الزئبق الاحمر الفرعونى ما بين الحقيقة والخيال

الزئبق الاحمر الفرعونى ما بين الحقيقة والخيال
الزئبق الاحمر الفرعونى ما بين الحقيقة والخيال

الزئبق الأحمر أو مايسمي بين العامة الزئبق الفرعوني , تلك المادة التي ذاع صيتها في جميع الأوساط ما بين الشرق والغرب , مابين أحلام البسطاء في الثراء السريع ومابين رغبة البعض في امتلاك قنبلة نووية صغيرة , يشاع أن الجرام الواحد من تلك المادة الغامضة يقدر سعرها بأكثر من خمسة ملايين من الدولارات , السؤال هنا هل بالفعل تلك المادة موجودة ؟ ... وهل هناك أنواع منها ما بين الزئبق الأحمر الطبيعي والفرعوني والزئبق المركب الصناعي ؟  ... وهل بالفعل الزئبق الأحمر له علاقة بتسخير الجن والقدرات الجنسية التي تفوق قدرات البشر والثراء الفاحش والنفوذ على باقي البشر ؟

وسائل حماية حجرة الدفن في مصر القديمة: الجزء الأول

كلها ألغاز نحاول أن نبحث عن الحقيقة حول ذلك الأمر من كل الجوانب وفي نهاية الأمر سوف أوضح قناعاتي حول هذا الأمر ... دعونا نبدأ من داخل ذلك العالم الخفي ومبررات البحث عن الزئبق الاحمر الفرعونى .


في بداية  الأمر ظهر مصطلح الزئبق الاحمر الفرعونى فى مصر منتصف الأربعينيات من القرن الماضي ثم ظهر ثانية في أواخر الستينيات من القرن الماضي إبان الحرب الباردة ولكن ذاع صيته منذ بداية الثمانينات وحتى وقتنا هذا سبب جنون البحث عنه في مصر والوطن العربي بأن البعض يقال أن السحرة والمشعوذين يقومون باستخدامه بناءاً على طلب الجن من أجل إطالة أعمارهم ولايمكن للجن إستخدامه إلا من خلال البشر ومقابل ذلك يمنح الجن قدرات غير محدودة للبشر مثل كشف الكنوز وسرقة الأموال والقدرات الجنسية التي تفوق طاقة البشر وأشياء أخري كثيرة ... لكن علينا في بداية الأمر نذكر ماهي أنواع الزئبق المتعارف عليها بالرغم من إختلاف العلماء والعامة عن وجود الزئبق الأحمر من عدمه


أنواع الزئبق :

هنالك ثلاثة أنواع من الزئبق وهما الزئبق الفضي أو الأبيض والذي يصاحب البراكين ويقال أن أول من اكتشفه هم الرومان وحاولوا استخدامه في إستخدامات كثيرة مثل تصنيع الذهب  .. أم النوع الثاني هو الزئبق الأسود والذي اكتشفه جابر بن حيان وهنالك نوعان منه الزئبق الأسود الطبيعي والنوع الآخر الزئبق الأسود المركب داخل الطبيعة وهو أغلى سعراً ظناً من العامة أنه إكسير الحياة والشباب ... النوع الثالث والذي عليه اختلاف مابين وجوده فعلياً أم أنه مجرد وهم وهو الزئبق الأحمر حيث يوجد منه نوعان الزئبق الأحمر الطبيعي والذي يقال أن الصينيين هم أول من اكتشفوه وكان يعتبر إكسير الحياة بالنسبة لهم كذلك يقال أن الروس قاموا  باكتشافه حيث يظن أنه  يستخدم في المفاعلات النووية ومنه الزئبق الأحمر البارد والحار كما نري في بعض الفيديوهات المنتشرة وماهي إلا وسيلة نصب لا أكثر .. البعض يرفض فكرة وجود زئبق أحمر بناءاً على مصداقية جميع المراكز العلمية أنكرت وجود مادة مثل الزئبق الأحمر ولكنه مجرد زئبق عادي تحول إلي اللون الأحمر نتيجة الأكسدة أو إضافة صبغة ما إليه لا أكثر .

الزئبق الأحمر وبداية الأسطورة :

لكن دعونا نرى متى ظهرت أسطورة الزئبق الأحمر وتاريخه حتى تلك اللحظة ..

في منتصف أربعينيات القرن الماضي في مدينة الأقصر تم إكتشاف مقبرة القائد العظيم ( امون نف عنخ ) قائد الجيوش المصرية في عهد الأسرة السابعة والعشرون والتي حاربت الفرس آنذاك ويبدو أن تم تحنيط القائد علي عجل نتيجة الفوضي التي سادت في ذلك الوقت بالرغم أن المقبرة تم إكتشافها سليمة ولم يمسسها أحد , لكن العجيب في الأمر عند فحص المومياء وجد عالم الآثار ذكي أسعد قارورة مليئة بسائل لزج لونه أحمر أسفل المومياء ولم يفهم آنذاك سبب وجودها تلك الزجاجة مازالت في متحف الأقصر حتى الآن وعليها ختم الجمهورية  ولم يتحدث أحد عن تلك القارورة حتى ظهرت أصداء حول اهتمام الروس في بداية الستينات من القرن الماضي أثناء الحرب الباردة حيث ظن الروس أن تلك المادة هي الزئبق الأحمر المطلوب في صناعة القنابل الذرية وأن الفراعنة قد اكتشفوا ذلك حيث لفت ذلك الأمر انتباه جمال عبدالناصر وأذن للروس بالكشف والتحليل لتلك المادة اللزجة والتي توصل الروس في نهاية الأمر أنها مجرد مزيج من مكونات التحنيط بالإضافة إلي الدماء التي صبغتها باللون الأحمر وانتهى الأمر عند هذا الحد ولكن انتشر الخبر بين العامة أن تلك القارورة تحتوي على مادة سحرية تنتمي للفراعنة بالرغم عدم اكتشاف أي قارورة أخرى شبيهة لها في أي تابوت.


وسائل حماية حجرة الدفن في مصر القديمة: الجزء الثاني والأخير

في عام 1968 قام الصحفي جوين ربورتس بحوار مع رئيس الإستخبارات الروسية يوجيني حيث تحدث عن اكتشاف مادة تبلغ كثافتها حوالي 23 أي أكثر كثافة من اليورانيوم والتي تبلغ كثافته 20 وهو عنصر نادر وهذا ما جعل البعض يربط ما بين حديث يوجيني وأبحاث الروس عن تلك القارورة وأعتقد أن هذا الحديث من أجل زرع الرعب في قلوب المعسكر الغربي  أثناء الحرب الباردة حيث أن تلك المادة تدخل في صناعة القنابل الاندماجية إذ يستعمل كمفجر ابتدائي بديل عن الوقود الانشطاري المستخدم في القنابل الاندماجية كما سبق وأشير في بداية المقال، وقد أيد هذا الزعم الفيزيائي صامويل كوهين مخترع القنبلة النيوترونية  , البعض رجح أن كلمة الزئبق الأحمر ليست سوي شفرة تطلق علي مادة شبيه اليورانيوم أو البلوتونيوم أو الليثيوم لها علاقة بالزئبق .

أول ذكر لمصطلح "الزئبق الأحمر" علميا لم يأت إلا فى عام 1979 ولم يكن له علاقة بالاكتشافات الخاصة بـ المومياوات والتوابيت المصرية بل كان على سبيل حرب الدعاية بين أمريكا والاتحاد السوفيتي فى الحرب الباردة بحسب مجلة "نيو ساينتست" فى أعدادها في فترة الثمانينات والتى كانت تتحدث عن علاقة الزئبق الأحمر بصنع أسلحة نووية.


الزئبق الأحمر و حكايات كثيرة :

في منتصف الثمانينات ظهر رجل ألماني الجنسية في السعودية قام بشراء جميع ماكينات الخياطة القديمة من أرجاء المملكة وقام بإخفائها في مستودع ثم قام بنشر شائعة بأن تلك الماكينات تحتوي على مادة الزئبق الأحمر والتي لها قدرات خارقة مما دفع الكثير عن البحث عن تلك الماكينات وقام ببيعها ثانية بأسعار خيالية .

فى 1994 نشرت القناة الرابعة البريطانية فيلم وثائقى يفترض أنه يكشف أسرار سوفيتية نووية ، ولكن الملاحظ أن الفيلم الوثائقى جاء بعد عام واحد من نشر تقرير بصحيفة "برافدا" الروسية يدعى أن مذكرات سرية تم تسريبها عن الاتحاد السوفيتي المنهار تتحدث عن أن أمريكا هى من يملك المادة الخارقة والتى يتم استخدامها فى تصنيع قنابل نووية وصواريخ توجه نفسها نحو الهدف

في عام 1995 ظهور مشعوذ نصاب تائب في مصر قامت النيابة بالتحقيق معه ولقد قامت جريدة الأهرام بحوار مع هذا المشعوذ الذي يدعى حامد آدم الملقب المشعوذ التائب الذي ذكر أمام النيابة أن هنالك بالفعل مادة الزئبق الأحمر وأن الجن يتغذى عليها لكي يطيل من عمره وهذه العملية تسمى في السحر بالتنزيل وأنه كان يملك منها 800 جرام ولقد جني منها الكثير من الأموال .

أسرار تقليد التماثيل الفرعونية الأصلية وطرق تقليدها

وبحسب دراسة لنشر "العلوم الذرية" في 1997 كان هناك عروض عديدة لبيع الزئبق الأحمر فى الشرق الأوسط وكان البائع الذى تم تتبعه رجل أعمال روسي ووجد العديد من المشترين فى العديد من الدول كانوا على استعداد دفع مبالغ خيالية مقابل مادة هم أنفسهم لا يعرفون شكلها.. وكان السعر وقتها بين 100 ألف دولار و300 ألف دولار لكل كيلوجرام , وكان وضع البضاعة فى صناديق وحاويات عليها العلامة الصفراء المميزة للمواد المشعة كنوع من التدليل على خطورتها لكن تمكنت الشرطة من إيقافه واتضح أن الشحنات ليست سوى زئبق عادى مع صبغة حمراء اللون، وهى بالتأكيد ليست مادة مشعة أو يمكن استخدامها فى القنابل أو غيرها.

حادثة أخرى سلطت الضوء على تجارة الزئبق الأحمر في مصر حينما أبلغ ثلاثة أمراء سعوديين السفارة السعودية في مصر أنهم تعرضوا لعملية نصب حيث قاموا بشراء ما يسمى الزئبق الأحمر بملايين الدولارات حيث قاموا بالكشف عن تلك المادة اللزجة ولم يجدوا بها زئبق بل هي مجرد مجموعة من المواد الكيميائية المركبة , وتعود أحداث تلك القضية بشخص مصري من أوسيم كان يعمل في السعودية حيث طلبوا منه الإستعانة بسحرة أفارقة مما دفع ابنه الطالب الاستعانة بمدرس الكيمياء لتحضير تلك المادة اللزجة باللون الأحمر على أنها الزئبق الأحمر بناءاً على طلب السحرة المزعومين وهم من نيجيريا من أجل تقاسم تلك الملايين فيما بينهم ولكن ظهرت الحقيقة ولم تكن سوى عملية نصب لا أكثر .


فى 2015 حدث ما جعل الزئبق الأحمر يخرج من نطاق قصص الخيال العلمى والنصب ليعود للصفحات الأولى فى الجرائد وهو تحقيق صحفى من "نيويورك تايمز" يكشف أن حتى تنظيم داعش كان يعتقد أن المادة حقيقية وكان يبحث عن وسيلة امتلاك الزئبق الأحمر لصناعة السلاح , وبحسب التحقيق فإن أحد المخبرين ويدعى أبو عمر كان يعمل لصالح عدة مجموعات إرهابية فى سوريا منها داعش، ولم يكن لديه مانع من أن يكشف للصحيفة أنه يعمل كوسيط لجلب أسلحة وأموال لداعش وأن قيادات فى التنظيم الإرهابى أعلنوا استعدادهم لدفع 5.5 مليون دولار مقابل كل وحدة من الزئبق الأحمر يكون شكلها مثل الصور التى أرسلوها لأبو عمر في رسالة على واتساب , عندما شاهد مراسل نيويورك تايمز الصور اتضح أنها مأخوذة من على الإنترنت وبعضها كان فى تقرير لوكالة جيهان التركية التي كانت نشرت خبرا عن قدرات غير معقولة للزئبق الأحمر بدون أى مصادر

لكن من وجهة نظري أن مادة الزئبق هي مادة سامة لا يمكن للإنسان أن يتناولها وأن ليس هنالك ما يسمى بالزئبق الفرعوني أو الطبيعي وأن الزئبق الأحمر ليس سوي أكسيد الزئبق الفضي أو ربما مختلط بنوع من الصبغة و ربما هناك نوع منه يصنع كيميائياً في المعامل السرية ولكن فكرة الزئبق البارد أو الحار أو مايسمي بالبلحة الفرعونية ليس له أساس من الصحة لأن ما يتم عرضه من الزئبق الأحمر المصنع في جميع الفيديوهات المنتشرة يعود إلى الصناعة الألمانية في عهد النازي مع العلم أن المادة التي يقال أن الروس قاموا باكتشافها وليس الألمان وتم إكتشافها في الستينيات وليس فترة الأربعينيات من القرن الماضي , كذلك لم تكتشف تلك القارورة أو البلحة الفرعونية في أي تابوت فرعوني آخر مما يدل أن كل هذا وهم وعار من الصحة ... الفكرة كلها أنها عمليات نصب منظمة حيث يقوم شخص بالإعلان عن رغبته في ذلك الزئبق المزعوم بمبالغ مالية طائلة مع عرض فيديو ثم يقوم نفس الشخص بعد عدة أيام بعرض هذا الزئبق للبيع مع نفس الفيديو فيقوم البسطاء بمحاولة إقتناص الفرصة بأن يكون وسيط أو يشتري هذه المادة المزعوة ليقوم ببيعها مرة أخري بملايين الدولارات لكي يكتشف في نهاية الأمر أنه كان ضحية عملية نصب منظمة كذلك ماكينات الخياطة وغيرها فهي وسائل متعددة ومتنوعة لفكرة الإحتيال عن البسطاء

بقلم الكاتب الدكتور

محمد عبدالتواب

Post a Comment

أحدث أقدم