عجائب كاهن العرب الأعظم الذي تنبأ ببعثة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم |
كانت العرب في الجاهلية تلجأ إليهم للحكم
بينهم أو من أجل اتخاذ قرار كإعلان الحرب أو التخلي عن نصرة أحلاف أو قتل رجل أو نحر
ناقة أو وفاء زوجة، وكان هؤلاء الكهنة يخدمون الأوثان مما جعل لهم نوع من القداسة الدينية،
وكأنهم يوحى إليهم من الآلهة، وكانت هذه الطائفة تستعمل السجع كثيرًا والألفاظ الغامضة
المبهمة التي يمكن تأويلها بأكثر من معنى كأنها نبوءات يستطيع المرء تفسيرها كما يشتهي
مما يمنحها مصداقية في قرارة نفسه ، ولعل السبب أيضاً في ذلك هو خلق هالة من الغموض
على أنفسهم كنوع من الاختلاف عن الآخرين .
وعندما نتحدث عن الكهانة في الجزيرة العربية في الجاهلية
علينا أن نذكر انه كان هنالك كاهنة عظيمة الشأن
في قومها تُدعى (طريفة الحميرية ) وهي
امرأة عمرو بن عامر وكانوا العرب يتناقلون أخبارها بأنها أم الكهان العظام في الجزيرة
العربية حتى توفيت , لكن هنالك حادثة غريبة ترتبط بها بأن في نفس العام التي توفيت
فيه ولد كاهن آخر عظيم الشأن فاقها شرًا ورعبا اسمه (ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي
بن ذئب الغساني ) وكنايته ( سطيح ) ويقال أن الكاهنة (طريفة) قد تفلت في فمه فورث الكهانة
عنها .
كان الكهان العرب قديما يشتهرون بالسجع
في كلامهم و السجع و هو توافق العبارات أو الجمل في نهايات الفواصل ، قال تعالى (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ
قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) .. وتفسير الآية
أن القرآن ليس بقول كاهن والمقصود بقول كاهن وهو كما ذكرنا قبل قليل السجع في نهاية
حديثهم , وقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "كانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جدا،
فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين، وأرسلت الشهب فبقي من استراقهم
ما يخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب " وإلى ذلك الإشارة بقوله
تعالى ( إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب)
الكاهن سطيح : أستاذ الكهان ومستشار الملوك
في الزمن القديم.. وجاء عن ابن عساكر (في مختصر تاريخ دمشق) أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سئل عن سطيح فقال: هو نبي ضيعه قومه يضربون المثل بعلمه وصدقه.. وقال نفس
القول ابن طرار (في الجليس الصالح والأنيس الناصح) وأضاف انه عاش سبعمائة عام وبعض
الكتب ذكرت أن سطيح عاش 140 سنة وأكثر وأيضا ذكر في بعض الأقوال أنه تجاوز ال150 عام
ولكن جميعها ليست مؤكدة , وقد تحدث عن ظهور الإسلام وولادة النبي محمد.
إنه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن الذئب وهو
من أهل الجابية من مشارف الشام حيث مات فيها قبل البعثة المحمدية , كان كاهن جاهلي
غساني من المعمرين يعرف بسطيح حتي أن عبد المطلب بن هاشم رفيع الشأن رضي به حكماً بينه
وبين جماعة بني قيس بن عيلان في خلاف ماء الطائف , وقد توفي في العام 52 قبل الهجرة
وكان العرب يلجؤون إليه ويرضون قضائه وكان يضرب به المثل بجودة رأيه حيث قال ابن الرومي
تبدي له سر العيون كهانة يوحي بها رأي كرأي سطيح , أيضاً الفيروز أبادي تحدث عنه أن
كاهن بني ذئب ما كان به عظم سوي رأسه , ويقال كان يطوي كما تطوي الحصيرة ويتكلم بكل
أعجوبة , وكان إذا غضب انتفخ وجلس وكان شق نصف إنسان ويقال إن خالد بن عبد الله بن
القسري كان سلالته .
البعض يذكر أن الكاهن سطيح ملامحه كانت
عجيبة وجسده كان غريباً كما جاء وصفه في عدة كتب , ويعود سبب تسميته سطيحا أن له نصف
جسم ونصف رأس ويد ورجل واحدة وأظن هذا كان وصف لكاهن آخر يدعي (شق) , وقد ادعى بعض
أهل العلم أنه جني تمثل بهيئة رجل كسيح عاش لعدة قرون , وقد جاء عن ابن عباس أن رجلاً
أتاه فقال (بلغنا أنك تذكر سطيحا وتزعم أن الله لم يخلق مثله من ولد آم) , فقال ( نعم
إن الله تعالى خلق سطيح الغساني لحماً على وضم (والوضم جرائد النخيل) ولم يكن فيه عظم
ولا عصب إلا الجمجمة والعنق والكتفين, وكان يطوي من جمجمته إلى ترقوته كما يطوى الثوب
ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه) .
حكايات الكاهن سطيح : في إحدى الليالي؛
رأى ملك اليمن نصر بن ربيعة رؤيا أرعبته وأهمّته وشعر أنها تدل على شيء مخيف، فلم يترك
عرافًا ولا كاهنًا ولا منجمًا من أهل مملكته إلا وأتى به وأخبره الخبر، وعندما كانوا
يسألون الملك عن تفاصيل الرؤيا حتى يخبروه بتأويلها، كان يقول إنه لا يمكنه الوثوق
بتأويل الرؤيا إذا أخبرهم بها، فمن يعلم الرؤيا من دون ما يخبره بها، سيكون بلا شك
عالم بتأويلها؛ فقالت له الناس :”عليك
بشق وسطيح، فلا أحد أعلم منهما بهذا الأمر، فبعث إليهما”.
فوصل سطيح قبل شق، فقال له الملك :”إني
رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فإن أنت أصبتها أصبت تأويلها”،
فقال له سطيح: “رأيت حمحمة، خرجت من
ظلمة فأوقعت بأرض تهمة، فأكلت منها كل ذات جمجمة”،
ومعنى كلام سطيح أن الملك رأى جمرة من نار خرجت من أرض مظلمة بالقرب من البحر فوقعت
بأرض منخفضة، فأكلت كل ذات روح، فقال له الملك :”
ما أخطأت في شيء منها يا سطيح، فما عندك في تأويلها”.
فأخبره سطيح الكاهن أن تأويل هذه الرؤيا
أنه سيهبط في أرضهم الحبش، ويملكون من أبين إلى جرش باليمن، فسأله الملك عن موعد تحقق
ذلك، فأخبره أنه بعد ستين أو سبعين سنة، ثم سأله هل يدوم ملكهم، فأخبره أنه سينقطع،
وسيخرجون منها هاربين، فسأله من سيقطع ملكهم، قال إرم بن ذي يزن، فسأله هل يدوم ملكه،
فأخبره أنه سينقطع بنبي كريم من ولد فهر بن غالب بن مالك بن النضر، وأن الملك سيكون
فيه لآخر الدهر , فسأله :”هل
للدهر من آخر؟ ” فقال :”نعم،
يوم يجمع الأول والآخر”.
وقد ذكر ابن إسحاق قائلاً (فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا، فجهز بنيه وأهل
بيته إلى العراق، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له (سابور بن خرزاذ) فأسكنهم
الحيرة , فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو
بن عدي بن ربيعة بن نصر، يعني الذي كان نائبا على الحيرة لملوك الأكاسرة، وكانت العرب
تفد إليه وتمتدحه، وهذا الذي قاله محمد بن إسحاق من أن النعمان بن المنذر من سلالة
ربيعة بن نصر قاله أكثر الناس.
وقد روى ابن إسحاق أن أمير المؤمنين عمر
بن الخطاب لما جيء بسيف النعمان بن المنذر سأل جبير بن مطعم عنه ممن كان؟ فقال: من
أشلاء قنص بن معد بن عدنان. قال ابن إسحاق: فالله أعلم أي ذلك كان.
وجاء (شق) وهو كاهن آخر عظيم الشأن فأخبر
بمثل ما أخبر به سطيح الكاهن، مع اختلاف في الألفاظ، وطريقة التعبير، فتأكد الملك أن
هذا هو التأويل الصحيح الرؤيا؛ وبالفعل فقد تحقق ما قاله سطيح وشق في هذه الرؤيا، وقد
ذكر ابن هشام في غير موضع من سيرته تحقق كلامهما.
قال أبو عبد الله محمد بن عبد السَّلام
الخشني: “لما احتضر نزار بن معد
بن عدنان، تَرَكَ أربعةَ بنين: مُضَر، ورَبيعة، وأنمار، وإيَّاد، وأوصَى أن يَقسم ميراثهم
بينهم سطيح الكاهن”
, ” فلمَّا مَاتَ نِزار، صفَّهم
سطيح بين يديه، ثُمَّ أعطاهم على الفِراسة، فأعطى ربيعة الخيل، ويُقال له: ربيعة الفَرَس،
وأعطى مُضر الناقةَ الحَمراء، فيُقال له: مُضر الحَمراء، وأعطى أنماراً الحِمار، وأعطى
إيَّاداً أثاثَ البيت”،
قال الخشني: فقيل لسطيح: “من
أين علِمت هذا العلم؟، قال: سمعتهُ من أخي حين سمعهُ من موسى يوم طور سَيناء”
, هذه الرِّواية الأخيرة أوردها ابن عبد ربه الأندلسي في كتابه الشهير “العقد
الفريد” .
أيضا" من قصص سطيح قصته مع كسرى (حينام)
اهتز عرشة وارسل عبد المسيح الى سطيح وهو على فراش الموت فسلم عبد المسيح فلم يرد عليه
سطيح فانشد عبد المسيح ابياتا فيها ما يريد ففتح سطيح عينه وقال : عبد المسيح على جمل
مسيح إلى سطيح وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاج الاَيوان، وخمود النيران،
ورؤيا المؤذان، رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها
, يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة
(ساوة) ، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات،
وكلّ ما هو آت ، ثمّ قضى سطيح مكانه.
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment