معركة شفيقة الأسطورية |
ربما
في اعتقادي أنها أسطورة طفولتي لأنها كانت ملحمة تجسد الصراع بين الشر والخير الذي
هو بلا شك معسكري وموطن قدمي آنذاك والذي يضم بالتأكيد كل الصبية الذين كانوا يتجولون
في تلك الشوارع في مدينتي الصغيرة حتى الآن يحملون في قلوبهم تلك الأسطورة لتكون مصدر
إلهام لهم في نضالهم المستمر في الشوارع والأزقة.
معركة
شفيقة هي معركة من أهم المعارك التي خضها في طفولتي والتي نقشها الأطفال علي الحوائط
من بعدي لكي تبقي ذكراها خالدة تخلد ذكرى من سقط فيها ولكن للأسف لم يستطع أحد أن يفك
تلك الطلاسم لأن من كتبها كان أحد الأصدقاء الفاشلين والذي لم ينجح في حياته في إي
امتحان لغة عربية بسبب ذكائه الخارق في كتابة اللغة العربية بطريقة هيروغليفية اعتقد
أنه قد ورثها من أحد أفراد عائلته الأغبياء.
فلنبدأ
القصة بكل ما فيها من تضحيات وفدائية قام بها الشجعان الذين ظلوا مجهولين للتاريخ،
سوف نسردها منذ البداية لأنها تعتبر من مراحل الصراع بين أبناء الشعب وبين أبناء السهرات
الشعبية في منطقتنا الجميلة.
في تلك
الفترة من صبايا كنت حوالي في التاسعة أو العاشرة من عمري، كانت لي شلة مكونة من ستة
أفراد بما فيهم أنا يمكنك القول بأنهم كانوا الساموراي الست والذي تم اقتباس عادل إمام
فلمه الشهير من أسطورتهم تلك، كنت أنا زعيم تلك الشلة أو العصابة ليس بسبب قوتي العضلية
بل بسبب حكاياتي التي كنت أرويها لهم عن أصولي الغربية الأوروبية والتي يبجلها الجميع
وأنني كنت أعيش في السابق في ألمانيا وأن ملامحي في بادئ الأمر كانت مختلفة تماما عن
ملامحي تلك الآن وهذه الملامح ما هي إلا عملية تنكر متقنة حيث كان لوني في الماضي ناصع
البياض والشعر ذهبي يكسو رأسي والعيون الزرقاء تعكس لونها علي كل شيء ولكن كل ذلك تركته
وراء ظهري في ألمانيا وعندما أعود مرة أخرى سوف أسترد كل جمالي ووسامتي السابقة من
جديد.
تلك
القصص كنت أرويها لكل الناس سواء أصدقائي أو حتى جيراني فأحيانا كان شباب الحي يجتمعون
ليسمعوا حديثي وأنا أتكلم اللغة الألمانية بطلاقة والتي لا أفقه بها شيئا لكنهم كانوا
مستمتعين بتلك اللغة التي كنت أرتجلها بطريقة عفوية.
حينئذ
بدأت أصدق وأؤمن بحكاياتي وأنني لا بد من أن أعود يوما ما إلي وطني في أوروبا إلى ألمانيا
العظيمة واستعيد وجاهتي ووسامتي من جديد.
كنت
كل يوم أجمعهم وأحكي لهم قصصا جديدة عن حياتي في ألمانيا والمشاهير وخاصة لاعب كرة
القدم رومينيجة لاعب المنتخب الألماني الذي كنت أعتبره صديقا حميما لي وعندما كانوا
يطلبون مني التحدث بالألمانية كنت أتكلم بكل ثقة بكلمات غير مفهومة كأنها لغة أخرى
غير العربية لأنني كنت واثقا أنهم يعرفون اللغة العربية بصعوبة وأن الشلة كلها فاشلة
في الدراسة وهذا كان سببا رئيسيا في أنهم كانوا يؤمنون بقدراتي الخارقة بالإضافة لوعدي
لهم بأنني عندما أعود إلى ألمانيا واسترد جمالي الباهر سوف أصحبهم معي هناك وسوف يصبحون
مثلي بشعر ذهبي ناعم بدلا من تلك الشعور التي كانت سببا رئيسيا في تكسير الكثير من
الأمشاط بسبب تلك الأشواك التي تعتلي رؤوسهم.
من الأسباب
الأخرى التي جعلتهم في حالة انبهار دائم بي ويقينهم بأنني صاحب معجزات أنني كنت داهية
في تصنيع الأسلحة الحديثة والمتطورة ما بين طويلة المدى وقصيرة المدى وصاحبة الإصابات
البالغة والتي تحفظ لنا التفوق النوعي والتكتيكي ضد العصابات الأخرى وسوف أذكر سلاحين
فقط لم يستطع العالم حتى الآن سواء أمريكا أو روسيا أن يصنعوا أسلحة ردع لهم أو أسلحة
مشابه لهم، فهما بلا شك اختراع عبقري بأدوات بسيطة.
السلاح
الأول وهو القنبلة العنقودية المركبة والتي اخترعتها وحاولت أمريكا في وقتها إغرائي
بجميع الطرق سواء بأموال طائلة قد تخطت العشرة جنيهات في ذلك الوقت أو مقابل صورة مع
السيدة الفاضلة مارلين مونرو الله يرحمها لكي أحكي لأصدقائي عن مغامراتي العاطفية معها
بالرغم أنها توفيت منذ آمد بعيد من قبل أن أتواجد في تلك الحياة ولكن أصدقائي جهلة
لا يدركون من هي تلك المرأة الفاتنة، فلم يبق منها سوى بعض صورها التي كنت أحتفظ بها
داخل الكتب المدرسية.
لكنني
رفضت كل تلك الإغراءات حتى ذلك الحذاء الرياضي الذي يضاء في المساء ولم يكن أحد يعلم
عنه شيء سوى وكالة ناسا الفضائية واحتفظت بالسر ولم أسرب هذا السر إلا عندما بدأت أدخن
تلك السجائر التي كانت تباع بالواحدة من عند عبد العزيز البقال وأصبحت مديونتين كبيرة
تخطت العشرون جنيها وحينها أخذ عبد العزيز النادل الشبشب رهن مقابل الدين وإلا سوف
يخبر أبي بموضوع تدخيني للسجائر.
لم أكن
أعلم أن عبد العزيز كان عميلا في المخابرات الأمريكية برتبة كولونيل وأنه كان يبيع
لي السجائر من أجل استدراجي لكي أبوح لهم بسر القنبلة العنقودية المركبة، لم أكن أتوقع
أن عبد العزيز بسحنته التي لم تقترب حتى من السحنة الإفريقية وشعره الذي يشبه تلك المسامير
المدببة والتي سبب جروح عميقة لكل من اقترب منه، كم هي شريرة أمريكا تلك تخدع البسطاء
مثلي لكي تستولي علي أفكارهم الجهنمية تلك.
في تلك
الفترة كان هنالك سلاح بدائي يدعي (البومب) كان عبارة عن بعض البارود الجاف مع حبيبات
زلط صغيرة تلف في ورقة وتلف بسلك حتى تكون مثل البلة الصغيرة تقذفها فتحدث صوت ما يثير
بعض الضحك والحماسة لدي أطفال الشوارع ولكنني طورت هذا السلاح ليكون فتاكا وأكثر قوة
وأكثر تدميرا حتى أن أفراد العصابات الأخرى يتبولون في سراويلهم من شدة الخوف والجزع،
كانت الفكرة جهنمية وهي عبارة عن وضع ذلك الخليط من الزلط والبارود في زجاجة صغيرة
حيث تحتوي علي قوة تدميرية شديدة وأتذكر أول تجربة لتلك القنبلة وهي عندما وجدت جارنا
في الليل حيث السكون والهدوء يغلف المكان برمته وهذا الجار مندمجا بشدة في إصلاح سيارته
حيث ينغمس برأسه بجوار محرك السيارة، صعدت إلي سطح منزلنا وأخذت أراقبه كأنني أراقب
أحوال المكان كأنني سوف ألقى أول قنبلة نووية لي في تلك الليلة، ألقيتها من أعلى، من
ارتفاع ثلاثة طوابق بجواره مباشرة، حتى أن لحظة الانفجار كانت شديدة جدا صاحبتها
موجات تسونامي هوائية حتى أنني فزعت مثله، كانت شديدة الصوت حتى أن جارنا من الفزع
والهلع وجده يطير ويحلق في الهواء كبجعة ضخمة حتى أنني رأيت ذلك الشبشب الذي كان يرتديه
ينطلق في الهواء مثل أشلاء الجثث ويسقط الجار والشبشب داخل السيارة من شدة الانفجار
لأنه كان يظن أن السيارة قد انفجرت به وأنه بلا شك قد توفي دون أن يكون مستعدا لذلك،
حينئذ بدأ ذلك الجار استدراك الأمر، أخذ يبحث عن الجاني ومن فعل ذلك ولكنني كنت قد
أطلقت ساقي للريح حيث أصبحت مجرد ذرات من الغبار لا أكثر لا يمكنه إثبات التهمة علي
طفل بريء مثلي.
المعركة
الأولى لتلك القنبلة والتي أثبتت نجاحها حيث كانت مفاجأة للجميع حتى لي أنا شخصيا،
عندما تشاجرنا مع عصابة أخرى كنت من الذكاء مثل روميل في دهائه بأنني سوف أقوم بالانسحاب
التكتيكي من أرض المعركة وقد أغريتهم لكي يهاجمونا ويندفعوا في ملعبنا، رسمت الخطة
بأن أظهر في الملعب لوحدي ليظنوا أنني فريسة سهلة فيهجمون على حين غرة في حين أن باقي
أصدقائي ينتظرون إشارة البدء بالهجوم من فوق سطح منزل أم تامر وأم محمود بتلك القنابل
من فوق الأسطح حتى تشعر العصابة الأخرى أننا نمتلك سلاحا سريا قويا للغاية.
بدأ
هجوم العصابة الأخرى كما هو متوقع بالبومب العادي حتى بدئوا في الدخول داخل مرمى القنابل
وحينها صرخت صرخة النصر بكلمة السر وفي حينها بدأت القنابل تنهمر عليهم كالمطر وأيقنوا
أن هذا ليس بومب عادي بل شيء شديد الخطورة وأنهم هالكون لا محالة ففروا وانسحب انسحاب
عشوائي من أرض المعركة، كنا نتابعهم وسراويلهم مبللة من الهلع الذي أصابهم وأيضا أصاب
هذه النوعية من البومب أفراد عصابتي من الخوف من تلك القنابل، انتصرنا واحتفلنا بهذا
النصر بزجاجة كوكاكولا شربناها كلنا جميعا نحن الستة بمعني أصح كل واحد يكاد أن بلل
ريقه فقط.
السلاح
السري الثاني وأنا أعتقد أن كلا من الروس والكوريين والإيرانيين قضوا سنوات طويلة ليدرسوا
فكرته اللولبية وبنوا عليها نظرياتهم كأساس للصواريخ عابرة القارات وللأسف في مصر منبع
السلاح لم يفكروا أن يدرسوا عظمة هذا السلاح العابر للقارات.
السلاح
كانت فكرة متطورة للغاية بالنسبة لفكرة النبلة القديمة والنبلة القديمة كانت عبارة
عن يد حديدية وقطعة جلد من الكاوتشوك تنقع في الزيت لمدة أسبوع لكي تصبح أكثر ليونة
ومطا وكان يستخدم الزلط أو البل الحديد كطلقات لها وكان استخدامها الأساسي في صيد العصافير
واليمام لا أكثر من ذلك.
طورنا
سلاحنا حيث بدلنا الجلد الكاوتشوك بنوعية جديدة من المطاط أكثر ليونة والتي تستخدم
في النقود وجعلناها أطول طولا ومزدوجة لتقذف الطلقة لمسافات بعيدة تخطت المائة مترا
مثل الصواريخ عابرة القارات.
اختلفت
نوعية الطلقة حيث استخدمنا نوعا جديدا من الطلقات حيث كنا ننتظر رجال صيانة الكهرباء
في الشوارع حيث يشتت انتباههم أحد أفراد الشلة ثم تسرق باقي الشلة أسلاك الكهرباء المصنوعة
من الألمونيوم.
أحيانا
كانت تنجح الخطة وأحيانا تفشل ويقع صديقنا بين أيديهم حيث يتحمل ضرب لا يتحمله حمار
حصاوي في مطلع كوبري لدرجة أن من عنف تلك الضربات لا يشعر ببقية أجزاء جسده وخاصة قفاه
وأحيانا يتم احتجاز صديقنا حتى تحدث صفقة تبادل بيننا وبين رجال صيانة الكهرباء ب صديقنا
مقابل تلك الأسلاك وأحيانا كنا نرى أن الأسلاك أهم من صديقنا فكنا نرفض الصفقة ونترك
صديقنا لمصيره المجهول.
كنا
نصنع الطلقات علي شكل رقم سبعة مع حروف مدببة لتخترق الجلد وتسكن بداخله فتشعر بألم
شديد مبرح، وذلك السلاح قد طورناه
من أجل الحمام لأننا كنا حانموت ونصطاد حمام من برج أم تامر .
نعود مرة أخري إلي معركة شفيقة الشهيرة والتي تعادل شهرتها
حرب الهكسوس حيث كان البطل الشرير هو المعلم رمضان .
المعلم
رمضان تلك الشخصية الأسطورية والتي كانت مثالا جيدا للملامح الشريرة التي كنا نراها
في الأفلام القديمة حيث القتلة وتجار المخدرات ولكنه كان علامة مميزة بمنطقتنا بل علامة
مميزة لكل البلدة، من المتعارف بين هؤلاء المعلمين هو الاحتفال بأي سبب حتى ولو طلق
زوجته فكان يقيم سهرة لكي يجمع الأموال التي تسمي بالعامية (النقطة) وتلك السهرات كنا
ننتظرها بفارغ الصبر لأنها ليست مثل الأفراح التي كنا نذهب إليها لكي نلتقط بعض الحلوى
منها فكنا دائما نجد فيها مطرب صوته أجش ووجهه غير عاطفي بالمرة ولذلك أحيانا نستخدم
بعض أسلحتنا حتى نجعلها آخر مرة يمكن أن يغني فيها في فرح ونرحم معازين الفرح منه.
نعود
إلى سهرات المعلم رمضان والتي كانت تشمل راقصات شرقي بكل الأحجام كذلك مغنيات يصدحون
بالأغاني الشعبية مشهورين في مجال الكاسيت الهابطة.
هذا
كان سبب فخر لنا كأبناء المنطقة أن المعلم رمضان يحضر لنا كل هؤلاء الراقصات بل كنا
ندعو العصابات أو الشلل الأخرى علي تلك السهرات بالنيابة عن المعلم رمضان كأننا أصحاب
تلك السهرة.
كنا
ندعي أننا أبناء المعلم رمضان بالتبني وأنه يأخذ بأفكارنا في كل سهرة مثلا من هي الراقصة
المفضلة لدينا أو المغنية التي نريد أن تحيا السهرة وكان في هذا الوقت كانت شفيقة شخصية
مشهورة في الأوساط الشعبية وكان لها شرائط كاسيت في الأسواق.
بالطبع
المعلم رمضان لم يكن يعلم أي شيء عما نفعله من وراء ظهره ولكننا نخبر باقي أصدقائنا
من جميع أنحاء بلدتنا بهذا لكي نفتخر ونتباهى بأننا أصحاب شأن عظيم وهيبة لدي المعلم
رمضان وللعلم قرأت كتابا في يوم ما ووجد اسمه الحقيقي مذكورا في هذا الكتاب الذي كان
يحكي قصة اغتيال السادات وكنت أتعجب كثيرا من شهرة هذا الرجل.
في تلك
السهرات كنا نشاهد كميات كبيرة من زجاجات البيرة التي لا تعد ولا تحصي وأتذكر في إحدى
تلك السهرات كنا نظن أن تلك الزجاجات الخضراء ما هي إلا مياه غازية فقررنا أن نسرق
ست زجاجات من تلك المياه الغازية المستوردة خصيصا للمعلم رمضان، لم نكن ندرك لماذا
نفعل ذلك ولكن ربما لتأكيد شعورنا الداخلي بأننا بالفعل أصحاب تلك السهرة الماجنة وأن
لنا كل الحق في مشاركة الجميع فيما يفعلونه بالأسفل.
كانت
الفكرة للاستيلاء علي تلك الزجاجات العجيبة بسيطة للغاية حيث يذهب كل واحد من الشلة
بجوار طاولة لكي يلتقط اسم معلم صديق للمعلم رمضان ثم نذهب إلى صاحب الزجاجات الخضراء
لنخبره إننا أولاد هؤلاء المعلمين وقد أرسلونا لإحضار زجاجة إضافية وبالفعل تم الاستيلاء
علي الزجاجات الست.
كنا
في غاية السعادة عندما حصلنا علي الزجاجات الست وعندما قمت بفتح زجاجتي لكي أرتشف أول
جرعة من الانتعاش لم أشعر بشيء سوى أن وجهه صديقي قد امتلأ بالبيرة لأنني ببساطة لم
أشعر بأنني قذفت كلا ما تجرعه في وجهه صديقي هذا.
كان
رد فعل الجميع مثلي تماما، كلنا أصبحنا مبللين بالبيرة ماعدا صديقا واحدا أخذ يرتشف
منها علي أساس أنها مياه غازية ولكنها كانت فاسدة بعض الشيء وأخذ يقسم بحياة أمه أنها
مياه غازية لكنها مستوردة وأنها رائعة وأنها صحية للغاية حيث يتناولها والده كمقوي
للعضلات وإنبات الشعر الناعم.
المكان
من حولنا معبق بشدة من تلك الأدخنة المتصاعدة في كل ركن يختلط بها كل الروائح بما فيها
رائحة المخدرات والحشيش حتى كنا نشعر أننا نترنح ونضحك دون سبب لدرجة أننا كنا نرقص
مثل الهنود الحمر رقصات سقوط الأمطار وأن صديقا لنا كان يظن نفسه حمامة ويريد أن يقفز
من أعلي المبني الذي كنا نعتليه.
كان
لنا صديق قد بدأ يفهم ما معنى راقصة وبدلة رقص شفافة وأن هنالك شيئا مثيرا في ذلك فكان
يختفي ويظهر فجأة في السهرة دون أن يخبرنا ماذا يفعل ولكننا صممنا أن يخبرنا أين يذهب
فأخبرنا أنه يذهب أسفل المسرح لكي يري الراقصة من أسفل وأنه هناك يشاهد مالا يمكن أن
نشاهده من مكاننا هذا.
فذهبنا
من ورائه تحت المسرح لنري الراقصة من بين ألواح المسرح وكان شيء باهر لكل أفراد الشلة
ما شاهدناه ولكن فرحتنا لم تدم كثيراً حيث اكتشفوا وجودنا أسفل المسرح نتيجة صراخنا
لمن ينظر ويحدق من تلك الفتحة علي الراقصة اللولبية ذات السيقان المكتنزة بشدة.
لم أشعر
بشيء سوي بشخص بوجهه علامة مميزة رائعة تدل علي رقته و رومنسيته الشديدة نتيجة مطوي
غيرت من ملامح وجهه تماما وهو يجذبني من قفاي وحقيقة لم أستطع إحصاء كمية الضربات المتتالية
التي تحملها قفاي العزيز وخاصة أن كل من كان موجودا في السهرة حتى الراقصة غمزت لي
قائلة:
ــ يا
واد يا شقي بتتفرج علي إيه؟!!
على
الرغم من كمية الضرب المبرح لكنني شعرت بالفخر والعزة وأن والدي سوف يفتخر بي لأجيال
قادمة فالراقصة قد تنبأت بمستقبلي الباهر وإعجابها الشديد بقدراتي كفتي شقي صاحب قدرات
أبهرت الراقصة وجعلتها تتنبأ لي بمستقبل باهر في محافل الراقصات الشعبيات.
لكن
بعدها شعرت بالمهانة وإن كرامتنا قد ضاعت في الأرض ولا بد من أن أنتقم لشرفنا كعصابة
محترمة بين أوساط الشوارع وخاصة أن قفاي كان يؤلمني بشدة من كثرة الضرب لدرجة أنني
عجزت أن أحرك رأسي من كثرة الالتهابات والكدمات التي ظهرت فجأة علي وجهي أيضا نتيجة
حب هذا الشخص الشديد لي وشعوره أنني مثل الكرة التي يقذفها إلي الحائط فتعود إليه في
كل مرة.
قررنا
في تلك اللحظة الانتقام واسترجاع كرامتنا من على أرض المسرح مرة أخرى وكانت الخطة التي
وضعتها كالآتي.
صديقي
الذي ارتشف زجاجة البيرة كلها ومعه صديق آخر سوف يخترقون السهرة من الوسط وهؤلاء كانوا
في مثابة الفدائيين والذين استعوضنا الله فيهم وإننا نعلم جيدا أن مصيرهم في ذمة الله
حيث أدركت أنه عندما أحتسي كلا منهما البيرة شعروا بالشجاعة فجأة وأنهم سوف يكونون
أيقونة تلك المعركة ونبراس للأجيال القادمة كمثال للتضحية من أجل الجميع.
كان
دورهم محددا حيث تبدأ مهمتهم بعد الانتهاء من إلقاء القنابل في ضرب المغنية الشعبية
وابنتها بالنبلة المتطورة بعيدة المدى ولأن شفيقة وابنتها يملئون المسرح بأجسادهم الضخمة
البدينة فسوف يكونون في مرمى الهدف وصيد سهل لهم وخاصة أن ذلك النبل مداها عابر القارات
لمسافة تتخطي المائة متر.
أما
باقي الشلة وهم أربعة أفراد كل اثنين يعتلون سطح منزل من اليمين واليسار حيث بداية
الهجوم قذف القنابل في كل اتجاه وإلي أبعد مسافة ممكنة لكي نخلق حالة من الفوضى والهرج
والمرج ثم المرحلة الثانية وهي النبل ذات المسافات الطويلة حيث واحد من اليسار واليمين
يقذف طلقات الألمونيوم في اتجاه من فعلوا معنا هذا الواجب من الضرب المبرح وخاصة يكون
الهدف الرئيسي قفاهم ليشعروا بشدة الألم الذي نعان منه حتى الآن
أما
باقي الشلة فدورهما حماية أصدقائنا الفدائيين الذين اقتحموا أرض السهرة من الوسط ليصلوا
إلي أقرب نقطة لشفيقة وبنتها وتأمين خروجهم من أرض المعركة بأقل إصابات.
قررنا
أن كلا منا يرتدي شراب أسود اللون لكي نخفي معالمنا أثناء الهجوم ولكن للأسف صديقي
الذي كان بجواري لم يجد سوي شارب والده الذي له رائحة كلب قد توفي منذ آمد طويل جعلتني
أضربه بشدة علي قفاه قائلا
ــ إيه
الشراب المتعفن ده، أنا حافيص منك من قبل حتى أرمي قنبلة واحدة
فأجابني
صديقي ببلاهة قائلا:
ــ وحياتك
يا غالي ده أنطف شراب عند أبويا يا عم ده لما بنخب نطلع الفيران والتعابين اللي في
البيت ندخلهم فرده واحدة بقالها يومين مثلا ولو عاوزين نضرب الجيران في مقتل نرمي عليهم
الشراب كأنه قنبلة ذرية يا معلم
تحملت
رائحة الجوارب من أجل المعركة الكبرى والانتصار العظيم الذي ينتظرنا وبالفعل بدأنا
برمي القنابل والتي لم تفعل شيئا لأنها تاهت بين طلقات المسدسات الحقيقة التي كانوا
يطلقون النيران منها فلم يشعر أحد بتلك القنابل وكان هذا الجزء الفاشل في الخطة.
لم أكن
أتوقع الفشل وخاصة أن صديقاي الفدائيون في مرمى أيدي الأشرار على أرض المعركة وبالتالي
فهم هالكون هالكون لا محالة.
توكلنا
على الله وبدئنا استخدام النبل المتطورة وخاصة نبلة أم هيام لأنها كانت السبب في إلهامي
في صنع منظار بتلك النبل بعيدة المدى لتكون دقيقة علي مسافات بعيدة ولا أستطيع أن أخبركم
عن العلاقة بين أم هيام أو هيام والمنظار لأنها علاقة سرية للغاية.
بدأت
بشائر النصر تلوح في الأفق وهمست أغاني النصر في أذناي والشمس تشرق في الليل عندما
شعر من ضربونا أمام الجميع بقسوة انتقامنا حيث كانوا يتلوون كمن أصابهم الجرب في كل
أجزاء جسدهم من شدة الضربات المتتالية والكثيفة في ذات الوقت، لم يكن يعلمون مصدرها
من أين تأتي بكل ذلك العنف، فالأهداف محددة بدقة وهي القفا والأرداف حتى نستعيد كرامة
أردافنا أيضا التي إتهانت بشدة.
بدأ
الفدائيون في الهجوم من الوسط وكانت ضرباتهم موجعة بشدة لشفيقة وابنتها حتى أنهم كانوا
يصرخون من الألم.
وهنا
بدأت المرحلة الأخيرة حيث علم الجميع أن أصدقاءنا الفدائيين هم صاحب الضربات الموجعة
واستخدمنا كل وسائلنا لإعطائهم فرصة للتراجع والهروب ولكن كل الطلقات نفذت فقررنا الهروب
وترك أصدقائنا يواجهون مصيرهم المحتوم.
كمْ
كنت سعيدا بذلك النصر والشعور باستعادة كرامتنا في تلك الليلة بالرغم أن أصدقائي الفدائيين
أخبروني بعد ذلك أنهم لم يستطيعوا أن يحصوا كمْ شخصا كان يضربهم وأي أجزاء أجسادهم
تشعر بالألم حتى نهاية الأمر عندما أمر المعلم رمضان بتعليق كل منهما على جانبي المسرح
بجوار الأداء ليكونوا مثل الديكور على المسرح ولكي تغني شفيقة في وسط المسرح وتشعر
بالسعادة وهي تضرب في كل مرة إحداهما على قفاه كأنه أداة موسيقية متنوعة الأصوات من
شدة الألم.
لا أستطيع
أن أنسي تلك الصورة الرائعة لهما وهما مثل الخروفين المعلقين في محل جزارة حيث أطلق
المعلم رمضان قوله المأثور الرائع في تلك اللحظة والذي سوف يسجلها التاريخ للأبد قائلا:
ــ اللي
ماربوهوش أبوه وأمه المعلم رمضان يربيه زي الخرفان دي تمام
انتهت
بقلم
الكاتب الدكتور
( الكلمات المفتاحية )
إرسال تعليق