كاهنة يهودية هزمت الجيش الإسلامي وطلب أمير المؤمنين رأسها بأي ثمن

الكثير لا يعلم تاريخ الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب العربي وتاريخ الصراع ما بين الجيوش الإسلامية وجيوش البربر التي أوقفت الزحف الإسلامي لفترة من الزمن , والمؤرخون العرب قد ذكروا شجاعة واستبسال الأمازيغ أو قبائل البربر أمام الزحف الإسلامي , فالأمازيغ عند دخولهم في الإسلام كان لهم فضل عظيم في رفع راية التوحيد في العديد من البلاد بعد ذلك .

ورغم الحماس الديني الكبير للجيوش العربية، إلا أن غزوها لشمال أفريقيا تعثر مراراً بسبب النزاع الداخلي المرير بين شيعة علي ومؤيدي معاوية حول الخلافة. قتل الإمام علي في 661م، وهو العام الذي استقر فيه المُلك بيد معاوية، لكن حدود الدولة الإسلامية غربا توقفت عند منطقة برقة الليبية.

في منتصف القرن السابع الميلادي، كان هنالك ملك أمازيغي يدعى (كسيلة) أو أكسل، يحكم مناطق شاسعة من شمال إفريقيا، وقاد حربا ضد العرب المسلمين بقيادة عقبة بن نافع الذين كانوا يريدون فتح بلاده، وتمكن من قتل هذا الأخير.

قاسم أمين: رجل اغضب الرجال واسعد النساء


وفي سنة 686 للميلاد استأنف الخليفة عبد الملك ابن مروان الفتوحات الإسلامية في غرب الدولة الأموية , وقد تزعم القائد العربي (حسان بن النعمان )الغزوات على شمال أفريقيا, في وقت وجيز استطاع احتلال مدينة القيروان، وطرد بقايا البيزنطيين من قرطاج .

تمكن المسلمون من قتل (أكسل) ، فخلفته سيدة أمازيغية تدعى (ديهيا) حيث لقبت بالكاهنة، وقد جاء في كتاب (المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب) لأبي عبيد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي "الكاهنة هو لقب لرئيسة قبيلة أمازيغية واسمها هو ديهيا أو ضميا أو دامية، الملقبة بالكاهنة من قبل العرب لأنها كانت حكيمة", فيما قال عنها ابن خلدون في كتابه "العبر" "كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوال قومها، ما جعلها تتولى عرشهم" , وقد اعتلت بجدارة العرش بأصوات مجلس القبائل (تقليد أمازيغي قديم) وقد حكمت لمدة 35 عاما .

 استطاعت هذه المرأة القوية في 689م أن توحد القبائل الأمازيغية المشتتة لصد الجيوش العربية. ورغم انتصارها الذي نقله مؤرخون عرب، مثل الواقدي وابن خلدون، بعبارات يختلط فيها الواقعي بالأسطوري، إلا أن هذه الملكة تعرضت بعد ذلك بخمس سنوات لمصير تراجيدي.

يعتقد المؤرخ العربي عبد الرحمن ابن خلدون أن جزءا من أمازيغ شمال أفريقيا كانوا يهودا. ويرجع أصولهم إلى خليط من الشعوب الفينيقية والكنعانية. وفي مواضع أخرى من مجلده الضخم "العبر"، يذهب إلى أن بعضهم ينحدر من مملكة حمير اليمنية (110 قبل الميلاد-527 ميلادية).


قصة حب إسبانية في رحاب الحضارة المصرية

ويعود ابن خلدون، في فصول أخرى، للحديث عن ملكة يهودية شجاعة قادت قبيلة (جراوة )الأمازيغية لإلحاق الهزيمة بالعرب. يقول: "كانت زناتة أعظم قبائل البربر وأكثرها جموعا وبطونا، وكان موطن جراوة منهم بجبل أوراس , وكانت رياستهم للكاهنة دهبا بنت , وكان لها بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم عن سلفهم وربّوا في حجرها".

ويضيف: "لما انقضى جمع البربر وقُتل كسيلة (ملك أمازيغي قتله جيش المسلمين) رجعوا إلى هذه الكاهنة في معقلها من جبل أوراس، وقد فر إليها بنو يفرن، ومن كان بأفريقية من قبائل زناتة وسائر البتر، فلقيتهم (العرب) بالبسط أمام جبلها وانهزم المسلمون، واتبعث آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم في أفريقية (تونس)".

أما المؤرخ اليهودي  (شلومو ساند) فيعتقد أن أمازيغ شمال أفريقيا كانوا يهوداً غير أرثوذوكس، لهذا ولوّا (ديهيا) مرتبة دينية، وهو شيء يتنافى مع التعاليم الحاخامية اليهودية , ولقد ذكر المؤرخ المتخصص في دراسة يهود شمال أفريقيا (ناحوم سلوشز) حينما نشر في عام 1899  مقالتين عن اليهود الأمازيغ، بينما نشر مقالا بكامله عن الأصل العرقي للكاهنة حيث يعتقد سلوشز أن اليهود الأمازيغ قدموا بأعداد كبيرة من القدس إلى شمال أفريقيا، مضيفا أن "الكاهنة كانت ملكة مقاتلة، وأصولها يهودية".

وفي 1939 ألف هذا المؤرخ كتابا بعنوان "ديهيا الكاهنة"، مؤكدا لأول مرة أن اسمها اليهودي هو "جوديت الكاهنة Judith the Priestess"، وبما أن اسم كوهن يعني الكاهن، فإن اسمها خرج من جذر لفظ "الكهانة". ويضيف: "حتى قومها جراوة ينحدرون من أصول يهودية واسمهم الحقيقي هو Gera، وهم شعب اليهود القادم إلى شمال أفريقيا من مصر عبر ليبيا".

من جانب آخر، يرى المؤرخ اليهودي (حاييم هيرشبورغ) أن أمازيغ شمال أفريقيا اعتنقوا اليهودية، وليسوا عرقا يهوديا خالصا. وقد قطع الطريق عن استنتاجات المؤرخ اليهودي (ناحوم سلوشز) بأن اليهود قدموا من القدس، وأيضا نفى حديث ابن خلدون على أن أصل الأمازيغ من مملكة حمير اليمينة الغابرة.

وتعد ديهيا بحسب ما جاء في كتاب "المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب" لأبي عبيد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي "أول امرأة يفوض لها الأمازيغ أمرهم بعد الأمير "أكسل" الذي كان على المسيحية ثم أسلم وقتل عقبة إثر مبالغة الأخير في احتقاره".

وتمكنت ديهيا من توحيد القبائل الأمازيغية حولها، وقاد عدة حملات ومعارك ضد الرومان والعرب والبيزنطيين في سبيل استعادة الأراضي البربرية التي قد استولوا عليها في أواخر القرن السادس ميلادي.

ويؤكد كتاب عبيد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي أن ديهيا قادت القبائل الأمازيغية وقامت بمهاجمة الجيش الإسلامي سنة 688 م، "حين أغارت على جيش حسان بن النعمان الغساني واضطرته إلى الانسحاب إلى طرابلس".

وتمكنت ديهيا من أسر ثمانين رجلا من أصحاب حسان، وأكد إبن عبد الحكم في كتابه فتوح أفريقيا والأندلس أنها أحسنت إليهم "وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها".

لكن رغم هزيمه المسلمين كانت ديهيا واثقة من أنهم سيعودون لمهاجمة مملكتها، وقررت نهج سياسة الأرض المحروقة لثنيهم عن ذلك، فأحرقت المحاصيل ودمرت الحصون، وجاء في كتاب المغرب في أخبار الأندلس و المغرب لابن عذاري "ملكت الكاهنة المغرب كله بعد حسان خمس سنين فلما رأت إبطاء العرب عنها قالت للبربر إن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر فوجهت قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر ويهدمون الحصون".

السرايا الصفراء: جزء من تاريخ مصر

وبعد مرور بضع سنوات وبالضبط في سنة 694 للميلاد قرر حسان بن النعمان العودة بجيشه بعدما وصلته إمدادات بأمر من الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، فهزم جيش ديهيا بفعل الفارق الكبير في العدد والعدة بين الجيشين.

وقتلت ديهيا في مكان يدعى اليوم "بئر الكاهنة" وبحسب ما يحكي ابن خلدون فقد حمل رأسها إلى بغداد، بينما التحق اثنان من أبنائها بجيش المسلمين.

ويصف عبد الحميد حسين حمودة في كتابه "تاريخ المغرب في العصر الإسلامي منذ الفتح الإسلامي وحتى قيام الدولة الفاطمية"، المعركة بين الجيشين قائلا "زحف حسان للقاء الكاهنة ودارت بين الفريقين معركة فاصلة كثر القتل فيها وظن الناس أنه الفناء وأسفر عن هزيمة ساحقة للبربر ومقتل الكاهنة".

فيما يؤكد عبد العزيز الثعالبي في كتابه "تاريخ شمال أفريقيا" أنه "وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد. وفي الوقت نفسه استراحت افريقيا من عسفها وجورها بعد أن رفعتها إلى منازل الآلهة البشريين الذين عبدهم الناس".

وذكر المؤرخ اليهودي (شلومو ساند) في حديثه  "في المرحلة الاستعمارية بعث الكتاب الفرنسيون هذه الملكة الأمازيغية اليهودية المنسية من كتب التاريخ"، مضيفا أن الهدف من إعادة تدوير أسطورة ديهيا هو "محاولة التودد للأمازيغ وإظهار العرب كغزاة احتلوا شمال أفريقيا بالقوة، وواجهوا نتيجة ذلك مقاومة شرسة من السكان الأصليين" , وكان المؤرخ والسياسي الفرنسي ( إرنست ميرسييه )يدفع بنسخة أخرى عن المعركة التي قتلت فيها الكاهنة، ملمحا إلى أن "فرنسا هي التي ستحرر الأمازيغ من المحتل العربي".

وفي مقال لها بعنوان "الكاهنة: الوجه الأمازيغي للتاريخ"، تذكر الخبيرة في تاريخ الأمازيغ بجامعة بوسطن (سانتيا بيكر)في حديثها "منذ القرن 19، تعرضت المرويات بشأن الكاهنة لإعادة الكتابة والاعتماد والتحوير من قبل جماعات سياسية مختلفة للدفاع عن قضاياها", وبالفعل، فقد استخدمت الكاهنة من قبل الكتاب الإسرائيليين للحديث عن امتداد مملكة إسرائيل سابقا، وانتشار اليهودية في شمال أفريقيا، بينما جماعات الضغط الأمازيغية للدفاع عن حقوقها الثقافية والتاريخية في أرض الأجداد. 

Flag Counter Labeled Posts Blogger Widget in Tab Style

1 Comments

Post a Comment

Previous Post Next Post