سر حضارة (مرمدة) الغامض والتي سبقت الحضارة المصرية القديمة

سر حضارة (مرمدة) الغامض والتي سبقت الحضارة المصرية القديمة
سر حضارة (مرمدة) الغامض والتي سبقت الحضارة المصرية القديمة

العصر الحجري القديم في مصر امتاز بالعديد من الحضارات المتنوعة منها حضارة نقادة وحضارة البداري وحضارة المعادي وحضارة مرمدة بني سلامة والتي تشكل علامة فارقة في تاريخ مصر قبل الحضارة المصرية القديمة والتي نحاول في هذا المقال نلقي بعض الضوء عليها لمعرفة المزيد حول حضارة مرمدة الغامضة.
مازالت أرض مصر تعج بالأسرار والألغاز مثل تلك الحضارة التي تحدث الكاتب (إيان شو)، عنها في العصر الحجري الحديث في وسط النيل في كتابه "حكاية مصر القديمة " والصادر عن المركز القومي للترجمة ونقله للعربية المترجم أشرف فتحي، ذاكراُ المنطقة السكنية لمرمدة بني سلامة والتي تقع على شرفة منخفضة عند الحافة الغربية لدلتا النيل.

موقع مرمدة بني سلامة : تقع مرمدة بني سلامة علي بعد 51 كيلو متر شمال غرب القاهرة علي الحافة الغربية للدلتا بالقرب من قرية الخطاطبة وتبعد عن القاهرة حوالى 50 كم من الشمال الغربي وتتبع مركز إمبابة من الناحية الإدارية. ومرمدة بني سلامة هي واحدة من أقدم القرى النيوليتية  أي ترجع إلى العصر الحجري الحديث .

تاريخ مرمدة بني سلامة : مرمدة بني سلامة أقدم دليل علي حياة قرية حدث فيها استقرار سكاني في وادي النيل وقد قام عالم الآثار الألماني ( هرمان يونكر ) بالعمل في هذا الموقع منذ شتاء 1927 وحتي عام 1939 , وتغطي مساحتها حوالي 180 ألف متر مربع ويبلغ عمق ركامها الحضاري أكثر من مترين , في عام 1978 أعاد المعهد الألماني للآثار الشرقية بالقاهرة عمليات التنقيب حتي عام 1979 ولا يعرف عُمر تلك الحضارة ولكن يظن البعض أنها تعود إلي عام 4400 ق.م , لكن في حديث لعالم الآثار المصري زاهر حواس أن مرمدة بني سلامة . تصل مساحتها حوالي ستة أفدنة ويعود تاريخ القرية إلى سبعة آلاف سنة، أي أنها أقدم قرية على وجه الأرض .

مرمدة بني سلامة تمثل المرحلة النهائية من حضارة العصر الحجري الحديث في الدلتا , وموضع قرية مرمدة بني سلامة علي أرض مرتفعة بالقرب من أحد فروع النيل القديمة حيث وجدت طبقة رقيقة من الطمي , تشير الحفائر التي أجريت في هذا الموقع أنه كان يضم قرية كبيرة نسبياً بالنسبة إلي مواقع هذا العصر حيث كانت تلك المساكن بالقرب من حواف وشطآن المستنقعات لتكون في حماية النباتات الكثيفة التي كانت تعمل مثل الحواجز لصد الرياح , لم يتم تسجيل الطبقات الحضارية تسجيلاً صحيحاً فإن التواريخ التي سجلها الإشعاع الكربوني تميل إلي تحديد الفترة التي عاش فيها الإنسان في مرمدة بني سلامة حوالي 600 عام

وقال "شو" إنه يبلغ ركام هذه المنطقة السكنية 2.5م ويتألف من خمس طبقات تعود إلى ثلاث مراحل ثقافية رئيسية، وقد استغرقت زمنا طويلا يمتد ما بين 5000 و4100 ق.م , تختلف الطبقة الأولى والتي تسمى بـ "الطبقة الأصلية" عن الطبقات الأحدث اختلافا بينّا , وتشير الحفائر التي اُجريت في هذا الموقع أنه كان يضم قرية كبيرة الحجم نسبياً بالنسبة إلي مواقع هذا العصر , ويمكن تمييز ثلاثة مستويات تشير إلي فترة استيطان طويل تندرج مخلفاتها الأثرية تحت حضارة العصر الحجري الحديث . وكانت المساكن عبارة عن أكواخ مغطاة بطبقة من الطين او الجبس ودُعمت الأرضيات برديم الخشنة وعثر في بقايا هذه المنازل علي مواقد وبقايا عظمية .


أدوات حضارة مرمدة بني سلامة : تتسم هذه المنطقة بفخاريات خالية من المزج بعناصر مقوية منها المصقول ومنها الخشن، وتعد الزخرفة التي استمد تصميم وحداتها من عظام السمك سمة مميزة لهذه المرحلة الفخارية، وإن كانت نادرة فتتسم حجريات الطبقة الأولى بتقنية التشظية ووجود العديد من الآلات القاعدية , ولقد قام الأنسان في مرمدة بني سلامة بصنع الأواني الفخارية المصنوعة باليد وغير مصقولة وغير مُزينة , كما عُثر على فخاريات تتخذ وحداتها الزخرفية شكل عظام السمك أيضا في حفائر أُجريت أخيرا عند كهف الصدمين قرب القصير, ومن المظاهر الجديدة في هذه الحضارة العثور علي تماثيل طينية صغيرة وقد كشف علي آواني من البازلت وتم أيضاً العثور علي بعض أدوات الزينة وهي تتكون من عقود مصنوعة من العظم والأصداف واستعملت النساء الكحل المصنوع من التوتية الخضراء , ويذكر حواس أن سكان مرمدة بني سلامة كانوا يرتدون ثياب من الكتان، والنساء تتحلى بعقود من المحار وخواتم من العظم وحلقان من العاج.

وقد ساد في حضارة مرمدة بني سلامة أدوات حجرية مشظاه من الوجهين تشبه حضارة الفيوم , ومن هذه الأدوات المكاشط والمناجل والمدي ورؤوس السهام الثلاثية ويندر وجود فؤوس مصقولة في حضارة مرمدة بني سلامة , ولقد تم العثور علي نموذج قارب من الفخار وأغلب الظن أنه قاربه الأصلي كان يصنع من حزم البردي ويعد بدوره أقدم الشواهد علي اعتياد أهل الفترات الأولي من العصر الحجري الحديث علي الإبحار في النيل . 

التخطيط العمراني والنشاط السكاني : و يبدو أن أهل مرمدة فكروا في طريقة لتخطيط قريتهم فتكونت القرى من صفين شبة مستقيمين يفصل بينها طريق ضيق , وذلك هو أقدم تخطيط عُرف للقرية المصرية حتي الآن , كما أنه من ناحية أخري دليل علي نشأة نوع من التنظيم الاجتماعي ووجود سلطة في القرية , وكان أهل مرمدة يشتغلون بالزراعة ويقومون بتخزين الحنطة والشعير في صوامع مشتركة على تبة عالية , وكان الاقتصاد على الأرجح خليطا من الزراعة حيث كانت الحرفة الأولي حيث قاموا بزراعة الشعير والقمح ,وقاموا أيضاً بتربية لحيوانات من الأبقار والأغنام المرتبطة بالزراعة وكذلك صيد الأسماك والحيوانات وكان لها علاقات تجارية مع حضارة الفيوم , كانت حضارة مرمدة بني سلامة علي النقيض من حضارة الفيوم حيث اعتادوا علي تخزين الغلال في مخازن صغيرة داخل القرية ويستدل من ذلك علي استغلال كل أسرة ملكيتها الزراعية ومحاصيلها .

أنواع مساكن مرمدة بني سلامة : كانت المساكن تتكون من نوعين :

النوع الأول بيضاوي القاعدة شيد من الطين في حفرة متسعة حيث يظل جزء منه أسفل سطح الأرض مما يؤدي إلي ثبات جدرانه وإلي حمايته من الرياح الشديدة .

النوع الثاني عبارة عن دورة بيضاوية شيدت من البوص قرب المزارع وكان يلجأ إليها الزراع في أوقات الراحة نهاراً ويقضون فيها لياليهم الصيفية أو أثناء مواسم الحصاد .

وكانت المساكن عموماً عبارة عن أكواخ مغطاة بطبقة طينية أو الجبس وقد تم دعم الأرضيات برديم مكون من طبقات مختلفة ثم تطورت فأصبحت أساسها يصنع من الطوب اللبن أو الصخور الخشنة وقد عُثر في بقايا هذه المنازل علي مواقد وبقايا عظمية , وكان النزول إلى المنزل عن طريق درج بسيط من درجة واحدة (سلّمة) أو درجتين من عظمة ساق فرس النهر! والغريب أن عظمة ساق فرس النهر كانت منتشرة الاستخدام كدرج سلم ربما لصلابتها ومقاومتها للزمن أو ربما كتميمة للحماية ضد هجوم الحيوانات المفترسة.


طقوس الدفن لدي السكان : كانت عمليات الدفن تتم في المساحات بين المساكن وليس في جبانات منفصلة عن القرية ودفن الموتى علي الجانب الأيمن ووضع بجانب الموتى بعض الحبوب وذلك بالقرب من أفواههم وربما كان ذلك لاعتقادهم بأن دفنهم بين المساكن يغنيهم عن تقديم القرابين , ويهيئ لأرواحهم أن تشارك الأحياء فيما يأكلون ويشربون, أما الأطفال فكانوا يدفنون في أرضية المنزل نفسه! أو تحت عتبة المدخل, والغريب أن في بعض القرى في ريف وصعيد مصر لا يزال الناس يدفنون الأجنة التي لم تكتمل في الحمل أسفل عتبات المنازل !!

حضارة غامضة لايزال هنالك العديد من التساؤلات التي تدور حولها لم يجد أحد إجابة لها حتي الإشعاع الكربوني الذي حدد عُمر تلك الحضارة بحوالي 4800 عام ق.م ليس صحيحاً فربما يمتد قدم تلك الحضارة إلي 7000 عام ق.م كما ذكر حواس ذلك .

 

( الكلمات المفتاحية )

حضارة مرمدة بنى سلامة فخار مرمدة بني سلامة آثار مرمدة بني سلامة آثار مدينة نقادة حضارة نقادة الأولى حضارات العصر الحجري الحديث مرمدة بني سلامة حضارة البداري حضارة المعادي العصر الحجري القديم في مصر

Post a Comment

Previous Post Next Post