شبح الفتاة المحترقة |
في ذلك
الوقت كان يتجمع فتيات وفتيان هذا المنزل في المساء حول المذياع وأنا بينهم في تلك
الحجرة الفتيات يجلسن علي مخدع وأنا بينهم والفتيان علي المخدع الثاني والكل يستمع
بتركيز وإنتباه إلي المذياع, أتذكر أن كان لديهم فتاتين أقل مني في العُمر قليلاً
ولكنني كنت أحيانأ ألهو معهن وكثيراً أجلس مع الفتيات الأكبر عُمرأ لأنني كنت أفضل
ذلك وهن يجدن حكاياتي مشوقة لهن.
في المساء
كنت أذهب مُسرعاً إلي منزل جيراننا لكي أنتظر معهم جميعاً نلتف حول المذياع لكي
ننصت جميعاً إلي ذلك المسلسل البوليسي لكي يحاول كل منا أن يجد حل اللغز ثم ننتظر
في آخر الليل الحل الصحيح, كنا نتصارع والضجيج يملأ المكان فكل واحد من المتزاحمين
في تلك الحجرة يدافع عن رأيه وأنه يعرف حل لغز هذه الحلقة من ذلك المسلسل, كنت لا
أفارقهم أبداً إلا في وقت النوم فقط, ربما لإدراكي بأن جيراننا هؤلاء طيبون
ويحبونني كثيراً.
في يوم ما
سمعت الصرخات تملأ الشارع والكل يركض وأنا أركض من ورائهم لكي أعرف ماذا حدث
بالظبط فإذا بفتاة تركض مُنطلقة من ذلك المنزل الذي أحب أفراده جميعاً والنار
تشتعل بها وهي تصرخ تعبر الطريق إلي الناحية الأخري نحو صديقتها التي تقطن المنزل
المواجه لهم, صديقتها تخرج مًسرعة من منزلها تحمل بطانية وآخرون أيضاً الكل يحاول
إطفاء النيران التي تلتهم جسد تلك الفتاة التي أعرفها جيداً, الكل يصرخ والعويل
يملأ المكان لكن في نهاية الأمر ماتت تلك الفتاة, ربما توفت في تلك اللحظة أو
بداخل إحدي حجرات مستشفي بلدتنا فكل هذا لايهم المهم أنها توفت بدون أن أدري
لماذا, ذلك المنزل الذي كان مُفضلاً لدي أصبح حزيناً كئيباً الكل في صمت وحزن علي
تلك الفتاة التي أشعلت النيران في جسدها وركضت نحو صديقتها لكي ترتمي في أحضانها
في لحظاتها الأخيرة كأنها تودعها أو كأنها أرادت أن تبلغ الجميع رسالة بأنها فعلت
ذلك بسبب عائلتها, لكن
ماهو السر الذي دفعها لفعل ذلك ؟!! لم أجد أحد يخبرني بذلك في حينها.
الوقت يمر
والكل ينسي ما حدث وتعود الحياة طبيعية في منزل تلك الفتاة ولكن بعد مرور بعض
الوقت بدأ شبح ذلك الفتاة يظهر من آن لأخر وخاصةً في الليالي الحالكة شديدة الظلمة
حيث يعم الهدوء والسكون , كان هنالك بعض الأشياء الغريبة التي تصاحب ظهورها حيث
نجد الكلاب تنبح بعويل يشوبه الخوف والرعب كأنها تفر من الجحيم حيث تختفي كل كلاب
الحي ويعم الصمت كأن هنالك حدث جلل في الطريق إلي ظلمة الحي , في العادة كانت تظهر
مابعد الثالثة من مٌنتصف الليل , كنا نري شيء يشبه الدخان الأبيض يتشكل في بقعة
سوداء علي سطح منزل تلك الفتاة , يتصاعد في صمت حتي يشكل جسد شخص ما يتلوي ويعلو
الصراخ الذي يصم آذان من يشاهد ذلك الدخان الأبيض , كأنها صرخات قادمة بصداها من
قلب الجحيم , البعض كان يشاهدها في بعض ليالي الشتاء بما فيهم والدتي , كان ذلك
الدخان الأبيض يتراقص مع لعناتها وصراخاتها فوق سطح المنزل ثم تندفع لتقفذف بنفسها
لنري ذلك الدخان قد تحول إلي كتلة من اللهب وكأن هنالك قطعة من الجحيم تطير في
الهواء بألوان النار مابين اللون الأحمر والذهبي , البعض كان يهمس بأنه شبح الفتاة
التي احترقت وهي تجري عبر الطريق والنيران مُشتعلة بها وتركض نحو منزل صديقتها ثم
يختفي شبحها كأنها إخترقت الجدار لتلقي بنفسها مّرة أخري في أحضان صديقتها.
الكثير يرون
ذلك في الليل خاصةً في ليالي الشتاء المظلمة والكل يعلم أنه شبح تلك الفتاة ولا
يستطيعون فعل شيء تجاه هذا فالتكرار سيد الموقف والكل يتجنب الحديث عن هذا الشبح,
بعد عدة أعوامصديقتها تموت فجأة وبدون أي مقدمات لكي تزيد المشهد غرابة , هل
أصابتها لعنة ذلك الشبح الذي يبحث عنها في ليالي الشتاء !!! ..... أم كان هنالك سر
غامض لم تبوح به !!! .... ماتت بدون أن تتزوج بعد بل توفت شابة صغيرة هي أيضاً وأشيع
في حينها أنها كانت تعاني من مرض مزمن بالقلب
لذلك لم تتزوج وليس هنالك سبب آخر له علاقة بصديقتها المحترقة.
عاود الشبح
في الظهور مّرة أخري لكنه لم يكن يركض نحو منزل صديقتها كما كان يفعل من قبل كأنه
أدرك أن صديقتها قد فارقت الحياة هي الأخري, من شاهد ذلك الشبح بعد ذلك كان يراه
يسير في الشارع الجانبي لمنزلها أو في فناء المنزل كأنها حزينة أو تتجول بخطي
ثقيلة والنيران تشتعل من حولها والأضواء الحمراء تحيط هذا الشبح من كل جانب, ذلك
الشبح كان يظهر كثيراً في ليالي الشتاء ثم مع الوقت بدأ ظهورها يقل عن ذي قبل ولم
يكن أحد يعلم لماذا !!! .... من يشاهده يتجنبه ويتجنب الحديث عنه ربما خوفاً منه
أو أنه يذكرنا بتلك الفتاة المحترقة والتي لا يعلم أحد ما السبب حتي الآن.
مع الوقت
بدأ يختفي ذلك الشبح تدريجياً ومن النادر أن يراه أحد حتي أن البعض
قد نسي
حكاية تلك الفتاة والشبح الذي لم يعد يظهر في الجوار إلا قليلاً.
تمت
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق