على
مدى أشهر، نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التخطيط لغزو أوكرانيا، لكنه الآن مزق
اتفاق سلام وأرسل قواته عبر الحدود إلى المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية من
أوكرانيا.
وبينما
ترتفع حصيلة القتلى، يواجه بوتين اتهامات بأنه يهدد السلام في أوروبا. ما يحصل في
الأيام القادمة قد يهدد أمن القارة الأوروبية برمتها.
ما المواقع التي هاجمتها القوات الروسية
ولماذا؟
تعرضت المطارات
والمقار العسكرية أولا للقصف بالقرب من المدن في جميع أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك
مطار بوريسبيل الدولي الرئيسي في كييف.
ثم توغلت
الدبابات والقوات الروسية في الشمال الشرقي من أوكرانيا، بالقرب من مدينة خاركيف،
التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة، وفي الشرق بالقرب من لوهانسك، كما من
بيلاروسيا المجاورة في الشمال. ونزلت القوات الروسية في مدينتي أوديسا وماريوبول
الكبريين جنوبي أوكرانيا.قبل لحظات من بدء الغزو، ظهر الرئيس بوتين على شاشة
التلفزيون معلنا أن روسيا لا تستطيع أن تشعر "بالأمان والتطور" بسبب ما
وصفه بالتهديد المستمر من أوكرانيا الحديثة.
قدم الرئيس بوتين
العديد من الحجج الخاطئة أو غير العقلانية، حيث ادعى أن هدفه من العملية العسكرية
هو حماية الأشخاص الذين "يتعرضون للتنمر والإبادة الجماعية"، وأنه يسعى
إلى "نزع السلاح والأفكار النازية" من أوكرانيا.
لم تكن هناك
إبادة جماعية في أوكرانيا وهي ديمقراطية نابضة بالحياة يقودها رئيس يهودي.
"كيف يمكن أن أكون نازيا؟" قال فولوديمر زيلينسكي، الذي شبه هجوم روسيا
بغزو ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.كثيرا ما ردد الرئيس بوتين اتهامه
بأن المتطرفين سيطروا على أوكرانيا، منذ الإطاحة برئيسها الموالي لروسيا، فيكتور
يانوكوفيتش، عام 2014 بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه. وردت روسيا على ذلك
بالسيطرة على منطقة القرم الجنوبية ودعم تمرد في الشرق من قبل الانفصاليين
الموالين لموسكو الذين قاتلوا القوات الأوكرانية في حرب أودت حتى الآن بحياة 14
ألف شخص.في أواخر عام 2021، بدأ بوتين بنشر أعداد كبيرة من القوات الروسية بالقرب
من حدود أوكرانيا. ثم ألغى هذا الأسبوع اتفاق سلام أبرم عام 2015 في الشرق واعترف
بالمناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين على أنها مناطق مستقلة.لطالما قاومت روسيا تحرك
أوكرانيا نحو الاتحاد الأوروبي وتحالف الناتو. ولدى إعلانه للعملية العسكرية في
أوكرانيا، اتهم بوتين الناتو بتهديد "مستقبلنا التاريخي كأمة".
إلى أي مدى ستذهب روسيا؟
في الوقت الحالي،
ليس من الواضح ما إذا كان الزعيم الروسي يسعى للإطاحة بحكومة أوكرانيا المنتخبة
ديمقراطيا. وقد رفض الكرملين التصريح حول هذا الأمر، على الرغم من اعتقاده أن
السيناريو المثالي يستوجب "تحرير أوكرانيا وتطهيرها من النازيين".ومع
ذلك، عبر دخول قواته من بيلاروسيا وبالقرب من خاركيف في الشمال، يرسل بوتين إشارة
مفدها أن أهدافه تتجاوز المناطق الشرقية التي ضربتها ثماني سنوات من الحرب.في
الأيام التي سبقت الغزو، عندما كان ما يصل إلى 200 ألف جندي روسي على مقربة من
حدود أوكرانيا، ركز بوتين اهتمامه على الشرق.لكنه بالاعتراف بالدويلات الموالية
لروسيا في لوهانسك ودونيتسك كدولتين مستقلتين، كان قد قرر بالفعل أنهما لم يعودا
جزءا من أوكرانيا. ثم كشف أنه يؤيد مطالب الانفصاليين بمزيد من الأراضي
الأوكرانية.
وتغطي
"الجمهوريات الشعبية" التي نصبت نفسها بنفسها أكثر من ثلث مناطق لوهانسك
ودونيتسك بقليل، لكن الانفصاليين يطمعون في الباقي أيضا.قال الرئيس الروسي:
"لقد اعترفنا بهم، وهذا يعني أننا اعترفنا بجميع وثائق تأسيسهم". لم
يكتف بوتين بالاعتراف بهم، بل وقع مرسوما يسمح للقوات الروسية بالتمركز هناك بشكل
علني وبإنشاء قواعد عسكرية أيضا.
ما مدى خطورة الغزو على أوروبا؟
هذه أوقات مرعبة
للشعب الأوكراني.
العشرات قتلوا
بالفعل من المدنيين والجنود على حد سواء، في ما أطلقت عليه ألمانيا اسم "حرب
بوتين". وبالنسبة لزعماء أوروبا، جلب هذا الغزو بعض أحلك الساعات منذ الحرب
العالمية الثانية.بالنسبة لعائلات المنخرطين في القوات المسلحة للبلدين، ستكون
هناك أيام صعبة قادمة. على الرغم من أن غزو جارتها كان بختم مطاطي من قبل مجلس
الشيوخ في البرلمان الروسي، إلا أن هذه ليست حربا كان الشعب الروسي مستعدا
لها.وقال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارك ميلي إن حجم القوات الروسية
ينذر بسيناريو "مروع" مع وصول القتال إلى مناطق حضرية كثيفة.
عززت أوكرانيا
قوة قواتها المسلحة في السنوات الأخيرة، وتواجه روسيا سكانا معادين لها. وقد
استدعى الجيش جميع جنود الاحتياط الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عاما.وبكلمات
المستشار الألماني أولاف شولتز: "لا مبرر للخطوة. هذه حرب بوتين".لكن
الغزو سيكون له آثار غير مباشرة على العديد من البلدان الأخرى المتاخمة لكل من
روسيا وأوكرانيا. تقول لاتفيا وبولندا ومولدوفا إنها تستعد لتدفق اللاجئين. وقد
أعلنت مولدوفا وليتوانيا حالة الطوارئ.
ما الذي يمكن للغرب أن يفعله؟
وضع الناتو
طائراته الحربية في حالة تأهب لكن الحلف الغربي أوضح أنه لا توجد لديه خطط لإرسال
قوات مقاتلة إلى أوكرانيا نفسها. وبدلا من ذلك ، عرض على أوكرانيا تقديم
المستشارين والأسلحة والمستشفيات الميدانية. في غضون ذلك، تم نشر 5000 جندي من
الناتو في دول البلطيق وبولندا. يمكن إرسال 4000 آخرين إلى رومانيا وبلغاريا
والمجر وسلوفاكيا.ركز الغرب على اتخاذ إجراءات ضد التمويل الروسي وبعض الأفراد.
مباشرة بعد أن مزق بوتين اتفاق مينسك للسلام لعام 2015 مع أوكرانيا، فُرضت مجموعة
من العقوبات مع مزيد من الإجراءات على أمل ألا تقوم روسيا بالهجوم:
- علقت ألمانيا الموافقة على خط أنابيب الغاز
الروسي "نورد ستريم 2"، وهو استثمار كبير لكل من روسيا والشركات
الأوروبية.
- وافق الاتحاد الأوروبي على عقوبات واسعة
تشمل جميع أعضاء البرلمان الروسي البالغ عددهم 351، والذين صوتوا لصالح
"القرار غير القانوني" لروسيا بالاعتراف بالمناطق التي يسيطر عليها
المتمردون كدول مستقلة.
- قالت الولايات المتحدة إنها ستعزل الحكومة
الروسية عن المؤسسات المالية الغربية وتستهدف "النخب" رفيعة
المستوى.
- استهدفت بريطانيا خمسة بنوك روسية كبرى
وثلاثة مليارديرات روس بالعقوبات.
ودعت دول البلطيق
الثلاث الآن المجتمع الدولي بأسره إلى فصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع
السريع الدولي (سويفت). وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر ذلك بشكل سيء على اقتصادات
الولايات المتحدة وأوروبا.
ما الذي يريده بوتين؟
في الأسابيع
والأشهر التي سبقت دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، قدمت روسيا سلسلة من المطالب
للحصول على "ضمانات أمنية" من الغرب، يتعلق معظمها بحلف شمال الأطلسي
(الناتو).
وألقى الرئيس
بوتين باللوم جزئيا على قراره بالهجوم على توسع الناتو شرقا. وكان قد اشتكى في وقت
سابق من أن روسيا "ليس لديها مكان آخر تتراجع إليه - هل يعتقدون أننا سنبقى
مكتوفي الأيدي؟"وقال نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف: "بالنسبة إلينا،
من الإلزامي تماما التأكد من أن أوكرانيا لن تصبح أبدا عضوا في الناتو".مطالب
بوتين الأساسية الأخرى هي أن لا ينشر الناتو "أسلحة هجومية بالقرب من حدود
روسيا"، وأن يزيل القوات والبنية التحتية العسكرية من الدول الأعضاء التي
انضمت إلى الحلف منذ عام 1997.وهذا يعني أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية ودول
البلطيق. في الواقع، تريد روسيا أن يعود الناتو إلى حدود ما قبل عام 1997.
العام الماضي كتب
الرئيس بوتين مقالا طويلا يصف فيه الروس والأوكرانيين بأنهم "أمة
واحدة"، ووصف انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991 بأنه "تفكك لروسيا
التاريخية". لقد ادعى أن أوكرانيا الحديثة تم إنشاؤها بالكامل من قبل روسيا
الشيوعية وهي الآن دولة دمية، يسيطر عليها الغرب.كما جادل الرئيس بوتين بأنه إذا
انضمت أوكرانيا إلى الناتو، فقد يحاول الحلف استعادة شبه جزيرة القرم.
ماذا يقول الناتو؟
الناتو هو تحالف
دفاعي يعمل بسياسة الباب المفتوح أمام الأعضاء الجدد، والدول الأعضاء فيه البالغ
عددها 30 مصرة على أن تبقى هذه السمة على حالها.
وقد دعا الرئيس
الأوكراني إلى وضع "أطر زمنية واضحة وممكنة" للانضمام إلى الناتو، لكن
لا يبدو أن ذلك قد يحدث في المدى المنظور، كما أوضح المستشار الألماني.
إن فكرة أن تتخلى
أي دولة من دول الناتو الحالية عن عضويتها فكرة غير واردة مطلقا.
ومن وجهة نظر
الرئيس بوتين، تعهد الغرب عام 1990 بأن الناتو لن يتمدد "شبرا واحدا إضافيا
نحو الشرق"، لكنه فعل ذلك على أي حال.
كان ذلك قبل
انهيار الاتحاد السوفيتي، لذا فإن الوعد الذي قُطع للرئيس السوفيتي آنذاك ميخائيل
غورباتشوف أشار فقط إلى ألمانيا الشرقية في سياق الحديث عن ألمانيا الموحدة.
وقال غورباتشوف
لاحقا إن "موضوع توسع الناتو لم يُناقش أبدا" في ذلك الوقت.
هل من حل
دبلوماسي للأزمة؟
ليس في الوقت
الراهن، ولكن أي صفقة نهائية يجب أن تغطي كلا من الحرب شرقي أوكرانيا، والحد من
انتشار الأسلحة.
عرضت الولايات
المتحدة بدء محادثات بشأن الحد من نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وكذلك بشأن
معاهدة جديدة حول الصواريخ العابرة للقارات. أرادت روسيا حظر نشر جميع الأسلحة
النووية الأمريكية خارج أراضيها الوطنية.
كانت روسيا
إيجابية تجاه "آلية شفافية" لفحص قواعد الصواريخ المتبادلة التي تقدم
واشنطن بموجبها تطمينات بأنه ليس لديها صواريخ كروز في بولندا أو رومانيا، وتقدم
روسيا تطمينات بشأن قاعدتي صواريخ روسيتين.
المصدر : بي بي
سي
Post a Comment