لعنة الجبل الفصل الخامس |
في تلك
اللحظة شعر همام أن الخوف قد زال من قلبه وأن الفضول واللهفة على تفحص المكان هو الشعور
الذي يسيطر عليه فتجول ببطء بجوار الحائط الداخلي لهذا الكهف لكي يشاهد تلك الرسومات
الزاهية على جدار الكهف والتي تزين كل جدران الكهف والكتابات الهيروغليفية التي تقع
أسفل تلك الرسومات.
عندما
اقترب همام من منتصف الكهف وجد تمثال ضخم على هيئة امرأة بملامحها الدقيقة حتى أنه
عندما اقترب منه شعر أن عيني التمثال تلمعان كأنه لإنسان حقيقي حي حتى أنه فزع من الخوف
وكاد أن يهرب من المكان لولا أن سلط عليه القنديل ليشاهده إذا كان إنسيا أو من الجان.
عندما
سلط همام الضوء عليه وجد أنه تمثال لامرأة تبدو من ملامحها أنها ربما تكون ملامحها
مختلفة قليلا عن تلك النساء اللاتي شاهدن علي جدران المعابد في الأقصر ولكنها في الواقع
أنها كانت رائعة الجمال بشعرها الأسود وعيونها التي تلمع فالتمثال كأنه يحمل روح بداخله
لأن ألوانه ما زالت زاهية وحديثة فالتمثال يبدو أنه لامرأة قوية ذات شخصية قوية ولها
سلطان ربما تكون ملكة أو شخصية عظيمة الشأن حيث اكتشف أيضا الكثير من الحروف الهيروغليفية
التي تزين التمثال من جانبيه كأنه يحكي قصة ما ولكن الغريب أن التمثال أمامه شيء مثل
الطاولة أو مذبح ربما كان في وقت ما يقدم لهذا التمثال القرابين ولكن السؤال هنا لماذا
تقدم القرابين لامرأة بالرغم أن العادة أن القرابين تقدم للآلهة في الحضارة الفرعونية
وليست للملوك أو الملكات؟
إذن
من هي تلك المرأة ولماذا معبدها داخل كهف في جبل في قلب الصحراء بعيدا كل البعد عن
منطقة نفوذ وسلطان الملوك في منف في العصور القديمة؟
كان
شيئا عجيبا فما شاهدة همام داخل هذا الكهف يطرح العديد من الأسئلة لأن شعوره بأن الزمن
قد عاد به إلى الوراء للآلاف السنين حيث شعر أن الكثير من العامة من أجداده الفراعنة
قادمين إلى ذلك الكهف يمرون من حوله ليقدموا القرابين إلى تلك المرأة.
شعر
همام أن الوقت يمر بسرعة داخل هذا الكهف ويجب عليه العودة مرة أخرى إليه في اليوم التالي
لكي يسجل كل ما شاهده داخل هذا الكهف وخرج مسرع قبل أن تغرب الشمس ليعود إلى القرية
قبل أن تشعر أمه وجده بغيابه طوال تلك الفترة.
أثناء
هبوط همام من الجبل كان يشعر من الخوف فربما تلك الذئاب لا تسمح له بالعودة إلى القرية
بل تهجم عليه لكي تمزقه ويموت فوق هذا الجبل مثل أبيه ولكن العجيب أن الذئاب لم تتحرك
من مكانها بل ظلت تقف على تلك الصخور فقط تراقبه من بعيد دون أن تعيق طريقه في الرجوع
إلى القرية مرة أخرى.
عندما
اقترب همام من القرية وظهرت المنازل بظلالها من بعيد والأطفال يلهون في طرقات القرية
شعر بالسعادة الغامرة حيث أخذ يقفز في الهواء من الفرح لأنه عاد من الجبل دون أن يحدث
له مكروه وهنا أيقن همام أن ما في الجبل لا يريد أن يؤذيه بل يريد منه شيء ما يكتشفه
داخل هذا الجبل وقد اختاره هو من أجل ذلك.
لم يخبر
همام أحدا بما شاهده في ذلك الكهف ولكنه قرر أن يعود إلي الكهف في اليوم التالي لينقل
تلك الحروف والكلمات الهيروغليفية وتلك المشاهد المرسومة علي جدران الكهف من الداخل.
في اليوم
التالي عاد همام إلى الكهف يحمل قنديلا أكبر والكثير من الأوراق والأقلام لكي يرسم
ما يشاهده وبالفعل بدأ في محاولة رسم كل ما يشاهده ولكن شيء ما لفت انتباهه فمعظم تلك
الأشياء المرسومة لتلك المرأة وأمامها الكثير من العامة يركعون لها ومن فوقهم طيور
تطير بأشكال مخيفة كذلك بعض تلك الذئاب السوداء التي شاهدها أثناء صعوده الجبل وجدها
علي بعض تلك الحواط ولكن لم يفهم همام ما المقصود بهذا.
في اليوم
الثالث له داخل الكهف بدأ همام يشعر بأن هنالك شيء ما يراقبه كأن تلك اللوحات المنقوشة
والمرسومة داخل الكهف تنظر إليه فعندما يقترب منها يجدها مجرد بعض الرسومات فقط لكنه
عندما يبتعد يشعر أنها تراقبه حتى ذلك التمثال يشعر أن رأس المرأة تتحرك لتنظر إلى
همام لكي تشاهد ما يفعله من محاولة رسم ما يلاحظه من مشاهدات داخل هذا الكهف وعندما
ينظر إليها يجدها ثابتة لم تتحرك فربما كانت أوهاما أو تخيلات يشعر بها فقط نتيجة مكوثه
لفترة طويلة داخل الكهف.
أحيانا
كان همام يقترب من تمثال تلك المرأة حيث يقترب بالقنديل بالقرب من وجهها لكي يتأمل
ملامحها و يتلمسها بأصابعه كأنه يشعر أن ذلك التمثال ليس من حجر بل أنه شيء حي به روحا تشعر به وبوجوده داخل هذا الكهف.
كان
همام يشعر بجمالها وكأن سحرها في ملامحه الجميلة التي لم يرها في امرأة من قبل فلعل
قلبه قد شعر بتأثيرها السحري حيث لم يستطع أن يقاومه بالرغم أنه في نهاية المطاف مجرد
تمثال من الحجر.
قضي
همام الكثير من الوقت داخل هذا الكهف حتى أنه استغرق شهرا كاملا يحاول أن يرسم ما يشاهده
لكي يذهب به إلي الأقصر لكي يشاهده ويتفحصه مستر جيمس لعله يجد الإجابة في كل تلك الأوراق
التي رسمها همام داخل الكهف.
شعر
همام بالسعادة الغامرة عندما انتهى من هذا العمل الشاق حيث قرر أن يرحل في اليوم التالي
إلي الأقصر لكي يمنح مستر جيمس الفرصة كاملة لتفحص ما شاهده داخل هذا الكهف العجيب.
فبالطبع
همام لم يكن عالما أثار أو رسام محترف لكي يستطيع أن ينقل صورة كاملة ودقيقة لكي يمنحها
لمستر جيمس لمحاولة تفسير كل صغيرة وكبيرة داخل هذا الكهف لكن همام يعلم أنه فعل المستحيل
لي يصل إلى أكثر ما يمكن أن يقوم به لكي ينقل ما شاهده لمستر جيمس.
في فجر
اليوم التالي امتطي همام ناقته ففي تلك الرحلة كان يدفع ناقته في أن تسارع الريح والزمن
في تلك الصحراء القابعة بين الجبل والوادي حيث كانت وجهته السفر إلي الأقصر حيث إن
قلبه وعقله قد رحلا إلي الأقصر من قبل أن يصلها بناقته ليشرح لمستر جيمس ما شاهده وكيف
يمكن أن يفسر ذلك.
تفسيرات مستر جيمس
ابتسم
مستر جيمس عندما شاهد همام وهو يقفز ويجري نحوه حيث إن مستر جيمس قد احتضنه وشعر بالفرح
عندما قابله وقال له وهو يبتسم:
ظننت
أنك لن تعود وأن الجبل لم يسمح لك بالعودة مثل ما حدث مع والدك ولكنك حي ترزق وأراك
أمامي بكامل هيئتك
ابتسم
همام ابتسامة طفولية قائلا:
ــ نعم
لقد صعد الجبل ولكن لم أعد من هناك بعد
ابتسم
مستر جيمس قائلا:
ــ كيف
يا صديقي العزيز؟
أجابه
همام إنها قصة طويلة دعنا نعد إلى المقهى لكي أخبرك بما حدث وتشاهد ما دونته ورسمته
في رحلتي إلي الجبل
اتجه
همام مع صديقه مستر جيمس نحو المقهى حيث جلسا وقبل أن يخرج همام أوراقه أمسك مستر جيمس
يده قائلا:
ــ قبل
أن أشاهد أو أقرأ أي شيء أخبرني أولا ماذا حدث وكيف كان شعورك أثناء الرحلة؟
صمت
همام قليلا كأنه يتذكر ما شاهده داخل هذا الكهف وشعوره الغريب الذي انتابه نحو ذلك
التمثال كأنه كان ينظر إلى امرأة رائعة جمال تقف أمامه ولكنها لا تستطيع أن تتخلص من
هذا التمثال.
أجابه
همام قائلا:
ــ إنها
رحلة غريبة وعجيبة شاهدت فيها أشياء لن تصدقها وانتابني مشاعر لا أستطيع أن أصفها لك
ولكن دعني أحك حكايتي لك مستر جيمس
أشعل
مستر جيمس البايب الخاص به ونظر إلي همام ليخبره أنه مستعد لأن يسمع كل تفاصيل رحلته
وبالفعل بدأ همام في سرد تفاصيل الرحلة من تردده للصعود إلي الجبل ثم الكلاب التي كانت
تدفعه نحو طريق الجبل ثم تلك المرأة العجوز وحديثها المثير والذي كان يعتقد في الماضي
أنها مجنونة ثم الذئاب حتى وصوله إلي الكهف.
أثناء
حديث همام عن الكهف كان يشعر أن الكهف أمام عينيه فكان يصف الكهف بدقة بالغة كأنه يراه
رؤيا العين وذلك التمثال الخاص بتلك الملكة والطاولة الحجرية
التي
أمام هذا التمثال وشعوره نحو هذا التمثال.
ابتسم
مستر جيمس عندما شعر أن همام عندما كان يصف تمثال تلك المرأة قائلا:
ــ اشعر
يا همام أنك كنت في موعد غرامي في ذلك الكهف مع فتاة وليس تمثالا من الحجر
ضحك
همام كثيرا حتى لفت أنظار رواد المقهى ونظروا إليهم بتعجب واندهاش فنادرا ما يشاهدون
مستر جيمس وهمام يتبادلون الضحكات
أجابه
همام بعد كل تلك الضحكات قائلا:
ــ لم
يكن في بالي أنني أصف هذا التمثال كأنه فتاة أحببتها أو امرأة كاملة الأنوثة في نظري
أجابه
مستر جيمس قائلا:
ــ بغض
النظر عن الكلاب والذئاب والمرأة العجوزة فكل هذا ربما يكون صدفة فأنا لا أؤمن بتلك
الأشياء بل أقتنع بالحدث عندما يكون هنالك دليل واضح مادي علي صدق الرواية بالرغم أنني
لا أكذبك بل عقلي لا يقبل تلك الأشياء المرتبطة بالخيال والسحر ولكن دعني أولا أشاهد
ما وجده من كتابات هيروغليفية علي قاعدة هذا التمثال ثم نرى ماذا وجدنا
أخرج
همام بعض الأوراق من حقيبته ووضعها أمام مستر جيمس حيث بدأ يتصفحها بهدوء وتفكير عميق
ثم بدأ يكتب في بعض الأوراق الأخرى ملاحظات عما وجده من كلمات هيروغليفية قد رسمها
همام من مشاهدته لقاعدة التمثال.
كان
همام ينتظر بفارغ الصبر مستر جيمس عندما ينتهي من كتابة ملاحظاته حتى يخبره بما وجده
في تلك الكتابات الهيروغليفية.
بالفعل
عندما انتهى مستر جيمس نظر إلي همام قائلا:
ــ اسمع
جيدا لما سوف أخبرك به الآن لتفكر فيه فربما يكون له علاقة بشيء ما قد شاهده في ذلك
الكهف
انتظر
همام بلهفة شديدة لما سيقوله مستر جيمس حيث إنها ترجمة ما وجده من كتابة هيروغليفية
علي قاعدة التمثال.
بدأ
مستر جيمس في قرائه ما وجده حيث قال:
ــ أنا
الملكة التي لم تتوج في الأرض ولكن مملكتي في السماء ما بين الشمس والقمر حيث أجنحتي
تحجب الشمس لينتشر الظلام عندما أريد ذلك فالأرض والسماء ملكي وسوف تبقي روحي مثل الزهرة
تتفتح عندما يكتمل القمر ليسطع علي وجهي لكي يسطع الضوء من البلورتين لأبقي أبدية طوال
الدهر
صمت
مستر جيمس قليلا وهو يتأمل الكلام مرة أخرى لكي يفهم ما بين تلك السطور ثم نظر إلي
همام قائلا:
ــ هل
فهمت شيئا يا همام ربما تلك المرأة هي الملكة التي كانت تتحدث عنها المرأة العجوز ولكنها
ربما لم تكن ملكة متوجة علي منف أو طيبة لأنني لا أتذكر أنني قرأت اسمها من قبل
نظر
إليه همام قائلا:
ــ ما
اسمها مستر جيمس؟
أجابه
مستر جيمس قائلا:
ــ خنتكاوس
يا همام
ردد
همام اسمها عدة مرات حتى أن مستر جيمس ابتسم له قائلا
ــ إذن
اسم حبيبتك خنتكاوس
ابتسم
همام لمستر جيمس قائلا:
ــ ربما
يا صديقي
سارع
مستر جيمس قائلا:
ــ دعني
أشاهد بعض الرسومات التي وجدتها داخل هذا الكهف يا همام
أخرج
همام بعض الرسومات التي رسمها خلال مكوثه في الكهف حيث نظر إليها مستر جيمس باهتمام
كأنه شاهد شيئا غريبا في تلك الرسوم حيث قال لهمام:
ــ انظر
يا همام إلى تلك الحيوانات المجنحة فهذه أول مرة أشاهد تلك الحيوانات المجنحة التي
لم أشاهدها من قبل رغم كل خبرتي هذا في علم المصريات كذلك يوجد الكثير من العامة في
تلك الرسومات في حالة خضوع وعبادة لتلك المرأة كأنها شخصية كانت لها أهمية كبرى في
حياتها قبل وفاتها
تعجب
همام من كلام مستر جيمس حيث أجابه قائلا:
ــ كيف
كانت لها تلك المكانة العظيمة رغم أنها لم تكن ملكة متوجة وكيف لها أن تصل إلى تلك
المكانة بالرغم أنها لم تكن حتى من العائلة الملكية
أجابه
مستر جيمس وهو ينظر إلى باقي الأوراق والرسومات مكمل حديثه قائلا:
ــ ربما
تلك السيدة كانت كبيرة الكهنة في ذلك الوقت وربما أنها كانت ساحرة عظيمة حتى أن العامة
كان يخشونها ويقدسونها كأنها من أبناء الآلهة والدليل علي تلك تلك الحيوانات المجنحة
التي كانت تطير فوق رؤوس العامة في حضرتها ليشعروا بقدرتها في السحر وهذا في اعتقادي
أقرب للثواب يا همام
أجابه
همام قائلا:
ــ إذن
من الطبيعي أننا كنا وجدنا بعض النصوص في معابد أخرى تذكرها أو نجد لها شيئا في مدينة
طيبة أو منف لأن من الطبيعي لو أنها لو كانت كبيرة الكهنة فمكانها الطبيعي يكون في
العاصمة فلماذا كان معبدها أو مكان تقديسها في مكان بعيد عن منف مثل هذا الجبل الذي
يقع في قلب الصحراء لماذا تلك العزلة؟
هز مستر
جيمس كتفيه قائلا:
ــ في
الواقع لا أعلم وكل الأوراق لا تذكر شيئا عن تلك الهجرة أو العزلة داخل هذا الجبل,
ربما يا همام الموضوع يحتاج بحثا أكثر فربما نجد شيء عنها في مكان ما ربما رغم أنني
أشك في ذلك
أجابه
همام قائلا:
ــ إذن
في نهاية الأمر لم نصل إلى شيء مستر جيمس!!!!
ابتسم
مستر جيمس قائلا:
ــ علي
الأقل قد عرفنا اسم السيدة التي سحرتك وأحبتها يا صديقي العزيز
ضحك
همام كثيرا من كلمات همام ولم يستطع أن يجيبه بشيء بل شعر بالخجل من صديقه مستر جيمس.
الجد يحتضر
عاد
همام إلي القرية ولم يشعر أنه توصل لشيء ما يستطيع أن يجعله يدرك ما يحدث حوله فلماذا
تلك الجميلة خنتكاوس سواء ملكة أو كاهنة قد سمحت له أن يقترب من معبدها ولما اختارته
هو دون شباب القرية وهل كانت جميلة مثل ذلك التمثال وما هي تلك اللعنة فمستر جيمس لم
يجد إجابة في كل تلك الأوراق عن اللعنة سواء من بعيد أو قريب ولماذا خنتكاوس هجرت المدينة
العظيمة وكل تلك المعابد والقصور الملكية لكي تعيش في هذا وهل قبرها موجود في ذلك الجبل
أم أن هذا الجبل يحتوي علي ذلك المعبد فقط وإذا كان مقبرتها لا توجد في الجبل إذنا
أين توجد مقبرتها؟... أسأله كثيرة تدور في عقل همام لا يجد لها إجابة مقنعة ولكنه عندما
عاد إلى المنزل وجد شيء آخر جعله ينشغل عن كل تلك الأسئلة عن الملكة خنتكاوس.
فعندما
عاد إلى المنزل لم يجد جده الشيخ يوسف يجلس كعادته في صحن المنزل فعندما شاهد والدته
شعر بالتغير وأن الحزن والقلق يكسو وجه أمه فتوجه بالسؤال لها قائلا:
ــ ما
بك يا أمي لما أنت حزينة؟
أجابته
وهي تتهرب من عيون همام قائلة:
ــ لا
شيء يا ولدي أخبرني كيف كانت رحلتك إلي الأقصر؟
لم يهتم
همام بسؤال والدته ولكنه تلفت حوله لكي يفهم ماذا يحدث فأجابها قائلا:
ــ أين
جدي يا أمي؟
شعرت
الأم أنها لا بد من أن تخبره فأجابته بهدوء قائلة:
ــ إنه
مريض بعض الشيء ويستريح في غرفته قليلا يا ولدي ولكن لا تقلق سوف يكون بأحسن حالا-
بإذن الله-
أسرع
همام إلي غرفة جده حيث دفع باب غرفة الشيخ يوسف بقوة حيث وجده في مخدعه وقد بدأ شاحب
الوجه منهك القوى متعبا.
في تلك
اللحظة شعر همام أن جده ربما يفارقه ويتركه وحيدا كما فعل أباه معه من قبل فبكي همام
وبدأ يقبل يد جده ورأسه ولحيته حتى أن دموعه المتساقطة قد بللت لحية جده الشيخ يوسف.
فنظر
الجد له بابتسامة شعر همام أنه يفعلها بجهد كبير قائل لهمام:
ــ لا
تخف يا ولدي فأنا بخير ربما أصبحت كهلا ولا أتحمل بعض أعراض الكهولة الآن يا همام
أجابه
همام وصوته متقطعا من الدموع المنهمرة من عينيه قائلا:
ــ لا
تقل ذلك يا جدي فداك عمري كله فليس من بعدك قيمة لحياتي وسعادتي
كان
الموقف حزينا بشدة فالكل يبكي ولا يستطيع أحدهم أن يتحمل فراق الجد حتى أن الأم كانت
تبكي بشدة بسبب بكاء همام بسبب مرض الشيخ يوسف.
لم يستطع
همام أن يترك جده ويذهب إلي غرفته بل كان يقضي وقته يجلس أمام جده يتأمله وينظر إليه
يشعر أنها ربما اللحظات الأخيرة في حياة جده.
كان
يقضي الليل كله مستيقظا ينظر إليه حتى أنه شاهد رؤية غريبة بجوار جده وهو نائم فقد
شاهد والده يقف بجوار جده ينظر إليه ثم نظرا إلي همام بابتسامته المعهودة ثم اختفى
قبل أن يفكر همام بالتحرك نحوه.
شعر
همام أن شيئا جللا ربما يحدث لجده حتى أنه لم يستطع أن يخبر أمه بما شاهده في تلك الليلة
حتى لا يزيد خوفها علي الجد فهي تبكي عندما تكون وحيدة ظنا منها أن همام لن يصل إلي
مسمعه بكاؤها ونحيبها ولكن همام كان يسمع صوت بكائها ولا يستطيع أن يفعل لها شيئا.
مرت
بضعة أيام وحالة الجد مستقرة حيث جاء له الشيخ عثمان يحمل له بعض الأعشاب من الصحراء
حيث أوصي أم همام أن تواظب في مداواة الشيخ يوسف بهذه الأعشاب وأن يشرب نقيمها لكي
يشفي فكان يشعر همام ربما أن الشيخ عثمان في دوائه تلك البركة والشفاء لجده المريض
فهمام لا يريد أن يفقد الأمل في شفاء الشيخ يوسف.
شعر
همام بالحنين إلى الكهف والتمثال حيث إنه الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يلمسه من الملكة
خنتكاوس فكان يذهب إلى الجبل ليقضي بعض الوقت أمام التمثال ليتأمل ملامح خنتكاوس.
لكن
في تلك المرة كان يشعر أن تلك الرسومات المنقوشة أو المرسومة تنظر إليه تكاد تتحرك
وتترك الحائط ولكنه كلما سلط عينيه عليها وجدها ثابتة في مكانها، فالأمر كان به شيء
مريب لا يستطيع تميزه ولكن في لحظة ما شعر أن تلكما العينين المكونة من الزمرد الأخضر
للتمثال تتحرك في اتجاه عينيه فحاول همام أن يركز بعينيه في عيني التمثال فوجد أن التمثال
بالفعل ينظر إليه فأغمض عينيه لمدة ثوان ثم نظر إلي عيني التمثال فوجدها تنظر إليه
ففزع بشدة لدرجة أنه ترك قنديله وأشيائه وأطلق ساقيه للريح لكي يهرب من الكهف حتى أنه
لم يتوقف عن جري إلا عندما وصل إلى منزل جده بالقرية.
الجد
حالته لم تتحسن كما توقع همام على الرغم من كل محاولات الشيخ عثمان أن يداويه بالأعشاب
ولكن كانت حالة الجد تزداد سوءا فشعر همام أنه ربما لم يبق من عمر جده سوى أيام وعليه
أن يكون قويا بما فيه الكفاية لكي يتحمل مسؤولية المنزل وما كان يفعله جده من أجل القرية
ولكن همام اكتشف أنه لا يعرف ما كان جده يفعله من أجل القرية لأن شيوخ القرية كانوا
يعتبرون كل ذلك أسرارا بينهم فقط ولا يجب أن يعلم بها أحد سوى شيوخ القرية.
نكمل
حديثنا في الفصل القادم بإذن الله
بقلم
الكاتب الدكتور
محمد
عبدالتواب
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق