علاج الاكتئاب في الإسلام |
لكن في هذا المقال سوف نتحدث حول كيفية علاج الاكتئاب في الإسلام وهو شق روحاني يساعد من لديه اضطراب نفسي في خلق طاقة إيجابية تساعده علي تخطي الاكتئاب..
تعريف الاكتئاب
الاكتئاب النفسي بمعناه العلمي الصحيح هو مرض
بيولوجي ونفسي واجتماعي، يعني أن أسبابه بيولوجية عضوية، وقد أُثبت ذلك وبما لا
يدع مجالاً للشك، فمثلاً على سبيل المثال اتضح أنه توجد مواد في داخل الدماغ تحدث
عدم توازن في إفرازها، وهذه قد تؤدي إلى الاكتئاب النفسي.
كذلك الجوانب السلوكية النفسية أيضًا مهمة في أن تكون عاملاً في
الاكتئاب النفسي من حيث السببية أو حيث الاستمرارية أو من حيث منع الاستجابة
العلاجية، فبعض الناس لديهم هشاشة في شخصياتهم، لديهم ضعف في أبعاد شخصياتهم،
لديهم قابلية أكثر للاكتئاب، وهنالك أيضًا من تعرضوا لتجارب مهينة ومذلة وفيها
الكثير من الامتهان في طفولتهم، هذا أيضًا قد تؤدي للاكتئاب، وهكذا.
الاكتئاب مرض من أمراض العصر المنتشرة ، وهو
انعزال المريض عن محيطه ، وفقدان الاتصال بمن حوله ، ويؤدي به إلى اليأس ، وقد
ينتج عنه التفكير بالتخلص من الحياة ظناً انها الحل الأخير وسبيل للراحة ،وأهم
الأسباب النفسية لهذا المرض الشعور باليأس ، وعدم القدرة على تحمل ضغوطات الحياة .
الاكتئاب من الأمراض المعاصرة التي يُعاني منها الكثير من الناس،
حيث سجّلته الدراسات الحديثة كأخطر مرضٍ في هذا الوَقت من عُمر الأرض، ويُصاب في
هذا المرض عالمياً شخصٌ من كلّ خمسة أشخاصٍ، ويشيع هذا المرض بين فئة النساء بشكلٍ
خاصٍ، ويؤدي الاكتئاب إلى عدّة أمورٍ؛ منها: إهمال النفس، أو إيذاءها، فقد يصل
الإيذاء في أشَد حالاته إلى الانتحار، ويتصل الاكتئاب بالماضي، أو بأسبابٍ غير
ظاهرةٍ؛ كارتباط الإنسان بِموقفٍ أو شخصٍ ما من الماضي مع عدم التمكّن من النسيان،
وعدم القدرة على مباشرة الحياة من جديدٍ، وينحصر المصاب بالاكتئاب في الهموم
والتفكير السلبي، ويصبح المريض غير قادرٍ على النظر إلى الحياة بأملٍ وتفاؤلٍ، فقد
يصل به الحال إلى أن يرى نفسه أكبر أعدائه، وكثيراً ما يشعر الإنسان بالخمول
والكسل، وعدم المُبادرة إلى مُساعدة الآخرين، كما أنّ للاكتئاب عدّة أسبابٍ، من
أبرزها: فَقْد شخصٍ عزيزٍ، والإصابة بصدمةٍ بعد ذلك، أو شُعور الشخص بالنقص
والاختلاف عن أقرانه، أو شُعوره بالخذلان، وعدم قبول واقعه نتيجة مُقارنة نفسه
بالآخرين، وفي هذه الحالات لا بدّ للمريض من إعانة نفسه على الشفاء.
لذلك لا نشك أن هناك بعض التغييرات الفيسيولوجية في بعض حالات
المرضي بالاكتئاب لها سبب مرضي وتأثيرات كيميائية على العمليات الحيوية في الجسد
وتحتاج إلى دواء وعقاقير تخفف من وطأتها وتساهم في علاجها, لكننا ههنا نتحدث عن
أصل سبب الاكتئاب النفسي الذي قد يصيب المرء, وقد يشمل معنى الاكتئاب الذي نتحدث
عنه في المقال معاني الحزن والهم والضيق وغيرها من المعاني المسببة للآلام النفسية
الداخلية. وقد أصاب الاكتئاب والملل من الحياة كثيراً من الغربيين, وكيف لا
يكتئبون وقد عاشوا واختاروا أن يعيشوا حياة نفعية خالصة، أكل ونوم وأحلام مؤقتة،
وقد ينتهي عند الكثير منهم على اختلاف أعمارهم وصول الاكتئاب عندهم إلى أعالي
درجاته حتى ربما ألقوا بأنفسهم في دائرة الانتحار، وذلك أيضاَ أمر طبيعي ليس فيه
أي عجب بالنسبة لهم، فلا دين رادع ولا عقيدة ثابتة ولا أصول يعودون إليها. ورغم كل
ما يتمتعون به من نعم الخالق التي تحوطهم ليلاَ ونهار، فعلي العكس ينسبون كل نعمة
تعود إليهم إلى ذاتهم على حد قولهم: "ذلك نتيجة عملهم وجهدهم، صاروا متنعمين".
كل هذا تعريفات مختلفة ومتنوعة قد تجد جزء
منها بداخلك أو تعاني منها لذلك فالاكتئاب به جزء بيولوجي وجزء روحاني أو ديني
أيضاً والدليل علي وجود الشق الفسيولوجي أن بعض الإخوة الكرام المتدينين
الذين نحسبهم -إن شاء الله تعالى– من الصالحين، وتأتيهم هذه الحالات الاكتئابية،
وأول ما نسعى إليه دائمًا هو أن نحاول أن نرفع الحرج عنهم والشعور بالذنب، الكثير
حين يأتيه الاكتئاب يرى أن ذلك تقصير منهم أو ضعف في إيمانه وهذا ليس صحيحًا.
إذن لا أحد يستطيع أن ينكر الجانب البيولوجي في الاكتئاب،
والاكتئاب يصيب جميع الناس، أبيضهم وأسودهم، غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم
وأنثاهم، مؤمنهم وكافرهم، لكن بالنسبة للشخص المسلم القوي في إيمانه والذي يسعى
دائمًا لأن يكون في معية الله تعالى وتحت رحمته، هذا قطعًا له القدرة لمقاومة
الاكتئاب النفسي أكثر من غيره، والشخص حين يتوجه إلى الله تعالى ويتميز بالصبر على
الأذى وتقبل الابتلاء، هذا أيضًا يساعده، لكن لا نقول أن ذلك يمنع الاكتئاب النفسي
على الإطلاق، هذا ليس صحيحًا.
علاج الاكتئاب في الإسلام
قبل الحديث عن ذلك علينا أن
نؤكد أن الاكتئاب يُصيب جميع الناس، وحقيقة يجب ألا نتهم
أنفسنا بما هو غير صحيح، فمن يأتيه الاكتئاب يجب أن يقدم نفسه للعلاج، ولا شك أن
قوة الدين والتدين تساعد -إن شاء الله تعالى– في الشفاء، لأن إرادة التحسن نفسها
مقرونة بالتوكل، فالذي يُصاب بهذا المرض إن كان له درجة من الإيمان والتوكل والأخذ
بالأسباب لا شك أن فرصته في الشفاء وفي العلاج تكون أكبر -بإذن الله تعالى.
لذلك فإن الإسلام العظيم قد عالج هذا الأمر من
بدايته ، فلا مكان للاكتئاب في حياة المسلم ، فحياته كلها لله مليئة بالطاعة ،
والذكر ، والأمل برحمة الله ، فالمؤمن يعلم أن حاله كله خير ، إذا أصابه خير شكر
الله ، وإذا أصابه شر صبر ، فالمؤمن يعالج الضغوطات النفسية بسلاحي الصبر والشكر،
ولا يوجد في الدنيا داء عضال لا دواء له ، ولا شفاء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم (
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ
عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»، وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ
دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ دَوَاءً، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وهذا ينطبق على الأدواء العضوية ، والنفسية ، ويشمل الأدواء
الفردية ، والاجتماعية .
والمؤمن أمره كله له خير، حتى همومه وغمومه إن
احتسبها، فتصير له خير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباَ لأمر المؤمن إن
أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراَ له، وإن
أصابته ضراء صبر فكان خيراً له». ليس ذلك فقط، بل أعطى لنا ديننا العظيم مفتاح
الخلاص من هذه المحن من طرائق اللجوء إليه ودعائه بأدعية وأذكار لها دورها الكبير
بجانب الشعور بمعية الله تعالى والثقة بأن لا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه.
فإبراهيم عليه السلام كان معلقاً بين السماء والأرض، وعالماً ألا مفر من وقوعه في
النار، لكنه في هذه اللحظة رفع بصره إلى السماء مردداَ: "حسبي الله ونعم
الوكيل"، فكانت معية الله تعالى له بأمر النار أن تكون برداً وسلاماً على
إبراهيم!! ويونس لما التقمه الحوت، فناجى في الظلمات ربه: {لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين}، فكانت معية الله تعالى له وكشف عنه السوء. أما هاجر المحبة
لربها إذ أحسنت الظن به سبحانه حيث تركها زوجها إبراهيم في صحراء خاوية جدباء بلا
زرع ولا ماء، وأيقنت أن ذلك أمر الله تعالى لزوجها فقالت وبين يديها وليدها
الرضيع: "إذن لن يضيعنا الله". فمن قصد الله في محنته بقلب خالص فلن
يخذله ربه أبداَ، فاللجوء والتوكل على الله تعالى والعودة إليه كافٍ بأن يُخرج
العبد من أزمته ومن كربه وهمه. والمؤمن في خاطره فكرة يعيش عليها، وهدف يسعى نحوه،
تتعلق بإصلاح الحياة، وتقويم الناس، وبث الخير والهدى، فيسعى إليها، فيستغل الفراغ
الذي عنده فلا يستطيع أن يطرق الشيطان بابه، فلا يجد أي خيط لدخول الملل والاكتئاب
لديه، ويبدل ذلك الفراغ بما يرضي الله تعالى ويحتسب كل عمل يقوم به لله.
وفي
أحيان كثيرة يصيب الاكتئاب الإنسان ضعيف النفس، لكن المسلم ليس بضعيف لأن إيمانه
جعله من أقوى الأقوياء وبزيادة الإيمان يزيد ارتباط العبد بربه، وعندها تجد في
قلبه القوة التي يستطيع أن يتغلب بها على كل الصعاب، لذلك إذا شعر العبد بالاكتئاب
ليس عليه إلا أن يعود إلى ربه وأن يقوي إيمانه ويراجع حساباته. ويبحث عن كل ما
باعد بينه وبين ربه، ويطرق الباب بالدعاء والمناجاة وصلاة الليل والخلوة به سبحانه
فسوف يجد في قلبه الراحة التي يبحث عنها بعد الضيق والسعادة بعد الحزن، بل قد يجد
من ذلك حلول الأمور المعقدة ففي الحديث عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
«لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لا ينزل، وإن البلاء لينزل
فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة». وكيف يحزن المسلم أو يكتئب وهو يعلم أن
كل ما يصيبه من هم أو غم حتى الشوكة له عليها أجر!! فعن النبي صلي الله عليه وسلم
قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا حزن ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا
كفر الله تعالى بها خطاياه». هكذا يجب أن يعيش المؤمن بتلك النفحات الربانية
فتخرجه من دائرة الأحزان والاكتئاب، فتغير أحواله، إذ بالإسلام يعرف العبد ربه
بأسمائه العليا وصدّق بها، فاستشعر رحمة ربه وعلمه وقيميته وكشفه الضر وإجابة
دعوته إذا هو دعاه. على جانب آخر: على المسلم أن يعلم أنه قد لا يدرك المرء كل
أمانيه، بل قد يحقق بعض أمانيه التي بات يحلم بها، لكنه عليه بالرضا، لأن قدر الله
تعالى حال بينه وبين تحقيقها، ذلك الرضا الذي يجعل القليل عنده كثيراً، بل يشبع
الإنسان ويحجم نظره تجاه ما عند الغير، فيسعد قلبه دائماَ ولا يجد للاكتئاب ولا
الأحزان باباً للدخول إليه. أيضاَ علمنا إسلامنا أنه لا يصح لمسلم أن يحمل في قلبه
لأخيه ضيقاً أو خصاماً، ولابد أن يدخل قلبه في دائرة العفو والتسامح لمن ظلمه، فإن
ترويض القلب على العفو باب لإعادة السعادة إليه، فكيف يكتئب وهو محب لكل الطيبين؟!
أيضاَ: الحسنة تلو الحسنة تضع في القلب نوراً يستوجب له السعادة، والسيئة تلو
السيئة تجعل في القلب راناً يورث له الظلمة والوحشة وحمل الهموم، لكن إذا مسه
الحزن عليه ألا يقنط من رحمة الله تعالى، وليس عليه إلا باب التوبة الخالصة
الصادقة كي تخلصه مما هو فيه، حينئذ يقبله ربه ويبدل ضيقه بالفرج وعسره باليسر،
فكيف يكتئب العبد وأمامه كل هذه الأبواب؟! وقد يكون من أسباب اكتئاب العبد دَينٌ
أثقل عاتقه، فالعلاج هنا في السنة النبوية، أولاً أن عليه عقد النية الخالصة لله
على السداد، ثم الدعاء! وقد أوصانا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم بكلمات
صالحات: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك
من الجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» (أخرجه البخاري). ثم
بعد ذلك الأخذ بالأسباب في وضع خطة لسداد ذلك الدين، وعليه أن يعلم أن الذي سيعينه
في سداد دينه هو الله تعالى، كما في الحديث الشريف: «ثلاثة حق على الله عونهم،
المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف»،
فلماذا يكتئب العبد بعد ذلك؟! إن لقاء الله تعالى قادم لا مفر، فلا داعي لأن يضيع
المرء أيام حياته في الاكتئاب! إذ يكون من آثاره حرمان العبد أيضاَ كثيراً من
العبادات، فهذا اليوم الذي يمر على العبد لن يعود مرة ثانية، فلنترك الأحزان
والهموم بقوة إرادة للخلاص من قيود ذلك الاكتئاب، وننظر لأيامنا بمرآة الأمل
الصالح، والخير المأمول فيما عند الله تعالى.
علاج الرسول للاكتئاب
خلق الله -عزّ وجلّ- الإنسان، وجعل سُنتهُ في الأرض
التغيير، فلا يدوم الحُزن ولا الفرح، فالإنسان دائم التقلّب بين هذه الأحوال، فلا
يسلم الإنسان من المرض، والحُزن، والأكدار، ولذلك فقد أرشد النبي -صلّى اللهُ
عليهِ وسلّم- إلى العديد من الأساليب العملية لمواجهة الاكتئاب، وفيما يأتي بيان
بعضها:[٢] الدعاء، حيث يعتبر من أقوى الأساليب التي تُساعد الإنسان على تجاوز
الصعوبات، فالله -عزّ وجلّ- يُحبّ العبد الذي يُقبل عليه بالدعاء والسؤال، وهو
سبحانه أكرم من أعطى، وأجّلُ من سُئل، حيث يُقسم الدعاء إلى قسمين، وقائيٌ، وعلاجيٌ،
أما الوقائي فهو كدعاء النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- عندما دخل المسجد، ووجد أبا أمامه
في المسجد في غير وقت الصلاة، فسألهُ عن السبب، فأجابه قائلاً: إنّها الهُموم
والديون، فعلّمه أن يدعو الله بقول: (قُلْ إذا أصبحتَ وإذا أمسيْتَ اللَّهمَّ
إنِّي أعوذُ بك من الهمِّ والحزنِ وأعوذُ بك من العجزِ والكسلِ وأعوذُ بك من
البخلِ والجبنِ وأعوذُ بك من غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرِّجالِ)،[٣] والدعاء
العلاجي؛ كالدعاء بسيد الاستغفار، بقول: (اللهم أنت رَبي لا إله إلا أنت خَلَقتني
وأنا عَبدُك وأنا على عَهدِك ووَعدك ما استطعت، أعوذُ بكَ مِن شَر ما صَنعت أبوء
لَكَ بِنِعمتكَ عليّ، وأبوءُ بذنبي فاغفر لي فإنهُ لا يَغفِرُ الذُنوب إلّا أنت).
استشعار نِعْم الله عزّ وجلّ، حيث قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ
سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)،[٤] فلو تأمّل الإنسان بعظيم
نِعم الله عليه، من هواءٍ، وماءٍ، وصحةٍ، وغذاءٍ؛ لتناثرت هُمومه، وانفرطت كما
تنفرط حبات العِقد. استغلال الوقت الحاضر؛ فمن أكثر ما يُكدّر على الإنسان التفكير
بالماضي الذي انقضى، أو خوفه من المستقبل الذي لم يأتِ، وغفلته عن يومه الذي
يعيشه، فيجب على العبد أن يستغلّ يومه بالعمل والاجتهاد؛ كي ينعم بالراحة والسكون
النفسي. الإخلاص؛ فإخلاص العمل لله -عزّ وجلّ- يعدّ من أكثر ما يُعين على السعادة،
فلا يطلب من غيره الثناء والشُكر. الصبر؛ فمن سنن الله -عزّ وجلّ- على عباده
البلاء في الحياة الدنيا، حيث قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ
الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)،[٥] فالحكيم مَن يُحسن عند البلاء ويَصمد ويصبر، ولا
يَستسلم للأوهام والوساوس؛ حتى يكون من الصابرين الذين بشّرهم الله -عزّ وجلّ-
بالجنة في أكثر من موضعٍ من القرآن الكريم، فمن أجمل العطايا هي التي تأتي مع
الصبر. الإكثار من الأعمال الصالحة، فهس من أكثر العوامل التي تساعد على إزالة
الهم والحزن، ومن الأعمال الصالحة: قراءة القرآن، والإكثار من الاستغفار، والصدقة
التي تُدخل السرور على نفس المحتاج، وتُشعر المتصدّق بجمال العطاء. المسارعة إلى
التوبة، وعدم اليأس عند تكرّر الوقوع في الخطأ؛ لأنّ ارتكاب الذنوب طبيعةٌ بشريةٌ،
والعبرة بما بعد الذنب من التوبة والاستغفار، فالله -عزّ وجلّ- يقبل التائبين،
ويشرح صدورهم. استشعار العبد المؤمن أن ما يُصيبه من الهم، والحزن، والمصائب، تُعد
كفّارةٌ لذنوبه، ومنها ما يرفع مرتبة العبد عند ربه، حيث قال النبي صلّى الله عليه
وسلّم: (ما مِن مصيبةٍ تصيبُ المسلِمَ إلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِها عنهُ، حتَّى
الشَّوكةِ يُشاكُها)
علاج الاكتئاب في الإسلام
كتب الله -عزّ وجلّ- الدواء لكّل داءٍ، وجعل دواء
الاكتئاب بالتعلّق به، والتوكّل عليه، وبالتذلّل له، وبذلك ينال العبد كلّ أمرٍ
يرجوه، فالله -تَعالى- لا يردّ من أتاه متجرّداً إليه، يدعوهُ دعاء المُضطر، كما
أنّ الصلاة تمنح العبد قوة الروح، والإرادة، وتُعلي من طاقته الروحية، فقد كان
النبي -صلّى الله عليه وسلّم - إذا اشتدّ عليه أمرٌ ما فزع إلى الصلاة، وممّا
يُساعد على الخروج من الاكتئاب إعانة الفقراء والمحتاجين؛ فبذلك يتقرّب العبد من
الله -عزّ وجلّ- بدعائهم له، كما يشعر العبد بوجوده وقدرته على التأثير والإنجاز،
وهناك العديد من الأدعية التي تُردّد في حالة الهم والحزن، ومنها ما كان النبي
-صلّى اللهُ عليه وسلّم- يقوله عند الكرب: (لا إلهَ إلّا اللهُ العليمُ الحليمُ،
لا إلهَ إلّا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلّا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ
الأرضِ ربُّ العرشِ الكريمِ)
خطوات علاج الاكتئاب في الإسلام
·
الاعتصام
بالله ، واللجوء إليه ، والأمل في فضله ، والرجاء في رحمته ، فهو أرحم بنا من
أنفسنا ، و من أمهاتنا ، ومن آبائنا والله يقول ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن
رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) سورة يوسف 87 والله سبحانه وتعالى
لا يستعصي عليه مرض ، ولا مشكلة مادية ، ولا معنوية ، فكم من مريض شفاه ، وكم من
فقير أغناه ،وكم من سائل أعطاه ، وكم من ضال هداه ، وكم من ضعيف قواه. الثقة
والاعتصام بالله أول وأهم طرق الحل ، وهو النور الذي يضيء الطريق ، واعلم ان أشد
ساعات الليل ظلمة التي تسبق الفجر ، وأن سنن الله الله أن يجعل من بعد العسر يسرا.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وظننت أنها لا تفرج
· الصلاة عدة للمسلم في معركة الحياة : الصلاة نجاة ، ومناجاة ، ووقوف
بين يدي القوي العزيز ، والله جل وعلا يقول ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(سورة
البقرة 153 عن حذيفةَ قالَ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا
حزبَهُ أمرٌ صلَّى (سنن أبي داود) وكان صلى الله عليه وسلم يقول :( يا بلالُ أقمِ
الصلاةَ، أرِحْنا بها) سنن أبي داود ، فالصلاة راحة وطاقة وتجديد وطمأنينة .
·
الاجتهاد في
مساعدة الضعفاء : وله فوائد عدة منها : تفريج كربات المسلمين من أحب الأعمال إلى
الله (وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ
عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا أو تَطرُدُ عنه جوعًا ) صحيح الترغيب الألباني
تخرج المكتئب من سجن الوحدة إلى رحابة العطاء والشعور بالسعادة والثقة بالذات
تصيبه دعوات المستضعفين والمحتاجين الذي فرج كربهم (صَنائِعُ المعروفِ تَقِي
مَصارعَ السُّوءِ) الطبراني.
·
المداومة
على الأذكار و الأدعية النبوية لعلاج الكرب والهم ومنها : ما أخرجه أحمد وأبو داود
عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوات المكروب:
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا
أنت". وما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا
إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم". وما أخرجه أحمد وأبو داود
وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا
أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا.
قولاً أخيراً
إذن علينا القول أن الإسلام ليس العلاج الرئيسي
في علاج الاكتئاب لأنه في الأساس عارض مصاحب لاختلال فسيولوجي وجسدي وهذا ما يكون
داخل نطاق ما يسمى بالحالات النفسوجسدية، أتفق معك أن أعراض القولون العصبي مزعجة
لأصحابها، وكثيرًا ما يكون القولون العصبي مرتبطًا بما يسمى بالقلق المقنع أو
الاكتئاب المقنع، وهي حالات نفسية قد لا تظهر على السطح، إنما يعبر عنها من خلال
ما يسمى بـ (التجسيد) والتجسيد هو ظهور الأعراض الجسدية، وأكثر أعضاء الجسم تأثرًا
هو الجهاز الهضمي. وبالتالي يحتاج إلي علاج
مثل مضادات القلق والتوتر أثبتت فعاليتها، مثلاً عقار مثل (دوجماتيل) وجد أنه جيد
جدًّا، ويسمى علميًا باسم (سلبرايد) وجرعته هي خمسون مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة
ثلاثة أشهر (مثلاً) ثم خمسين مليجرامًا صباحًا لمدة شهرين.
وهنالك عقار مضاد للاكتئاب قديم جدًّا يعرف باسم
(تفرانيل/إمبرامين) تناوله بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ستة أشهر
وبالتالي فإن الإسلام يمنح المكتئب الشق الروحاني
والطاقة الإيجابية التي تساعده علي تخطي تلك الأزمة سريعاً وتمنحه قدرة المواجهة
والدرع الواقع لكل عوامل وروف ضغط الحياة والتوتر لأنه يمنحك اليقين بأن هذا
الطريق يساعدك في التقرب إلي الله مما يمنحك السكينة والطمأنينة اللازمة لعلاج
الاكتئاب
بقلم الكاتب الدكتور
Post a Comment