حرب أكتوبر ومنزل السادات الغامض في باريس |
يروي
الصحفي
توحيد مجدي في كتابه «حريم
الجنرال»، والمنشور جزءًا منه
بموقع «المجموعة 73 مؤرخين»،
أنه في 7 نوفمبر 1975 رحلت ضابطة عمليات وحدة النساء التابعة لـ«الموساد»،
تامار جولان، عن العاصمة الأمريكية واشنطن، بعد يوم من مغادرة الرئيس «السادات»
متوجهًا إلي مصر، قاصدةً العاصمة الفرنسية باريس.
وكان
ضمن صفوف مودعيها الصحفي الأمريكي «والتر
كرونكيت»، والذي أرسل إلى «السادات»
مذكرات «تامار»،
والتي احتوت على أسرار عدة.
وعرف
«السادات»
سبب ارتداء «تامار»
اللون الأبيض بشكل دائم، والذي يعكس حزنها على زوجها الذي توفى في العاصمة
الإثيوبية أديس أبابا، خلال عمله مع الموساد، لأن هذا اللون هو المعبر عن حالات
الحزن في الدول الأفريقية حسب روايتها في مذكراتها.
وأثناء
اطلاع «السادات»
على مذكرات «تامار»
قرأ أنها تلقت في صباح 27 يوليو 1975 في منزلها بباريس تعليمات سرية من الموساد
أمرًا بالسفر إلى العاصمة الأوغندية «كمبالا»،
لتغطية الفعاليات الرسمية لافتتاح مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية، وذلك بهوية مراسلة
لشبكة «BBC» ولجريدة
«الأوبزرفر».
وحسب
المدوّن في الأوراق رفضت «تامار»
السفر، وأرجعت سبب ذلك لقادتها إلى أن علاقتهم بالرئيس الأوغندي «إيدي
أمين»، وهروبها من قصره في
وقت سابق كفيل بأن أن يتعرف عليها بصفته مستضيف فعاليات القمة الإفريقية، أو يكشفها
أحد المقربين منه وتكون نهايتها على يديه، وهي الحجة التي أقنعت القادة الإسرائيليين.
واستكمل
السادات قراءة السطور حتى تعرف على تفاصيل عملية «صالون
ذات الرداء الأبيض»،
والذي يشير إلى ملابس «تامار»،
وكلفها الموساد بالأمر في الأول من يناير 1973، وانتقلت على إثره لباريس للإقامة الدائمة،
والعمل تحت هوية صحفية متخصصة بالشؤون الإفريقية.
كانت
المهمة هي إنشاء «تامار»
لصالون ثقافي يضم المثقفين والمعارضين العرب والإفريقيين، ولتأسيسه اشترت منزل
صغير بقلب الحي السادس عشر بباريس، ليتوافد عليها الزوار بمختلف جنسياتهم، وكان من
ضمن المستهدفين الفريق أول محمد عبدالغني الجمسي.
وتصف
«تامار»
الوضع قائلةً: «بات من الممكن مشاهدة
شيخ مسلم أبيض بجانب قس مسيحي أسود وثالث حاخام يهودي زائر بصحبة رابع داعية شيعي».
وفوجئ
«السادات»،
خلال قراءته لمذكراتها، أن المخابرات الفرنسية كانت على دراية بمهام «تامار»،
ضمن اتفاقية وقعتها مع الموساد عام 1956 للتعاون بينهما.
هدف
الصالون كان «حصد المعلومات العربية
والإفريقية من مصادر بشرية موثوق بها»،
ووصفه تقرير أصدره الموساد في منتصف 1973 بأنه «معقلًا
للاستخبارات الإسرائيلية في أوروبا».
ومن
هنا يرصد الموقع ما حدث في منتصف 1973، بإدراك المخابرات المصرية لحقيقة صالون «تامار»
في باريس، وبدأت حينها عملية «المنزل
الغامض» ضمن خطة الخداع الاستراتيجي
لإسرائيل تمهيدًا للحرب عليها، وأشرف عليها «السادات»
نفسه.
وكانت
أساس الخطة التي وضعها وأشرف على تنفيذها «السادات»
هو الإيحاء للجانب الإسرائيلي بأن مصر غير مستعدة لخوض أي حرب، مستغلًا ثناء أجهزة
العالم على الموساد وتمجيده، لردع وإخافة الأجهزة العربية و خاصةً مصر.
ووفق
المذكور بالموقع بدأ الأمر من دعوة الرئيس الجزائري هوارى بومدين لـ«السادات»
لحضور الدورة الرابعة لقمة دول عدم الانحياز ببلاده، وفور وصول الوفد المصري في 4 سبتمبر
1973 رصدت أجهزة المعلومات المصرية سكرتير السفارة الجزائرية في باريس، والمعروف
بعمالته لإسرائيل حينها، كذلك كانت له صلات بجهاز الـ«CIA»
الأمريكي، ورمزت إليه «تامار»
في خطاباتها بالحرف «A».
واستدعت
وزارة الخارجية الجزائرية الشخص «ِA»
للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز، والذي قضى أغلب
حياته في الطريق من الجزائر إلى باريس والعكس لتسليم كافة المعلومات التي يجمعها
لأحد زملائه بالموساد.
وفور
علم «السادات»
حينها بظهور الجاسوس في المؤتمر كلف دبلوماسي مصري على صلة بـ«A» بمهمته تسريب أخبار كاذبة لتضليله، وفي
نفس التوقيت كانت «تامار»
حاضرةً كمراسلة موفدة من قبل مكتب شبكة «BBC» لتغطية
المؤتمر.
وبالفعل
التحق الدبلوماسي المصري بـ«ِA»
بحكم صداقتهما القديمة، ونزلا في فندق دار البيضاء،
وخلال فعاليات المؤتمر توطدت العلاقة بينهما بشكل أكبر.
وفي
اليوم الأخير للفعاليات طلب الدبلوماسي المصري من نظيره «A»
البحث في سرية تامة عن منزل منعزل بمواصفات فاخرة وسعر
غير مبالغ فيه، ويكون بضاحية هادئة وقريبة من قلب العاصمة باريس، بعد ان تصنع
علامات القلق والتوتر على وجهه.
وأضاف
الدبلوماسي المصري إلى قائمة الطلبات من نظيره «A»
توفير 10 سيارات حديثة، بشرط عدم تسجيلهم بأسماء مصرية
أو عربية، محددًا الوقت النهائي لإتمام ذلك في 25 سبتمبر 1973.
حينها
استفسر «A» من
نظيره المصري عن سبب تلك الطلبات كان الرفض هو الرد الأول حتى يكسب الحوار الطابع
المعتاد، لكن بعد لحظات بدأ الدبلوماسي المصري في سرد المعلومات المضللة التي يهدف
إلى توصيلها.
وقال
الدبلوماسي المصري لنظيره «A»: «الحقيقة
ولا أريدك أن تكشفها لمخلوق حتي في الجزائر نفسها وأنا أثق بك وفقط أشاركك السر،
لأنك قادر علي مساعدتي أكثر من أي شخص آخر لا أعرفه ربما يعرض مستقبلي كله للخطر،
في حالة تسرب خبر أن الرئيس السادات مريض بمرض عضال فشل الأطباء المصريين في التعرف
على أعراضه».
وتابع:
«حجزت الرئاسة المصرية في سرية
تامة لدى طبيب فرنسي كبير، أنا لا أعرف اسمه ولا بياناته لأنه مصرح لي فقط بمعلومات
مهمتي، والكشف تقرر في بداية أكتوبر القادم، والمنزل الهادئ طبعًا سيقيم به الرئيس
وطاقم حراسته الشخصية، والسيارات بالقطع لتنقلات الركب الرئاسي لأغراض أمنية خالصة».
وعلى
الفور وعد «A» نظيره
المصري بتلبية طلباته، وعلى الجانب الآخر دوّن كل المعلومات التي حصل عليها وبعثها
إلى «تامار»،
حتى يعلم الموساد بآخر التطورات.
وبورود
أنباء عن اجتماع يحضره «السادات»
مع الرئيس الجزائري هواري بومدين ونظيرهما السوري حافظ الأسد أمرت الموساد «تامار»
بالتوجه إلى محل اللقاء للتقصي.
وحسب
مذكرات «تامار»
نجح الموساد في زرع أجهزة التنصت داخل قاعة الاجتماعات الرئاسية في العاصمة الجزائر،
في ذلك الوقت رصدت المخابرات المصرية ظهور ضابطين تابعين للموساد الإسرائيلي، بعد
تداول صور لهما قرب موقع الاجتماع.
وبالفعل
علم «السادات»
بالأمر وأبلغ نظيريه الجزائري والسوري بما حدث، وعلى الفور استدعى «بومدين»
مدير جهاز استخباراته العقيد قاصدي مرباح للتحقق مما حدث.
ومن
هنا اقترح «السادات»
على «بومدين»
ومدير استخباراته تمكين ضابطي الموساد من دخول قاعة اللقاء المرتقب، مع وضع
سيناريو لحديث الرئيس المصري مع نظيريه، بشكل يوحي بعدم رغبته في خوض حرب ضد
إسرائيل، وهو ما تمكنوا من تصديره للصهاينة بالفعل.
وقبل
تنفيذ
ذلك قرر الرؤساء الـ3 عقد الاجتماع الفعلي في قاعة أخرى قبل الموعد المعلن عنه
بساعات، والذي انتهى بالاتفاق على ترتيبات معركة العبور.
ومن
هنا سجلت «تامار»
وضابطي الموساد تعليمات تفيد بعدم نية «السادات»
في شن حرب على إسرائيل، بفضل التمويه الذي حدث في الاجتماع الثلاثي، والمعلومات
المغلوطة التي تفيد بإصابة الرئيس المصري بمرض أثار حيرة الأطباء.
وابتلع
الموساد طعم المعلومات المغلوطة، وكرموا «تامار»
على مجهوداتها في 10 سبتمبر 1973، لتعود إلى باريس مباشرةً، أما العميل «A» نجح في أقل من 72 ساعة في استئجار منزل
بالمواصفات المطلوبة.
ويقع
المنزل بمنطقة متطرفة بإحدى الضواحي الثرية غرب مدينة «فيرساي»،
وتبعد 17.1 كيلو مترًا غرب العاصمة باريس، كما استأجر 10 سيارات لتحركات موكب «السادات»،
وفي نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر 1973 شرعت «تامار»
بمساعدة عملاء الموساد في مراقبة البيت.
في
ذلك التوقيت وصلت مجموعة مصرية أمنت مداخل ومخارج المنزل، وقامت بعمليات مسح
إليكترونية خشية أن يكون جهاز الموساد قد سبق وزرع بأركانه أجهزة حديثة للتنصت.
وحسب
المذكور بالموقع استلمت مجموعة مصرية أخري السيارات العشرة، وتوجهوا في موكب إلى
مطار «لو بروجيه»،
بعد وصول طائرة مدنية من طراز «داسو
فالكون-10».
وباتفاق
المخابرات المصرية مع نظيرتها الفرنسية سرب المطار نبأً باشتباه المسؤولين في وصول
الرئيس «السادات»
على متن الطائرة، وفي الثاني من أكتوبر تحركت سيارة من أمام منزل «فيرساي»
وبها رجل بملامح شرقية، وعاد بعد فترة مصطحبًا طبيب فرنسي متخصص في مجال الأعصاب،
ومعروفًا بأنه شيوعي ومعاديًا لدولة إسرائيل، حتى يقطعوا الطريق أمام الموساد
لاستجوابه بعد خروجه من البيت.
بهذا
الشكل أقنع «السادات»
الجانب الإسرائيلي بالخدعة، حتى فوجئوا بشن الحرب في 6 أكتوبر، رغم المؤشرات التي
خالفت ذلك بمرض الرئيس المصري، وعدم جاهزية الجيش المصري لخوض أي معركة.
المصدر:
المصري اليوم
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment