة المصريين المستقبلية تقوم على "الاعتقاد بأن من المرجح أن تتفكك الدولة الإثيوبية، عندما يموت الإمبراطور (هيلا سيلاسي)".

وحذر التقرير من عواقب وخيمة للغاية لمثل هذا التصور، قائلا إنه "لو تبين خطأ المصريين، فستكون تلك نهايتهم".

واستنادا إلى هذا التصور، توقعت الخارجية البريطانية أن تواجه مصر مشكلة لا قبل لها بها مع الإثيوبيين بسبب المياه.

وقالت، في تقرير شامل عن المشكلة، إنه "انطلاقا من التقارير القادمة من أديس أبابا عن المناقشات مع بتريديس (مستشار امبراطور إثيوبيا) في السنوات الأخيرة والكلام الذي يصدر من حين لآخر عن السفير الإثيوبي في القاهرة، فإنه لو امتلك الإثيوبيون ثروة تضاهي في أي وقت أفكارهم بشأن النيل، كان الله في عون مصر".

وبعد خمسين عاما من التحذير البريطاني، تمكن الإثيوبيون، في أثناء انشغال مصر بثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، من تدبير حوالي 5 مليارات دولار لتمويل بناء سد النهضة، الذي تساور مصر مخاوف قوية من أنه سوف يخفض حصتها الحالية من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا. ويشكك المصريون في نوايا إثيوبيا التي تؤكد أن السد مشروع قومي يستهدف توليد الكهرباء ودعم مشروعات تنموية طال انتظار الشعب الإثيوبي لها.

وأوصى تقرير الدبلوماسي البريطاني من القاهرة بعدم تدخل بريطانيا في هذا الشأن. وقال "لا بد أن نكون حكماء بأن نترك الإثيوبيين يتناقشون مع المصريين والسودانيين بشأن النيل الأزرق".

وبعد هذا التقييم بحوالي 27 عاما، تنبأت بريطانيا بأزمة سد النهضة الحالية بين إثيوبيا ومصر، وتوقعت "ألا يقبل المصريون أن تكون بلادهم رهينة لسلاح المياه الاستراتيجي".

 

في كل مراحل أزمة سد النهضة الحالية، لم تتوقف دعوات مختلف الأطراف، الإقليمية والدولية، إلى تعاون يحقق المنفعة المشتركة لدول حوض النيل. ورغم قناعة مصر والسودان وإثيوبيا المعلنة بمبدأ التعاون، فشلت المفاوضات الماراثونية، المستمرة منذ سنوات، في التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة.

وتكشف الوثائق البريطانية عن أنه كانت لمصر، قبل 74 عاما، مبادرات "جادة" بشأن التعاون المأمول .

تقول الوثائق، التي اطلعنا عليها، إن مصر لم تُثِرْ فقط مسألة التعاون عن طريق إنشاء مشروعات مشتركة للاستخدام الأفضل لمياه النيل، بل هي التي اقترحت أول مشروع مشترك لإنشاء سد على النيل الأزرق، الذي تقيم إثيوبيا سد النهضة عليه الآن.

ففي عام 1946، اقترحت وزارة الأشغال العامة المصرية ثلاثة مشروعات مشتركة في إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان (دولة جنوب السودان حاليا)، وفق الوثائق.

المشروع الأول عبارة عن سد على الطرف الجنوبي لبحيرة تانا، التي ينبع منها النيل الأزرق، مصدر قرابة 80 في المئة من مياه النيل الرئيسي.

وكان موقع السد المقترح على بعد 1000 كيلومتر على الأٌقل من موقع سد النهضة الذي توشك إثيوبيا على الانتهاء من بنائه قرب حدودها مع السودان.

وفي اقتراحهم، الذي كان ضمن تقرير بعنوان "صيانة النيل مستقبلا"، قال ثلاثة خبراء بريطانيون يعملون لدى الوزارة المصرية، وهم هيرست وبلاك وسيميكا، إن الهدف من السد المقترح هو "تحويل البحيرة إلى خزان يحفظ المياه التي تتدفق إلى النيل الأزرق متحولة إلى فيضانات تجمع الطمي في طريقها".

ووصف الخبراء مشروعهم بأنه "محاولة لاستخدام الحد الأقصى لإمدادات المياه في التنمية النهائية لمصر والسودان، وللمشروعات المقامة على النيل اللازمة لتحقيق هذا الهدف".

حينها أبدت بريطانيا، التي توقعت قبل عام 1990 الأزمة الحالية بشأن سد النهضة، تأييدها القوي للمشروع. وفي برقية إلى السفارة في القاهرة، قالت الخارجية البريطانية إن الهدف الرئيسي هو "تخزين المياه في بحيرة تانا للاستفادة منها في موسم الجفاف في حوض وادي النيل".

وتضيف البرقية، التي أرسلت نسخة منها إلى السفارتين البريطانيتين في أديس أبابا والخرطوم، إن للمشروع فوائد أخرى منها " تمكين إثيوبيا من توليد احتياطات هائلة من الكهرباء".

غير أن إثيوبيا لم توافق على المشروع، الذي سُمي مشروع بحيرة تانا، في حينه. ولم تشر الوثائق البريطانية إلى أسباب الرفض.

 

سرطان الكبد: الأعراض والأسباب

تصرف منفرد

وبعد عشر سنوات تقريبا، كشفت وثيقة مصنفة "سرية للغاية" عن أن الإثيوبيين كانوا "أكثر اهتماما بمشروع من شأنه توليد الكهرباء لهم أكثر من اهتمامهم بمشروعات، مثل إنشاء سد على مخرج بحيرة تانا، سوف يفيد المصريين والسودانيين".

وفي الوثيقة التي جاءت ضمن تقرير موجه إلى مكتب رئيس الوزراء، قالت الخارجية البريطانية: "لو أردنا الدفع باتجاه مشروع من النوع الأخير (لإفادة المصريين والسودانيين)، فإنه يتعين علينا أن نرفق اقتراحنا بعرض للمساعدة في إنشاء الأول (توليد الكهرباء للإثيوبيين)"

وتوقع التقرير أن "يرحب الإثيوبيون بأن تجري لجنة فنية مستقلة دراسة مسحية لكل وادي النيل. ومن المحتمل ألا يعترضوا على أن ينظم البنك الدولي هذه العملية".

غير أن هذا لم يحدث. وبعد هزيمة مصر أمام إسرائيل عام 1967، فوجىء المصريون بأن إثيوبيا أنشأت، منفردة، السد وأطلقت عليه اسم "هدار شارا شارا"، دون إبلاغ القاهرة، بهدف توليد الكهرباء.

لم تثر مصر ضجة بشأن السد لأنه لم تكن له أضرار محسوسة على مياهها، كما قال مسؤول مصري سابق، مطلع على ملف المياه، لبي بي سي.

والمشروع الثاني، الذي جاء ضمن تقرير "صيانة النيل مستقبلا"، سماه خبراء وزارة الأشغال العامة المصرية "مشروع النيل الاستوائي". وهو، وفق تقريرهم، عبارة عن سدين على بحيرتي ألبرت وفيكتوريا (سد شلالات أوين) في أوغندا. وهاتان البحيرتان هما أحد مصادر النيل الأبيض الذي يلتقى مع النيل الأزرق في الخرطوم ليشكلا نهر النيل المار بالسودان ومصر.

وبدأ العمل في سدد شلالات أوين في شهر فبراير/شباط 1949. وافتتح أوائل عام 1954 بمشاركة مصر في التمويل. ولا تزال هناك بعثة هندسية مصرية مقيمة في أوغندا حتى الآن لمتابعة عمل السد.

 

 

تعاون وحسن نية

في عام 1980، قدم المجلس العسكري الانتقالي في إثيوبيا شكوى ضد مصر إلى الاتحاد الأفريقي بعد إعلان السادات استئناف العمل في مشروع قديم يهدف إلى توصيل مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.

واستشهدت السفارة البريطانية في القاهرة بمشروع سد شلالات أوين كي توضح للحكومة البريطانية عدم صدق ادعاءات إثيوبيا بأن المشروع يخالف التزامات مصر ويضر بإثيوبيا.

وفي تقرير لها بشأن الخلاف، قالت السفارة "إن مصر واعية تماما بأن التعاون بين دول حوض النيل هو الطريقة الصحيحة لتنمية نهر مشترك. والسد الذي بني على شلالات أوين في أوغندا مثال جيد في هذا الصدد."

وأضاف التقرير "مصر احتاجت المياه للري بينما احتاجت أوغندا الطاقة الكهربائية. وبروح التعاون وحسن النية في إطار اتفاقية 1929، تعاونت الدولتان لتقاسم تكاليف بناء السد الذي يلبي متطلبات كل من الدولتين."

ومضى التقرير يقول "هناك الكثير من الأمثلة الأخرى التي تثبت بوضوح أن مصر مستعدة دائما للتعاون من أجل منفعة كل دول حوض النيل."

أما المشروع الثالث فهو قناة جونغلي لنقل المياه المسربة من منطقة بحر الجبل وتُفقد في المستنقعات المحيطة بها في جنوب السودان (جمهورية جنوب السودان حاليا). وتبدأ القناة من جونغلي، على بعد 80 كليومترا شمال المنطقة المطلة على بحر الجبل، إلى النيل الأبيض. وكان المتوقع أن توفر القناة ما يقرب من 13 مليار متر مكعب من المياه.

وتقول تقارير إن أعمال حفر القناة، التي كان من المتوقع أن يبلغ طولها 360 كيلومترا، بدأت في الربع الأخير من ثمانينيات القرن الماضي. ولكن العمل فيها توقف، لأسباب فنية وأخرى تتعلق بالحرب بين جنوب السودان وشماله، بعد حفر 260 كيلومترا.

وهناك تقارير حديثة تشير إلى مشاورات بين مصر وجمهورية جنوب السودان لاستئناف العمل بالقناة لتعوض جزئيا المياه التي تخشى مصر أن تفقدها بسبب سد النهضة الإثيوبي.

 

التهاب اللوزتين: الأعراض والأسباب

 

ما أهمية هذه الوثائق؟

تكشف الوثائق عن وعي مصر بأهمية التعاون لخدمة المصالح المشتركة لدول حوض النيل.

غير أنها تعيد طرح النقاش بشأن اتفاق الخرطوم الإثيوبي السوداني المصري.

فالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يواجه انتقادات، من جانب معارضيه، بسبب توقيعه، يوم 23 مارس/آذار 2015 في الخرطوم، على اتفاق إعلان مبادئ.

الانتقاد الرئيسي لهذا الاتفاق هو أنه أعطى أول موافقة مصرية رسمية على مشروع سد النهضة دون الحصول على ضمانات واضحة سواء بشأن آلية ملء وتشغيل السد أو حصة مصر "التاريخية" من مياه النيل.

غير أن الوثائق البريطانية تكشف أنه لم يكن لدى مصر اعتراض على مشروع السد من حيث المبدأ، شريطة التنسيق بما يضمن حماية مصالحها المائية، بل هي أول من اقترح مشروعات مشتركة تحقق مصالح الجميع.

وفضلا عن ذلك كشفت مصادر مصرية، مطلعة اطلاعا واسعا على ملف نهر النيل، لبي بي سي عن أنه "كان هناك استعداد مصري مخلص لقبول إنشاء سد النهضة بطاقة تخزين تبلغ 14.5 مليار متر مكعب"، وليس بطاقة التخزين التي يستهدفها السد الآن وهو أكثر من 70 مليار متر مكعب، بزيادة تقترب من خمسة أضعاف.

إلا أن هذا الاستعداد لم يُترجم إلى اتفاق بين القاهرة وأديس أبابا. لذلك، يرى خبراء في قوانين المياه الدولية أن إعلان الخرطوم كان خطوة إيجابية.

ويُرجِع البروفيسور جابريل إيكشتاين، رئيس الجمعية الدولية لموارد المياه ذلك إلى أن إعلان المبادىء "أقر لأول مرة رسميا إدراك أهمية نهر النيل كمصدر حياة ومصدر حيوي لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان".

وردا على تساؤلات بي بي سي، أشار إيكشتاين، وهو أيضا مدير برنامج قوانين أنظمة الطاقة والبيئة والموارد الطبيعية في كلية القانون بجامعة تكساس أيه آند إم الأمريكية، إلى أن ذكر إثيوبيا كانت إشارة مهمة غير مسبوقة.

وهو هنا يشير إلى نص الاتفاق على "تقدير للاحتياج المتزايد لجمهورية مصر العربية، وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وجمهورية السودان لمواردها المائية العابرة للحدود".

ويرى الخبير الأمريكي، عضو المجلس التنفيذي للجمعية الدولية لقانون المياه، أن توقيع السيسي على إعلان الخرطوم "عزز موقف مصر كجار منصف وعادل."

وترى مصر أن لها "حقوقا تاريخية" أهمها حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وضرورة الحصول على موافقتها على أي مشروعات تقام على النيل.

غير أن إيكشتاين يرى أن موقف مصر التاريخي بشأن النيل القائم على المعاهدات الاستعمارية "عفا عليه الزمن ويخسر الاحترام بسبب الرفض الدولي المتنامي للادعاءات المطلقة المستندة إلى التاريخ وبسبب القبول العالمي المتزايد لحلول تتسم بقدر أكبر من المساواة في إدارة الموارد المشتركة."

ويضيف "لست متأكدا مما إذا كان لدى مصر خيار آخر سوى الاعتراف بالحقوق المشروعة لدول أعالي النيل (دول المنبع). فادعاءاتها المطلقة بشأن النيل لم تعد مقبولة من جانب المجتمع الدولي وهي تحتاج إلى الدعم الدولي، خاصة بعد الربيع العربي."

غير أن الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية المصري السابق، يدفع بأن "الاتفاقيات التاريخية لاتخضع لأراء مختصين بل هى معاهدات لها بنود ومقايضات ورسم حدود وهى ليست خاضعة للأهواء."

ويرى علام أن "الحكم على مدى قانونية هذه الاتفاقيات مكانه التحكيم الدولي".

ويقول الإثيوبيون إنهم يريدون أن تؤدي أي مفاوضات إلى "فوز للطرفين وإبرام اتفاق دائم يضمن استخداما عادلا ومتساويا للمصدر المشترك ( مياه النيل)".

وفي رسالة إلى الإدارة الأمريكية، في شهر مارس/آذار الماضي، قال المجلس المدني الإثيوبي الأمريكي إن إثيوبيا "تستحق نصيبها العادل من نهر النيل بهدف انتشال شعبها من الفقر".

 

 

قصة سد النهضة

كان مشروع السد هو أحد وسائل الإمبراطور هيلاسيلاسي، الذي حكم إثيوبيا بين عامي 1930و 1974، لتحقيق حلم إعادة أمجاد بلاده. وطلب، في ستينيات القرن الماضي، مساعدة الأمريكيين الذين اقترحوا عليه إنشاء سلسلة من السدود على النيل الأزرق لتوليد كميات كبيرة من الكهرباء. غير أن الأوضاع الداخلية في إثيوبيا حالت دون تنفيذ الاقتراحات الأمريكية.

في أواخر عام 1998، طرح البروفيسور الانجليزي ديفيد غراي، الذي كان يعمل في البنك الدولي آنذاك، مبادرة حوض النيل التي استهدفت إبرام اتفاقية رسمية شاملة بشأن استخدام مياه النيل.

وبعد مفاوضات ماراثونية، تم توقيع المبادرة في فبراير/شباط 1999 التي نصت على "الوصول إلى تنمية مستدامة في المجال السياسي-الاجتماعي، من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل".

وكانت الوسيلة المقترحة هي إنشاء سلسلة مشروعات مشتركة متعددة الأغراض تستفيد منها الدول المشاطئة للنيل، خاصة الدول الرئيسية الثلاث: إثيوبيا والسودان ومصر.

وفي إطار المبادرة، طرح البنك الدولي مشروع إنشاء سسلسلة من أربعة سدود على النيل الأزرق بهدف توليد كهرباء تستفيد منها الدول الثلاث، وبتمويل من دول مانحة.

وبعد جولة مفاوضات أخرى، اتفقت كل دول حوض النيل على التوقيع على المشروع أواخر عام 2009. وعندما حان وقت التوقيع، تراجعت مصر.

ويقول البروفيسور بيتر فان دير زاج، أستاذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية في معهد " آي اتش إي يلفت" الهولندي الشهير إن الموقف المصري "كان مفاجئا في اللحظات الأخيرة ومحبطا للزعيم الإثيوبي في ذلك الوقت (ميليس زيناوي) الذي أمر ببناء سد وسد كبير."

وأطلق على المشروع حينها اسم "سد الألفية". وبالفعل، بدأ بناء السد بأمر زيناوي في أثناء ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر، ولكن باسم سد النهضة.

لم يكشف البروفيسور فان دير زاج، في مقابلة تليفزيونية بثها معهد "آي اتش إي يفلت" آخر الشهر الماضي، سبب تراجع مصر عن التوقيع عن مشروع السدود.

غير أن الدكتور محمد نصر علام، الذي كان رئيس قسم الري والهيدروليكا في جامعة القاهرة قبل توليه الوزارة ، يقول إن المشروع "كان بالغ الخطورة ويضر بموقف مصر المائي".

وكشف علام، الذي رفض التوقيع بعد شهور من توليه الوزارة في فبراير/شباط 2009، لبي بي سي عن أنه "راجع الدراسات وتبين أن السدود المقترحة كانت ستحجز 140 مليار متر مكعب من المياه". وأضاف أن "القيادة السياسية ( في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك) أيدت اقتراحه برفض التوقيع بعد عرض نتائج دراساته عليها".

المصدر : بي بي سي العربية 

Labeled Posts Blogger Widget in Tab Style

Post a Comment

Previous Post Next Post