الزواج السعيد في الإسلام |
لماذا الزواج؟
· الحث الشرعي
الزواج
في الإسلام مبني على عقد اسمه "عقد الزواج"، وبمجرد أن يتم هذا العقد
بين رجل وامرأة يعني أن مجموعة من الحقوق والواجبات قد ترتبت على كل منهما، أي
أنهما قد وافقا على نمط من العلاقة، وعلى مجموعة من الضوابط بمجرد الموافقة على
عقد الزوجية.
يقول
الله: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ
مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾.
وقد
اعتبر الإسلام الزواج أمراً إيجابياً وكمالاً للإنسان، فقد ورد عن الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بني بناء في الإسلام أحب إلى اللَّه
عزَّ وجلَّ من التزويج"
لقد
حثَّت الرسالة الإسلامية بشكل كبير على الزواج وبناء الأسرة، وأعطت الامتيازات
للمتزوج على العازب، حتى صار نومه أفضل من قيام العازب كما ورد في روايةٍ عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المتزوج النائم أفضل عند اللَّه من
الصائم القائم العزب"، وعباداته أفضل بدرجات كما يستفاد
من الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن ركعتين يصليهما رجل متزوج
أفضل من رجل يقوم ليله ويصوم نهاره أعزب".
· الأهداف الإسلامية لبناء الأسرة
إذا
عدنا إلى الروايات الشريفة نجد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا
تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق اللَّه في النصف الباقي".
وفي
رواية أخرى عنها تظهر فائدة أكبر للشباب: "ما من شاب تزوج في حداثة
سنّه إلا عجّ شيطانه: يا ويلاه يا ويلاه عصم مني ثلثي دينه، فليتقِ اللَّه العبدُ
في الثلث الباقي".
يمكن
أن نقول: هذا نوع من التشجيع على الزواج، ولكنه ليس كذلك، بل هو وصف للواقع. إن
مقومات الزواج الذاتية قبل أن ندخل إلى تفاصيلها، تحقق نصف الدين، لأنها تشكل
حماية حقيقية من مجموعةٍ من العقد والمشاكل والعقبات بمجرد حصول الزواج بين
الشخصين، فالزواج في الحقيقة يحقق مجموعة من الأهداف الشرعية.
فما
هي الأهداف التي يريد الشارع المقدس تحقيقها من خلال الزواج، وبناء الأسرة؟ وكيف
صار نصف الدين أو ثلثيه؟ هناك عدد من الآيات القرآنية الكريمة تشير إلى هذه
الأهداف:
﴿وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا﴾.
يذكر
تعالى سبب ومبرر الزواج في عبارة ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾. وهذه
العبارة تعني الاستقرار والاطمئنان والراحة، فالزواج يؤدي إلى الاستقرار، و هذا
الاستقرار شامل ومتنوع:
1-
على المستوى النفسي: حيث يصبح الإنسان مرتاحاً يعيش حالة حب وانسجام في كل
العناوين التي لها علاقة بالعامل النفسي، بشكل ينعكس على حياته كلها، وفي الرواية
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "زوجوا أيامكم فإن
اللَّه يحسن لهم في أخلاقهم ويوسع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروتهم".
2-
على المستوى الجسدي: هناك متطلبات للجسد عند الرجل وعند المرأة لا يمكن معالجتها
إلا بالزواج، الذي يؤدي إلى استقرار الجسد ويلبي متطلباته.
3-
على المستوى الاجتماعي: هو سكن اجتماعي، لأن الإطلالة من خلال علاقات الزواج مع
الآخرين تمكّن من أن يبني الإنسان أسرة ويتفاعل مع الآخرين.
4-
على المستوى المادي: فهو أيضاً سكن مادي فيه تنظيم الأداء اليومي لحياة الأسرة.
5-
على المستوى الإداري: هو سكن إداري فيه تنسيق للأدوار بين الزوجين.
فكل أنواع الاستقرار موجودة في الزواج، سكن نفسي وجسدي واجتماعي ومادي وإداري، لأن الزواج لم يشرَّع ليعالج زاوية واحدة فقط.
وقد
وقع الكثيرون في الخطأ عندما نظروا الى الزواج كمعالج لزاوية واحدة. فعندما ينظر
الإنسان إلى الزواج بجزء منه دون الأجزاء الأخرى يعطِّل السكن، لأن السكن أشبه
بأعمدة لا يمكن أن يستقر البناء بدون أحدها أو بعضها.
لذلك
عندما يقع خللٌ ما في الحياة الزوجية فقد يكون من البداية بسبب طريقة التفكير.
فإذا سُئلَ الرجل لماذا تزوجت؟ يقول لأنني أريد من يخدمني، يعني أنه أخذ جانباً من
هذا الزواج. وإذا سُئلت المرأة لماذا تزوجت؟ تقول: أنا تزوجت لأني لم أعد أحتمل
البقاء عند أهلي. إذاً كل واحد منهما أخذ جانباً ولم يلتفت للجوانب الأخرى، لذلك
يمكن أن تتعرض مؤسسة الزواج بينهما إلى مشاكل، ويقول كل واحد منهما أنا لا أشعر
بسكن في الزواج، نعم لأنهما لم يُكملا مقومات السكن، فمقومات السكن مشتركة ومتعددة
وبالتالي لا بد من العمل معاً لهذا التعدد من أجل تحقيق السكن فيما بينهما.
﴿هُنَّ
لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾1.
هذه
الآية الكريمة تشبّه كلا الزوجين بالنسبة للآخر بأنه لباس، وهناك فوائد ثلاث يمكن
استفادتها:
1-
كلاهما حصن للآخر، فاللباس يحصّن من يلبسه، فيقيه من البرد في الشتاء، ويرد عنه
حرارة الشمس في الصيف. وكلٌ من الزوجين يقوم بمثل هذا الدور بالنسبة للآخر،
فالزوجة حصن للزوج وهو حصن لها، وهذا ما تؤكده الرواية عن رسول الله: "من
أحب أن يلقى اللَّه طاهراً مطهراً فليلقه بزوجة".
فبالزواج
يقي الإنسان نفسه عن الانزلاق وراء شهواته وغرائزه لأن الزواج يلبي حاجته الطبيعية
التي غرسها اللَّه تعالى فيه.
2-
كلاهما ستر للآخر، فاللباس يستر البدن ويواري سوءته، والزوجة تسد الثغرات الموجودة
عند الزوج على مستوى الغرائز المعنوية والنواقص المادية، وهو كذلك.
والغرائز
هي مواصفات مغروزة في الإنسان، لهذا سميت غرائز لأنها مغروزة فيه منذ فطرته،
كغريزة النوع (الإنسان يميل إلى نوعه) ومن مظاهرها العلاقة الجنسية، والحب بين
الإبن وأمه، وبين الأخ وأخيه، يعني الميل إلى النوع الإنساني حيث نلاحظ في المظاهر
اليومية الانعكاس الطبيعي للعلاقة مع الأخ، ومع الزوج، ومع الجار، والصاحب،
والزوجة، وهكذا. حيث نلاحظ ـ مثلاً ـ أن الإنسان وبشكل طبيعي بمجرد أن يكون ابناً
لفلان
تولد
عنده حس عاطفي لا يحتاج معه إلى عناءٍ وجهد، فلا نستغرب وجود هذه المحبة لأنَّها
مغروزة غرزاً، وهذا منسجم مع ما فطرنا الله سبحانه عليه، فإذاً غريزة النوع من
مظاهرها الحب، العلاقات البشرية، الجنس...، وهي تعبير عن الميل للطرف الآخر كائناً
من كان، بألوان وأشكال مختلفة.
أيضاً
عندنا غريزة حب البقاء التي تبرز من خلال الطمع والحرص على الحياة والتعلق بها،
والدفاع عن النفس، كلها مظاهر تدل أن الإنسان يحب البقاء ويتمسك به، لهذا يقاتل من
أجل أن يبقى.
إنها
أمور تكوينية مع خلقِ الإنسان، تتهذب بالتربية وبالإختيار، وتنحرف بعدم التربية
وبالإختيار.
إذا
لم يلبِّ الإنسان مطالب الغريزة بشكل سليم، تنحرف وتؤدي إلى أزمات نفسية واجتماعية
لكنها لا تقتل. فلو افترضنا شخصاً ليس لديه أب لا يموت، أو شخصاً ليس لديه ولد، أو
لم يتزوج، أو ما شابه ذلك، لا يموت، لأنها ليست حاجات عضوية. فمشكلة الغرائز مشكلة
الشقاء والسعادة، ونحن عندما نتحدث عن الزواج نتحدث عن مظهر من مظاهر الغريزة، أي
نتحدث عن أداء يمكن أن يؤدي إلى سعادة ويمكن أن يؤدي إلى شقاء.
3-
اللباس زينة لمن يلبسه، وبالتالي فالزوجة تعتبر زينة للزوج، والعكس صحيح، والزينة
تنشأ من تصرفاته وشخصيته في المجتمع التي ستؤثر بالتأكيد على الطرف الآخر وصورته
في المجتمع، وتنشأ كذلك من طريقة تقديمه للطرف الآخر وعلاقته معه في المجتمع.
﴿وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ
بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ
يَكْفُرُونَ﴾1.
إن
تكثير النسل المؤمن واستمرار الحياة هدف أساسي أيضاً، وقد ورد عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً لعل الله يرزقه
نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله".
· آثار العزوبة
إن
العزوبة -وهي العزوف عن الزواج، وبغض النظر عن الأسباب الداعية إليها- تعتبر من
المصائب الكبرى التي قد تؤدي بمجتمع مترابط إلى التفكك والانهيار، لأن العائلة هي
الحصن الأساسي للمجتمع، فإذا ضُرب هذا الحصن، فسيكون المجتمع كله في مهب الريح على
المستوى الاجتماعي، وهذه التجربة الغربية ماثلة بتفككها ومشاكلها الإجتماعية.
ومن
هنا فإن حكمة الباري وعلمه بمصالح العباد قضت بكراهية العزوبة، وأوجبت الزواج على
من يخاف على نفسه الوقوع في الحرام، ففي روايات كثيرة أن رسول اللَّه صلى الله
عليه وآله وسلم قد ذمَّ ترك الزواج فعنها: "شرار موتاكم
العُزَّاب"
وفي
رواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال -لرجل اسمه عكاف-: "ألك
زوجة؟ قال: لا يا رسول الله، قالا: ألك جارية؟ قال: لا يا رسول الله، قالا: أفأنت
موسر؟ قال: نعم، قالا: تزوج وإلا فأنت من المذنبين".
ومن
المناسب هنا أن نلتفت إلى ما قد يتصوره البعض من أن ترك الزواج هو مسألة حسنة،
ويهدف إلى إماتة الشهوة، وتهذيب النفس، فيتصور أن ترك الزواج من الطرق المؤدية إلى
الله تعالى.
إن
هذا التصور لا ينسجم مع سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت
عليهم السلام، فلقد كانوا يتزوجون كباقي الناس بل إن الرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم كان يحث الناس دائماً على الزواج، ويروى أنه منع بعض أصحابه ممن ترك
الناس رغبة في العبادة فقال له: "لا رهبانية في الإسلام".
ويروى
أنَّ امرأةً سألت أبا جعفرٍ الباقر عليه السلام فقالت: أصلحك الله إني متبتلة فقال
لها: وما التبتل عندك؟ قالت: لا أريد التزويج أبداً، قالد: ولم؟ قالت: ألتمس في
ذلك الفضل، فقال: "انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة أحق به
منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل".
· مبررات ترك الزواج
قد
يبرر بعض الشباب تركهم وتأخيرهم للزواج بأن الوضع الاقتصادي لا يسمح لهم بذلك،
وهذا ما نهت عنه الروايات ففي الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم: "من ترك التزويج مخافة العيلة، فقد ساء ظنه بالله عز وجل، إن الله عز
وجل يقول: ﴿إِنْ
يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهَِ﴾"1-2، فالله
تعالى هو وكيل المتزوج كما في هذه الآية الشريفة، وكذلك في الرواية عن الرسول
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "اتخذوا
الأهل فإنه أرزق لكم"
اختيار الشريك
يعتبر
اختيار شريك الحياة أمراً مفصلياً في حياة الرجل أو المرأة، لأن الزواج هو أهم
قفزة في النضوج الاجتماعي للإنسان، فهو مرحلة انتقالية من المراهقة وعدم
المسؤولية، إلى مرحلة الوعي وتحمل المسؤولية، ومن خلاله يتكامل الإنسان ويمضي في
دوره الذي رسمه الله تعالى له.
ولهذا
فإن اختيار الشريك يعني بالدرجة الأولى اختيار شخص من المفترض أنه سيرافق الإنسان
إلى آخر العمر، وسيؤتمن على الأسرار الشخصية والحياة الخاصة، وسيكون الأب أو الأم
للأولاد...
فلهذه
الأمور وغيرها اكتسبت مسألة اختيار الشريك الأهمية الكبرى وقد أضاء عليها الشرع
المقدس ناصحاً في آن، ومحذراً في آنٍ آخر، وواضعاً الخطوط العريضة لحسن الاختيار
في الرجل والمرأة؛ ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنما المرأة
قلادة فانظر ما تتقلد، وليس لامرأة خطر، لا لصالحتهن ولا لطالحتهن: وأما صالحتهن فليس خطرها
الذهب والفضة هي خير من الذهب والفضة، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير
منها".
وفي
الرواية عن داود الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: إن صاحبتي
هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج، فقال: "انظر أين تضع نفسك
ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك وأمانتك، فإن كنت لابد فاعلاً فبكراً تنسب
إلى الخير وإلى حسن الخلق.
كذلك
من جانب المرأة، حيث عليها أن تلتفت إلى صفات الرجل الذي يتقدم إليها، فعن رسول
االله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته
يخطب (إليكم) فزوجوه"
أسباب السعادة الزوجية في الإسلام
· عدم السماح للآخرين بالتدخل في الخلافات
الزوجية مهما كانت صلة القرابة. لأن ذلك سيزيد من حدة الخلافات ويعمل على توسيع
مجالها.
· المحافظة على الحب والشغف بين الزوجين وعدم
ترك الخلافات تزيد المسافات بينهم.
· الالتزام بالعهود وتقديم كل طرف ما يستطيع
فعله للطرف الآخر. فالحب عطاء لا يمكن أن يستمر إذا امتنع أحدهم عن العطاء. الصمت
والتغافل في بعض الأحيان يكون حل لمعالجة مشكلة معينة. فلا يجب الوقوف عند المشاكل
التافهة.
·
إحترام الأسرتين فالزواج ليست علاقة مقصرة على
طرفين فقط. وإنما يتعدى ذلك إلى أسرتين الزوجين في إظهار الاحترام والاهتمام لأسرة
الشريك من شأنه تقوية العلاقة وترك أثر إيجابي لكلا الطرفين.
من هي الزوجة المناسبة؟
إن
الحرص على اختيار الزوجة ناشىٌ من عدة اعتبارات أهمها:
أ -
أن الزوجة هي الأم المستقبلية، وإن للأم أثراً جليا في نقل الصفات حسنها أو قبيحها- إلى شخصية
الولد، فلا بدَّ للزوج أن يكون حريصاً على حسن الاختيار بين النساء ليختار الوعاء
الطاهر الذي يضع فيه نطفته التي ستصبح فيما بعد فرداً له دوره، ومكانته المهمَّة
في مجتمعه.
ب -
أن الزوجة هي السند المستقبلي للرجل، وبقدر ما تجعل حياته داخل الأسرة مستقرة
وسكناً -كما تعبر الآية الكريمة- بقدر ما يكون دوره فاعلاً ومؤثراً خارج الأسرة.
ومن
هنا فلا بدَّ للزوج من أن يلتفت إلى عدد من الصفات التي ينبغي أن تتوفر في زوجة
المستقبل ومن أهمها:
1-
ذات الدين:
فالصفة
الأولى التي لا بد للرجل من أن يلاحظها في شريكة مستقبله وحياته، هي التدين
والالتزام بالأحكام الشرعية، فقد وصفت الروايات المرأة التي ينبغي الزواج منها
بأنها (ذات الدين) ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من
تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها
إلا وكله الله إليه، فعليكم بذاتِ الدين".
2-
ذات التدبير:
ينبغي
للرجل أن يلتفت إلى صفات الزوجة وتدبيرها، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "خير نسائكم الطيبة الريح، الطيبة الطعام، التي إن أنفقت،
أنفقت بمعروف وإن أمسكت بمعروف، فتلك من عمال الله وعامل الله لا يخيب (ولا
يندم)"2، وقد نهت الرواية عن اختيار الحمقاء، فقد ورد عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "إياكم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضياع وولدها
ضياع".
3-
ذات المنبت الحسن:
والمقصود
بالمنبت الحسن أن تكون قد نشأت في عائلة وبيئة اجتماعية تتصف بالصفات الخلقية
الحسنة، وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم
وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت
السوء".
ينبغي
ملاحظة بيئتها الاجتماعية التي تعيش فيها، أين تربَت وأخذت تعاليمها؟ الأجواء التي
عاشتها، ما هي أفكارها وقناعاتها؟...، ما هي البيئة الاجتماعية التي تربّت فيها،
أو البيئة المدرسية التي تخرجت منها، أو بيئة القرية والحي والبلد الذي تعيش فيه،
فكلها عناصر مؤثرة في شخصية الإنسان.
ثم
إن عائلتها ستكون جزءً من عائلة الأولاد فيما بعد، وسيكونون من العناصر المؤثرة في
توجيه وتربية الأولاد، فضلاً عن تأثير الوراثة فيهم، ففي الرواية عن الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم: "تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه
إخوانهنَّ وأخواتهن".
4-
التي تميل إليها:
أي
التي تختارها، وتعجب بشخصيتها، لا التي يفرضها عليك أحد أو تعجب الآخرين ولا
تعجبك، لأنها في نهاية المطاف ستكون في منزلك وليس في منزل الآخرين، وفي الرواية أن
أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قال له: إني أردت أن أتزوج امرأة وإن أبوَي
أرادا غيرها، قال: "تزوج التي هويت ودع التي هوى أبواك".
مع
الالتفات إلى عدم جرح مشاعر الأهل بطريقة الرفض، فلا بد وأن تكون بطريقة لينةٍ
وسلسةٍ لا تسبِّبُ أذيةً لهما.
الصفة
الأرجح
هذه
الصفات بمجملها يلاحظها الرجل عندما يريد أن يقدم على الزواج، وكلها منطقية ومهمة،
ولكن الأرجح بينها كلها صفة الالتزام والتدين، فلا يرجح غير المتدينة على المتدينة
لجمالها مثلاً، بل التدين هو المرجّح الأساسي، فلو تخير المرء بين امرأة جميلة
ولكن غير ملتزمة، وامرأة عادية ملتزمة، فالإسلام يدعو في هذه الحالة إلى اختيار
المتديّنة، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا
يختار حسن وجه المرأة على حسن دينها".
وفي
رواية أخرى عنها: "تُنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى
دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين".
من تختارين من الرجال؟
كما
أرشد الشرع المقدس الرجل إلى الزوجة المناسبة، فإنه أرشد المرأة للرجل المناسب،
فحدد بعض الأمور الأساسية التي ينبغي أن تتوفر في شريك المستقبل، ومن هذه الصفات:
1-
الملتزم:
فعن
رسول االله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه
وأمانته يخطب (إليكم) فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
فتدين
الرجل من أول الشروط التي ينبغي النظر فيها من قبل المرأة، لأن التدين يحفظها على
كل حال، وهذا ما أشارت له الرواية، فقد روي أنه جاء رجل إلى الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهما السلام يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: "زوجها من رجل
تقي، فإنه إن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها".
وعندما
نتحدث عن التدين فمن البديهي أن لا يكون من أهل الخمر والسكر، فقد أكدت الكثير من
الروايات أن لا يزوج الرجل ابنته من شارب للخمر، كالرواية عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم: "من شرب الخمر بعدما حرمها الله فليس بأهلٍ أن
يزوج إذا خطب".
وعلى
المرأة أن تلتفت إلى خطورة هذا الزواج، لأن تعليق الآمال على شارب الخمر أمر لا
طائل منه، فقد حذرت الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام أشد التحذير: "إياك أن
تزوج شارب الخمر، فإن زوجته فكأنما قدت إلى الزنا"، والإمام
يلفت بهذا إلى آثار وتداعيات مثل هذا الزواج.
2-
حسن الخُلق:
إذا
فسرنا التديّن أنه الإيمان النظري الذي يُترجم في مظهر الإنسان من خلال القيام
بالعبادات وبعض التصرفات (الصلاة، الصوم، اللحية، الخ...)، فإن هذا لن يكون
كافياً، وعلينا أن نلتفت إلى أخلاقه التي تظهر من خلال عمله وسلوكه ويبرز في
العلاقات مع الناس وعند الاختبار، يجب ملاحظة التدين والأخلاق في آن معاً، لأن ذلك
يساعد على الاطمئنان إجمالاً إلى أن هذا الزواج يمكن أن يكون ناجحاً وموفقاً.
وفي
الرواية عن حسين البشار قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: إن لي ذا قرابة قد
خطب إلي وفي خلقه سوء؟ فقال: "لا تزوجه إن كان سيئ الخلق".
هل الفقر حجة لرفض الرجل؟
يجيب
الله تعالى عن هذا السؤال في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1.
والآية
إخبار من اللَّه تعالى الذي وسعت قدرته كل شيء وهو عالم بكل شيء، إنه عز وجل يمنَّ
بفضله وكرمه على أولئك الذين يقدمون عن الزواج، وبالتالي فالحالة المادية للرجل
قبل الزواج ليست هي الحالة النهائية، بل يتأمل أن يوفّق بعد الزواج، كما تفيد هذه
الآية الكريمة.
وفي
رواية عن الإمام الرضا عليه السلام: "إن خطب إليك رجل رضيت دينه
وخلقه فزوجه، ولا يمنعك فقره وفاقته، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ
اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ﴾2 وقال: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾".
تأثير الحب قبل الزواج
كثير من الناس يعتقدون أن الحب قبل الزواج له تأثير على الزواج وعلى نتائج الزواج، هذه نظرة خاطئة. لنعرف أولا ما هو الحب؟ الحب هو حالة استئناس تنشأ بين الطرفين لأسباب موجودة في ذهن كل طرف تجاه الآخر، هو أحبها لأنه أُعجب بالصفات الموجودة فيها، رأى منطقها بالكلام محبب، شكلها الجميل محبب، الخ....
وجد
فيها صفات فتعلق بها، هي كذلك وجدت فيه فارس أحلامها لصورة في ذهنها، عندما رأت
هذا الشخص انطبع في ذهنها مجموعة من الصور التي تستأنس بها، فتولدت حالة استئناس، هذه
الحالة يعبر عنها بالحب.
لكن
هذا النوع من الحب ليس ضماناً لنجاح الزواج، فنجد بعض الأحيان حباً عمره خمس
سنوات، ولكن الزواج يفشل، لماذا؟ لأنه عند الزواج وبعد هذا الاحتكاك، اكتشف في
الآخر خلاف الصورة التي اعتقدها في البداية. عرف أن تصوره المبدئي كان وهمياً
فانهار الحب ومعه الزواج. الخطأ في الحب سببه التوجه لناحية واحدة وينسى النواحي
الأخرى، فيصطدم بالنواحي الأخرى التي هي جزء لا يتجزأ من شخصية الطرف الآخر، عندها
تتولد الكراهية وردات الفعل السلبية.
بالمقابل
يحدث زواج من دون معرفة كل طرف بالآخر، فيتعرف على الصفات العامة التي أشرنا
إليها، يتحدّث معه في البداية فيتضح وجود استئناس إجمالي، فيحدث الزواج، والحب غير
موجود، بعد خمس سنوات نجد أن الحب كبر جداً بينهما، لماذا كبر مع أنه لم يكن
موجوداً؟ السبب الأساسي هو الاحتكاك الذي جعل كل طرف يكتشف معدن الطرف الآخر،
ويستأنس به، ويراه في صورة جميلة، وكلما تحسنت الصورة بنظر الآخر كلما ازداد الحب
مع الزمن، لذلك إذا قال شخص أحسسنا بعد عدة سنوات أننا نحب بعضنا أكثر من كل المدة
السابقة أثناء الزواج، فهذا طبيعي مع نمو المعرفة والاحتكاك والإعجاب.
فالحب
يتولد بشكل طبيعي، وليست الزوجية المبنية على حب مسبق هي التي تستمر، ولا الحياة
الزوجية المبنية على عدم وجود حب هي التي تستمر، الذي يستمر هو المبني على صفات
متعددة موجودة في الآخر تؤدي إلى انطباعات إيجابية في الذهن فتولد حالة عاطفية
وشعورية ايجابية.
نظام الأسرة والقوامية
أجواء
حاكمة على العلاقة العائلية
هناك
عناوين شرعية تحقق الأجواء العامة التي ينطلق من خلالها الزوجان ليواجها من خلالها
الحياة معاً، وهذه الأجواء هي الحاكمة على كل تصرفات الزوجين فيما بينهما، ويمكن
اختصارها بالعناوين التالية:
1-
المودة: يقول تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾1،
والمودة هي المحبة، والمحبة هي الميل النفسي الذي يشكل قاعدة أساسية للتفاهم
والانسجام هذه المودة التي ينبغي أن تُترجم وتظهر من خلال الأعمال أيضاً، كالمثال
الذي تذكره الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "إن
الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته".
2-
الرحمة: وهي الأمر الآخر الذي أشارت إليه الآية السابقة، فبعد المودة جاء دور
الرحمة، فلم يكتفِ تعالى بعلاقة المودة والمحبة بين الزوجين بل عطف عليها بالرحمة،
التي تظهر في الأعمال على شكل عطاء لا ينتظر مقابل، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلّم: "اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة فإن
خياركم، خياركم لأهله"
وكذلك تظهر الرحمة في تصرفات الزوجة، فقد ورد في الحديث: "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها".
3-
المعاشرة بالمعروف: إذا استحكمت المودة والرحمة في قلب الزوجين فلا بد أنها ستظهر
آثارها في المعاشرة والحياة اليومية، على شكل ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ﴾، فالذي يود ويرحم لا يمكن أن يقع منه الأذية ﴿وَلا
تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾2، هذه المعاشرة
بالمعروف التي تظهر في العديد من التصرفات التي تشير إليها الروايات، فمن طرف
المرأة ما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "... خير
نسائكم... الهينة اللينة المؤاتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل عينها بغمض حتى
يرضى وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملة من عمال الله، وعامل الله لا
يخيب".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال: إن لي زوجةً إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله ولك في كل يومٍ أجر سبعين شهيداً" ومن طرف الرجل، ما ورد في وصايا الإمام علي لابنه الإمام الحسن عليهما السلام: "لا يكن أهلك أشقى الخلق بك"1، بالإضافة إلى الآيات الكريمة التي أشرنا إليها.
4-
التعاون وسد الفراغ: وهو المستفاد من قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنََّّ﴾، وليس خطأً أن يعين الرجل زوجته ما
استطاع، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "لا
يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة".
5-
الصبر والحلم: إن قلة الصبر وضيق الصدر تستطيع أن تهدم بنيان العائلة من أساسه،
لأن الاحتكاك بين الزوجين يومي وقلة الصبر ستكون آثاره متسارعة إلى درجة لا يمكن
السيطرة عليها ويصعب معها الإصلاح، من هنا كانت وصية النبي الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلّم للمرأة بالصبر على زوجها: "من صبرت على سوء خلق زوجها
أعطاها مثل ثواب آسيا بنت مزاحم". وكذلك عن الإمام الباقر
عليه السلام: "إن الله عز وجل كتب على الرجال الجهاد وعلى النساء
الجهاد، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ودمه حتى يقتل في سبيل الله وجهاد المرأة أن
تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته".
وأوصى كذلك الرجل بالصبر على زوجته، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب على بلائه، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج".
6-
مراعاة إمكانات الزوج: قد تتأثر المرأة بنمط حياة بعض قريباتها أو جاراتها فترغب
بأن تكون حياتها كحياتهن، مما يجعلها تكثر من تطلبها من الزوج، فتظهر حينذاك
المشكلة. إن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام تعطي الدرس الذي ينبغي
الإقتداء به، حيث ورد عن أبي سعيد الخدري قال: "أصبح علي ابن أبي
طالب ذات يوم ساغباً، فقال: يا فاطمة هل عندك شى تغذينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي
بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين
إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين، فقال علي: يا فاطمة،
ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحيي من إلهي أن أكلف
نفسك ما لا تقدر عليه"2.
هذه
هي الأجواء السليمة التي أرشدنا إليها هذا الشرع المقدس وهي مطلوبة كأسلوب وطريقة
عامة ومنهجية حاكمة على تصرفات الزوجين.
نظام
العائلة
ولم
يكتفِ الإسلام بوضع هذه المنهجية السلوكية، بل قسّم أعمال الأسرة أيضاً وجعل لكلٍ
من الزوج والزوجة دوراً خاصاً يتناسب مع طبيعة كلٍ منهما، هذا الدور الذي يشكل
النظام الحاكم على الأسرة.
وقد
ورد أنه قد قسّم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم العمل بين علي والزهراء
عليهما السلام فجعل العمل داخل البيت على عهدة فاطمة عليها السلام وخارجه على عهدة
علي، فقالت: "فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلّم تحمّل رقاب الرجال" يقول العلامة
المجلسي في شرح ذلك: "تحمل رقاب الرجال أي تحمل أمور تحملها رقابهم
من حمل القرب والحطب...".
وعلى
أي حال فقد تحملت السيدة الزهراء عليها السلام أعباء البيت حتى قالت: "يا
رسول الله لقد مجلت يداي من الرحاء أطحن مرة وأعجن مرة".
وبيت
علي والزهراء عليهما السلام يشكل قدوة في نظامه للمؤمنين عموماً، لذلك نجد
الروايات التي تتحدث عن عمل المرأة داخل بيتها -وإن لم يكن ذلك واجباً إلزامياً
على المستوى الشرعي- فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "أيما
امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر الله
إليها ومن نظر الله إليه لم يعذبه".
وفي
رواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "أيما امرأة خدمت زوجها سبعة
أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب من النار وفتح لها ثمانية أبواب من الجنة تدخل من
أيها شاءت"
الرجال قوامون
يقول
الله تعالى في محكم آياته: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ﴾1. إن هذه الآية الكريمة، تعتبر الأساس الذي
يريده الله تعالى لتقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة في حياتهما الزوجية، حيث جعلت
الزوج قيِّما على الأسرة ، والقوَّام هو الذي يقوم بالأمر، وهي صيغة مبالغة لكثرة
القيام.
أسباب القوامية
تتحدث
الآية الشريفة عن سببين أساسيين لقواميَّة الرجل في الأسرة، وهذان السببان هما:
1-
التفضيل
يقول
تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض﴾ إن الله
تعالى فضّل بعضهم على بعض أي فضَّل الرجال على النساء فما المراد بالتفضيل في
الآية؟
وللإجابة
على هذا السؤال لا بد وأن نذكر أن للتفضيل معنيين:
الأول:
التفضيل التكويني: بمعنى أن التفضيل يكون له علاقة ببنية الجسد وملحقاته، أي أنه
أقوى جسدياً فيستطيع حماية الأسرة، والخوض في مجالات الحياة من أجل العمل والمشقة
لتحصيل قوت الأسرة، وأقوى من حيث تغليب العقل على العاطفة، حيث يصير أقدر على حسم
القرارات.
الثاني:
التفضيل التشريفي: والمراد منه، الفضل في الشرف والقرب من الله تعالى كما فضّل
الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل، وكما فضل المجاهدين على القاعدين أجراً
عظيماً.
ما
المراد من التفضيل في الآية؟
وليس
المراد من التفضيل في الآية الشريفة النوع الثاني منه، أي التشريفي، هذا الأمر غير
وارد، لذلك قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾. وكذلك تقييم
الأعمال في يوم القيامة مبنيٌّ على السلوك الفردي وليس مبنياً على جنس الشخص الذي
قام بالعمل يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وإنّما
المراد منه التفضيل التكويني، بمعنى أن الله تعالى وضع مقومات في الرجل تنسجم مع
كون الإدارة له، فيما لو قارناها بمقومات المرأة في حال اجتمعا مع بعضهما البعض،
لأنه لا بد من إدارة، ولا يمكن أن نتحدث عن أسرة من دون إدارة، وهي إما أن تكون
للرجل وإما أن تكون للمرأة، وإما أن تكون شراكة بينهما.
فلو
افترضنا أن تكون الإدارة للمرأة مع خصائص الرجل فهذا غير مناسب، لأن صفات الرجل هي
الأصلح للإدارة من حيث التفضيل التكويني.
ولو
افترضناها شراكة بينهما، فهذا لا إمكانية له لأنه لو افترضنا أنهما لم يتفقا، فلمن
تكون صلاحية حسم الأمور في هذه الحالة؟ لا بد من قرار، ولا بد أن يعرف كل من
الطرفين أن الحسم النهائي يعود لفلان أو لهذه الجهة، كي لا تبقى الأمور معلّقة،
الشراكة تعني التوافق والتعاون والتشاور، وأن يكون كل شيء مبنياً على الانسجام،
لكن لو افترضنا أن هذا الأمر اختل في مكان ما، فلا بد من قيادة وحسم للقرار، إذاً بمجموع
المعطيات لا بد من إدارة، وهذه الإدارة هي للرجل.
لماذا
لم يجعل الله المرأة كالرجل؟
يسأل
بعض الناس، إذا كان الله تعالى قد خلق الرجل بمؤهلات تجعله أقدر على الإدارة من
المرأة، والله تعالى قادر على كل شيء فلماذا لم يخلق في المرأة نفس المؤهلات التي
خلقها في الرجل؟
وفي
الإجابة على هذا السؤال نقول: أن هذا لا ينسجم مع إعمار الكون، ومع التمييز الذي
وضعه الله تعالى في الخلق حتى على مستوى الرجال أنفسهم والنساء أنفسهن ﴿لِيَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾1، حتى يكون هناك تسخير للقدرات
المتفاوتة ليعين كل منهم الآخر، ولتعمر الحياة الاجتماعية. فكما أن الحياة
الإجتماعية تحتاج إلى قوة جسدية في الرجل فإنها تحتاج إلى عاطفة قوية في المرأة
التي هي مصدر الغذاء المعنوي للطفل، حتى لو كانت قوة العاطفة تؤدي أحياناً إلى
غلبتها على العقل.
والأمر
لا يتعلق فقط بالحياة الزوجية، بل يتعلق بكل الخلق بجنسيه الرجل والمرأة.
2- الإنفاق
يقول
تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم﴾، هناك تلازم بين
المسؤولية والصلاحية، ولا يمكن تحميل شخص مسؤولية من دون أن نعطيه صلاحية.
وقد
توصل علم الإدارة الحديثة، إلى أنه يجب أن يكون هناك تكافؤٌ وتلازمٌ بين المسؤولية
والصلاحية، فلكي يستطيع المسؤول عن عمل معين أن يقوم به، لا بد أن يكون عنده
صلاحيات مناسبة يستطيع من خلالها إنجاح عمله. ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾،
ففي مقابل هذا البذل الذي نشأ عن جهدٍ وتعبٍ يضخه الرجل في داخل الأسرة، لا بد أن
تكون عنده صلاحية ليضع أمواله في الموضع الملائم من وجهة نظره، وليكون هناك تناسب
بين الجهد الذي بذله والنتائج التي يود الحصول عليها.
حقوق الزوجة
لقد
وضع الشرع المقدس حقوقاً لكل من الرجل والمرأة في علاقتهما الزوجية، وهذه الحقوق
لها العديد من الأهداف فهي تمنع الوقوع بالظلم والإجحاف من جهة، ومن جهة ثانية
تعتبر المرجعية عند الوقوع في الخلاف، مع ملاحظة أن الأساس في العلاقة بين الزوجين
هو التفاهم والتسامح.
· التفاوت بين الرجل والمرأة
يقول
تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، كلمة ﴿مِنْ أَنْفُسِكُم﴾ لإيضاح أن
مسألة الاثنينية غير موجودة، فلا توجد نظرة خاصة للرجل ونظرة خاصة للمرأة، إنما
نظرة لها علاقة بخلقهما، وهي نظرة مشتركة متساوية لكل منهما.
ولكن
هذا لا يعني عدم وجود فارق بين الرجل والمرأة، بل هناك تفاوت بينهما في
الاستعدادات الجسمية والنفسية، من دون أن يكون لهذا التفاوت ارتباط بالنقص أو
الكمال، فقد استهدف قانون التكوين بهذا التفاوت جعل تناسب أكبر بين الرجل والمرأة
اللذين خلقا لحياة مشتركة.
- أشكال التفاوت
إن
البحث عن وجود تفاوت بين الرجل والمرأة ليس جديداً، بل نجده في عمق التاريخ، ففي
حين يرفض أفلاطون وجود تفاوت كيفي بين الرجل والمرأة، يؤكد تلميذه أرسطو وجود هذا
التفاوت حيث يقول: تختلف نوعية استعدادات المرأة عن الرجل كما تتفاوت الوظائف
والمسؤوليات التي وضعها قانون التكوين على عاتق كلٍ منهما، وتختلف الحقوق التي
يستدعيها لكل منهما في موارد عدة.
وقد
رجح العلماء والفلاسفة الذين جاؤوا بعد أرسطو نظرياته على نظريات أفلاطون1.
وأما
اليوم وفي ظل التقدم العلمي أصبح التفاوت بين المرأة والرجل محدداً وواضحاً، وذلك
اعتماداً على الملاحظة والتجربة والإحصاء والدراسة الميدانية. ونذكر مجموع
الاختلافات القائمة التي وقعت بأيدينا مما أنجزه المحققون:
من
الزاوية الجسمية:
1-
الرجل بشكل عام ضخم البنية، والمرأة ليست كذلك.
2-
الرجل أخشن والمرأة ألطف، صوت الرجل أضخم وأكثر خشونة وصوت المرأة ألطف وأكثر
نعومة.
3-
المرأة أسرع نمواً من الرجل. إلا أن النمو العضلي للرجل أكبر من نمو المرأة العضلي
والبدني.
4-
المرأة أسرع إلى البلوغ الجنسي من الرجل كما أنها أسرع منه في العجز عن الإنجاب.
5-
البنت أسرع من الصبي إلى النطق.
6-
متوسط دماغ الرجل أكبر من متوسط دماغ المرأة، مع أخذ نسبة الدماغ إلى مجموع البدن
بعين الاعتبار.
7-
رئة الرجل تستوعب حجماً أكبر من الهواء.
8-
ضربات قلب المرأة أسرع من ضربات قلب الرجل.
- من الزاوية النفسية:
1-
يميل الرجل أكثر من المرأة إلى الألعاب الرياضية والصيد والأعمال الحركية.
2-
إحساسات الرجل معارضة وحربية وإحساسات المرأة سلمية، تحجم المرأة عن استخدام العنف
ضد الآخرين ومع نفسها ولذا تنخفض نسبة الانتحار بين النساء. والانتحار عند الرجال
أبشع حيث يتوسل هؤلاء بإطلاق النار والقذف بأنفسهم من شاهق، بينما تتوسل النساء
بالأقراص المنومة والمواد المخدرة.
3-
المرأة أكثر انفعالاً من الرجل، أي أنها تخضع تحت تأثير أحاسيسها بشكل أكبر من
الرجل.
4-
تميل المرأة بشدة إلى الجمال والزينة والأزياء المختلفة على عكس الرجل.
5-
المرأة أكثر حيطة من الرجل، وأكثر خوفاً.
6-
عواطف المرأة أمومية، ويظهر هذا الإحساس منذ مرحلة الطفولة، و للمرأة علاقة أكبر
بالأسرة وهي تلتفت بشكل غير شعوري لأهمية محيط الأسرة قبل الرجل.
7-
لا تصل المرأة بشكل عام حد الرجل في العلوم البرهانية والمسائل العقلية الجافة،
إلا أنها لا تقل عنه في مجال الأدب والفن وسائر المسائل المرتبطة بالذوق والعاطفة.
8-
الرجل أكبر قدرة على كتمان السر، وكتمان الأخبار المزعجة في داخله ولذا هو أسرع
للابتلاء بالمرض الناشىء جراء كتمان السر.
- من زاوية العواطف المتبادلة:
يبتغي
الرجل مصاحبة المرأة وأن يجعلها تحت تصرفه، والمرأة تريد امتلاك قلب الرجل
والسيطرة عليه عن طريق قلبه، فهو يريد التسلط عليها من فوق وهي تريد النفوذ إلى
داخل قلبه.
تريد
المرأة من الرجل الشجاعة والرجولة، وهو يريد منها الجمال والعاطفة.
- التناسب لا التساوي
على
ضوء ما تقدم من الفرق بين الرجل والمرأة، يتضح أن ما يناسب المرأة قد لا يكون
مناسباً للرجل والعكس صحيح، وبناء عليه فليس المطلوب أن نسري واقع المرأة إلى
الرجل أو واقع الرجل إلى المرأة بل المطلوب أن نعطي كلاً منهما ما يناسبه ويناسب
صفاته الجسمية والنفسية، فالمطلوب هو التناسب لا التساوي بينهما.
حقوق الزوجة
يلخص
الإمام زين العابدين عليه السلام حقوق الزوجة فيقول:
"وأما
حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً فتعلم أن ذلك نعمة من
الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإنَّ لها عليك أن
ترحمها".
وأما
تفصيل الحقوق الذي ذكرها العلماء للزوجة فهي:
1-
النفقة
والنفقة
تكون من خلال عدة أمور هي:
أ-
الطعام: والمقصود أن يكون بما هو المتعارف من الإطعام بلا تبذير ولا شح، بل يكون
الإطعام بما يتناسب مع العرف وبما هو لائق بأمثالها، يقول الإمام الخميني قدس
سره: "فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها، وفي جنسه يرجع
إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم الوليمة لزواجها وما تعودت به بحيث
تتضرر بتركه"2.
وحتى
بالنسبة إلى الفاكهة، فإن على الزوج أن يؤمن لها ما هو المتعارف وما يليق بشأنها
من فاكهة المواسم المختلفة يقول الإمام الخميني : "وأولى بذلك
المقدار اللازم من الفاكهة الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارة، بل
وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها"
إلا أن على الرجل أن لا يغفل على أن المقدار الذي ذكرناه إنما هو أدنى الواجب أما المستحب وما ندب إليه الشرع المقدس فهو أن يسبغ على العيال ففي الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله".
ب-
اللباس: وكذلك عليه أن يؤمن لها الملبس المناسب بشأنها، وبما هو المتعارف، وكذا
عليه أن يؤمن لها الملبس المناسب للشتاء وللصيف، يقول الإمام الخميني قدس
سره: "وكذلك الحال في الكسوة، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها
وبلد سكناها والفصول التي تحتاج إليها شتاء وصيفا".
ج-
السكن: عليه أن يؤمن لها مسكناً مناسباً بحالها، فيه المنتفعات الأساسية، وليس لها
أن تشترط أن يكون مملوكاً بل عليه أن يؤمن السكن فقط ولو بالإجارة.
ويمكن
للزوجة أن تطالب بالتفرد أي أن تكون منفردة بالسكن، أي لا يدخل معها في البيت
سواها، يقول الإمام الخميني: "وتستحق في الإسكان أن يسكنها داراً تليق بها
بحسب عادة أمثالها، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها، ولها أن تطالبه بالتفرد
بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها، من دار أو حجرة منفردة المرافق، إما
بعارية أو إجارة أو ملك...".
وأما الفرش في البيت فبالشروط السابقة، أي أن يكون مناسباً لحالها وشأنها، "وأما الإخدام فإنما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الإخدام، وإلا خدمت نفسها، وإذا وجبت الخدمة فإن كانت من ذوات الحشمة بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص لا بد من اختصاصها به، ولو بلغت حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدد الخادم فلا يبعد وجوبه... والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات، وكذا في الآلات والأدوات المحتاج إليها، فهي أيضا تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن فيها".
من
خلال ما تقدم من الحديث عن النفقة نستنتج بعض الأمور:
1-
ليس للمرأة التي ليس من شأنها أن يكون لها خادمة أن تطالب زوجها بخادمة، حتى لو
كانت في حاجة إليها، إلا أنه من الأخلاقيات إذا كان قادراً أن يؤمِّن لها خادمةً.
2-
ليس للزوجة أن تطالب زوجها بشراء الألبسة التي لا تليق بشأنها، من الأنواع الغالية
والثمينة وكذا المجوهرات وغير ذلك.
3-
إن ما تطلبه الزوجة من زوجها كتملك شقةٍ، لا موجب له شرعاً بالنسبة للزوج بل إن
الإجارة أو الاستعارة هي الواجب عليه ولا شيء آخر.
2-
الوصال
المواقعة
هي الحق الثاني من حقوق الزوجة، فإنه يجب على الزوج أن يواقع زوجته مرة في الأربعة
أشهر، نعم يستحب له أن يقضي حاجتها، بل الأحوط وجوب ذلك إذا كانت في معرض المعصية
لو لم يواقعها2.
وينبغي
أن يتهيأ الرجل لزوجته، كما ورد عن
الإمام الكاظم عليه السلام، حيث يروي الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن اختضب،
فقلت: جعلت فداك اختضبت؟ فقال: نعم، إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك
النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة، ثم قال: "أيسرك أن تراها على ما
تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهو ذاك".
وعن
الإمام الصادق عليه السلام: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه
وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها،
واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها".
كما
أن المكوث في البيت مع العيال من الأمور التي دعا لها الرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم ففي الرواية عنه: "جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله
تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا".
حقوق الزوج
هناك
مجموعة من الحقوق التي أعطاها الله تعالى للرجل، ليؤدي دوره من خلالها، هذه الحقوق
التي أكد الشرع المقدس على ضرورة مراعاتها والالتزام بها، حتى ورد في الرواية عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "أعظم الناس حقاً على المرأة
زوجها، وأعظم الناس حقاً على الرجل أمّه".
ما
هي حقوق الزوج؟
سنتطرق
لكل حق من هذه الحقوق بشيء من التفصيل.
1-
حق الاستمتاع
إن
للزوج الحق في الاستمتاع بالزوجة، ويجب على المرأة أن تلبي رغبة الرجل في ممارسة
حقه الطبيعي والشرعي، ما لم يكن هناك مانع شرعي كما لو كانت في أيام عادتها
الشهرية، أو أيام نفاسها، فإنه يحرم على المرأة والرجل ممارسة العملية الجنسية
الكاملة في هذه
وكثيرا
ما نسمع عن زوجة يغيب عنها زوجها بسبب العمل لفترات، وعندما يعود لا يبقى ليجلس
معها فترات كافية بالنسبة إليها لتشعر بوجوده وتعوض عن فترة غيابه، بل يبادر إلى
السهرات الطويلة بعيداً عنها، ويخرج إلى النزهات لوحده كمن لا مسؤولية عليه.
الأيام،
أما سائر الاستمتاعات دون العملية الكاملة فهو جائز.
وفي
الرواية أنه جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقالت: "يا
رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: "أن تطيعه ولا تعصيه. ولا تتصدق
من بيتها بشيء إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على
ظهر قتب". والمقصود بالقتب: رحلٌ صغيرٌ على قدر السنام أي يوضع على الجمل،
والتعبير بهذا كناية عن شدة الوجوب في أن تكون الزوجة تحت رغبة زوجها ولو في أحلك
الظروف.
خلاصة
الأمر: أن على المرأة أن تكون في استعدادٍ تام لتلبية رغبات الزوج الجنسية بحيث
توفر له الحصانة التي يسعى إليها من هذه الناحية.
التجمل
له:
والمراد
من التجمل أن يراها في صورة تسره دائماً وتجذبه إليها من خلال لبس الأثواب التي
يحبها ووضع العطور التي يستأنس بها وغير ذلك من الأمور التي تدرك الزوجة أنها
تحسنها في عيني زوجها، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
"لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن: صيانة
نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته
ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلةٍ تكون منها، وإظهارُ العشقِ لهُ بالخَلابة،
والهيئةِ الحسنةِ لها في عينه".
من
المشاكل المتعلقة بحق الاستمتاع:
على
الزوج أن يلتفت إلى أمر مهم آخر، وهو أن تحقيق الرغبة والوصول إلى الرضا حالة
الإشباع الجنسي ليس حكراً عليه، بل إن الزوجة أيضا يحق لها أن تصل إلى ما وصل إليه، لأن
وصول أحدهما إلى غايته دون الآخر قد يتسبب بعديد من المشاكل.
وعلى
كل من الزوج والزوجة أن يسعى بطريقته لحل هذه الأزمة، فلو كانت الزوجة هي التي لا
تصل إلى حالة الإشباع كما هو الغالب، وسبب ذلك الخجل في العلاقة مع الزوج، فتكتفي
بسبب هذا الخجل في أن يأخذ الرجل حاجته منها، حتى ولو كانت قد أقحمت نفسها في هذه
العلاقة من دون أن تكون محققة لكامل رغبتها.
وهذا
خطأ ينعكس نفسياً على المرأة، وينعكس على أدائها العملي، ويزيد في شعورها بأنها
مظلومة معه، وأنه يحصل على مبتغاه، ولا تحصل هي على شيء في المقابل.
إذا
كيف نعالج هذه المسألة؟
إن
العلاقة الناجحة ليست العلاقة التي تتجاوب فيها المرأة فقط، إنما العلاقة الناجحة
هي التي يتجاوب فيها الرجل أيضاً مع المرأة، فكما تتجاوب معه فيما يطلبه ليصل إلى
رغبته، يجب أن يتجاوب معها فيما تطلبه لتصل إلى رغبتها، وقد ورد في الرواية عن
أمير المؤمنين عليه السلام :"إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا يعجلها،
فإن للنساء حوائج".
2-
حق إعطاء الإذن في الخروج من المنزل
الحق
الثاني من حقوق الزوج ، هو حق إعطاء الإذن للمرأة فيما لو أرادت الخروج من البيت،
فلا يجوز للزوجة أن تخرج إلا بإذن زوجها.
وحق
الإذن بالخروج حق ثابت للرجل لا يقبل اشتراط عدمه في العقد عقد الزواج، فلو اشترطت
المرأة على الرجل في العقد، أن لا يكون من حقه أن يمنعها من الخروج من المنزل،
سقط الشرط، وصح العقد.
وقد
ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "... ولا
تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض
وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها".
إن
حق إعطاء الإذن في الخروج من المنزل هو نقطة مركزية في صلاحيات الرجل، وعدم الخروج
من المنزل له علاقة بالموضوع الإداري كما أن له علاقة بتنظيم حالة الأسرة.
يمكن
لبعض النساء أن يسألن: ألا يشكل هذا ظلماً للمرأة والعياذ بالله؟
وللجواب
على هذا: أنه إذا فهمنا أن هذا الحق جزء من الدائرة الإدارية للرجل، فهو أمر طبيعي
وعادل، حينما يكون الرجل قد تربى تربيةً يخشى معها الله تعالى، ويلتفت إلى إنسانية
الطرف الآخر، ويكون في إدارته واعياً، بحيث لا يصبح الخروج عقبة من قبله في إعطاء
الإذن، ولا من قبلها في تكراره بطريقة تضيع طبيعة الحياة الزوجية.
فالصلاحيات
المعطاة إسلامياً للزوج هي بالواقع ضابطةٌ تقول للزوجة: ادرسي وضعك جيداً، فلا
يجوز أن تبقي خارج البيت دون استئذان، فالرجل لا يرتاح عندما يجد أن زوجته خارج
البيت معظم الوقت، وأن تستهتر بوجودها في البيت، فهذا خلاف مواصفات الحياة الأسرية
السليمة، وبناءً عليه فإن على المرأة:
أولاً:
أن تحتاط باختيار أوقات الخروج من المنزل بحيث لا تتنافى مع رغبات الزوج أو تتنافى
مع الواجبات الأسرية الأخرى.
ثانياً:
أن تأخذ الزوجة بعين الاعتبار أنه ليس لها حق شرعي بالخروج من المنزل إلاَّ بإذن،
ما يشكل عندها نوعاً من الرضا، وطالما أنه حقٌّ شرعيٌّ تتقبل الأمر تسليماً
للأحكام الإلهية.
ينبغي
للزوج من الناحية الأخلاقية والإنسانية مراعاة رغباتها وخصوصياتها، فلا يكون
أنانياً ومتشدداً، إلى درجة الإضرار بمشاعرها، بل عليه أن يعطيها حريةً معقولة
ويتمتع بشيء من المرونة الحكيمة في هذا المجال.
فالمشكلة
ليس من الضابطة والتنظيم الإداري، المشكلة في السلوك والأداء والممارسة، وهذا الذي
يحتاج مراجعة ومتابعة، وهو الذي يسبب مشكلة للمرأة في بعض الحالات.
3-
حق حسم الأمور الإدارية في الأسرة
الحق
الثالث من حقوق الرجل التي يمكن فهمها كنتيجة غير مباشرة لوجوب الإنفاق المنوط
بالزوج هو حق حسم الأمور التي تتعلق بالإدارة المالية للمنزل.
فعندما
قلنا إن الإنفاق في داخل الأسرة من واجب الرجل، فمن الطبيعي أن لا ينفق الرجل إلا
على ما يقنعه ويراه صالحاً.
إن
حسم الأمور في داخل الأسرة بالحقيقة له علاقة مركزية بالإنفاق وهذا مثاله في
المسألة المالية، وقد ينسحب إلى المسائل الأخرى كالتربوية أو غيرها لو كانت على
ارتباط بمسألة
الإنفاق، فلو اختلف الزوجان في الشؤون التربوية، كأن أراد الزوج أن يجعل الولد في
مدرسة معينة، والزوجة ترى أن يكونَ في مدرسة أخرى، فالحسم بالنهاية للزوج، لأنه هو
الذي سيدفع في كلتا المدرستين، فقد حمله الإسلام مسؤولية تربية الأولاد والإنفاق
عليهم.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "... ولا تعطي شيئاً إلا بإذنه، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر...".
حدود
وجوب الطاعة
خارج
هذه الدائرة دائرة الإنفاق من الزوج، وحق الاستمتاع، ليس للزوج حق الطاعة، كما لو
طلب منها أن ترتكب محرماً فإنه لا يجوز لها أن تطيعه في الأمر.
للرجل
حق القرار بالأمور المشتركة التي تحتاج إلى قرار، أما التصرفات الشخصية كتصرفها في
أموالها الخاصة، أو أن تعبِّر بطريقة معينة أو تعمل عملاً معيناً، أو تمتنع عن
امتلاك غرضٍ خاص، لا علاقة له بحق الاستمتاع، أو حق الخروج من المنزل، فهذه الأمور
من شؤونها الخاصة التي لا حق له في الإلزام فيها.
يقول
الإمام الخميني قدس سره في هذا الأمر: "لا يتحقق النشوز بترك طاعته
فيما ليست بواجبة عليها، فلو امتنعت عن خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلق
بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو غير ذلك، حتى سقي الماء وتمهيد الفراش،
لم يتحقق النشوز"، لأن خدمة المنزل وتوابعها ليست واجبةً
عليها.
المشاكل الزوجية
تؤثر
النزاعات بشكلٍ عام على حالة المودة والإلفة التي تسود الأسرة، وباستمرارها تقلب
الأجواء الأُسريَّة الحميميَّة إلى أجواء الضغينة وإلى العداوة في بعض الأحيان.
هذا
على صعيد الزوجين، أما على صعيد الأطفال فإن الآثار تتخذ أشكالاً تهدد تربيتهم
وتنشئتهم في الطريق المستقيم، فالنزاع يسمم جو الأسرة، كما وأن دخان المعارك لا بد
وأن يحرق عيونهم إن لم نقل بأنه سيخنقهم ويقضي على مستقبلهم.
لكن
ينبغي أن لا يقتصر نظرنا إلى الأمر من الجهة السلبية فقط ، فإن في وجود بعض
المشاكل جهة إيجابية أيضاً، حيث من خلال بروزها، وإصلاحها، يصل الطرفان إلى
تفاهماتٍ يمكنُ أن تكون أرضيَّةً لراحةٍ طويلة الأمد.
آثار الزواج الفاشل
كما
أن للزواج الناجح آثاره الإيجابية، فإن للزواج الفاشل آثاره السلبية، وقد تكون في
بعض الأحيان خطيرة ومدمرة، ومن آثار الزواج الفاشل:
1-
الطلاق:
إن
مسألة الطلاق هي من أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجية، والطلاق
من الأمور المكروهة في الشرع المقدس ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما
من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة".
وعن
الإمام علي عليه السلام: "تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه
العرش"2.
وللطلاق
مفاسد كثيرة ومنها تضييع الأولاد، فإن الولد في حاجة دائمة إلى حنان الأم ولا يمكن
لأي امرأة أخرى أن تحلَّ محلَّ الأم في تربية الأطفال، وبحاجة كذلك لظل الأب الذي
لا يمكن لأحد أن يعوضه بسهولة، هذا فضلا عن الآثار النفسية التي تطال روح الطفل
مما يشاهده من بُعْدِ أمه وأبيه والشعور بعدم الطمأنينة التي تبعثها في نفسه
الأجواء الهادئة في الأسرة المستقرة.
2-
العنف الأسري:
وحالات
العنف الأسري هذه من المشاكل التي تهدد مستقبل المجتمع، نظراً لما تحمله من الخطورة المتمثلة
في نشوء جيل عنيف متوتر يتوصل إلى إثبات مآربه بالعنف والصدام.
إن
الإسلام لم يجز العنف في الأسرة، وفي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم: "إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها".
وعن الإمام علي عليه السلام فيما أوصى ابنه الحسن عليه السلام: "لا
يكن أهلُك أشقى الخلق بك".
3-
المشاكل الاجتماعية:
وهي
تنشأ من عدم الاستقرار النفسي لكلا الزوجين بحيث يعيشان في دوامة من التوتر
النفسي، والذي يعبر عنه بالغضب من الوضع القائم، أو الغضب من الطرف الآخر، وهذا ما
يسبب لهما المتاعب من خلال الاصطدام مع الآخرين، ومن المشاكل التي تنبثق عن حالة
عدم الاستقرار انعدام الفاعلية في العمل والحياة، وهذا ما يفتح الباب على مشاكل
أخرى.
ولا
بد من الإشارة هنا إلى سلبية حالة الغضب، وآثاره التدميرية ففي الحديث عن الإمام
علي عليه السلام: "الغضب شر إن أطعته دمر".
وفي
رواية أخرى عنه عليه السلام: "سبب العطب طاعة الغضب".
ما
هي أسباب الخلاف؟
هناك
أسباب كثيرة لوقوع النزاعات بين الأزواج، ولكن يمكن أن نجمعها في أربعة عناوين
رئيسيَّة:
1-
عدم الالتزام بالشرع المقدس: لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجية
وجعلها على أفضل وجه بشكل يؤمن الحياة الزوجية السعيدة والموفقة، وعندما يتخلى
الإنسان عن هذه الحدود الشرعية ويتجاوزها فإنه سيهدد الحياة الزوجية برمتها، من
هنا كان لا بد من التعرف على الحقوق الزوجية وآداب العلاقة مع الزوج حتى تحصّل
الحصانة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدع.
2-
الأخطاء: إن سوء التقدير الناشى عن الجهل بالطرف المقابل وخصوصياته وما يحب ويكره،
أو عدم القدرة على الانسجام رغم المعرفة بالميول والخصوصيات، قد يتسبب أيضاً
بالتشنج والوقوع بالأخطاء، فيشكل خطراً على الحياة الزوجية، لذلك فإن معرفة الطرف
الآخر قد يساعد على تفهم التصرفات والمسلكية بشكل يساعد على الانسجام.
3-
عدم الواقعية: إن التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل من المشاكل
التي تعترض الأزواج، فإذا كان الشاب والفتاة يعيشان في عالم من الأحلام الوردية
ويتصوران بأن المستقبل سيكون جنّة وارفة الظلال كما في القصص والروايات، ولكن وبعد
أن يلجا دنياهما الجديدة، فيبحثان عن تلك الجنّة الموعودة فلا يعثرا عليها، فيلقي
كل منهما اللوم على الآخر محمّلاً إياه مسؤولية ذلك ، ويبدأ بذلك فصل النزاع
المرير الذي يُفقد الحياة طعمها ومعناها، فكلٌ يتهم الآخر بالخداع، وكل منهما يلقي
بالتبعة على شريكه، في حين أن بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن
تحقق على أرض الواقع.
4-
رتابة الحياة: من الأمور التي تساعد على الخلاف رتابة الحياة، والتي تحدث بعد فترة
طويلة من البرنامج اليومي المتكرر، مما يُشعِرُ الزوجين بالملل، فيتفرغان لانتقاد
بعضهما، وتظهر الخلافات، ولهذا ينبغي على الزوجين التجدد لبعضهما والظهور بصورة
لافتة للنظر، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف، ومنه التجدد والتجمل من خلالِ اللباسِ
والمظهرِ وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا غنى
بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها
ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في
عينها، وتوسعته عليها".
وفي
رواية أخرى عنه عليه السلام: "... وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة
الحسنة لها في عينه".
كيف نتوقى فشل الزواج؟
إنّ
من أهم الأمور التي تجعل الرجل والمرأة يتفاديا الفشل في العلاقة الزوجية:
أ-
حسن الاختيار، قبل الزواج من الشريك للآخر، واعتماد المعايير التي ذكرناها في ذلك.
ج-
أداء الحقوق الإلهية المتوجبة على كلا الزوجين للآخر.
د-
تحصين العلاقة من التدخلات الخارجية، ومن التأثر السلبي بالمحيط.
فبمراعاة
هذه الأمور يمكن الحفاظ على العلاقة الزوجية وجعلها سكنا ومستراحا ومحلا لتكامل
الرجل والمرأة على حد سواء.
مشاكل زوجية: النشوز
ما
هو النشوز؟
النشوز
هو عدم قيام الزوج أو الزوجة بالحقوق التي أوجبتها الشريعة عليهما، كعدم تمكين
الزوجة من نفسها لزوجها، أو عدم تهيئة نفسها بالشكل اللازم بحيث لا ينفر منها
الزوج، من التنظف وغيره، يقول الإمام الخميني قدس سره: "وهو أي النشوز في
الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها من عدم تمكين نفسها وعدم إزالة
المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ بها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج
لها، وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك".
وأما
نشوز الرجل، فيتحقق بامتناعه عن أداء حقوق الزوجة من النفقة، أو تركه المبيت
الواجب عندها، أو ترك معاشرتها بالمقدار الواجب يقول الإمام الخميني: "كما
يكون النشوز من قبل الزوجة، يكون من طرف الزوج أيضا بتعديه عليها، وعدم القيام
بحقوقها الواجبة
كيف
يعالج النشوز؟
إن
طبيعة النشوز تختلف بين الرجل والمرأة وبالتالي فإن علاجه سيكون مختلفاً بينهما،
فكيف يكون العلاج؟
علاج
نشوز الرجل
يقول
الله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ
إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ
وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
إن
أفضل حل يمكن لأي زوجين أن يقوما به بالدرجة الأولى في مواجهة أي سوء تفاهم
بينهما، هو النقاش الهادئ الخالي من أي عصبية، أو غضب أو انفعال، والذي ينطلق من
خلال الأسس الأخلاقية للحوار، أي بدون أي ترفّع من أحد الطرفين على الآخر، واعتبار
الحق مضموناً سلفاً لأي منهما.
إن
النقاش الهادى يساعد على التفاهم ويمنع المشكلة من التفاقم بداية، ثم يقدم الحل
المناسب لرفع المشكلة وانتهاء النشوز، وهذا الأسلوب في حل المشاكل بين الزوجين هو
الأجدى والأنفع.
وإذا لم يستطع الزوجان حلها بالشكل الصحيح للوصول إلى التفاهم واستمرار الحياة الزوجية بالشكل الصحيح، يأتي هنا دور العوامل الخارجية الصالحة المساعدة لحل المشاكل العالقة، يقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا صْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾، ولم تحدد الآية شخصية خاصة كالأب أو العم أو غيرهما... ولعل ذلك لبقاء الباب مفتوحاً أمام اختيار الأحكم والأصلح القادر على معرفة طبيعة المشكلة ووضع حلٍّ لها مع قدرته على التأثير على صاحب العلاقة، الزوج إن كان من أهله والزوجة إن كان من أهلها.
فالعائلة
يريدها الله تعالى عاملاً إيجابياً يساعد على إصلاح الحياة الزوجية، لا عاملاً
سلبياً يزيد في تعقيد المشكلة. يقول الإمام الخميني قدس سره في تحرير الوسيلة:
"لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما وانجر أمرهما إلى
الحاكم بعث حكمين، حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للاصطلاح ورفع الشقاق بما
رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما
هو السبب والعلة لحصول ذلك بينهما ثم يسعيان في أمرهما، فكلما استقر عليه رأيهما
وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغا، كما لو شرطا على
الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن
معها أمه أو أخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها ضرتها في دار واحدة ونحو ذلك،
أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل، أو ترد عليه ما قبضته قرضا ونحو
ذلك، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرط عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أو
نفقة أ و رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك"
وعلى
أي حال فالحكم في النهاية يكون ملزِماً من قبل الحاكم الشرعي إذا لم يتوصل الزوجان
للاتفاق فيما بينهما، فيُلزم الزوج بتأدية حقوق الزوجة.
علاج
نشوز المرأة
قال
تعالى: ﴿وَاللاَتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾.
على
الرجل أولاً أن يتعامل بالإيجابية، لا يقسو على زوجته، وإن لم تحل الأمور بهدوء
والتفاهم حينئذٍ يلجأ الرجل لاستعمال المراحل التي ذكرها الله تعالى في الآية
الشريفة، وهذه المراحل هي:
المرحلة
الأولى: ﴿فَعِظُوهُن﴾ أن يعظها الزوج لتليين قلبها وإيصالها إلى
التفاهم بالانتباه إلى خطر ترك الحقوق وما يسببه من الأذية له، وأن ترك المرأة
لحقوق الزوج يعتبر معصية لله تعالى، فالوعظ كما تقدم هو أَولى العلاجات لأي خلاف
بين الزوجين.
المرحلة
الثانية: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع﴾ يعني في الفراش، بأن
يدير الزوج ظهره لزوجته تعبيراً منه عن عدم الرضا بهذا التصرف المنافي لحقه.
فإذا
كانت المرأة متدينة وتعرف أنه: "أيُّما امرأةٍ باتت وزوجها عليها
ساخطٌ في حقٍ، لم تُقبل منها صلاةٌ، حتى يرضى عنها"، فستعيش
أزمة نفسية كبيرة وتريد عندها إيجاد حل لمنع هذا الإجراء، لأنه إجراء كبير وخطير
وغير سهل.
ومن
المهم التنبيه هنا إلى عدم الإرتباط بين المظلومية وحق الإستمتاع، فحتى مع إحساس
الزوجة بالظلم في أمرٍ ما من قبل زوجها فهذا لا يبرر منعه من حق الإستمتاع الثابت
له شرعاً. فعند عدم التمكين لا يكون رداً للظلم بل ظلمٌ جديدٌ تقوم به المرأة
اتجاه الرجل، فلا ينبغي ربط الأمور ببعضها في هذا المجال.
المرحلة
الثالثة: ﴿وَاضْرِبُوهُن﴾: وليس المقصود من الضرب الأذية، بل له شروطه
الشرعية، بحيث لا يؤدي إلى خدش ولا إلى ازرقاق واحمرار، وقد ورد عن الإمام الباقر
عليه السلام في شرح الضرب: "هو بالسواك"، والسواك هو العود الصغير الذي
تدلّك به الأسنان.
فما
هي الحكمة الإلهية التي يريدها الله تعالى عندما سمح للرجل في حال نشوز المرأة، أن
يصل في تقريع المرأة إلى مستوى أن يمد يده عليها وإن كانت بشروط صعبة؟
لو
لم يشرع الله تعالى هذه المرحلة الثالثة فإن الزوج سيصل إلى طريق مسدود، لا يعرف
نهايته وردة فعله، وسيشعر انه أهين وأنها أذلته، وفقد طريقة الحل، فسوف يستخدم
جسده، سيتصرف بعصبية.
فقد
أباح الشارع استخدام الضرب ولكن بشروط، حتى يمنع الرجل من استخدام قدرته بشكل
مطلق، أو حتى لا يفتح له المجال لحلول أخرى لاعتقاده أن الإسلام لم يقل له عنها
وهو يستطيع استخدامها.
فعندما
لا يكون عند الزوج ضوابط شرعية، فبإذن وبغير إذن سيستخدم جسده وقوته، وإذا كان
عنده ضوابط شرعية، سوف ينتبه إلى هذا التدرج وينضبط.
ولهذا
التدرج في المراحل انعكاس على المرأة أيضاً، لأنها عندما تعرف أن الأمر وصل إلى المرحلة
الثالثة فهذا يعني أنه وصل إلى الذروة، وهذا تنبيه من العيار الثقيل لتجد حلاً.
وهذا
التدرج له علاقة أيضاً بحماية الأسرة، لأنه عندما يحصل موعظة، ولاحقاً هجرٌ في
المضجع، وبعده ضرب بقيود، ومن ثم تحل المشكلة، فذلك يعني أننا حمينا الحياة
الأسرية من التطرف المؤدي إلى الانهيار لاحقاً.
إمساك
بمعروف أو تسريح بإحسان
على
الزوج أن يختار الحفاظ على الحياة الزوجية، ولكن بأجواء سليمة وصحيحة فيمسك زوجته
بالمعروف ويعاملها بالحسنى، وأما إن وصلت الأمور إلى طريق مسدود وقرر الطلاق فليكن
ذلك بالمعروف أيضاً يقول تعالى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
ولا
يجوز له إمساكها للإضرار بها، والتعامل معها بقسوة لتتنازل عن مهرها له أو ليكون
نوعاً من أنواع التشفي... يقول تعالى ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...﴾.
وفي
الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإن الله ورسوله
بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه"
الغيرة
إن
الإيمان والأخلاق عند الرجل والمرأة، هما شرطان أساسيان للزواج المستقر والسعيد،
فطاعة التعاليم الإلهية والعمل بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي دلَّ عليها
الإسلام، ويدرك الإنسان الكثير منها من خلال العقل والفطرة النقية، هذا الالتزام
بالتكاليف يشيد بناء الزواج على الأساس الصحيح، وأي زواج يبنى على هذه القواعد
المتينة لا بد وأن يستمر بشكل طبيعي ولا تؤثر فيه المشكلات الصغيرة.
الغيرة
واحدة من المفردات التي يمكن أن تسبب مشاكل في الحياة الزوجية إذا خرجت عن حدها
المقبول والطبيعي، وتحولت من صحة إلى مرض.
والمقصود
من الغيرة، غيرة الرجل على المرأة، وغيرة المرأة على الرجل، فما هو المشروع من
الغيرة، وما هو غير المشروع؟
وما
هو الحد الذي يمكن للشرع أن يقبله؟
وما
هي سبل علاج الغيرة المذمومة، بحيث لا تسبب جروحاً عميقة في النفوس، مما يؤثر على
استمرار العلاقة الزوجية؟
غيرة
الرجل
والغيرة "هي
إحدى الأخلاق الحميدة والملكات الفاضلة وهى تغَيُّرُ الإنسان عن حاله المعتاد
ونزوعه إلى الدفاع والانتقام عند تعدي الغير إلى بعض ما يحترمه لنفسه من دين أو
عرض أو جاه ويعتقد كرامته عليه، وهذه الصفة الغريزية لا يخلو عنها في الجملة إنسان
أي إنسان فرض، فهي من فطريات الإنسان، والإسلام دين مبني على الفطرة تؤخذ فيه
الأمور التي تقضي بها فطرة الإنسان فتعدل بقصرها فيما هو صلاح الإنسان في حياته
ويحذف عنها ما لا حاجة إليه فيها من وجوه الخلل والفساد".
ولقد
حثَّتِ الكثير من الروايات الشريفة على التحلي بصفة الغيرة، ففي الرواية عن رسول
الله صلى عليه وآله وسلم: "إني لغيور، والله عز وجل أغير مني، وإن
الله تعالى يحب من عباده الغيور".
آفة
غيرة الرجل
الغيرة كما اتضح هي صفة شريفة، ودليل صحة وعافية، ولكن إذا وضعت في غير محلها أو خرجت عن حدودها وطورها انقلبت إلى مرض، وقد تتسبب بالمشاكل إذا وصلت إلى حد شعرت الزوجة معها بعدم الثقة بها، فهنا ترفض المرأة هذا الواقع، وتطالب الرجل بإخراجها من السجن الذي قد جعلها فيه بسبب شكوكه. وفي الرواية عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم: "من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يكره الله، فأما ما يحب فالغيرة في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير الريبة".
وتشير بعض الروايات إلى أن هذه الغيرة في غير محلها قد توصل المرأة إلى الانحراف! فقد حذرت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السَقَم، ولكنْ أحكِمْ أمرهنَّ، فإن رأيت عيباً فعجلِ النكيرَ على الكبيرِ والصغيرِ".
غيرة
المرأة
إن
الغيرة بمعناها السلبي من الأمراض التي يمكن أن تبتلى بها المرأة، فتندفع من
خلالها للقيام بخطوات سلبية تزعج الزوج وتوتر أجواء العائلة، وعندما تتحدث
الروايات عن الغيرة عند المرأة تقصد الجانب السلبي منها الذي له آثاره السلبية
والمدمرة، لا الحالة الإيجابية، لذلك نجد في الرواية أن رجلاً ذكر للإمام الصادقد
امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: "أغرتها؟
قال: لا، قال: فأغرها، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله عليه السلام: إني قد
أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول".
1-
الأسباب: تختلف الأسباب النفسية عند المرأة للغيرة، فيمكن أن يكون منشؤها إيجابياً، كما
أشارت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث سأله أحدهم: "المرأة
تغار على الرجل تؤذيه؟ قال: ذلك من الحب"1، وهذا النوع
من الغيرة لا بد أن تكون نتائجه غير ضارة، لأن الحب ينتج المراعاة والمصلحة ولا
يوصل الأمور إلى المشاكل. ويمكن أن يكون منشأ الغيرة سلبياً كما أشارت الرواية عن
الإمام الباقر عليه السلام: "غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل
الكفر، إن النساء إذا غرن غضبن، وإذا غضبن كفرن إلا المسلمات منهن"2،
فعندما تنطلق الغيرة من شعور بالنقص والحسد للآخرين، فمثل هذا سيكون مدمراً وله
نتائج سلبية بالتأكيد، وهو الذي يوصل للغضب ومخالفة الضوابط الإسلامية.
2-
النتائج: كثيراً ما تكون نتائج الغيرة سلبية ومدمرة، فالتي تغار تفقد -غالباً-
تعقلها، ويصبح الحاكم على تصرفاتها الغضب والتوتر، وتفقد الواقعية في تقييم
الأمور، والعقلانية في التصرف، وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم: "إن الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله"3،
وعندما يفقد الإنسان بصيرته سيكون عرضة لكل أنواع المشاكل والسلبيات.
عمل
المرأة
إن
عمل المرأة من الأمور المطروحة ضمن دائرة الاستفهام، فما هو موقف الإسلام منه،
وأين يقع ضمن الأولويات بالنسبة للمرأة؟
والعمل
يتسبب أحياناً بالمشاكل التي تبتلى بها بعض الزيجات، وتعكر الحياة الأسرية، وكذلك
مشكلة الأزواج من الرجال الذي يقتضي عملهم بقاءهم خارج البيوت لأيام أو أسابيع أو
أشهر .كيف تواجه المرأة الحياة في ظل غياب زوجها المتكرر عن المنزل لفترات طويلة؟
نشاطات
المرأة خارج البيت
لا
شك أن للمرأة دورها الاجتماعي العام الذي ينبغي أن تقوم به، يقول تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، هذا الدور الذي قد يتسع ليصبح
بحجم الأمة كلها أو يضيق ليكون ضمن إطار معين بحسب قابليات المرأة والأولويات
الحاكمة على حياتها إضافة إلى ظروف المجتمع.
ولا
شك أيضاً أن للمرأة دورها الأساسي داخل الأسرة لجهة تأمين الاحتياجات المعنوية من
تربية وتوجيه لأبنائها... وأما الاحتياجات المادية من خلال العمل خارج البيت
لتأمين لقمة العيش، فهذا النوع من الأعمال هو الذي يدور حوله الكلام عادة عند
الحديث عن عمل المرأة، فما هو الموقف منه؟
إن
الإسلام لم يحمّل المرأة مسؤولية تأمين لقمة العيش بالنسبة للعائلة، بل أوجب ذلك
على الرجل، وهذا الأسلوب يشكل الوضع السليم للعائلة السعيدة التي يتولى كل فرد
فيها مسؤوليته الخاصة التي تتناسب مع شخصيته وطبيعته ليتكامل مع الفرد الآخر في سد
الفراغات وتأمين الاحتياجات
بجميع جوانبها المادية والمعنوية، داخل البيت وخارجه.
ولكن
رغم ذلك لم يحرّم الإسلام عمل المرأة خارج البيت إذا كان ضمن الضوابط الشرعية
الصحيحة، بل ربما يصبح هذا العمل راجحاً في بعض الحالات، نذكر منها:
1- وجود حاجة مادية: إن طلب الحلال عبادة كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعون جزءً أفضلها طلب الحلال". فلو كانت المرأة محتاجة مادياً هي أو من تعيلهم- لو فرض وجود من تعيله- فلا شك أن عملها حينئذٍ سيكون مطلوباً وراجحاً، وهو خير من أن تصاب بالفقر وتبذل ماء وجهها لطلب المعونة من الناس.
2-
وجود فراغ: لقد رفض الإسلام الفراغ والكسل، وورد في الرواية عن الإمام موسى الكاظم
عليه السلام: "إن الله جل وعز يبغض العبد النوّام الفارغ"،
فلو فرض أن امرأة كان لديها الكثير من أوقات الفراغ بحيث أنها لو لم تنشغل بالعمل
ستكون مصداقاً للعبد النوّام الفارغ، في مثل هذه الحالة يصبح العمل راجحاً لها.
3-
أهمية خاصة للعمل: قد يكون العمل الذي تتولاه المرأة له طابع مهم جداً على المستوى
الشرعي، كمؤسسات الترويج للدين وإصلاح المجتمع والعمل الاجتماعي، أو كمسألة التخصص
في الطب النسائي... فقد تنشغل المرأة بمثل هذه الأعمال المهمة لخدمة الدين
والمجتمع وتأخذ أموالاً- كالراتب- مقابل هذا العمل لتعيش عزيزة كريمة، فمثل هذه
الأعمال وإن كانت تؤمّن لقمة العيش ولكن هدفها الأساسي هو الخدمة للدين والمجتمع،
وتبقى راجحة بنفسها.
ترتيب
الأولويات
إن
الأولوية التي ينبغي أن تحتل الحيز الأبرز من اهتمامات المرأة، هي أولية العمل
الأسروي، والمقصود بالأولوية هو بذل الجهد والقيام بكل ما من شأنه أن يحقق السعادة
في داخل الأسرة.
بعد
ذلك تنطلق المرأة إلى مجتمعها وتقوم بدورها وواجبها في التثقيف والتعبئة والأنشطة
والأعمال المناسبة، لكن إذا كان الخراب موجود في بيتها وكانت المشاكل كثيرة فيه،
فهذا يعني أنها ستخرج إلى المجتمع متوترة وغير فعالة، وستنقل أزماتها بشكل أو بآخر
إليه- حتى ولو أدعت أنها ضابطة لنفسها وقادرة على لجم انفعالاتها- لكن بالتدقيق
العملي ستتصرف بهذا الشكل، إذاً أمامنا مسألتان:
1-
الضابطة الإسلامية التي تعطي الأولوية للاهتمام بالحياة الزوجية أولاً.
2-
الانعكاسات العملية التي ستؤدي في الواقع إلى مزيد من السلبيات عند عدم رعاية
متطلبات الأسرة.
إن
من أكبر الأخطاء أن نتصور أن خراب الأسرة أمر سهل، فلو خربت الأسرة على حساب العمل
الإسلامي فهذا غير مؤثر، لأن الأمر معكوس تماماً، فالأسرة الهادئة المستقرة هي
ركيزة المجتمع، أما صلاح المجتمع وحسن سير العمل، فلا يؤدي بالضرورة إلى إيجاد
أسرة مستقرة، ونحن لا نريد أن نعمر المجتمع على حساب تدمير الأسرة، بل يستحيل
إعمار المجتمع مع تدمير الأسرة، إنما هناك تلازم بين الإعمارين، فلنعمِّر أسرتنا
أولاً، ثم بعد ذلك نعمِّر مجتمعنا، وهذا الأمر ينسجم مع التوجيه الإسلامي العام
الذي ركز على دور المرأة، فأعفاها من الإنفاق كي لا تنشغل بالأمور المادية،
وأعفاها من مسؤولية الإدارة المباشرة في داخل الأسرة كجزء من العمل التنظيمي فيها، لتبقى
مرتاحة من الأعباء الكثيرة فتتمكن من القيام بما عليها من واجبات داخل أسرتها، ولهذا
تكون الانطلاقة من الأسرة، من المنزل بشقه الأساس، الذي له علاقة بالزوجية،
وبتفريعاتها التي تشمل الأولاد، ونجاح الوضع الزوجي.
وصية
للمرأة العاملة
بما
أنه لا مانع من عمل المرأة خارج المنزل، مع مراعاة المرأة لأولوية الأسرة والزوج
وحاجاته، فلا بد من تلتفت المرأة العاملة إلى أمر في غاية الأهمية يتعلق بأخلاقيات
التعاطي في قضية الإنفاق.
قد
تشتبه المرأة فتقع في مشكلة المنّ على الزوج فتقول: أنا أنفق عليك وعلى أولادك...
سيما إذا كان معاشها أفضل من معاشه، أو كان يمر بظروف لا يقدر على الإنتاج المناسب
لحال أسرته فيها، فإن هذا القول والعمل مما حذرت منه الروايات الشريفة، ففي
الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أن جميع ما
في الأرض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوما من
الأيام، تقول: من أنت؟ إنما المال مالي حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس إلا أن
تتوب وترجع وتعتذر إلى زوجها".
وفي
رواية أخرى عن سلمان المحمدي أنه سمع رسول الله صلى عليه وآله وسلم يقول: "أيُّما
امرأةٍ منَّت على زوجها بمالها، فتقول: إنَّما تأكل أنت من مالي، لو أنَّها تصدقتْ
بذلك المال في سبيل الله لا يقبلُ الله منها، إلا أن يرضى عنها زوجها"
أيتها
الزوجة العاملة التي تساعدين زوجك في ظروف الحياة العصيبة، فليكن عملك خالصاً لله
تعالى، لا تجعلي الشيطان يستغل بذلك للمال في إقناعك بأنك الأفضل ولك الفضل على
زوجك، فلتكن خديجة الكبرى نموذجك الأمثل في هذا الإطار، فهي قد بذلت كل ثروتها على
الرسالة المحمدية، ولم تمن على الرسولا يوماً بدرهمٍ أو دينار.
يروي
ابن عباس في تفسير هذه الآية ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾1 "يعني
وجدك فقيرا فأغناك بمال خديجة، كان لخديجة مالٌ كثيرٌ وحسنٌ وجمال، ومن جملة مالها
من أواني الذهب مئة طشت، ومن الفضة مثلها ومئة إبريق من ذهب، ومن العبيد والجواري
مئة وستون، ومن البقر والغنم والإبل والحلي والحلل وغيرها ما شاء الله وقيل: كان
لها ثمانون ألف من الإبل بل كانت تؤجر وتكري من بلد إلى بلد فبذلت تلك الأموال
والجواري والعبيد لرسول الله صلى عليه وآله وسلم حتى بقيت تنام هي ورسول الله صلى
عليه وآله وسلم في كساء واحد لم يكن لها غيرها".
نصائح الزواج السعيد في الإسلام
·
الاختيار
على أسس الدين والخلق : إن الدين والخلق من أهم الأسس التي يقوم عليها الزواج.
فيجب أن يكون الاختيار بناءًأ عليهم. فالدين إذا توافر سوف ينعكس على أخلاق كلًا
من الطرفين. مما يعود على أبنائهم بالخير وبالتالي يعود على المجتمع كله.
·
بالشخصيات
التي تربت على الدين الحقيقي الوسطي لا يصدر منها ظلم لشريك الحياة. وبالتالي لن
تفتعل المشاكل كما سيتوفر الرضا والقناعة. وبالتالي تستقر العلاقة الزوجية ويشعر
كل طرف بالسعادة مما يحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي.
يقول
الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ
صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment