حكاية صياد رشيد والمارد من الجن

حكاية صياد رشيد والمارد من الجن
حكاية صياد رشيد والمارد من الجن
في تلك الحكايات التي كنت أنصت إليه باهتمام كنت أسمع أسماء متباينة من حكاية إلي أخري فأحياناً يكون هذا الشيء الذي يكون المحرك الأساسي في كل قصة مختلفاً عن الأخرى

 فعندما كنت صغيراً وأنا أسجل تلك الحكايات لم أكن أدرك ما الفارق ما بين الشبح والجن والمارد وما دور كل منهما في تلك الحكايات القديمة التي تشبه كثيراً ما يدور في الأساطير والحكايات الشعبية وحكايات ألف ليلة وليلة, كنت دائماً شغوف بأن البحث عن كل الكتب التي تتحدث عن ذلك حتى أستطيع أن أدرك الشيء الحقيقي من كل تلك الحكايات التي ربما يتدخل العقل البشري وخيالاته سواء بقصد أو بدون قصد, بين العامة ليس هنالك فرق بالنسبة لهم ما بين الثلاثة أشياء فكلها تؤدي إلى نفس النهاية الحتمية , لكن كلمة مارد من الجن لم أجدها كثيراً إلا في حكايات قليلة من تلك الحكايات التي كنت أجمعها طوال تلك الأعوام الماضية , فربما ما أدركته من خلال تلك الحكايات ذلك الجزء من ثقافتنا الشعبية وتراثنا الذي نتوارثه بدون أن نشكك فيه بل نستمتع ونشعر بالإثارة والتشويق عندما تجمعنا تلك الأحاديث , كثيراً ما أن نجد الراوي يقصد بالشبح هو الشيء الذي يستطيع أن يراه بدون أن يتفاعل معه في الحديث أو في الفعل ورد الفعل أما الجن فهو الذي يكون له فعل تشعر به بدون أن تراه أما بالنسبة للمارد فهو الشيء الذي يملك قدرة أقوي ربما لأن له منزلة أقوي في عالم الجن حيث يستطيع أن يفعل ويتجسد في صور يراها البشر ويتفاعل معه كأنه شيء ملموس بالنسبة للبشر.

ثلاث توائم ورؤية شبح الغرفة المستمرة والأم في حالة فزع دائم


 
نعاود حديثنا من جديد عن تلك الحكاية التي روتها لي والدتي عندما كنت في فترة مراهقتي ولم يتعدى عمري آنذاك الخامسة عشر حين رويت لي والدتي أن جدي أثناء عمله بالبوليس تقريباً عام 1950 انتقل إلي مدينة رشيد لكي يلتحق بقسم الشرطة أو البوليس هناك كما كانوا يطلقون عليه ذلك في تلك الفترة الزمنية هناك حيث كان يبلغ عٌمر والدتي حوالي الثماني سنوات من عٌمرها , تلك المدينة الساحلية بما لديها من موقع فريد حيث تقع بين تلاقي النيل والبحر المتوسط حيث تنتشر الحكايات التي تتوارد بين البسطاء عن عرائس البحر والأشباح التي تلهو بجوار البحر والتي تسكن تلك الديار القديمة, تلك المدينة كان لديها في السابق تاريخ وحضارة نتيجة لكونها المرفأ الرئيسي في القرن التاسع عشر,المنازل والأزقة تشهد على الكثير من الحكايات التي حدثت بين جنبات شوارعها من حكايات زبيدة والجنرال وحملة فريزر و اكتشاف حجر رشيد, تلك المنازل التي تخطي عٌمرها المائتين عام بكل ما فيها من حكايات وروايات ربما لم يذكرها أحد وتاهت وسط كل تلك الأوراق من التاريخ 
 عندما انتقل جدي إلي تلك البلدة استأجر منزلاً حيث كانت المنازل التي تٌعرض للإيجار كثيرة ومتنوعة , ربما لأن حركة التجارة وتبادل البضاعة قد انعشت أهالي رشيد أن يشيدوا المنازل من الربح في المقام الأول , في ذلك المنزل كان لهم جار يسترزق بصيد الأسماك من البحر كما يطلق أهل الدلتا علي نهر النيل هذه التسمية حيث كان يخرج قبل الفجر مع صديق له يبحران بالقارب الخشبي الصغير الخاص بهم في نهر النيل لكي يصطادوا بعض أسماك البلطي لكي يقوموا ببيعها في سوق المدينة في الصباح الباكر ثم يعاودا إلى منازلهم , هكذا كانت الحياة بسيطة ولا يوجد بها التزامات كثيرة آنذاك كانت والدتي في ذلك الوقت صغيرة ودائماً مع جدي في كل مكان ربما لأنها البنت البكر لجدي فكانت لها مكانة خاصة في قلبه , كانت أحياناً تأتي زوجة ذلك الصياد لتساعد جدتي في المنزل من
باب الجيرة فكانت العلاقة بينهم جيدة لأنهما في الأساس جيران وجدي في ذلك الوقت صاحب نفوذ بسبب عمله في قسم البوليس آنذاك. في تلك الفترة لم يكن هنالك كهرباء لكي يستخدموها في إنارة المنازل أو الشوارع بل كانوا يستخدموا القناديل لتضيء المكان أو بعض الفوانيس عندما يتنقلون من مكان إلي مكان آخر, السائد أن تجد الظلام الدامس وخاصة في الأزقة والشوارع المتفرعة من تلك الشوارع الرئيسية التي كانت غالباً تٌضاء بتلك القناديل حتي تهدي المارة إلي الطريق أثناء الليل وكان هنالك عامل مٌخصص لذلك يمر علي كل تلك القناديل من بعد غروب الشمس ليضيء كل تلك القناديل.



 هكذا كانت تسير الأمور طبيعية بدون أي شيء يلفت الانتباه لكن في يوم من الأيام بعد الفجر استيقظت والدتي فجأة علي أصوات عالية وطرق شديد على باب المنزل , هرولت خارج غرفتها لتجد امرأة الصياد تصرخ وتستنجد بجدي ليري ماذا حدث لزوجها , أسرع جدي وجدتي وأمي من خلفهم إلي منزل الصياد لتجده يرتجف و يرتعش بشدة من الخوف والهلع الذي أصابه , في منتصف باحة المنزل هنالك الكثير من الأسماك الكبيرة الزاهية والتي مازالت علي قيد الحياة حيث تقفز في الهواء كأن بها شحنات عالية من الطاقة تجعلها تبدو غير طبيعية بالنسبة لهم جميعاً , بالفعل كانت بأحجام ضخمة لا تستطيع أن تجذبها تلك الشبكة البالية القديمة التي بلا شك يمكن تمزيقها بسهولة فكيف استطاعت تلك الشبكة البالية إخراج كل تلك الأسماك ؟!! , هذا ما كان يفكر فيه الجد عندما شاهد كل تلك الأسماك في باحة منزل هذا الصياد عندما استدعته زوجة الصياد لكي يساعد زوجها
 نظر جدي إلي الصياد وعينيه تسأله ماذا حدث لك ؟!! ...... ولماذا كل هذا الرعب و الفزع؟!! ...... حيث بدأ الصياد يروي حكايته مع ذلك المارد قائلاً ( كعادة كل يوم انتظر صديقي الذي يرافقني في رحلة الصيد اليومية قبل الفجر بقليل لكنه أتى مبكراً على غير العادة حيث رافقني إلي شاطئ النيل لكي نبحر بقاربنا الصغير إلي منتصف النيل نحمل قنديلاً صغيراً , كنا في عرض النيل وكنت اشاهد الأسماك تقفز نحو القارب بدون حتى أن نقذف بالشباك في المياه , كانت أسماك كبيرة لم اشاهد حجمها من قبل وكنت اتعجب من هذا الأمر , في نفس الوقت أجد صديقي هذا يبتسم فقط دون أن يشعر بالدهشة مثلي ولكني كنت سعيداً وفرحاً في نهاية الأمر بهذا الرزق الوفير لذلك أخبرت الصديقي بالعودة إلي الشاطئ لنحتفل بذلك الرزق بإعداد بعض الشاي احتفالا بكل هذه الأسماك الذي رزقنا الله بها في تلك الليلة المشؤومة .

خرائط جوجل تثير الخوف بصورة مرعبة لشبح فتاة بنصف جسد فقط



 بالفعل عدنا أنا وصديقي هذا إلي الشاطئ وبدأنا في جمع بعض الحطب وعندما أشعلت بعض الثقاب لنوقد ناراً وجدت أن قدم صديقي هذا مثل أقدام الماعز أو الغنم فارتعبت وفزعت بشدة وأيقنت أن هذا ليس بصديقي بل هو ذلك المارد , أنه يتقمص ملامح صديقي هذا وأنه في نهاية الأمر يريد قتلي كما كنا نسمع من حكايات عن ذلك المارد من ذي قبل ) يكمل الصياد حديثه قائلاً : حاولت أن أتماسك ولا أظهر ما في باطني من هلع يكاد أن يقتلني وأنا احتسي قدح الشاي حينما شكوت له أنني أشعر بالمرض والإرهاق وأنني سوف أرسل زوجتي لبيع الأسماك في الصباح الباكر , أشعر بالفزع كلما تذكرت رفقته لي وخوفي أنه ربما يعاود المجيء لي ثانية . صمت والدتي وهي تروي حكايتها وأنا احدق في وجهها واتخيل كيف كان حال الصياد وهي تكمل حديثها عن ذهول والدها وهو ينصت إلي جاره الصياد حيث تكمل نهايتها بأن المارد عاد إلي منزل الصياد في الليلة التالية يطرق الباب ويصيح منادياً عليه والصياد يختبئ حيث يكاد قلبه يقفز من بين أضلعه من شدة الخوف والرعب , هكذا صارت حياة الصياد في كل ليلة ينتظر قدوم المارد لكي يعاود الكره معه حتى في صبيحة يوماً ما لم يستيقظ هذا الصياد مفارقاً الحياة وعلامات الرعب ترتسم على تقاسيم وجهه لترسم الكثير من علامات الاستفهام والخوف في عيون من حوله , هكذا كان حديث والدتي حيث صمتت لتنتهي معها حكاية الصياد والمارد من الجن.
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب
حكايات النداهة مع الرجال في الأرياف


 


 
تابعونا علي جوجل نيوز

Post a Comment

Previous Post Next Post