خطوات حذرة نحو المستنقع |
حاولت
الانتحار وفشلت، ولمّا تحدّثت مع أبى فى زواجى من ابن شقيقه، قال لى إنه يعمل
بالخارج، وأموره المادية ميسورة، ويساعده ببعض المال لتعليمنا أنا وأخواتي، ولم
أنطق بكلمة حتى لا أغضب أبى، وتزوجنا، ورضيت بالأمر الواقع، وعشت معه فى حالة «استسلام
تام»، والحزن يملأ قلبى.
وبدأت
صراعا مريرا مع الحياة، و تطلعت إلى أن تتغير الأحوال، وأن أستطيع بحسن معاشرته أن
أحبه، وللأسف وجدته سيئ الطباع، ويريد دائما أن يحبطني و«يصّغرنى»
أمام الجميع بالقول والفعل، وعندما أسأله عن سوء تصرفه معي يقول لى: «اوعى
تكونى فاكرة إن شهادتك دى حاجة، بالعكس زيها زى شهادة محو الأمية»..
من هنا عرفت السبب الذى يجعله يتعامل معى بحدّة وقسوة، فأنا متعلمة، وهو أمىّ، وتعاملت
معه، وكأننى «جاهلة»،
لا أفقه شيئا، بل وتنازلت عن كل حقوقى فى الحياة، وعاملتني أمه أسوأ معاملة، وتعمدت
أن تتفوه ضدى بأبشع الألفاظ، وكنت عندما أشكو إلى أبى مما أعانيه، يقول لى: «استحملى،
الناس هتشمت فينا»،
فرضخت لكل الضغوط، ومات أبى بعد عام من زواجي، فازدادت الدنيا سوادا حولى، فلقد رمانى
فى الجحيم، ورحل عن الحياة، فواصلت حياتى دون أن أجد من يستمع إلى شكواى، أو من أفضفض
إليه، وقد أنجبت منه ولدين هما قرة عينىّ.
ومرت
الأيام، ومرضت حماتى، فسهرت على راحتها، ابتغاء مرضاة الله، وصبرت على حياتى بما
فيها من تعب أعصاب وتكبر وتعجرف حتى وصلت بى الحال إلى المعاناة من حالة «توتر
نفسى وبداية اكتئاب»،
واتجهت إلى العلاج، فإذا بزوجى يرفض أن يتحمّل تكاليف علاجي، وتولى أخوتى مسئوليتى
كاملة، ولم يمنعنى تعنته ضدى من مساندة حماتى حتى وفاتها، وعرفت أنها كانت تكره
أمى، وأنها أخذت حقها منى!
ومع تفاقم الأوضاع مع زوجي، طلبت منه الطلاق، فرفض بإصرار، فتركت المنزل، وذهبت إلى أسرتى، ولجأت إلى المحكمة، ولم يمض أسبوع واحد على خروجى من المنزل حتى تزوّج بأخرى لكي يكسرنى، ولم أهتز لموقفه، فحياتى معه انتهت بلا رجعة، وحكمت لى المحكمة بالطلاق بعد عام ونصف العام، وأخذت معى ابنىّ، ورفض أن يعطيهما أى نفقة، وجاء انفصالنا بعد زواج استمر تسع سنوات، وعمرى ستة وعشرون عاما، وقد خرجت إلى العمل، وأكملت تعليمى الجامعى، وأصبحت سيدة مسئولة لها اسمها ووضعها فى المجتمع، ووصل ابناى إلى المرحلة الجامعية.
ومنذ
عامين طرأ تغيّر على حياتى، فقدت على أثره تركيزى، ولا أدرى ماذا أفعل؟، فلقد
أحببت رجلا متزوجا، ولديه أربعة أبناء، بل عشقته لدرجة أننى لم أتحمّل مرور لحظة
واحدة بدون أن أسمع صوته، وظللت فى حيرة من أمرى، فأنا المثل الأعلى لأخوتي
وعائلتى، وهو أيضا يبادلنى المشاعر نفسها، وطلب أن يتزوجنى، وأعاد طلبه مرارا، لكن
عقلى كان يرفضه، ومع الإلحاح طلبت منه أن نتزوّج عرفيا حرصا على مشاعر ابنىّ،
وبعدها ندمت «ندم عمرى»،
بعد أن شعرت بإهانة لقبولى هذا الوضع.. لكنى لا أنكر أننى أحسست معه بكل معانى
الحب التى كنت أتمناها، وسبب ندمى أن انتماءه الأول والأهم فى واقع الأمر لبيته
وأبنائه.. فبدايته معى غير حاله الآن.. لقد رضيت أن أقابله فى أى فندق، ثم طالبته
أكثر من مرة بأن يكون لى منزل يجمعنا، فكان يتظاهر بالاهتمام، لكنه لم يأخذ خطوة
لتحقيق ما تمنيته.. وكنت أقابله أحيانا فى استراحة عمله، وهى ليست مناسبة، وفى كل
لقاء بيننا أرجع مكسورة النفس، بل إننى فى آخر مرة أحسست بوجع فى قلبى؟، وسألت
نفسى: كيف يقبل على نفسه وعلىّ هذا الوضع؟.. وعندما طرحت عليه هذا السؤال، وجدته
مستريحا لذلك، ويراه عاديا ومناسبا، وعندما أحس بأننى فاض بى الكيل، عرض علىّ أن
يقابل أحد إخوتى لطلب يدى منه، وأنا الآن فى حيرة من أمرى، ومنذ آخر لقاء بيننا لا
أريد التحدث معه، أو سماع صوته، وأصبحت عاجزة عن التفكير، ولا أستطيع أن أتخذ
قرارا فى هذه المسألة، وما قد يترتب عليها.. أريد منك النصيحة، فبماذا تشير علىّ؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لقد
ارتكبت خطأ فادحا حين انجرفت فى تيار رجل متزوج، ولديه أربعة أبناء، وخضت معه
تجربة حب أظنه من طرف واحد، فإذا كنت قد أحببته من قلبك وجوارحك، فإنه لم يكن
كذلك، بل أرى أنه وجد فى عرضك الزواج العرفى عليه، فرصة لكى تظل علاقتكما فى طى
الكتمان، ودون أى التزامات، واستراح لهذا الحل السحرى الذى قدمتيه له على طبق من
ذهب، وبعد أن انقضت أيام الحب وامتصاص الرحيق، عاد إلى أسرته وأبنائه شيئا فشيئا،
وأدركت الخطأ الذى وقعت فيه، والوضع الجديد الذي أيقنت أنه غير مناسب لك، فأردت
تصحيحه، فقال لك إنه يريد مقابلة أحد إخوتك لطلب يدك منه، ولا أعتقد أنه جاد فى
ذلك، وسوف يتذرع بأى حجج لإنهاء هذه الزيجة بعد أن نال مراده منك!.
إن
بدايات قصص الحب من هذا النوع ترتبط غالبا بمزيج من مشاعر السعادة والحيرة، لكن
الرجل الذى يشعر بحب امرأة ثانية غير زوجته، يعيش مشاعر إحساس بالذنب، وقد يتحول
الأمر لديه إلى نوبات خوف شديدة من فقدان زوجته وأسرته، وربما وضعه الاجتماعى
أيضا، ويتحين الفرصة لكي يعود إليهم!.
نعم
يا سيدتى، ففى المراحل العمرية المتوسطة لا يكون دافع الرجل للعلاقة بأخرى فى
الغالب لأسباب جسدية فقط، وإنما رغبة فى التجديد، إذ يستهويه الشعور بأنه يعيش فى
علاقة متجددة بعيدة عن الملل والرتابة، ويجب أن يكون صريحا مع نفسه ويعرف من
البداية تداعيات هذه المشاعر على استقرار وضعه الأسرى والاجتماعى، وتزيد صعوبة هذه
المشاعر عند وجود أطفال لأن مسئولية الحفاظ على الأسرة تكون أكبر، وهذا ما أتصور
أن زوجك الثانى عاشه، وأحس به، ولذلك تغيّرت مشاعره تجاهك، وإن لم يبح لك بذلك،
وبالتالى يسعى إلى إيجاد مخرج يحافظ به على أسرته، ويحقق له هدفه بالإبقاء على
صورته التي عرفتيه بها!.
ولأن
البداية خاطئة، فإن النتيجة الحتمية إن عاجلا، أو آجلا ستكون هى الفشل، فلقد جانبك
الصواب حين طلبت الزواج العرفى، ودون أن يعلم أحد من أهلك، وهذا ليس زواجا على
الإطلاق، فالأصل فى الزواج الإشهار، والمطلقة كغيرها من النساء، لا تزوّج نفسها
بغير ولي.
وفى
الحديث الشريف: «لا
نكاح إلا بولي»، وأولياؤها على الترتيب:
أبوها ثم جدها، ثم ابنها، ثم أخيها الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم
العمومة، وقد صار توثيق عقد الزواج في المحاكم، من الحاجات الضرورية لحفظ الحقوق.
ووفقا لقاعدة «البدايات والنهايات»، فإن الخطأ الأفدح الذي جرّ عليك كل هذه المتاعب، هو خطأ أبيك الذي أجبرك على الزواج من ابن عمك برغم علمه أنك لا تحبينه، ولا ترتاحين إليه، وحجته فى ذلك أنه كان يساعده ببعض المال فى تربيتكم، ولا أدرى كيف كان يمده بالمساعدة، ثم بعد ذلك يرفض دفع تكاليف علاجك من المتاعب النفسية والصحية التي تسبب بعجرفته وسوء عشرته فى إصابتك بها؟.. لقد خالف أبوك أمر رسول الله فى مسألة الزواج، ففى الحديث الشريف: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها؟، قال أن تسكت، وروى أن جارية بكرا أتت رسول الله، فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي، ويدل هذا الحديث على أنه ليس للأب إجبار ابنته على زواج من لا ترغب فيه، وأن رفض البنت ذلك لا يعد عقوقا لوالدها، وذلك لما ينشأ من مشكلات، وعدم استقرار الحياة الزوجية نتيجة الضغوط عليها بقبول من لا ترضاه شريكا لحياتها، فالزواج غير المرغوب فيه، قد يكون مآله إلى الفشل لأنه بنى على غير اقتناع من الطرفين، كما أن ابن عمك لم يكن كفؤا لك، والمال ليس كل شيء، والأفضل هو صاحب الأخلاق الحميدة، والسلوك القويم، الذي يعرف قدر زوجته، وينزلها منازلها الصحيح.
أما
عن زوجك الثانى، فلا حل لمشكلتك معه سوى «تصحيح
زواجكما» بالإعلان عنه، وعليك
أن تبلغى شقيقك الأكبر، وتمهدى الأمر لابنيك، ووقتها يمكن الاتفاق على كل ما يتعلق
بحياتك المستقبلية، وعليك أولا أن تحددى كل شىء مع زوجك، فالحقيقة أننى لا أراه جادا
فى مسألة زواجكما رسميا، وأغلب الظن أنه سوف يتذرع بأى أسباب للتنصل من عرضه عليك
كما قلت لك، وإذا راوغك أو لجأ إلى أسلوب «التسويف»،
انفصلى عنه، ولا تكررى هذه التجربة، وتعلمى الدرس بأن تكون كل خطواتك واضحة، فأنت لا
ترتكبين جريمة، ولابد أن تكون حياتك الزوجية فى النور، وعلى مرأى ومسمع من الجميع،
ولا تقبلى أى أعذار، ولا تقدمى أى تنازلات، ووقتها سوف تصلحين ما انكسر داخلك، فمن
تغلبت على الصعاب التى واجهتها، وأتمت تعليمها الجامعى، ووصلت إلى مكانة مرموقة فى
عملها والمجتمع المحيط بها قادرة، بعون الله، على أن تواصل مسيرتها الناجحة فى
الحياة بالعزيمة والإصرار، والتوكل على الله.
إرسال تعليق