أصل قصة سندريلا من تاريخ مصر القديمة

أصل قصة  سندريلا  من تاريخ مصر القديمة
أصل قصة  سندريلا  من تاريخ مصر القديمة

كان من المعروف نهايات الحضارة المصرية القديمة وظهور حضارة اليونان كان فلاسفة الإغريق عليهم زيارة مصر لتعلم من علوم المعابد المصرية القديمة في جميع المجالات وكانوا يسجلون اندهاشهم بتلك الحضارة العظيمة من خلال مدوناتهم اليومية والتي صارت بعد ذلك ما يعرف بالسجلات الإغريقية.

الكهنة في مصر هم أساس الحضارة الإغريقية وما تلاها من حضارات حيث نقل العديد من الرحالة والفلاسفة العديد من الحكايات والقصص لذلك الباحث في أصول العلوم يجدها مصرية خالصة فعلي سبيل المثال نجد أن الأبحاث الحديثة حول كلمة Sophia)  ) اليونانية والتي كان المعتقد أنها أصل معنى الحكمة والفلسفة ما هي إلا تحريف يوناني لكلمة (سب س) المصرية التي تعني الحكيم أو الحكمة، وأن منشأ التفلسف نشأ في مصر في أون القديمة وفي معبد منف المزدهرة بالعلوم والتأمل .

رحلتنا  اليوم في قصة شبه أسطورية تردد صداها عبر التاريخ والأمم بنفس المضمون مع اختلاف بعض التفاصيل وهي قصة ( سندريلا ) ولذلك نجد أن معنى كلمة سندريلا في اللغة الإيطالية أو الفرنسية أو حتي الألمانية تعني الحذاء الزجاجي الصغير وأن أحداث القصة قد حدثت في أواخر العصر المصري القديم وهي قصة (رودوبيس) التي رواها الجغرافي اليوناني (سترابو) في وقت ما بين عامي 7 قبل الميلاد و23 بعد الميلاد، عن أمة يونانية تزوجت ملك مصر، عادة ما يشار إليها باعتبارها أقدم نسخة معروفة من قصة سندريلا ثم نجد منها النسخة الصينية، التي ورد ذكرها لأول مرة في حوالي 860 م، هي نسخة أخرى قديمة للقصة.



ثم تم نشر أول نسخة أوروبية أدبية للقصة في إيطاليا على يد (جيامباتيستا باسيل ) في كتابه حكاية الحكايات في عام 1634, وتم نشر النسخة المعروفة الآن على نطاق واسع في العالم الناطق باللغة الإنجليزية باللغة الفرنسية أيضاً بواسطة (شارل بيرو) في عام 1697, تم نشر نسخة أخرى في وقت لاحق من قبل الأخوين (جريم ) في مجموعتهم القصصية الشعبية حكايات خرافية من ألمانيا في عام 1812

لكن دعونا نعود إلي أصل القصة المصري حيث كانت سندريلا تدعي ( رادوبي ) أو كما يقال بالإغريقية ( رادوبيس ) .

حكاية (رادوبيس ) مع الأمير الفرعوني هي المصدر الأساسي الذي جاءت منه قصة سندريلا مع اختلاف بعض التفصيلات ، و لقد سجلها المؤرخ و الفيلسوف اليوناني ( سترابو ) كما ذكرها المؤرخ ( إيليان ) لكن أول من حكاها هو المؤرخ المعروف ( هيرودوتس ) و أصل الحكاية موجود ضمن مجموعة برديات ( شستر بيتي ) المحفوظة بالمتحف البريطاني كما ورد ذكرها بصورة أخرى و تمت الإشارة إلى أن الأمير الذي تزوجها هو ( من كاو رع ) صاحب الهرم المشهور .

في عام 570 ق.م وصل إلى عرش مصر الملك أمازيس والمقصود به (أحمس الثاني) حيث يعتبر وفقا للعرف التاريخي آخر ملوك مصر العظام، فقد بدأ بعده الاحتلال الفارسي وظلت مصر في مرحلة من الضعف والتبعية والخضوع حتى دخول الإسكندر الأكبر محتلا لها 332 ق.م

أحمس الثاني قد تولى الحكم وكانت أكثر المشاكل المؤرقة له كثرة تواجد اليونانيين بين المصريين والتي سببت تضجر المصريين من هذا الوضع حيث تفاقمت المشاكل والاضطرابات ، وهذه المشكلة ظهرت كنتيجة الاستعانة بهم كجنود مرتزقة منذ عهد جده (بسماتيك الأول ) الذي كان يريد إعادة توحيد مصر وتحريرها من السطوة الأشورية، فاستعان بفكرة شراء الجنود الأجانب والمرتزقة ، حينما استولى أحمس الثاني على العرش بعد صراع مع الحاكم السابق له  (واح إب رع) حيث انه استطاع الانتصار بجنوده المصريين على جنود (واح إب رع) المرتزقة.



قرر أحمس الثاني بعد ذلك تغيير وضع اليونانيين في مصر، فقد بات الشعب يشعر بالضجر منهم، فبنى لهم مدينة (نوكراتيس) في غرب الدلتا وجعلها مكانا يشتغلون فيه بالتجارة وغيرها بعيدا عن الشعب المصري واستفاد منهم في تنشيط حركة التجارة في البحر المتوسط ومع المدن اليونانية.

نجح أيضا في إعادة ضبط حدود مصر الغربية، فبنى المعابد وأنشأ المدن في سيوة والواحات ويزيد من كثافة السكان هناك ليصبحوا درعا بشري ضد هجمات الليبيين من الجانب الغربي .

هنا تبدأ حكاية سندريلا المصرية حيث يروي المؤرخ سترابون تلك القصة شعبية والتي بدأت أحداثها في مدينة ( نكراتيس )، ليس بعيدًا عن مصب نهر النيل الذي يصب في البحر في كانوب ، عاش تاجر يوناني ثري يدعى (كاركسوس) حيث كان منزله الحقيقي في جزيرة (ليسبوس) وكانت الشاعرة (سافو) أختاً له ولكنه في واقع الأمر قضى معظم حياته في تبادل التجارة مع مصر .

 في شيخوخته فضا الاستقرار في مدينة ( نكراتيس ) حيث أنه في أحد الأيام عندما كان يسير في السوق رأى حشدًا كبيرًا متجمعاً في سوق النخاسة مما دفع فضوله وشغفه بأن يشق طريقه وسط هذا الزحام ليري ماذا يحدث ، وعندما ألقى بنظره نحو تلك المنصة الحجرية وتطلع في وجه تلك الفتاة صاحبة القوام الرشيق والوجه الصبوح لم يتمالك نفسه في التحديق بها مثل باقي تلك الجماهير الغفيرة المتجمعة حول المنصة الحجرية .

بدا له من الوهلة الأولى أنها يونانية ذات بشرة بيضاء ووجنتين مثل الورد في خجله، حيث أصابته سهام الحب من الوهلة الأولي حتي كاد يشعر أن قلبه كاد أن يقفز من بين ضلوعه لكي يلقي بنفسه بين قدميها , الجميع يحاول شرائها بأي ثمن ولكن (كاركسوس ) لم يفكر في لحظة أن يفقد تلك الفتاة الساحرة ولكونه من أغنياء البلدة استحوذ عليها بدون صعوبة .

عندما اشترى الفتاة ، اكتشف أن اسمها هو ( رودوبيس ) وأن القراصنة أخذوها بعيدًا من منزلها في شمال اليونان عندما كانت طفلة. لقد باعها لرجل ثري وظف العديد من العبيد في جزيرة (ساموس) ، وقد نشأت هناك ، وكان أحد رفاقها العبيد رجلًا صغيرًا قبيحًا يُدعى (إيسوب) والذي كان دائمًا لطيفًا معها وأخبرها بأروع القصص. وخرافات عن الحيوانات والطيور والبشر لكن عندما كبرت أراد سيدها أن يبيعها في مدينة غنية مثل مدينة ( نكراتيس ) لجني الأموال الطائلة من بيعها , تأثر ( كاركسوس ) من حديثها العذب وحكايتها المحزنة وأراد أن يمنحها السعادة بالرغم أنه رجل عجوز حيث اسكنها منزلاً كبيراً وجارية لخدمتها وأغدق عليها بالكثير من الهدايا والثياب والمجوهرات ليراها سعيدة مبتهجة وهي في كنفه .



في أحد الأيام عندما كانت (رودوبيس) تستحم في المسبح ذي الحواف الرخامية في حديقتها السرية كانت الجواري المخصصة لها يحملن ثيابها  ويحرسون حزامها المرصع بالجواهر وحذائها ذات اللون الوردي الذي كانت تحبه كثيراً وتفضله عن باي أحذيتها ، حدث شيء غريب حينما كانت في حالة استرخاء تام تعبث في هدوء لتستمع بالماء البارد في مسبحها في يوم صيفي حار وقت الظهيرة , فجأة عندما بدا كل شيء هادئًا ومسالمًا ، هبط نسر ضخم قد انقض من تلك السماء الزرقاء الصافية مباشرة  كأنه يهاجم تلك المجموعة الصغيرة من الجواري حول المسبح , صرخت الجواري من هول المشهد حيث هربن ملقين بكل ما في حوزتهم صارخات للاختباء بين الأشجار في الحديقة , ونهضت (رودوبيس) مذعورة من الماء محدقة بعيون واسعة ومذهلة .

لكن النسر لم ينتبه لأي منهم. وبدلاً من ذلك ، انقضت لأسفل والتقطت أحد نعالها ذات اللون الأحمر الوردي في مخالبها. ثم حلق في الهواء مرة أخرى على أجنحته العظيمة ، وما زال يحمل النعال ، طار بعيدًا إلى الجنوب فوق وادي النيل , بكت (رودوبيس)على فقدان نعلها الأحمر الوردي ، وشعرت أنها لن تراها مرة أخرى ، وتأسف أيضًا لفقدانها أي شيء منحه لها (كاراكسوس).

لكن يبدو أن النسر قد أرسل من قبل الآلهة - ربما من قبل حورس نفسه الذي كان طائره المقدس. لأنه طار مباشرة فوق النيل إلى (ممفيس) ثم انقض نحو الأسفل نحو القصر , في تلك اللحظة كان يجلس ملك مصر آنذاك أحمس الثاني في الفناء الكبير ينصف شعبه ويسمع أي شكاوى يرغبون في تقديمها , في قلب الفناء ، انقض النسر حيث أسقط حذاء (رودوبيس) الأحمر الزاهي أمام عرش الملك.

صرخ الجميع ذعراً عندما شاهدوا ما فعله النسر  وتفاجأ أحمس الثاني أيضًا ولكن عندما امسك بالحذاء الصغير ذات اللون الأحمر الوردي فأبدى إعجابه الشديد بجمال هذا الحذاء وأيقن أن الفتاة التي صنع من أجلها يجب أن تكون بالفعل من أجمل الفتيات وأرقها في العالم , في الواقع  تأثر أحمس الثاني بما حدث حتى أنه أصدر مرسوماً قائلاً ( دع رسلتي يخرجون عبر جميع مدن الدلتا ، وإذا لزم الأمر ، إلى صعيد مصر إلى حدود مملكتي. دعهم يأخذون معهم هذا النعال الوردي الذي جلبه لي الطائر الإلهي حورس ليخبروا أن من جاء هذا النعال من على قدمها ستكون عروس فرعون! )

سجد الرسل وهم يصرخون قائلين ( الحياة والصحة ، القوة للملك والطاعة للملك ) , غادر رسل الملك من ممفيس وساروا في طريق هليوبوليس وتانيس وكانوب حتى وصلوا إلى( نكراتيس) حيث سمعوا من أهل المدينة عن التاجر الثري (كاركسوس) وكيف اشترى الفتاة اليونانية الجميلة في سوق العبيد ، وكيف كان يغدق عليها كل ثروته كما لو كانت أميرة وضعت في رعايته من قبل الآلهة , فذهبا إلى البيت الكبير المجاور للنيل ووجدا رودوبيس في الحديقة الهادئة بجانب البركة.

عندما أروها الحذاء الوردي صرخت متفاجئة أنه حذائها التي فقدته بواسطة النسر, مدت قدمها حتى يتمكنوا من رؤية مدى ملاءمتها لهذا الحذاء , عندما تأكد رُسل الملك أن هذه هي الفتاة التي أرسلها ملك مصر ليجدها ، ابتهجوا كثيراً حيث عادوا إلى قصر الملك بممفيس  برفقتهم ( رودوبيس ) معتقدين أن هذا النسر لم يكن سوي حورس ابن إيزيس وأوزوريس وتلك مشيئة الآلهة .

هكذا شعر أحمس الثاني عندما شاهد جمال رودوبيس الذي يخلب العقول أيقن أنها مشيئة الآلهة وأن الآلهة ترعاه وقد منحته تلك الجميلة لتكن له زوجة وليست مجرد جارية جميلة فقط يسكنها في قصر الجواري , بالفعل تزوجها وصارت رودوبيس ملكه متوجه علي عرش مصر حيث عاشوا في سعادة وهناء بقية حياتهم وذلك قبل غزو الفرس لمصر بعام واحد فقط

تحولت القصة مع مرور الوقت لتجسيد لفكرة العدالة الإلهية، وأصبحت تشعل في نفوس من يرويها فكرة التضحية والتعب والفوز بحياة أفضل، وكيف أن رودوبيس منحتها الآلهة معجزة وأرسلت حذاءها أمام الملك لتحدث المعجزة وتصير ملكة مصر.

انتقلت القصة بعد ذلك إلي الحضارة الإغريقية عبر فلاسفة اليونان، ومنها إلى التراث الغربي كله الذي صاغ قصة سندريلا التي نعرفها اليوم , هذه القصة وردت ضمن برديات (شستربيتى) بالمتحف البريطاني والتي  وجدت في مقبرة ( قن - حرخب - شف ) والذي عاش تقريباً في عصر الأسرة التاسعة عشرة .

هكذا نجد أن كل عمل عظيم في تاريخ البشرية لديه أصل من الحضارة المصرية القديمة والتي يعتبرها البعض هي اللغز الأول والأخير في الحضارة الإنسانية .

بقلم الكاتب الدكتور

محمد عبدالتواب



 

شبح الطابق العلوي: الحلقة الخامسة
Labeled Posts Blogger Widget in Tab Style
تابعونا علي جوجل نيوز

Post a Comment

Previous Post Next Post