لعنة الجبل الفصل السابع |
ــ جدي
هنالك بعض الأشياء أريد بعض الإجابات عنها
ابتسم
الجد رغم أنه كان يبدو عليه شدة الإرهاق والتعب وأنه لا يستطيع أن يقاوم المرض الذي
اعتلاه قائلا:
ــ ماذا
تريد أن تفهمه يا بني؟
ــ كيف مات أبي؟!!
ــ عندما حدث ما حدث في تلك الليلة المشؤومة وجدنا التماثيل
الثلاثة في طرقات القرية بجوار دماء والدي ورفاقه فأخذنا تلك التماثيل إلي عجائز القرية
ليتناقشوا فيما سوف يفعلون بها وكان قرارهم أن يحتفظوا بها في بيت كل من قام بذلك من
آبائنا فكان نصيبي ذلك التمثال الذي كان بجوار ما تبقي من والدي , كنا نشعر بالخوف
من تلك التماثيل لأنها كانت سبب طمع الآباء وما حدث من كوارث في تلك الليلة وكان العجائز
يظنون أنها سوف تكون لعنة فقط لمن حاول أن يسرق تلك التماثيل لكن منذ عشرة أعوام قررت
أن أجمع التماثيل الثلاثة لتكون بحوزتي خوفا من أن يطمع أحدهم في بيع تمثال من التمثالين
الآخرين فربما يكون هذا في غير صالح القرية وتصبح اللعنة أكثر شراسة من ذي قبل أو على
الأقل يزداد حال القرية أكثر سوءا فجمعت الثلاثة تماثيل معا في منزلي فربما عندما نضع
الثلاثة تماثيل معا يحدث شيء ما وتنتهي تلك اللعنة المشؤومة
ــ وهل حدث شيء عندما وضعتم التماثيل الثلاثة بجوار
بعضهم البعض؟
ــ لا لم يحدث شيء ولكن أباك عندما شاهد ذلك فقد ظن
أن ربما حل تلك اللعنة ليست في التماثيل في حد ذاتها ربما يكون الحل هناك في أعلي الجبل
ــ وماذا فعل أبي يا جدي عندما ظن أن الحل هناك في أعلي
الجبل؟
ــ إن والدك كان طيب القلب متفائلا ومبتسما في كل الأحوال
حتى السيئة منها كان يظن أن الأمر بسيط وأنه عندما يصعد الجبل سوف يستطيع أن يجد الحل
هناك ويعيد الأمور إلي نصابها وقد اعترضت عليه كثيرا في فكرة الذهاب والصعود إلى الجبل
ــ وهل صعد إلي الجبل؟
ــ نعم صعد إلي الجبل ولم يهبط منه مرة أخرى , حاولت
أن أقنع بعض شباب القرية أن يصعدوا إلي الجبل لكي يبحثوا عنه أو على الأقل يجدون جثته
إذا كان قد مات ولكن الكل رفض ذلك ولم يكن بيدي شيء لأفعله من أجله حتى أنني ما زلت
حتى الآن أشعر بالندم أنني سمحت له بالذهاب إلي الجبل
ــ وماذا
عن التماثيل الثلاثة؟
أشار
الجد بأصبعه نحو صندوق قديم مغلق حيث قال لهمام:
ــ افتح
يا بني هذا الصندوق ستجد التماثيل الثلاثة لتحتفظ بهم فربما أموت في أي لحظة ولا تعلم
مكانهم احتفظ بهم يا بني
أسرع
همام نحو الصندوق حيث فتح الصندوق والذي يبدو عليه أنه لم يقترب منه أحد منذ زمن طويل
وعندما فتح الصندوق وجد التماثيل الثلاثة والتي كانت بنفس الحجم والطول ولكن ملامح
كل تمثال تختلف عن التمثال الأخر
ــ ماذا سوف أفعل بهم يا جدي؟
ــ لا شيء يا بني فقد احتفظ بهم لأننا كنا سبب تلك اللعنة
وربما يوما ما نستطيع أن نعيدهم مرة أخرى إلى الملكة حتى ترضي عن أهل القرية التي كنا
السبب في تلك اللعنة التي حلت بالقرية
بالفعل
أخذ همام التماثيل الثلاثة ووضعها أمام عينيه وهو يتأملهم وينظر إليهم متسائلا إنهم
مجرد تماثيل صغيرة وهل يستحقون كل ما حدث لتلك القرية وما السر الذي يجعلهم بتلك الأهمية
لتلك الملكة التي تسكن الكهف وهل كان بداخلهم قوة أو طاقة كان يريد ذلك التاجر والساحر
أن يستغلهم من أجل جني الكثير من المال وكيف كان يستطيع ذلك؟
همام
في كل مرة يشعر أن مجال التساؤلات يزداد وتزداد حيرته معه فالآن يعلم القصة بكاملها
ومعه تماثيل الملكة خنت كاوس ولكن لا يعرف ماذا يفعل مع تلك التماثيل والسؤال الأهم
الذي يدور في ذهنه ولا يجد إجابة له لماذا سمحت له خنت كاوس الصعود إلى الجبل ومعرفة
كل شيء داخل هذا الكهف ولم تسمح لوالده بذلك
لم يستطع
همام أن يدرك ما يبحث عنه ولكن ظن أن هنالك من الأشياء والتفاصيل ما زالت غامضة بالنسبة
له.
أثناء
ذلك بدأ المرض يزداد علي الجد حيث أصبح لا يستطيع النهوض من مخدعه ثم ازداد المرض عليه
حتى أصبح لا يستطيع التحدث وامتنع عن الطعام فلم يستطع همام أن يفعل له شيئا حتى الشيخ
عثمان عندما جاء لزيارته لم يستطع أن يفعل شيئا بل كانت ملامحه الحزينة تخبر همام بأن
الجد أصبح في حالة لا يرثي لها وأنه أوشك على أن يقابل ربه الكريم في غضون أيام.
بالفعل
بعد عدة أيام من عجز الجد وعدم قدرة همام أن يفعل شيئا توفي الجد تاركا همام وحيدا
مع والدته تاركا إياه وهو يحمل إرثا ضخما من المشاكل واللعنات التي أصابت تلك القرية
بسبب ما فعله الجد الأكبر.
القرية
كلها خرجت خلف الشيخ يوسف تبكي لفقدان هذا الرجل الذي كان يشعر الجميع أنه الجد والأب
لجميع أبناء ذلك الشيخ، فالكل كان يحمل جسد الشيخ يوسف ويودعونه والدموع تملأ عيونهم
حتى الرجال كانوا يبكون على رحيله، فلقد رحل حكيم القرية ومن كان يمنحهم الأمل في الغد
همام
لم يستطع فراق جده فكان يجلس بجوار قبره كل يوم يتحدث إليه كأنه ما زال على قيد الحياة،
كان يشعر أنه ما زال يستمع إليه ويبتسم إليه من العالم الآخر ليخبره أنه مازال بجواره
وأنه على محبته له التي كان يشعر بالأمان والطمأنينة عندما كان يحتضنه منذ طفولته،
فالجد لم يكن الجد فقط بل كان الأب لهمام الذي منحه كل شيء رائع في حياته.
لم يتصور
همام يوما أنه سوف يرحل ويتركه وحيدا في تلك الدنيا وبين جدران تلك القرية المشؤومة
ولكن الشيخ يوسف رحل كما رحل الكثير من قبله وأن لكل شيء نهاية، ولكن نهاية كل من نحبهم
تكون قاسية في لحظاتها الأولى وتفقدنا الكثير من ملامح السعادة والأمان فيما بقي من
حياتنا.
العودة إلي مستر جيمس
شعر
همام أن الحياة أصبحت بلا هدف من بعد موت جده حيث كان يقضي همام معظم الوقت داخل غرفة
جده ينظر إلى مخدعه ويتذكر ذكرياته مع الجد عندما كان صغيرا وكيف كان يحبه بشدة، كان
همام يشعر بالراحة عندما يجلس وحيدا داخل تلك الغرفة كان يتحدث بصوت عال مع نفسه داخل
تلك الغرفة حتى أن أمه كانت تشعر بالقلق عليه لعله يصيبه مسا بالجلوس لكل هذا الوقت
داخل غرفة جده فالصدمة لم تكن هينة على همام رغم أنه يعلم أنها تلك النهاية للجد ولا
بد منها فالكل سوف يرحل عن تلك الدنيا بما فيها من خير أو شر ولكن الجد ترك همام مع
تلك التماثيل التي لا يدري همام ماذا يفعل بها، فالقصة لم تنته بعد والملكة خنتكاوس
ما زالت روحها تسكن ذلك الكهف وما زالت اللعنة مستمرة.
همام
كان يشعر أنه سقط داخل فجوة عظيمة من الحكايات والقصص التي كانت تمر عليه عبر التاريخ
الذي بدأ منذ آلاف السنين حتي توقف الزمن أمامه ليري ماذا سوف يفعل همام هل يستطيع
حل اللغز أم سيبقي الحال كما هو مثل ما فعل الجد فالجد في واقع الأمر لم يفعل شيء سوي
أنه احتفظ بتلك التماثيل طوال تلك الفترة فربما أراد الجد أن يجنب القرية المزيد من
اللعنات وغضب تلك الساحرة أو الملكة التي تسكن ذلك الجبل.
شعر
همام أنه سوف يصيبه الجنون من كثرة التفكير في كل تلك الأمور ولا يستطيع أن يخبر أحد
بما يدور داخل ذهنه لأنهم لن يفهموا أو يدركوا كل تلك التساؤلات المركبة والمعقدة فالجميع
يحاول الهروب من تلك الحقيقة حتي الشيوخ لم يذكروا له أمر التماثيل فربما كانوا يخشون
أن يعيد همام تلك التماثيل إليهم مرة أخري.
في خضم
كل تلك الأفكار تذكر همام صديقه الذي يستطيع أن يدرك كل تلك التساؤلات وربما يدرك أشياء
لا يلاحظها أحد سواه لأنه دائما يفكر بطريقة المنطق والعقل.
ابتسم
همام لأول مرة منذ موت جده حيث تذكر مستر جيمس صديقه الذي افتقده كل تلك الفترة.
بالفعل
قرر همام العودة إلي الأقصر ليروي لمستر جيمس بما حدث وبما سمعه من حديث الجد قبل وفاته
ولكن هذه المرة كانت مختلفة لأن الجد قد توفي ولكن المشكلة هنا والتي يواجها لأول مرة
كيف يستطيع أن يترك والدته وحيدة بالمنزل فأخبرها همام بأنه سوف يرحل إلي الأقصر لبعض
الوقت إذا سمحت له بهذا، ابتسمت الأم له قائلة:
ــ اذهب
يا بني لعلك تشعر بالراحة هناك ربما تجد من يستطيع أن يخفف عنك أحزانك من رفاقك ولا
تقلق علي فأنا سوف أكون بخير فقط حاول أن تنسي كل تلك الأحزان هناك
في الأقصر
حيث المقهى كان يجلس مستر جيمس علي نفس الطاولة المفضلة لديه القريبة من النيل ومعه
كتاب يقرأه ويطلق العنان لهذا الدخان الذي ينطلق من البايب الخاص به حيث كان من حين
لأخر ينظر إلي النيل كأنه يفكر في شيء ما أو يحاول أن يستوعب شيء ما حتي وجد همام يقف
أمامه.
شعر
مستر جيمس بالسعادة عندما وجد همام أمامه حيث احتضنه وهو يبتسم ابتسامة عريضة ولكن
لم يستطع همام أن يقابلها بابتسامة مثلها فالحزن مازال يتحكم في كل مشاعره.
ــ ماذا
بك يا همام أشعر بالحزن في عينيك؟
ــ لقد
مات جدي يا مستر جيمس
شعر
مستر جيمس بالحزن أيضا علي حزن صديقه همام وشعر أنه يحمل الكثير من الهموم بداخله ولا
يستطيع أن يمنع الدموع أن تتساقط من مقلتيه.
ــ أنا آسف يا همام وحزين لما حدث لجدك ولكن أنا أعلم
أنك رجل مثقف ومتدين وتعلم أنها تلك النهاية الطبيعية لكل إنسان وليس جدك فقط
ــ أعلم
ذلك مستر جيمس ولكن الصدمة كانت مثل العاصفة الشديدة التي اقتلعتني من جذوري فأصبحت
في مهب الريح
مستر
جيمس: أعلم هذه الشعورية وأدركه جيدا لأنني شعرت به مع موت أبي وهذا كان سببا رئيسيا
في أن أهرب من إنجلترا كلها وأتخصص في علوم المصريات ومرت كل تلك السنوات ولم أذهب
لزيارة العائلة إلا مرات قليلة فأنا أفضل العيش هنا بعيدا عن أي شيء يذكرني بأحزاني
تلك يا همام
ــ وهل استطعت أن تتغلب علي أحزانك مستر جيمس؟
ــ الوقت كفيل بذلك يا صديقي فقد دع الأمور تسير دون
تتدخل منك فقط، فكر فيما هو قادم ولا تفكر فيما حدث بالأمس
ــ نعم مستر جيمس أنت محق في هذا
ــ إذن فلتخبرني بما حدث من حبيبتك خنتكاوس أيها الولد
الشقي
ابتسم
همام بل كاد أن يضحك بصوت عال قائل:
ــ لم
أفعل شيء مستر جيمس ولكن جدي قبل أن يتوفى أخبرني بالكثير لكي أقصه عليك مرة أخرى لعلك
تجد تفسيرا لما يحدث فأنا لا أثق في مشورة أحد سواك مستر جيمس
بالفعل
صمت مستر جيمس لينصت إلي همام ليستوعب كل شيء يرويه همام له فبدأ همام يقص عليه ما
أخبره به جده بما فعله الجد الأكبر ومحاولة سرقة التماثيل الثلاثة ثم تلك الليلة المشؤومة
وموت أبيه حتى انتهى المطاف إلى وجود تلك التماثيل الثلاثة في حوزته ولا يعرف ماذا
يفعل بهم.
صمت
مستر جيمس كأنه يريد أن يستوعب ما قاله همام له لأنه بالنسبة له خارج نطاق العقل والمنطق
ولو أن شخصا ما قد قص عليه تلك الرواية كان قد اتهمه بالجنون والكذب
ــ لماذا
كل هذا الصمت مستر جيمس؟
ــ فقط أحاول أن أستوعب كل تلك الأحداث لكي أحاول أن
أفهم ماذا يدور في قريتك يا همام
ــ وهل توصلت لشيء من تلك الرواية يا مستر جيمس؟
ــ دعنا نتتبع الأحداث سويا ونفكر بصوت عال ربما نستطيع
نفهم ونجد إجابة لبعض تلك التساؤلات
ــ مثل
ماذا مستر جيمس؟
ــ في
بداية الأمر ما حدث في تلك الليلة شيء مهم فالملكة خنتكاوس قد تشكلت في هيئة طائر ضخم
في تلك الليلة القمرية وهذا يعني أنها ربما تكون في أقوى حالاتها أو العكس وربما كان
هذا الساحر يظن أنه يستطيع أن يفعل ما فعله لأن روحها وقدرتها تكون ضعيفة في الليالي
القمرية وهذا كان الخطأ الفادح الذي أودي بحياته وحياة من معه
ــ نعم مستر جيمس هذا تحليل منطقي وجيد
ــ إذن لو كانت خنتكاوس تملك كل تلك القدرات لماذا لم
تستطع استرداد تلك التماثيل من القرية؟
ــ ربما لا تستطيع ذلك لأن تلك التماثيل مصدر قوتها
وسحرها ولذلك لا تستطيع القيام بذلك
ــ كلام جيد يا صديقي ولكن لماذا لم يحاول جدك أو أهل
القرية إعادة التماثيل إلي ذلك الكهف ولماذا حاول أبوك أن يفعل ذلك؟
ــ في الواقع لا أعلم لماذا ولا أعلم لماذا لم يعد أبي
من الجبل وماذا حدث له هناك
ــ إذن هنالك حلقة مفقودة في تتبع تلك الرواية فنحن
لا نملك إجابة واضحة لعدم عودة التماثيل إلي الكهف وموت أبيك الغامض
أكمل
مستر جيمس حديثه إلى همام قائلا:
ــ المشكلة
هنا يا همام أن رواية جدك أو ما وجدناه داخل الكهف لا يخبرنا بكيفية إعادة تلك التماثيل
إلي الملكة خنتكاوس وكيفية أن نعالج مشكلة اللعنة التي أصابت قريتكم
ــ نعم يا مستر جيمس فلم يخبرني جدي بشيء يخص كيفية
إبطال تلك اللعنة التي أصابت القرية
ــ صديقي همام هنالك شيء لم نفكر به
ــ وما هو ذلك الشيء الذي لم نفكر به؟
ــ لماذا سمحت الملكة خنتكاوس لك بالذهاب والصعود إلى
الجبل ولم تمنح أحد آخر من القرية هذه الميزة؟
ــ لا أعلم لماذا فعلت ذلك معي؟
ــ اعتقد يا همام أن خنتكاوس تركت لك مهمة استرجاع تلك
التماثيل الثلاثة إلي الكهف لتستعيد قدرتها مرة أخرى وأنها سمحت لك بالصعود إلي الجبل
لكي تعلم أنها تريد ذلك منك
ــ هذا منطقي أيضا بالنسبة لي ولكن السؤال الأهم الآن
كيف نعيد تلك التماثيل إليها مرة أخرى؟
ــ أعتقد أن لا بد من أن تصعد إلي الجبل ومعك التماثيل
الثلاثة ولكن عامل الوقت هنا ضروي لكي تنجح في ذلك يا صديقي
ــ كيف ذلك يا مستر جيمس؟
ــ انتظر
عندما تأتي الليالي القمرية اصعد إلي الجبل أظن أن هذا هو الوقت المناسب لتلك الملكة
أيضا فربما تستطيع أن تفعل ما لم يفعله أحد من قبل
شعر
همام أنه ربما هذا هو الرأي الصواب أو علي الأقل المنطقي في كل تلك الرواية والتي كل
أحداثها ليس لها علاقة بالواقع أو المنطق وشعر أنه لا بد من أن يعود إلى الجبل مرة
أخرى ولكن تلك المرة مختلفة، لأنه سوف يحمل التماثيل ليعيدها إلي مكانها الأصلي فربما
يعود كل شيء إلي طبيعته مرة أخرى.
الجبل
عاد همام إلي القرية وما زال كلام مستر جيمس يتردد صداه داخل
ذهنه الذي يفكر فيه بطريقة متواصلة حتى كاد أن يشعر أن نهاية كل هذا الجدل والحيرة
سوف تكون الجنون بل سوف يكون مثل تلك المرأة العجوز التي تسير في طرقات القرية وتسكن
في عالمها بالقرب من الجبل.
كان هنالك متسع من الوقت أمام همام لكي يفكر مليا فيما سوف
يفعله أو يقرره فالليالي القمرية سوف تأتي بعد أسبوعين علي الأقل ولكن المشكلة هنا
كيف يخبر والدته أو يقنعها بأنه يجب عليه أن يصعد إلي الجبل فالأم لن تسمح بذلك أبدا
بل ربما لن تسمح له حتى الخروج من المنزل فاللعنة في الواقع لم تصبها ولكنها عاشت طوال
حياتها في ظلال تلك اللعنة فالأم لم تري للسعادة طريقا منذ بداية زواجها فالزوج رحل
دون أن يعود إليها مرة أخرى حيث تركها تعيش في حزنها وآلامها باقي عمرها تحتضن همام
فقط حيث أصبح لها الابن والزوج والأخ كذلك رحيل الجد الذي كان يخفف آلامها ويجفف دموعها
التي كانت تنساب على خديها فلقد رحل الجد أيضا وتركها وحيدة ولم يبق لها من حطام الدنيا
سوي ابنها همام فكيف يستطيع همام أن يخبرها بهذا القرار بأنه لا بد من أن يصعد إلي
الجبل.
قضي همام الكثير من الليالي في التفكير كيف يقنع والدته بهذا
ولكنه وجد أن أفضل طريقة ألا يخبرها بشيء حتى لا تفزع وتحاول أن تمنعه بأي وسيلة للصعود
إلي الجبل
وخاصتا أن بداخله شعورا يراوده بأن تلك الملكة لن تسمح لشيء
أن يؤذيه لأنها لو أرادت ذلك لكانت فعلت ذلك عندما صعد الجبل في أول مرة
إذا لا مجال للتراجع أو أن أحد يعلم بما سيفعله في الوقت
القريب وبدأ همام يجهز لتلك الرحلة فهو لا يعلم هل سيعود منها أم لا ولكن كانت والدته
هي المشكلة الكبرى بالنسبة له فلو حدث له شيء ما ماذا ستفعل من بعده حيث إن العمر قد
تقدم بها وليست كما كانت مثل ذي قبل.
حانت اللحظة المهمة في حياة همام حيث كانت تلك الليلة ليلة
قمرية كما أشار عليه مستر جيمس فأعد حقيبته بها الثلاثة تماثيل ومعه القنديل حيث خرج
من المنزل بهدوء حتى لا تشعر به والدته أثناء خروجه وبالفعل اتخذ همام طريقه نحو الجبل
حيث القمر كان مكتملا وظل همام يتبعه على ضوء القمر كأنه يتبعه أيضا نحو الجبل ليكون
رفيقه في تلك الرحلة الصعبة التي لا يعلم هل ما يفعله ثواب أو خطأ ولكنه كان يسير نحو
الجبل بخطى ثابتة حتى بدأ الصعود إلى الجبل فشاهد الذئاب السوداء تقف علي مسافات قريبة
منه تنظر إليه كأن شيئا ما أمرها أن تفصح الطريق له لكي يصعد إلي الكهف.
بالفعل صعد همام حتى وصل إلى حافة الجبل حيث أثر أن يلقي
نظرة على قريته قبل أن يدخل الكهف لعلها تكون الأخيرة وخاصتا على منزله حيث شعر أنه
كان يريد أن يودع والدته لأخر مرة فربما لن يعود إليها مرة أخرى حتى أن الدموع كادت
تتساقط من عينيه قبل أن يدخل الكهف ولكنة كان التردد ما زال يسكن قلبه
حتى أنه فكر للحظات أنه يجب عليه الهبوط مرة أخرى ليرعى والدته
وينسي نلك التماثيل والملكة ويرحل من تلك القرية للأبد.
أضاء همام القنديل ثم سار داخل الكهف حيث تخطى مدخل المعبد
حتى وصل إلي تمثال خنتكاوس فسلط الضوء علي وجهها حتى يتلمس ملامحها بهدوء قبل أن يخرج
التماثيل ليعيدها مرة أخرى إلى مكانها.
كأن همام يتمنى بداخله أن يكون لذلك التمثال حياة لكي يستطيع
أن يشعر به ويتحدث معها حديثاَ طويل أو ربما تمني أن يولد عندما كانت هي في تلك الدنيا
فربما وجد معها قصة أخرى غير تلك القصة حينما يحدث اللقاء بينهما، فربما تشعر به وبحنينه
إليها وعاطفته التي تزداد كلما تلمس ملامحها الرقيقة.
وضع همام القنديل علي حافة الطاولة وبدأ في فتح حقيبته حيث
أخرج التمثال الأول ببطء حيث وضعه علي تلك الطاولة تم اخرج التمثال الثاني ووضعه علي
الطاولة بالتوازي مع التمثال الأول ثم أخرج التمثال الأخير ووضعه بجوار التمثالين الأخريين
ثم تراجع همام للخلف منتظر ماذا سوف يحدث بعد ذلك حيث شعر بالخوف الشديد وتراجع للخلف
حتى لمست يداه الحائط الذي خلفه.
مرت الدقائق علي همام كأنها الدهر كله حيث كان يسلط الضوء بكل اهتمام نحو التماثيل ليرى ماذا سوف
بحدث لهم علي تلك الطاولة.
بعد دقائق بدأت التماثيل تتحرك ببطء كأنها تتراقص علي تلك
الطاولة حيث أتخذ كل تمثال مكان ووضع معين في هيئة مثلث حيث يتوجه كل تمثال من تلك التماثيل للداخل فالوجوه الخاصة بالتماثيل كانت
تتغير وتتشكل كأنها تماثيل حية وليست مجرد تماثيل من الصخر.
كأن قلب همام بنبض بقوة وبشدة حيث شعر همام أن قلبه سوف يتوقف
من شدة الفزع والحوف لما يحدث أمام عينيه علي تلك الطاولة.
عندما اكتملت حركه التماثيل لتشكل قاعدة مثلث بدأ ضوء قوي
بخرج من رؤوس التماثيل المتقابلة لكي تشكل هيئة هرمية من الضوء الساطع بقوة بلونه الأبيض الزهري كأنه مثل
ضوء الشمس حيث أنار هذا الضوء المكان كله ولم يستطع همام أن ينظر إليه من شدة الضوء
فحاول أن يغطي عينيه بيده حتى لا يصاب بالعمي وفي تلك اللحظة بدأ الشكل الهرمي يكبر
ويزداد في الاتساع حتى بدأ الضوء في الهدوء فشعر همام أن شيء ما يخرج من بين ذلك الضوء
حتى وجد أن الضوء يتشكل أمامه كأنه يجسد ذلك التمثال الخاص بخنتكاوس حتى أصبحت كأنها
أصبحت امرأة حقيقة رائعة الجمال تتشكل من ذلك الضوء الأبيض الزهري حيث يرسم مجال ضوئي
شديد حولها.
تغلب الخوف علي همام ولم يستطع أن يتحمل ما يحدث أمام عينيه
فهذا مستحيل وليس منطقيا فربما كله خيال وأوهام نتيجة الضغط النفسي والعصبي لما صادفه
في خلال تلك الفترة السابقة لكن لا يستطيع أن يكذب ما يحدث أمامه فالخوف والفزع يسيطرون
علي جوارحه حتى أنه كان يسمع خفقات قلبه الشديدة داخل عقله فأغشي عليه من هول ما راه
داخل المعبد وفي قدس الأقداس الخاص بتلك الملكة خنتكاوس.
انتهت
بقلم
الكاتب الدكتور
محمد
عبدالتواب
( الكلمات المفتاحية )
Post a Comment