لعنة الجبل الفصل السادس |
وكأن
جده بدأ يشعر بكل تلك التساؤلات التي تدور في ذهن همام وربما لأنه شعر أن النهاية قد
اقتربت كثيرا وربما حان الوقت ليخبر همام الكثير من الأشياء التي كان يتجنب الحديث
عنها من أجل أن يحميه من كل تلك الأشياء غير المنطقية التي تحدث لتلك القرية.
أشار
الجد إلى همام لي يقترب منه وعندما اقترب همام من الجد سأله قائلا:
ــ ماذا
تريد يا جدي؟
أخبره
الجد أن يقترب منه أكثر قائل:
ــ هنالك
أشياء كثيرة لا تعلمها وربما لو توفيت في لحظة ما لن تجد من يخبرك بإجابة كل التساؤلات
التي تدور في ذهنك وتعيش في حالة بحث عن الحقيقة دائما
فتعجب
همام لكلمات الجد قائلا:
ــ أي
حقيقة تقصد يا جدي؟
أجاب
الجد قائلا:
ــ حقيقة
تلك القرية أو ما تبقي منها يا بني
أجابه
همام قائلا:
ــ إذن
سوف تخبرني علي لغز اللعنة التي لا يريد أحد أن يتحدث عنها
أغمض
الجد عينيه قليلا كأنه يتذكر أشياء لا يرغب أن يتذكرها، ربما لأنها مؤلمة له أو لأنها
من الممكن تفتح أبوابا كثيرة لهمام لا يريد أن يفتحها لهمام ليتركه يعيش في سلام، لكن
الجد بدأ يروي القصة منذ البداية قائلا:
ــ يا
بني قريتنا تلك تاريخها منذ قديم الأزل فمئات السنين قد مضت عليها هنا وكانت في واقع
الأمر أكبر بكثير من وقتنا هذا، فأجدادي كانوا يخبروننا أن أهل تلك القرية كانوا في
واقع الأمر قد أتوا من أماكن كثيرة كانوا في غالب الأمر يأتون كحجاج لهذا الجبل العظيم
الذي كان يعتقد الكثير أنه جبل مقدس، بل أن كل
شيء في ذلك الجبل ربما كان مسحورا أو أنه يدخل في دائرة من دوائر السحر الغامض،
فالكثير من العامة كانوا يأتون إلى هنا من أجل الصعود إلى الجبل والكل يحمل أمنية أو
طلبا يريد تحقيقها، فالبعض من أتوا إلى هنا لم يعودوا أدراجهم الثانية، توطنوا بجوار
الجبل وتجمعوا حتى كونوا قرية عظيمة في حضن هذا الجبل العظيم
دهش
همام لكلام الجد حيث قاطعه قائلا:
ــ
لماذا يا جدي هذا الجبل مقدس أو أنه مسحور؟
أجابه
الجد قائلا:
ــ يقال
يا ولدي إن تقديس هذا الجبل يعود إلي الأجداد القدامى حينما كان الفراعنة يسكنون الوادي
فكانوا يأتون إلى هذا الجبل ليقضوا طقوسهم وتبركهم لتحقيق ما يتمنونه من ساكن هذا الجبل
قاطعه
همام بسؤال آخر قائل:
ــ مَن
هم سكان هذا الجبل يا جدي؟
أجابه
الجد قائلا:
ــ يقال
يا بني إن هنالك ملكة أو ساحرة قد عاشت منذ لآلاف السنين في هذا الجبل وكان لها تابعون
ومؤمنون بها حتى يقال إنها عندما أتت إلى ذلك الجبل أتوا خلفها وشيدوا لها معبدا داخل
هذا الجبل لكي تجلس بداخله تمارس طقوسها وسحرها والعامة كانوا يقدمون لها القرابين
ويسجدون لها لكي تمنحهم البركة في حياتهم
أكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ يقال
يا بني إنها لم تكن ساحرة مثل ما نسمع عنهم الآن فالجدود أخبرونا أنهم كانوا يدركون
قوتها وعظمتها حتى أنه كانوا يخبروننا أنهم في الليالي القمرية كانوا يشاهدون شيئا
مثل الطائر العظيم يخفق بجناحيه عاليا نحو السماء حتى أنه كان يخفي ضوء القمر علي القرية
بأكملها فكنا لا نري شيء وتخرج الذئاب في تلك الليلة حيث تهبط من الجبل بأعداد كثيرة
كأنها تخبرنا بأن الملكة قد استيقظت من نومها
يكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ كان
الأجداد لا يستطيعون إشعال القناديل في تلك الليالي فالنار لا تشتعل كأن أجنحة ذلك
الطائر الضخم ترسل الرياح لكي تطفئ كل القناديل المضاءة، كانوا يخشون أن يخرجوا من
بيوتهم في تلك الليالي خوفا علي أرواحهم لأنهم يعلمون جيدا أن تلك الليالي ملك لتلك
الساحرة أو الملكة كما كان الجدود يطلقون عليها
قاطع
همام جده باندهاش قائلا:
ــ لكن
يا جدي هل كانت تؤذي أهل القرية وهل كان هذا يحدث وهي ما زالت تسكن الجبل أم بعد موتها؟
في الواقع
يا بني كل تلك الأحداث كانت تحدث بالتأكيد بعد موتها لأنها ماتت منذ آلاف السنين ولم
يبق منها سوى هذا المعبد الذي يوجد في أعلى الجبل.
قاطعه
همام قائلا:
ــ وماذا
عن إيذائها لأهل القرية؟
أجابه
الجد قائلاً :
ــ لم
تكن تفعل شيئا لأهل القرية لأنهم كانوا يبجلون هذا الجبل ويقدسون تلك الملكة وقدراتها
السحرية
أجابه
همام قائلا:
ــ ولماذا
كان كل هؤلاء العامة يأتون لزيارتها في هذا الجبل؟
أجابه
الجد قائلا:
ــ كان
العامة يأتون إليها طلبا في تحقيق أمنية أو الحماية من قوى الشر وأشياء كثيرة أخرى
همام:
ــ هل
هذا كان يحدث فقط في حياتها يا جدي؟
الجد:
ــ لا
يا بني بل كان يحدث إلي وقت قريب داخل معبدها
همام:
ــ كيف
يا جدي ولقد أخبرتني أنها ماتت منذ آلاف السنين
الجد:
ــ يقال
يا ولدي إنها كانت تأتي إلي معبدها كل يوم وتجلس بمفردها وأمامها طاولة فوقها ثلاثة
تماثيل صغيرة ويقال إن تلك الذئاب كانت تحرس المعبد من الخارج فكانت تلك الذئاب تسمح
لشخص واحد فقط يدخل إلى مكان قدسيتها داخل هذا الكهف حيث يضع هذا الشخص القربان أمامها
ثم يسجد إليها ويتمنى الشيء في ذهنه دون أن يتحدث إلي الملكة فتتحرك تلك التماثيل لتخبر
الشخص إذا كانت رغبته سوف تقبلها الملكة أو ترفضها أو أنه سوف تشمله بالحماية والقوة
من كل شر يحيط به فالشخص يعرف الإجابة من خلال تلك التماثيل ثم تأتي الذئاب لتأخذ القربان
بعيدا عن الملكة
همام:
ــ كيف
أستمر الحال يا جدي بعد موتها؟
الجد:
ــ من
كانوا يؤمنون بها صنعوا تمثالا لها حيث وضعوه داخل المعبد داخل هذا الكهف وأمامه تلك
التماثيل وكانوا يفعلون كل الطقوس التي كانت تحدث أثناء وجودها علي قيد الحياة فالتماثيل
كانت تتحرك لتعطي الإشارة لمن يقدم القرابين
همام:
ــ إذن
يا جدي يبدو من كلامك أن تلك الطقوس كانت تحدث لآلاف السنين وأن الحياة كانت مزدهرة
في القرية نتيجة لتوافد كل هؤلاء الناس من أجل الملكة وهذا الجبل
الجد:
ــ نعم
يا همام فكل يوم كنا نجد الكثير من الزائرين يأتون إلى القرية حتى وقت قريب منذ ما
يقرب من مائة عام تغيرت أشياء كثيرة في القرية وغيرت الكثير من القرية
اهتم
همام بتلك العبارة حيث إنه كان متشوقا لسماع ما تغير في القرية منذ مائة عام كما أخبره
جده قائلا:
ــ وماذا
حدث يا جدي منذ مائة عام؟
ولكن
الجد كان بدأ يشعر بالإرهاق فطلب من همام أن يتركه لكي يستريح فلم يرغب همام أن يسبب
له إرهاق أكثر على الرغم من الفضول والرغبة الشديدة لمعرفة باقي القصة لتلك الملكة
والتي لا يبدو أن أحد كان يعلم عنها الكثير فيبدو أن تلك الملكة كان حولها هالة من
التقديس والسحر يجعلها في مرحلة عدم قدرة أحد أن يخترق تلك الدائرة حول تلك الملكة.
كان
همام يفكر كثيرا ويحاول أن يتذكر كل التفاصيل التي ذكرها جده له لكي يحاول أن يضع تصور
لما حدث لهذه القرية ولكن ما زال الكثير من التفاصيل غامضة ولم يذكرها أحد وأين هي
اللعنة في كل ذلك فيبدو أن هذه الملكة لم تكن شريرة بل يبدو أنها كانت تساعد كل العامة
من الشعب.
لم يستطع
همام أن يصل إلى شيء ولكنه كان في انتظار جده أن يحكي له باقي القصة لكي يفهم كل شيء
حول تلك الملكة المسحورة.
سر
اللعنة
لم يستطع
همام أن يقاوم رغبته في حث جده علي تكملة ما أخبره به بالأمس عن قريتهم وما كان يحدث
في ذلك الكهف في أعلي الجبل فهمام لم ينم تلك الليلة حيث استيقظ مبكرا ذاهبا إلى غرفة
جده لكي يجلس بجواره في مخدعه يتأمل وجه جدة ويتلمس بأصابعه شعر جده الأبيض ولحيته
فربما لا يستطيع لمسها مرة أخرى.
كان
همام يتأمل وجه جده ويشعر أن الدموع تكاد أن تتغلب علي رغبته في عدم البكاء حتى لا
يستيقظ جده فيشعر بتلك الدموع التي تلمع في عين همام.
استيقظ
جد همام ليجد همام بجواره ينظر إليه ويتأمل ملامحه فأبتسم الجد له قائلا:
ــ لماذا
أنت مستيقظ مبكرا يا بني؟
همام:
ــ في
الواقع لم أستطع النوم ليلتي تلك يا جدي كنت أفكر في حديثك معي ليلة أمس وفي الواقع
الفضول يقتلني لكي تحكي لي ماذا حدث بعد ذلك
الجد:
ــ في
الواقع كانت القرية تدرك أهمية هذا الكهف بالنسبة للقرية فكل أهالي القرية كانوا يتجنبون
الحديث أو فعل شيء يجعل تلك الروح التي تسكن الجبل أن تغضب أو تصيبهم بأذى ولكن في
يوم ما جاء أحد الرجال إلى القرية ليسمع الكثير من القصص حول ذلك الكهف من شباب القرية
في ذلك الوقت منذ أكثر من ستين عاما حيث كان والدي أحد هؤلاء الشباب الذي تعرف عليهم
ذلك الرجل
ففي
البداية كان الرجل كريما معهم حيث دعاهم إلي زيارته في مدينة الأقصر عندما يأتون إلي
زيارتها في المرة القادمة وكان والدي شغوف بمعرفة ذلك الرجل وعندما ذهب إلي الأقصر
توجه مع رفاقه إلى هذا الرجل
كان
ترحاب هذا الرجل لهم مدهشا حيث أقام لهم الولائم والسهرات التي لم يكن قد شاهدوها قبل
ذلك وقبل رحيلهم أخبرهم بأنه تاجر ولكن يتعامل في الآثار فقط حيث يجمع التماثيل والأشياء
التي توجد في القبور القديمة للجدود ويبيعها إلي من يرغب في ذلك وأقنعهم أنهم يستطيعون
الحصول على أموال كثيرة مقابل ما يجدونه بل منحهم أموالا قبل عودتهم إلى القرية وعندما
تعجبوا من سلوكه ذلك أخبرهم أنه جزء من المال الذي سوف يحصلون عليه عندما يجدون شيئا
ما في قريتهم
يكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ تلك
المجموعة من الشباب بما فيهم والدي شعروا أنهم لا بد من أن يبحثوا علي أشياء مثل التي
أخبرهم بها ذلك الرجل لكي يربحوا الكثير من الأموال ويتمتعون بالحياة في الأقصر دون
أن يخبروا أحد ذلك
بالفعل
عندما عادوا إلى القرية كان يذهبون في رحلات طويلة إلى الصحراء أو الجبال التي كانت
قريبة من القرية للبحث عن بعض تلك التماثيل لبيعها لذلك الرجل وبعد فترة من البحث والتنقيب
في تلك الأماكن اكتشفوا مقبرة ما ولكنها ليست كانت لفرعون أو أي أحد من كبار رجال الدولة
في العهد قديم حيث وجدوا بعض التماثيل والحلي بداخلها وكانت سعادتهم غامرة عندما ذهبوا
إلى هذا الرجل ليعرضوا عليه التمثال وقد قابلهم الرجل بالترحاب وشعر في تلك اللحظة
أن هؤلاء الشباب أصبحوا الآن تحت إمرته فمنحهم الأموال الكثيرة مقابل هذا التمثال
يقاطعه
همام بسؤال قائل:
ــ لكن
يا جدي ألم يشعر بهم أحد في القرية أو ظهرت عليهم علامات الثراء مثلا؟
الجد:
ــ كانوا في تلك الفترة ما زالوا شبابا صغارا ووجدوا
عند هذا الرجل أشياء لم يشاهدوها من قبل حيث بدأ هذا الرجل يصنع لهم جنة وهمية في كل
الأماكن التي كان يصطحبهم إليها فعرفوا الطريق إلي الجلوس إلى النساء ومعاشرتهن فشعروا
أنهم يجب أن يعيشوا في تلك الجنة إلي الأبد
كانت
تلك المجموعة من الشباب ينفقون أموالهم التي ربحوها في تلك الأفعال في الأقصر وأماكن
أخرى قد أخبرهم بها ذلك التاجر وعندما تنتهي أموالهم يذهبون إلى تلك المقبرة لكي يجدوا
شيئا يصلح للبيع إلي صديقهم ذلك التاجر
مرت
بضع سنوات وتلك المجموعة تنهب تلك المقبرة لتبيع ما تجده لذلك التاجر حتى أصبحت حياتهم
كلها فجر ومجون فأصبح شاغلهم الوحيد هو إيجاد تلك التماثيل أو المقتنيات القديمة لكي
يجنوا الأرباح لكي ينفقوها في تلك الحياة التي أصبح السكر والخمر والنساء عنوانا لها
وأصبحت تلك هي حياتهم ونسوا أن قريتهم وأهلها هم أحوج إلى ذلك المال الذي كان ينفق
على تلك النسوة الساقطات في البر الشرقي.
همام:
ــ ولكن
يا جدي كيف لم يشعر أهل القرية بهذا التغير في سلوكهم وخاصة أن أشياء كثيرة تدل على
هذا التغير في شخصيتهم وأحوالهم؟
الجد:
ــ نعم
يا همام بالفعل أتذكر والدتي عندما كانت تخبره أنه ليس زوجها التي تزوجته بل شخص آخر
مختلف لا يهتم بحالنا أو بحال عمله في القرية بل كان يريد أن يقضي معظم وقته في البر
الشرقي فكنت أجد والدتي تبكي كثيرا لتلك المعاملة الجافة وتدعو الله أن يهديه لها ولأبنائه
فكنت أنا أكبر أولاده فكان عمري في ذلك الوقت قد تخطى العشر سنوات
همام:
ــ أكمل
يا جدي ماذا حدث بعد ذلك؟
الجد:
ــ أنفقوا
كل أموالهم وعندما عادوا إلي المقبرة لم يجدوا شيئا يصلح أن يشتريه ذلك التاجر فظنوا
أنه صديقهم وأنه ربما يمنحهم بعض المال لكي يقضوا بعض الوقت في تلك الجنة الوهمية بين
السكر والنساء ولكن كانت المفاجأة بالنسبة لهم أن ذلك التاجر رفض منحهم أي أموال بل
قال لهم:
ــ أنا
لا أتصدق بأموالي فأنا تاجر أشتري لكي أبيع مرة أخرى فإذا كان لديكم شيء يستحق أن أشتريه
فسوف أمنحكم تلك الأموال أما غير ذلك فلا يوجد لدي مال لكم
يكمل
الجد حديثة قائلا:
ــ لم
يصدق أبي ما سمعه من ذلك الرجل وشعر أنه يطردهم جميعا من تلك الجنة التي عاشوا فيها
بضع سنوات كأنها حلم رائع ثم استيقظوا من النوم لينهوا ذلك الحلم
يقاطع
همام حديث جده ليسأله قائلا:
ــ وماذا
فعلوا بعض ذلك يا جدي؟
الجد:
ــ عادوا
إلى القرية وكلهم خيبة أمل مما حدث وشعروا أنهم لا يستطيعون العيش دون تلك الحياة فذهبوا
في كل مكان ينقبون ويبحثون في كل اتجاه لعلهم يجدون شيئا يمنحهم تذكرة العودة إلى تلك
الحياة مرة أخرى
همام:
ــ إذن
في نهاية الأمر فشلوا في أن يجدوا شيئا يمنحونه لذلك التاجر يا جدي فماذا فعلوا بعد
ذلك؟
الجد
مضي شهر وهم في حالة جنون وغضب عارم حيث كان والدي يضرب أمي لأتفه سببا حتى أننا كنا
نبكي من كثرة الرعب والخوف بسبب بكاء والدتي وأتذكر أننا كنا نهرب عندما نجده قد عاد
إلى المنزل مرة أخرى
يكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ استمر
الحال هكذا حتى أننا قد مر علينا بضعة شهور كنا نشعر أنها بضع سنين من الخوف والرعب
من حالة أبي التي أصبحت مزرية وكل أهل القرية يتعجب من حاله وحال تلك المجموعة التي
أصبح أسوأ من ذي قبل
قرر
والدي مع رفاقه العودة إلى البر الشرقي ليجدوا أي وسيلة لكي يقنعوا ذلك التاجر أن يمنحهم
بعض الأموال لقضاء بعض الوقت في تلك الجنة الوهمية حتى لو تتطلب الأمر أن يقبلوا يديه
ولكن ذلك التاجر كانت مقابلته مختلفة في تلك المرة حيث إنه استضافهم علي قضاء ليلة
مثل التي كانوا يقضونها من ذي قبل وكانت فرحتهم وسعادتهم قد جعلتهم لا يفكرون لما يفعل
هذا الرجل معهم ذلك
قاطع
همام حديث جده وهو يتعجب من ذلك قائل:
ــ فعلا
يا جدي لما تغير حالة وفعل هذا معهم بالرغم أنهم لا يملكون شيئا الآن؟
أجابه
الجد قائلا:
ــ أثناء
تلك الليلة أخبرهم ذلك التاجر أنهم يستطيعون الحصول على أموال ليس لها حصر وأنهم مهما
عاشوا لن يستطيعوا إنفاق كل تلك الأموال إذا حصلوا عليها فكان رد فعل والذي كيف يستطيعون
الحصول على كل تلك الأموال فأجابهم التاجر من خلال الكهف الموجود في ذلك الجبل
ــ وماذا يوجد داخل الكهف يصلح لك أيها التاجر؟
ــ أريد تلك التماثيل الثلاثة الموجودة أمام تمثال الساحرة
ــ مستحيل هذا انتحار من يستطيع أن يدخل الكهف لكي يسرق
تلك التماثيل ويخرج بهم دون أن يكون عقاب الملكة شديدا؟
ــ بالطبع أنتم
ــ لا
بد من أن الخمر قد لعب برأسك أيها التاجر فنحن لا نملك القدرة علي فعل ذلك وإن فعلنا
ذلك فغضبها سوف يكون شديدا
ــ لا
تخفي فأنا أعرف ماذا سوف أفعل
ــ وماذا
ستفعل أيها التاجر لكي تتغلب علي تلك الروح التي تسكن داخل هذا الكهف؟
ــ عندما
تكون قد اتفقتم فيما بينكم فأخبروني بأنكم موافقون علي ذلك سأخبركم ماذا سنفعل
يكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ إن
والدي ورفاقه في شدة الحيرة لأنهم يرغبون في كل تلك الأموال التي أخبرهم بها التاجر
عندما يحصل هذا التاجر علي تلك التماثيل وخوفهم أيضا من رد فعل ما سوف يفعلونه عندما
يسرقون تلك التماثيل الثلاثة لأنهم يعلمون جيدا أنها ليست تماثيل مثل باقي التماثيل
فمن يملكهم يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة بها
قاطع
همام جده وهو ينتظر إجابة جده بلهفة شديدة قائلا:
ــ وماذا
حدث بعد ذلك يا جدي؟
أجابه
الجد قائلا:
ــ بعد
عدة أيام من التشاور والحيرة في أن يصعدوا الجبل أو يرفضون هذا العرض السخي ولكنهم
في نهاية الأمر وجدوا أنها فرصة عظيمة سوف يجنون منها المال الكثير وأنهم من الممكن
أن يهجروا القرية بعد ذلك ويتمتعون بكل تلك الأموال في البر الشرقي وبالفعل أخبروا
التاجر بأنهم سوف يفعلون ذلك ولكن كيف سيفعلون ذلك وكان هذا هو السؤال المهم لهذا التاجر
ولكن التاجر أخبرهم عندما يأتي المساء سوف يعلمون إجابة هذا السؤال وما هي خططته لسرقة
تلك التماثيل الثلاثة
في المساء
وجدوا التاجر قد أتي ومعه شخص آخر فتعجبوا من ذلك من يكون هذا الشخص ولكن التاجر لم
يتركهم في تلك الحيرة حيث أخبرهم أنه ساحر عظيم الشأن سوف يساعدهم في سرقة تلك التماثيل
فضحكوا حتى أن ذلك الرجل قد غضب من ضحكهم الهيستيري فقرر أن يدعهم يشاهدون قدراته ومقدرته
علي فعل أشياء عظيمة لا يصدقها عقل حتى أنه أشعل النار بحركة من أصابعه حتى أنهم نهضوا
في حالة فزع وصراخ في محاولة إطفاء تلك النار ولكن هذا الساحر أشار بأصابعه بطريقة
معينة فانطفأت تلك النيران وكأن شيئا لم يحدث لملابسهم ثم بدأ يحرك يديه في الهواء
فوجدوا أنفسهم يطيرون في الهواء كأنه يحملهم بيديه في الهواء ثم تركهم ليسقطوا بشدة
علي الأرض وفي تلك اللحظة شعروا أنه بالفعل ساحر عظيم ولكن كل هذا لا يكفي ليستطيعوا
سرقة تلك التماثيل من ذلك الكهف
قاطع
همام جده قائلا:
ــ بالفعل
يا جدي كيف يستطيع هذا الساحر أن يسيطر علي ما يحدث داخل الكهف لكي يسرقوا تلك التماثيل؟
أجابه
الجد قائلا:
ــ لقد
أخبرهم ذلك الساحر أنه يعلم الكثير عن تلك الروح التي تسكن ذلك الكهف وأنه سخر لهذا
ملك عظيم من ملوك الجن بينه وبين الملكة العداء منذ آلاف السنين ولذلك فسوف يساعدهم
في حجب قدرتها عندما يتم سرقة تلك التماثيل وأن الوقت المناسب لذلك عندما يكون القمر
مكتملا لأنها تكون في أضعف حالاتها في الليالي القمرية فهي تتشكل بشكل طائر عظيم وتهجر
الكهف لتصعد إلي السماء بين النجوم وتترك كهفها خاليا دون قوة تحمية وتلك هي اللحظة
المناسبة حيث إن عظيم الجن سوف يحجب عنها رؤية ماذا يحدث داخل الكهف وسوف يخبرهم بالوقت
المناسب عندما يصعدون إلى هذا الكهف لكي يتم تحريك تلك التماثيل في نفس التوقيت حتى
يستطيعوا الحصول عليها ويوفقون في مهمتهم تلك ولكن الساحر حذرهم بأن أي خطأ ولو بسيط
سوف يؤدي إلى هلاكهم جميعا قبل أن يخطوا بخطوة خارج الكهف
أكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ بالفعل
الكل اتفق على إتمام تلك المهمة لكي يحصل كل واحد منهم على ما يريده وقرروا أن يتم
ذلك في الشهر القمري الجديد وبالفعل عاد والذي ورفاقه إلي القرية
شعر
الجد الشيخ يوسف بالإرهاق والتعب حيث قال لهمام:
ــ كفي
اليوم يا بني لأنني أشعر بالتعب ولنكمل الحديث في الغد إذا أمد الله في عمري لغدا-
إن شاء الله- تعالي
الليلة
الملعونة
شعر
همام أن ما تبقي من تلك القصة سوف يبدو مثيرا وربما يفسر الكثير من الأشياء التي كانت
غامضة في الماضي أو علي الأقل سوف يجد بعض الإجابات حول ما يدور داخل عقله.
كان
همام ينتظر داخل المنزل طوال اليوم فربما الجد يبعث في طلبه لتكملة باقي تلك القصة
التي جعلته شارد الذهن يفكر مليا فيما سمعه من جده في اليومين السابقين.
في المساء
سمع همام جده الشيخ يوسف يناديه من غرفته فأسرع همام إليه قائلا:
ــ نعم
يا جدي
الجد:
ــ اجلس بجواري يا بني لكي أكمل لك ماذا حدث بعد ذلك
صمت
الجد قليلا كأنه يتذكر ذكريات صعبة ومؤلمة ثم بدأ في الحديث قائلا:
ــ عاد
والدي مع رفاقه إلي القرية وهم في حيرة في أمرهم فهم يدركون خطورة ما هم سوف يفعلونه
فالروح التي تسكن ذلك الكهف ليست بالسهولة أن تتركهم يسرقون تلك التماثيل دون عقاب
وهل يستطيع هذا الساحر أن يصمد أمام غضبها فالشك يملأ قلوبهم ولكن في نفس الوقت قلوبهم
ممتلئة بالطمع فالأموال التي سوف يحصلون عليها ليست قليلة بل ستجعلهم أغنياء طوال حياتهم
همام
:
ــ إذن
تلك الأموال تستحق كل هذا حتى لو ضحوا بما يحبون من أهل القرية فتلك التضحية فالمغامرة
تلك تستحق ذلك
أكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ في
الليلة المتفق عليها حيث اكتمل القمر فتوجه والدي هو ورفاقه نحو الجبل حيث كانوا في
انتظار التاجر والساحر وبالفعل الكل اجتمع أسفل الجبل حيث كانوا ينتظرون خروج الروح
على هيئة ذلك الطائر الضخم لكي يستطيعوا أن يصعدوا إلى أعلى الجبل حيث الكهف والتماثيل
بعد
فترة قليلة من الانتظار حدث ما يحدث في كل ليلة قمرية حيث خرجت الروح ترفرف بجناحيها
حتى أن ضوء القمر الذي كان يضيء القرية قد اختفى فصعد والذي ورفاقه ومعهم التاجر والساحر
حتى وصلوا إلى داخل الكهف ثم بدأ الساحر يتمتم بكلمات ويطلق أنواعا من البخور ويشير
بيديه بحركات غريبة حتى أخبرهم بأن كل واحد منهم يمسك بتمثال وعندما يطلب منهم تحريك
الثلاثة تماثيل معا فقط عندما يعطيهم الإشارة لذلك
يكمل
الجد حديثه قائلا:
ــ مرت
دقائق كأن الساحر كان ينتظر أن يكتمل البخور لكي يصنع شيئا ما كحاجز يفصل ما داخل الكهف
عما يحدث بالخارج أو يحاول أن لا تشعر تلك الملكة بما يحدث داخل الكهف وبالفعل حانت
اللحظة المشؤومة وأشار إليهم بتحريك التماثيل الثلاثة في نفس اللحظة ثم أشار الساحر
أن يسرعوا بالخروج من الكهف
لاحظ
همام أن جده قد تغير لون وجهه وكان يتصبب عرقا وأخبره أن يحضر له بعض الماء فأسرع همام
بالماء لكي يسقيه حتى أن همام فزع من ذلك فقال له:
ــ ماذا
بك يا جدي هل أنت بخير؟
سكت
الجد قليلا كأنه يلتقط أنفاسه حيث نظر إلي همام قائلا:
ــ لا
شيء يا بني فقط تذكرت ما حدث في تلك الليلة المشؤومة فما حدث كان شيئا جللا وليس بالسهولة
أن أمحوه من ذاكرتي بالرغم أنني كنت صغيرا في ذلك الوقت
يكمل
الجد الحديث قائلا:
ــ عندما
تم أخذ التماثيل الثلاثة اهتز الجبل اهتزازا عنيفا حتى أنهم كانوا لا يستطيعون الخروج
من الكهف حيث كانت التماثيل في أيديهم تصرخ صراخا عاليا تهتز له الأرض والسماء فصوت
الصراخ كان يتبعه صوت رعد ضخم يخطف قلوبهم فأسرعوا بالخروج من الكهف حيث كانوا يحاولون
الهبوط من الجبل بأسرع ما يمكن حتى يتفادوا ضربات البرق التي كانت تسلط ضرباتها القوية
بالقرب منهم حتى أن القرية كلها قد خرجت من هول ما يحدث في الخارج فالأرض كانت تهتز
بعنف شديد والصواعق تضرب الجبل فتنهار الصخور من أعلي لتتساقط من أعلي بقوة لتسقط بالقرب
من القرية حتى شعر أهل القرية أن الجبل سوف ينهار علي تلك القرية
يكمل
الجد حديثه والفزع يسيطر عليه والكلمات تخرج من شفتيه مرتعشة من هول ما يتذكره الجد
حيث نظر إلي همام قائلا:
ــ أثناء
هبوط والذي ورفاقه من أعلى وعندما اقتربوا من القرية تبعتهم ذئابا سوداء ضخمة وكانت
عيونهم شديدة الحمرة حتى أننا كنا نشاهد الضوء يخرج من عيونهم بقوة فقد شاهدهم وهم
قادمون خلف والذي الذي كان يهرول نحو أهل القرية يصرخ ويطلب النجدة من أهل القرية ولكننا
شاهدنا الذئاب تنقض فوق والذي تنهش لحمه وتمزقه إلي أجزاء حيث صمت والدي إلي الأبد
ولم يظهر صوت والدي من بين عواء تلك الذئاب التي أعلنت غضبها على الجميع وهذا ما حدث
مع كل رفاقه أما الساحر فوجدنا الأرض تهتز بشدة حتى شاهدنا الأرض تتمزق ليخرج منها
ثعبان ضخم لدرجة أن ذيل ذلك الثعبان عندما يتحرك كان يدمر الكثير من المنازل التي كانت
في طريقه صوب هذا الساحر الذي أراد أن يستخدم سحره لكي يصد هذا الثعبان.
كان
الثعبان بعيونه الحمراء ضخم الرأس حتى أنه أمسك الساحر من بين فكية ثم وقف الثعبان
كأنه جبل ضخم يعلن انتصاره حيث كان الساحر يصرخ من شدة الألم ابتلعه الثعبان ثم هبط
إلى الأرض مرة أخرى.
كنا
نحن أهل القرية نشعر بالرعب الشديد حيث كنا نجري بين طرقات القرية لا نعرف إلى أين
نذهب ثم سمعنا الصرخات كأن تلك الملكة تصرخ بشدة وبغضب حتى أن رجال القرية كان لا يستطيعون
احتمال ذلك الصراخ حتى أنهم كانوا يصرخون من شدة الألم فكنا نشاهدهم وهم يركضون في
الطرقات مثل السكارى، يصرخون ويتخبطون في جدران المنازل حتى الموت، فالشوارع قد امتلأت
بجثث الرجال الموتى من كثرة الألم داخل عقولهم
كانت
السماء تمطر بشدة حتى المنازل لم تستطع أن تحمينا من كل هذا فوجدت أمي تصرخ وتجذبني
من ملابسي أنا وإخوتي حيث كانت تحاول الهروب من القرية نحو الصحراء فكنا نهرول ونجري
ونسقط ثم نعاود الهروب مرة أخرى حتى اقتربنا من حافة الصحراء فوجدنا الذئاب السوداء
الضخمة تحاصر القرية بأكملها وكل رجل يحاول الخروج من القرية كانت تنقض عليه تمزقه
ولا يبقي منه شيء سوي الدماء فقط، لكن العجيب في الأمر أن تلك الذئاب كانت لا تقترب
منا سواء العجائز أو النساء أو حتى الأطفال كانت تسمح لنا بالعبور إلى خارج القرية
دون أن تتعرض لنا بأذى.
الرعب
كان يسيطر على ملامح همام حيث كان يتصبب عرقا من الخوف والرعب كأنه يريد أن يقول لجده
كفي يا جدي ولكن الفضول يسيطر عليه لكي يعرف ما حدث بعد ذلك.
همام:
ــ وماذا
حدث بعد ذلك يا جدي؟
الجد:
ــ تجمع
أهل القرية خارج القرية في الصحراء حيث لم أجد سوي النساء والأطفال والعجائز أما باقي
رجال القرية فلا نعلم مصيرهم فالخوف كان يسيطر علينا ولا نستطيع العودة إلى داخل القرية
حتى أننا قضينا ليلتنا تلك في الصحراء حتى أشرقت الشمس علينا ونحن في الصحراء
همام:
ــ وماذا
بعد يا جدي؟
الجد:
ــ عدنا
في الصباح الباكر إلي القرية حيث وجدنا الرجال موتي في الطرقات والمنازل والكلاب تنهش
في أجسادهم وتمزق لحومهم والصقور تحوم في السماء في تلك الدوائر تريد أن تنقض على تلك
الجثث المنتشرة في كل مكان في القرية أم والذي ورفاقه فلم يبق منهم سوي أجزاء بسيطة
وبجوارهم تلك التماثيل التي سرقت من داخل الكهف كانت النساء كلها تنوح وتبكي من الفراق
والحزن علي كل الرجال الذين ماتوا فصراخ النساء كان يخترق إذني من كل مكان في القرية
وكنا نحن الأطفال نرتعش من الرعب والخوف حيث كنا نجلس بجوار أمهاتنا نلتصق بهن خوفا
من أن تأتي تلك الذئاب لتمزقنا مثل ما حدث مع آبائنا في تلك الليلة المشؤومة
همام:
ــ وماذا
حدث بعد ذلك يا جدي؟
الجد:
ــ تجمع
العجائز من الرجال حيث جمعوا ما تبقي من أهل القرية من النساء والأطفال حيث قرروا أننا
لا بد من أن نتعاون كلنا لكي ندفن كل الرجال الذين ماتوا أو ما بقي منهم مثل أبي وبالفعل
خرجنا نحو الصحراء حيث كانت النساء تحاول أن تشق الرمال لكي تدفن كل الرجال بالقرب
من بعضهم خارج القرية ثم عدنا قبل الليل خوفا من أن يحدث شيء
كانت
النساء والأطفال في حالة رعب شديد حتى أننا كنا لا نخرج من المنازل بل كنا نتجمع في
الليالي سويا لكي تحمي النساء الأطفال من أي شيء قد يحدث بالخارج فكل شيء كان مرعبا
حتى أننا لم نجد أحدا يأتي إلى القرية كأنها اختفت من الوجود وكنا لا نستطيع أن نترك
القرية كأن قريتنا تلك لم تكن موجودة بعد تلك الليلة الملعونة.
انتهت
بقلم
الكاتب الدكتور
محمد
عبدالتواب
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق